الفصل التاسع عشر

زيارة من غريب

دقت الأجراس في تمام الساعة الثانية عشرة تقريبًا عندما ظهر الغريب على بابي. سألته هل دكتور جيكل هو من أرسله، رد بالإيجاب، لذا دعوته إلى الدخول. كان ينظر وراءه كي يتأكد أنه ما من أحد رآه من الشارع. بعدها بلحظات مرّ شرطي بمنزلي، فلاحظت أن هذا الرجل أخذ يراقبه من نافذتي إلى أن رحل.

أقلقتني هذه التفاصيل، فتعجبت أي رجل هذا الذي أرسله جيكل إلى منزلي. فكرت في أن أفضل شيء هو أن أنهي هذه المهمة الكريهة في أسرع وقت ممكن، فتقدمته إلى مكتبي حيث تركت الدرج.

أنعمت النظر في هذا الرجل الذي كان قصيرًا ويرتدي معطفًا ثقيلًا، فكان وجهه هو أكثر ما يلفت الانتباه، الكلمة الوحيدة التي أستطيع أن أستخدمها لوصفه هي أنه كريه، فما إن وقعت عيناي على وجهه حتى انتابني توتر شديد للوهلة الأولى. غير أنني كنت شديد الفضول، ربما لأني طبيب، لكنني لم أستطع أن أدير نظري بعيدًا. لماذا هالني مظهره البدني بهذه القوة؟

استغرقت بعض الوقت في كتابة هذه الملاحظات التي لم تأخذ سوى لحظات في الواقع. تحركنا بسرعة من الردهة الأمامية إلى المكتب، فيما كان الرجل في لهفة شديدة للحصول على الدرج.

صرخ الرجل: «هل أحضرت الدرج؟ هل أحضرت الدرج؟» وكان نافد الصبر حتى إنه أخذ يهزني.

دفعته بعيدًا عني خطوة أو خطوتين وقلت: «على رسلك يا سيدي! لقد نسيت أنني لم أتشرف بمعرفتك بعد. تفضل بالجلوس من فضلك.» وأجلست نفسي، باذلًا قصارى جهدي كي أبدو طبيعيًّا أمامه. ولا أعرف بالضبط لماذا أرجأت إعطاءه الدواء. ربما غلبني فضولي، إذ أردت أن أرى كيف سيكون رد فعله.

رد الرجل في تأدب بما يكفي: «ألتمس عفوك يا دكتور لانيون. أعرف أنني نافد الصبر، لكنني جئت بناء على طلب من صديقك الطيب دكتور جيكل. ولا أحب أن أجعله ينتظر.» انقطع الرجل عن الكلام ووضع يده على حلقه. وبالرغم من رباطة جأشه، استطعت أن أرى أنه كان على وشك البكاء. ثم قال في عجالة: «أعرف ... أنه يفترض أن أسترجع ... أحد الأدراج.»

أشفقت على زائري. لا، بل ربما كنت أكثر انشغالًا بإرضاء فضولي. يصعب أن أقول هذا في هذه اللحظة بعد كل المعلومات التي أعرفها الآن.

قلت له وأنا أشير إلى حيث الدرج موضوع على الأرض: «ها هو يا سيدي.»

اندفع الرجل نحوه. ثم توقف ووضع يده على قلبه. وسمعت صرير أسنانه القوي. انتزع الغطاء، ولدى رؤيته المحتويات، أطلق تنهيدة ارتياح كبيرة حتى إنني جلست مرتعدًا. وصُدمت حينما طلب بعدها بلحظة مخبار قياس.

نهضت من مكاني بشيء من الجهد وكان له ما طلب.

شكرني بإيماءة باسمة، ثم مضى قدمًا في مزج جرعة من السائل الأحمر بالملح الغريب. وفيما امتزجت المكونات معًا، اتخذ الخليط لونًا فاتحًا، ثم بدأ الدخان والفقاقيع تتصاعد منه، ثم تحول لونه إلى لون أرجواني داكن ثم هدأ. وأخيرًا بهت لونه إلى لون أخضر مائي. راقب الزائر كل مرحلة بعين ثاقبة. ابتسم الرجل ثم وضع الكوب على الطاولة. وعندئذ استدار ونظر إليّ في جدية.

قال الزائر: «والآن، هل ستكون حكيمًا؟ هل ستطلب مني أن أغادر منزلك بهذا الكوب دون مزيد من النقاش؟ أم أنك شديد الفضول الآن؟ فكر مليًّا قبل أن تقرر. إذا اخترت، بمقدوري أن أرحل، أما أنت فستخسر إثارة هذه التجربة وحكمتها، أو أن أمكث وعندئذ سينفتح لك عالم جديد من الفهم، عالم يصعب عليك أن تتخيله في هذه اللحظة.»

حاولت أن أبدو لطيفًا وهادئًا، مع أنني لم أكن كذلك بالمرة، وكان من الواضح أنه يحاول أن يتحداني، ويسألني هل أنا شجاع بالدرجة التي تمكنني من أن أرى القصة حتى النهاية. أجبته: «سيدي، لقد قطعت شوطًا طويلًا في هذا الأمر الغريب، فلا يمكن التراجع الآن، لا بد أن أرى النهاية.»

قال: «حسنًا. فقط تذكر أنه اختيارك أنت. تذكر أنني منحتك الفرصة كي تظل بعيدًا عن هذا. لقد عشت زمنًا طويلًا بمثل هذه الآراء المحدودة حتى إنك لا تستطيع أن تدرك أوجهًا من العلوم والعجائب تحيط بك. انظر!»

حينئذ وضع الكوب عند شفتيه وتجرعه في رشفة واحدة، ثم صرخ صرخة أخذ بعدها يتهادى ويترنح، وعندئذ أحكم قبضته على الطاولة وتماسك وهو يحدق بعينين غائمتين. وفيما كنت أشاهد ما يجري، حدث تغير في هيئته؛ بدا أنه ينتفخ، وأخذ وجهه يتغير. في اللحظة التالية وثبتُ على قدميَّ وقفزت للخلف نحو الجدار، ووجدت نفسي أرفع ذراعي أمام عيني كي أحمى نفسي من هذا المنظر. كان ذهني يسبح في هلع ورعب.

صرخت مرارًا وتكرارًا: «لا، لا» عندما انتصب أمام عينيّ هنري جيكل شاحبًا ومرتجفًا وشبه فاقد الوعي!

أما ما ذكره لي على مدار الساعة التالية فلا يمكنني أن أحمل نفسي على تكراره، لقد رأيت ما رأيت وسمعت ما سمعت، واعتلت روحي منه. ومع أنه لا يقف أمامي الآن، فإنني ما زلت أتعجب هل كان هذا حقيقيًّا، يبدو أمرًا غريبًا إلى حد بعيد. لا يمكنني الإجابة عن هذا. تزعزت أساسات حياتي، وفارقني النوم، ولازمني الرعب الشديد ليل نهار. أي صوت يجعلني أنتفض من مكاني، وأرتعد من الظلال والظلام. أشعر أن أيامي في الحياة معدودة، وأنني سأموت لا ريب. عبر جيكل عن ندمه وحزنه — بل ذرف الدمع أيضًا — غير أنني أرتاب في أن هذا كافٍ. لن أقول سوى شيء واحد سيكون كافيًا يا أترسون، الكائن الذي زحف إلى منزلي في تلك الليلة، بناء على اعتراف جيكل نفسه، هو شخص معروف باسم هايد وهو مطلوب في كل ركن من أركان الأرض باعتباره قاتل سير دانفرز كارو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤