الفصل الثامن

مستقبل البحث في الماضي

الانقراض الطباشيري-الثلاثي: نهاية الديناصورات

منذ العقود الأولى في القرن التاسع عشر، عُرِفَ أن مجموعات مختلفة من الكائنات كانت لها السيطرة والسيادة في فترات مختلفة من تاريخ الأرض، وكانت الديناصورات إحدى أبرز هذه المجموعات. وقد أكَّدت الدراساتُ الحفرية باستمرار على عدم إمكانية العثور على أي ديناصور على الإطلاق في صخور أحدث من نهاية العصر الطباشيري (منذ ٦٥ مليون سنة تقريبًا). في الواقع، أصبح من المعروف أن نهاية العصر الطباشيري، المؤدِّية إلى العصر الثلاثي (فيما يُشار إليه عالميًّا في الوقت الحالي باسم الفاصل الزمني بين العصرَيْن الطباشيري والثلاثي)، شهدَتْ تغيُّرًا كبيرًا؛ فقد انقرضت أنواع كثيرة وحلَّت محلها في أوائل العصر الثلاثي مجموعةٌ متنوعة من أشكال الحياة الجديدة؛ ومن ثمَّ يبدو أن الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي يمثِّل علامةً فاصلةً في الحياة وشهدَ حدوثَ انقراض ضخم. كان من بين الأنواع التي أصبحت منقرضةً في هذا الوقت، الديناصوراتُ الخرافية الموجودة على سطح الأرض، التي ظهر منها كثيرٌ من الأنواع المختلفة في أواخر العصر الطباشيري، وكثيرٌ من الكائنات البحرية التي تتراوح بين الزواحف البحرية العملاقة (الموزاصورات والبَلصورات والإكتيوصورات)، والأمونيتات المتوافرة بكثرة، بالإضافة إلى كمٍّ هائل من الكائنات الطباشيرية البلانكتونية، في حين اختفت من الهواء وإلى الأبد الزواحفُ الطائرة (التيروصورات) والطيورُ التي من عائلة الإنانتيورنيثين.

من الواضح أنه كان لا بد من محاولة فهم السبب وراء هذه الخسارة الفادحة لشكل مهم من أشكال الحياة في ذلك الوقت. كما كان الجانب الآخَر من هذا السؤال العام على القدر نفسه من الأهمية: لماذا بقيت بعض الكائنات على قيد الحياة؟ ففي النهاية، نَجَتِ الطيور الحديثة، وكذلك الثدييات والسحالي والثعابين والتماسيح والسلاحف والأسماك ومجموعة كاملة من الكائنات البحرية، هل كان هذا مجرد حظٍّ؟ حتى عام ١٩٨٠، تفاوَتَ معظم النظريات التي طُرحت لتفسير حالات الانقراض والبقاء التي حدثت بين العصرين الطباشيري والثلاثي؛ بين نظريات عظيمة وأخرى تافهة.

دارت واحدةٌ من أكثر النظريات رسوخًا في الفترة السابقة على عام ١٩٨٠، حول دراسات مفصَّلة عن التكوين البيئي لأقرب المناطق الزمنية إلى الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي. أشار إجماعُ الآراء إلى حدوث تحوُّلٍ بشكل تدريجي إلى ظروف مناخية متغيِّرة/موسمية على نحوٍ أكبر في نهاية العصر الطباشيري، وانعكس هذا في انخفاض أعداد الحيوانات والنباتات الأقل قدرةً على التكيُّف مع الظروف المناخية الأكثر إجهادًا. ارتبط هذا — على نحوٍ غير قاطع إلى حدٍّ ما — بالتغيُّرات التكتونية التي حدثت قُرْبَ نهاية العصر الطباشيري؛ وضمَّتْ هذه التغيُّراتُ ارتفاعًا ملحوظًا في مستوى سطح البحر، وزيادةً كبيرةً في انفصال القارات؛ ومن ثَمَّ، ساد الانطباعُ العام بأن شكل العالم كان يتغيَّر ببطء، وانتهى هذا أخيرًا بالتحوُّل الهائل في الحياة الحيوانية والنباتية. ومن الواضح أن مثل هذه التفسيرات تقتضي جدولًا زمنيًّا أطول من أجل وقوع حدث الانقراض، لكن نقطة الضعف هي أن هذا لم يكن يفسِّر بالقدر الكافي التغيُّراتِ المتزامنةَ التي حدثت في الكائنات البحرية. وفي ظل غياب بيانات أفضل جودةً، احتدمَتِ النقاشات وخَبَتْ دون التوصُّل إلى جزم واضح.

في عام ١٩٨٠، حدثت ثورةٌ في هذا المجال البحثي بالكامل على يد عدد من الأشخاص، من بينهم عالِمُ فلكٍ يُدعَى لويس ألفاريز؛ كان ابنه والتر — الاختصاصي في علم الدراسة الحيوية للحفريات — يدرس التغيُّراتِ في تنوُّع العوالق في الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي، وبَدَا من المنطقي أن يفترض أن الفترة بين نهاية الطباشيري وأوائل الثلاثي، ربما تمثِّل ببساطةٍ فترةً طويلة بعض الشيء من الزمن «المفقود»؛ فتمثِّل بذلك فجوةً حقيقية في تتابُع السجل الحفري. ولمساعدة والتر في دراساته عن التغيُّرات في العوالق في هذه الفترة المهمة من تاريخ الأرض، اقترح لويس أن يقيس مقدار الغبار الكوني المتراكم في رواسب هذا الفاصل، حتى يتمكَّن من تقدير مدى هذه الفجوة الجيولوجية المزعومة. وصدمت نتائجُهما عالَمَ الدراسات الحفرية والجيولوجية على حدٍّ سواء؛ إذ اكتشفَا أن طبقة هذا الفاصل، التي تمثَّلت في شريط رفيع من الطمي، احتوَتْ على كميات ضخمة من الحطام الكوني الذي لا يمكن تفسيرُه إلا باصطدام نيزك ضخم واختفائه على الفور عقب حدوث الاصطدام؛ وقد قدَّرَا أن قُطْر هذا النيزك ما كان ليقل عن ١٠ كيلومترات على الأقل. وبالتفكير في تأثير اصطدام مثل هذا النيزك العملاق، اقترحَا أيضًا أنه ربما قد غطَّتِ الأرضَ بالكامل سحابةٌ هائلة من الحطام (تحتوي على بخار الماء وجزيئات الغبار)، ظهرت عقب الاصطدام واستمرت لفترة طويلة من الوقت، ربما لعدة أشهر أو حتى سنة أو سنتين؛ وربما أدَّتْ تغطيةُ الأرض على هذا النحو إلى إيقاف عملية التمثيل الضوئي لدى النباتات الأرضية والعوالق، وأدَّت في الوقت نفسه إلى انهيار النُّظُم البيئية الأرضية والمائية. وهكذا، بضربة واحدة، بَدَا أن عائلة ألفاريز وزملاءهم قد توصَّلوا إلى تفسير موحَّد لحدث الانقراض الذي وقع في الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي.

كحال كل النظريات الجيدة، نتج عن فرضية الارتطام كَمٌّ هائل من الأبحاث؛ فطوال فترة الثمانينيات من القرن العشرين، تمكَّنت مجموعاتٌ متزايدة من الباحثين من العثور على الحطام الكوني، وإشاراتٍ للارتطام العنيف في رواسب تنتمي إلى الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي من جميع أنحاء العالم. وفي أواخر فترة الثمانينيات من القرن العشرين، اتجه اهتمامُ عدد من العمَّال نحو منطقة الكاريبي؛ فقد أظهرت التقاريرُ أن الرواسب المتراكمة الموجودة على بعض جزر الكاريبي، مثل هاييتي، التي تنتمي لهذا الفاصل، لا تظهر فيها فقط إشارةٌ للارتطام، وإنما توجد فوقَها مباشَرةً طبقةٌ ضخمة سميكة من البريشيا؛ وهي عبارة عن كتل متكسِّرة من الصخور الْتَصقت معًا. حثَّ هذا، بالإضافة إلى السُّمْك الهائل لطبقة حطام النيزك وصفاتها الكيميائية، على اقتراح أن هذا النيزك سقط في مكانٍ ما في مياه البحر الضحلة في هذه المنطقة. وفي عام ١٩٩١، صدر إعلانٌ عن اكتشاف الباحثين حفرةً ضخمة نتجت عن ارتطام النيزك تحت سطح الأرض في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، وأطلقوا عليها اسم «تشيكسولوب». غطَّت هذه الفوهةَ رواسبُ عمرها ٦٥ مليون سنة، ولم يكن من الممكن رؤيتها إلا من خلال دراسة الأصداء الزلزالية للقشرة الأرضية (يشبه إلى حدٍّ ما مبدأ استخدام الرادار تحت سطح الأرض). بَدَا أن عرْضَ الفوهة يبلغ ٢٠٠ كيلومتر تقريبًا، وتزامنَتْ مع تكوُّن طبقة الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي؛ وبهذا تأكَّدَتْ نظريةُ ألفاريز بشكل جليٍّ.

منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، تحوَّلَتْ دراسة حدث الانقراض الذي وقع بين العصرين الطباشيري والثلاثي، بعيدًا عن الأسباب — التي بَدَا في هذا الوقت أنها قد أُقِرَّت — إلى محاولة ربط حالات الانقراض التي حدثت في هذا الوقت بحدث كارثي واحد. إن أوجهَ الشبه بين هذا الحدث وبين الجدل الدائر حول الشتاء النووي واضحةٌ للغاية. وقد ألقَتْ أوجهُ التطور في النمذجة الحاسوبية، مقرونةً بمعرفة التكوين الكيميائي المحتمَل للصخور «المستهدفة» (رواسب مياه البحر الضحلة) وسلوكها تحت صدمة الضغط المرتفع؛ الضوءَ على المراحل الأولى من الارتطام وآثاره البيئية. ففي يوكاتان، ربما ارتطَمَ النيزك بقاع البحر الذي كان بطبيعة الحال غنيًّا بالماء والكربونات والكبريتات، وقد أَطلق هذا نحو ٢٠٠ جيجاطن من كلٍّ من ثاني أكسيد الكبريت وبخار الماء في طبقة الستراتوسفير. وتشير نماذج الارتطام القائمة على التكوين الهندسي للفوهة نفسها، إلى أن الارتطام كان مائلًا ومن جهة الجنوب الشرقي، وقد ركَّز هذا المسار الغازات الناتجة نحو أمريكا الشمالية؛ ويشير السجل الحفري بالتأكيد إلى أن حالات انقراض النباتات كانت شديدةً في هذه المنطقة، لكن لا بد من إجراء المزيد من الأبحاث في الأماكن الأخرى قبل التأكُّد من صحة هذا النمط. أشارت أبحاث ألفاريز وغيره عن تأثير الاصطدام إلى أن الغبار والسُّحُب أغرقَا العالَمَ في ظلمةٍ أدَّت إلى التجمُّد. وعلى الرغم من أن النماذج المُعدَّة بواسطة الكمبيوتر عن الظروف الجوية، تشير حاليًّا إلى أنه في خلال بضعة أشهر بدأت مستوياتُ الضوءِ ودرجاتِ الحرارة تعود إلى سابق عهدها، بسبب الخمول الحراري للمحيطات، والسقوط المستمر لموادَّ جسيميةٍ من الغلاف الجوي، لكن للأسف، لم تتحسَّن الأمورُ لوقت طويل؛ لأن اختلاط ثاني أكسيد الكبريت مع الماء في الغلاف الجوي قد أنتج ضبابًا من حمض الكبريتيك، وقد أدَّى هذا الضباب إلى انخفاض شديد في مقدار ضوء الشمس الواصل إلى سطح الأرض لمدة تتراوح بين ٥ و١٠ سنوات. وكان لهذا الضباب تأثيرٌ مزدوج على الأرض تمثَّلَ في تبريدها إلى ما يقترب من درجة التجمُّد وإغراق سطحها بمطر حمضي. من الواضح أن هذه التقديرات قائمة فقط على النماذج المُعدَّة بواسطة الكمبيوتر، التي ربما تكون عرضةً للخطأ؛ ومع هذا، لو كانت صحيحةً جزئيًّا لَأصبح المدى العام لاختلاط الآثار البيئية التي أعقبَتِ الارتطامَ مدمِّرًا بالفعل، وقد يكون بالفعل مسئولًا عن العديد من جوانب انقراض أشكال الحياة الأرضية والبحرية، الذي يميِّز نهايةَ العصر الطباشيري. ويبقى العجيب في الأمر إلى حدٍّ ما هو نجاة أي شيء على الإطلاق من هذه الظروف المدمِّرة.

اضطرابات

بينما ركَّزت الأبحاث في السنوات الأخيرة على شرح الآثار البيئية لنيزك ضخم على النُّظُم البيئية العالمية، لا تزال الأبحاث مستمرةً في موقع «تشيكسولوب»؛ فقد وصل حاليًّا ثقبُ حفر رئيسي داخل الفوهة إلى عُمق ١٫٥ كيلومتر، من أجل إجراء فحص مفصَّل لمنطقة الارتطام. وما بدأ يتكشَّف حاليًّا يُحدِث إرباكًا طفيفًا في النمط العام المشروح آنفًا؛ فتشير مجموعةٌ من التفسيرات الموضوعة لبيانات اللبِّ، إلى أن فوهة الارتطام هذه ربما تكون قد تكوَّنت «قبل» ٣٠٠ ألف عام من الفاصل الزمني بين العصرين الطباشيري والثلاثي؛ تمثِّل هذه الفترةَ رواسبُ سُمْكُها نحو ٠٫٥ متر. وقد استُخدِم هذا الدليل في اقتراح أن الحادث الذي وقع في نهاية العصر الطباشيري لم يتركَّز في اصطدام واحد ضخم للنيزك، وإنما في عدد من حوادث الارتطام الضخمة التي وقعت حتى وقت الحد الزمني الفاصل؛ وربما تسبَّبَ التأثيرُ التراكمي في نمط حالات الانقراض.

من الواضح أن هذه الاكتشافات الجديدة تشير إلى أن السنوات القادمة ستشهد بالتأكيد مزيدًا من الأبحاث ومزيدًا من الجدل؛ من أهم هذه الاكتشافاتِ البياناتُ المتعلِّقة بالنشاط البركاني الهائل الذي تزامَنَ مع أحداث نهاية العصر الطباشيري. تمثِّل أجزاءٌ من الهند، تُعرَف باسم إقليم الدكن، سلسلةً ضخمة من الفيض البازلتي قُدِّر أنها تبلغ ملايين الكيلومترات المكعبة. وما زال لم يتأكَّد بعدُ التأثيرُ البيئي لهذه التدفُّقات البركانية الهائلة، وهل كانت ترتبط على أيِّ نحوٍ بالارتطام النيزكي الذي حدث في الجانب الآخَر من العالم.

إن حالات الانقراض الجماعي هي علامات فاصلة مذهلة في تاريخ الحياة على الأرض، ولا عجبَ إنْ كان تحديد السبب الفعلي الذي أدَّى إليها أمرًا بالغَ الصعوبة.

أبحاث الديناصورات حاليًّا وفي المستقبل القريب

لا بد أن يكون قد اتضح الآن أن مادةً مثل الدراسة الحيوية للحفريات — بالتأكيد نظرًا لتطبيقها حاليًّا على كائنات مذهلة مثل الديناصورات — تنطوي حتميًّا على جانبٍ لا يمكن توقُّعه. فيمكن التخطيط لكثير من البرامج البحثية في علم الدراسة الحيوية للحفريات — وتكون بِنيتها بالفعل مُرضيةً فكريًّا — من أجل دراسة قضايا أو مشكلات معينة، وهذا أمر طبيعي في العلوم كافة. إلا أن المصادفة تلعب أيضًا دورًا مهمًّا؛ فقد تقود البحثَ في اتجاهات غير متوقَّعة لم يكن من الممكن التنبُّؤ بها من البداية. كذلك قد يتأثَّر هذا العِلم على نحوٍ بالغ بالاكتشافات الحديثة المذهلة؛ فلم يكن أحدٌ في أوائل تسعينيات القرن العشرين بإمكانه أن يتوقَّع اكتشافات «الديناصور الطائر» المذهلة، التي حدثت في الصين في عام ١٩٩٦ واستمرت حتى يومنا هذا. كذلك يلعب التقدُّم التكنولوجي في علوم الفيزياء والأحياء دورًا بحثيًّا متزايدَ الأهمية؛ إذ يسمح لنا بدراسة الحفريات بطرقٍ لم تكن متوقَّعةً منذ بضع سنوات فقط.

من أجل الاستفادة من كثيرٍ من هذه الفُرَص، من المهم وجود أناس يشتركون في عدد من الصفات، أهمها أن يكون لديهم اهتمام مستمر بتاريخ الحياة على الأرض، وأن يتَّسِموا بطبيعة فطرية فضولية، كما أنهم يحتاجون إلى بعض التدريب في نطاق واسع للغاية من المجالات. وفي حين لا يزال من المهم أن يفكِّر العالِمُ بإبداع ويعمل بدرجة معينة من العزلة، تزداد أهميةُ وجود فِرَقٍ متعدِّدة التخصُّصات من أجل تطبيق كَمٍّ أكبر من المهارات في كل مشكلة، أو كل اكتشاف جديد، بهدف استخلاص المعلومات التي من شأنها أن تدفع العلمَ قليلًا إلى الأمام.

وفي الختام …

إنَّ رسالتي بسيطة نسبيًّا، فنحن البشر نستطيع ببساطة تجاهُلَ تاريخ الحياة على سطح الأرض، الذي يمكن فهمه — على الأقل جزئيًّا — من دراسة الحفريات. وبالفعل يعتنق الكثيرون مثل هذه الأفكار، لكن لحُسن الحظ، يمكنني القول إن بعضًا منَّا لا يعتنقها؛ فقد سار موكب الحياة طوال ٣٦٠٠ مليون سنة مضت، وهي فترة طويلة من الوقت على نحوٍ مذهلٍ. ونحن البشر نسيطر حاليًّا على معظم النُّظُم البيئية، على نحوٍ إما مباشِرٍ وإما غير مباشِرٍ، لكننا لم نبلغ هذه المكانة إلا خلال العشرة آلاف عام الأخيرة من عُمر الحياة على الأرض؛ فقبل ظهور الجنس البشري، كانت السيطرةُ في يد مجموعة كبيرة من الكائنات، وكانت الديناصورات بعضَ أفراد هذه المجموعة، وقد كانت — إلى حدٍّ ما — دون قصدٍ بمنزلة أوصياء على الأرض التي سكنوها. ويسمح لنا علمُ الدراسة الحيوية للحفريات بتعقُّب أجزاء من تلك الوصاية.

والسؤال الأشمل هنا هو: هل يمكننا التعلُّم من خبرات الماضي، واستخدامها لتساعدنا في الحفاظ على أرضٍ صالحةٍ للحياة حتى ترثها الأنواعُ الأخرى عندما نموت نحن في النهاية؟ إنها مسئولية رهيبة في ظل التهديدات العالمية الحالية التي يفرضها النموُّ المطرد للسكان، وتغيُّرُ المناخ، والتهديدِ الذي تمثِّله الطاقةُ النووية. فنحن أول نوع على الإطلاق يوجد على سطح هذا الكوكب لديه القدرةُ على إدراك أن الأرض ليست مجرد «الوقت الحاضر» فحسب، وإنما لها تاريخ عميق، وآمل حقًّا ألَّا نكون آخِرَ نوع لديه هذه القدرة. إن الشيء الوحيد الذي يمكننا التأكُّد منه — بعد دراستنا ازدهارَ الأنواع وتراجُعَها على مدى السجل الحفري الضخم — هو أن الجنس البشري لن يبقى إلى الأبد.

لقد ظهر الإنسان العاقل الذي ننحدر منه منذ نحو ٥٠٠ ألف سنة، وربما يستمرُّ نوعُنا مليونَ سنة أخرى، أو ربما حتى ٥ ملايين سنة — هذا إذا حالفنا النجاح (أو الحظ) بدرجة فائقة للغاية — لكننا في النهاية سنندثر كما اندثرت الديناصورات تمامًا، وهذا المصير محفورٌ في الصخور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤