على أونا

إذا كنت لم تسمع — بعد — بوكيل يدفع لمن يوكله فاصبر قليلًا، غدًا — وما أقرب اليوم من غد — ستتعرف بكثيرين من الذوات الذين يدفعون لي ولك وله لينوبوا عنا ويمثلونا تحت قبة البرلمان تمثيلًا كلي العفة والطهارة … تلك خدمة نصوح يؤدونها لوجه الله تعالى ولا يبتغون منا أجرًا ولا شكورًا.

ضمائر من ورق في جسوم من كرتون، وكيف ترجو بقية حياء في وجوه بلا ماء؟ إذا كان الجفاف يستبشع في أديم الأرض فكيف تكون الوجوه متى قحلت ويبست فيها العيون؟ ولكن الناس يستغبي بعضهم بعضًا متى التقوا، أما متى افترقوا فترفع القدور على المناصب … وإلا فأي رأس فارغ يصدق أن ذلك المرشح الكريم يستهلك رأس المال جملة ليقبض فائدته تفاريق منجمة في أربع سنين — عدا السب والاتهام.
figure

إذا قيل لك: إن ثمن «الصوت» بلغ الألف ليرة في انتخاب مختار فظن خيرًا، وإذا سمعت أن واحدًا طار من إفريقيا إلى لبنان ليرجح كفة الانتخاب، ليس إلا، فصدق أيضًا ولا تظن شرًّا لأن المختار لا معاش له، وهب أن عينه بصيرة فيد المسكين قصيرة. أما إذا قالوا لك: إن فلانًا يدفع عشرات الألوف من الليرات ليفوز بالنيابة ويخدم الشعب فلا تصدق أبدًا. وخير الناس أن يستنيبوا شيطانًا ولا يستنيبوا واحدًا كهذا، والشعب الذي ينتخب رجلًا لأنه أنفق وبذل لهو شعب يفهم الوطنية كما يفهم الكوسا والباذنجان في سوق النورية. أحر به أن لا يكون له نواب لأنه أحقر من أن يشهد عالي الأمر.

عجيب غريب! أذهب الحياء مرة واحدة حتى صرنا نتحدث عن ثروة المرشح كما نتحدث عن رأس مال شركة مغفلة. متى كانت النيابة صفقة تجارية؟ أتدفع لي حتى تنوب عني وتطالب بحقوقي، يا لها من شهامة ليس فوقها شهامة!

حقًّا إن الحب العذري ليس أسطورة كما كنا نظن، ولكن أي حمار يصدقك؟ إنك لتكونن تاجرًا بل دلالًا، ومن يدري إذا كنت لا تهتف في الجلسة بلا وعي: على أونا، على دوِّي …

ربما اغتفر لحزب أو جماعة أو رجل أن يضحوا بشيء من المال ليفوز مرشحهم، أما إن شخصًا يدفع هو، ليفوز هو، ثم يخدم الأمة بصدق ونزاهة فهذا ما أشك فيه …

فإذا كان يعتقد أن الصيت الجيد خير من المال المجموع فها أنا أدله على صيت لا يموت. فليحبس هذه المائة ألف ليرة أو المائتين ويجعل ريعها لمشروع إنساني يحمل اسمه إلى الأبد، وله أن يكون إما نوبل الشرق وإما روكفلره، فدنيا البر والإحسان واسعة.

أما إذا زعم أنه يؤثر خدمة الأمة ثم أصر على هذا الهيام والغرام فقولوا له: أنت تاجر تدفع التسعة لتقبض العشرة … وكل مشتر بياع.

١٦  /  ٢  /  ٥١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤