الفصل الثامن عشر

خطاب من دكتور جيكل

أخرج أترسون المظروف من خزنته، وجلس بتؤدة ثم بدأ يقرأ قصة دكتور لانيون:

قبل أربعة أيام، أي في التاسع من يناير/كانون الثاني، تسلمت في المساء خطابًا مسجلًا من صديقي القديم دكتور هنري جيكل. ذُهلت أيما ذهول لأننا لم نتبادل الخطابات من قبل. وكنت قد رأيته الليلة السابقة لتسلم الخطاب ولم أتوقع هذا التواصل السريع. ولم أتصور قط ما هذا الأمر البالغ الأهمية. زاد فضولي بعد قراءة الخطاب الذي كان مسطرًا هكذا:

عزيزي لانيون،

أنت واحد من أقدم أصدقائي، وعلى الرغم من الاختلافات التي وقعت بيننا من وقت قريب حول المسائل العلمية، فإني على ثقة من أن ما بيننا من مشاعر الود لم تمس بسوء. وأنا على يقين من أنك تعرف أنني لن أتوانى لحظة عن المجيء لإنقاذك، وإنما سأهرع إلى جانبك في الحال. يا لانيون، إن حياتي، وسمعتي، وسلامتي العقلية، جميعها تحت رحمتك. إذا خذلتني الليلة فسأضيع. قد ترتاب في أنني سأطلب منك أن تفعل شيئًا مخزيًا، لكن احكم أنت بنفسك.

أسألك أن ترجئ كل مهامك الليلة — حتى لو ظهر أمر طارئ — وتحضر هذا الخطاب إلى منزلي. وقد أعطيت أوامري لخادمي؛ ستجده بانتظارك ومعه صانع أقفال. أريد منك أن تقتحم مكتبي، وما إن يُفتح الباب، ادخل بمفردك. انتزع الدرج الأقصى من جهة اليسار من خزنة الأدوية، ستجده مليئًا ببعض المساحيق والقوارير. أنا في حالة هلع شديد وأخشى أن أسيء توجيهك بطريقة أو بأخرى. لذا، من فضلك خذ الدرج بأكمله بكامل محتوياته معك. خذه إلى منزلك، ولسوف أرسل شخصًا ليأخذه منك.

يتعاظم قلقي بشأن الوقت؛ إذا اتجهت إلى منزلي بعد تسلمك هذا الخطاب مباشرة، من المفترض عندئذ أن تصل هناك قبل منتصف الليل. هناك احتمال أيضًا أن تتأخر لسبب أو آخر، لذا من الأفضل أن أمنحك المزيد من الوقت. أرجوك أن تكون بمفردك عند منتصف الليل وتأكد من عدم وجود أي خدام على مقربة منك. وحينئذ عند منتصف الليل سيأتيك شخص يقدم نفسه لك باسمي. من فضلك أعطه الدرج الذي انتزعته من مكتبي. وعندئذ سينتهي دورك. إذا أردت أن تفهم المزيد، فسينكشف لك كل شيء في الدقائق الخمس التالية.

لن أستطيع تحمل مجرد فكرة أنك قد ترفض تلبية طلبي. أنا في حالة تشويش شديدة وغارق في الهلع. حاول أن تتخيل حالي في هذه الساعة في مكان غريب غارقًا في اليأس. أعرف أنني أطلب منك الكثير، لكن استعدادك لمساعدتي سيكون له تأثير السحر على معنوياتي.

صديقك
هنري

أكد لي هذا الخطاب أن دكتور جيكل قد جُن، لكن لم يكن بمقدوري المجازفة، إذ كنت على دراية بأنني لا بد أن أنزل عند رغبته. لم أستطع أن أكوّن رأيًا نظرًا لأنني لم أكن على دراية بكافة التفاصيل. وفوق كل شيء، ثمة صديق في احتياج شديد. وعليه فعلت كما هو مكتوب وتوجهت مباشرة إلى منزل جيكل، فكان خادمه بانتظاري ومعه صانع الأقفال. وكان خادمه أيضًا قد تسلم خطابًا مسجلًا من جكيل. شرعنا في العمل لتونا. استغرق الأمر بعض الوقت، لكن صانع الأقفال نجح أخيرًا وفتح باب المكتب. انتزعت الدرج الثاني من جهة الشمال كما طلب جيكل.

حالما وصلت منزلي، تفقدت محتويات الدرج الذي كان مليئًا بالمساحيق والقوارير كما ذكر في خطابه. وكان جليًّا لي أن هذه المواد الكيميائية هي من صنع جيكل. ولم أعرف أيًّا منها. بدا المسحوق شكلًا من أشكال الملح، أما القوارير فقد كانت مليئة بسائل أحمر له رائحة غريبة، تكاد تكون حلوة للغاية. لم أستطع أن أخمن أسماء المواد الكيميائية الأخرى، جميعها كانت غريبة للغاية. وكان كل ما عليّ فعله الآن هو الانتظار، وفي النهاية سيأتي هذا الرجل ليأخذ الدرج. ولم أستطع أن أفهم ما علاقة هذه المواد الكيميائية بصحة جيكل وسلامته العقلية. كل هذا أقنعني أكثر من أي وقت مضى بأن جيكل مجنون. أرسلت خادمي إلى فراشه، وانتظرت زائر منتصف الليل في مختبري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤