الفصل الثالث

درجات القابلية للتكذيب

القابلية للتكذيب مسألة نسبية، مسألة درجات.١

مقدمة

(١) ليست نظرية آينشتين علمية، تمامًا كما أن نظرية كبلر علمية ولا نظرية مندليف الذرية علمية تمامًا، كما أن نظرية دالتون في هذا الصدد علمية … كلا بالطبع العلم يتقدم، فلا بد وأن توجد درجات في المنزلة العلمية للنظريات؛ لأن هناك درجات في جرأة النظريات وفي قوتها الشارحة وفي محتواها المعرفي، وطالما أن هناك معيارًا للتكذيب قادرًا على تمييز النظرية العلمية، فسيكون بالتالي قادرًا على تمييز النظرية الأكثر علمية، إنها الأكثر قابلية له، وفي هذا الفصل سنناقش كيفية تحديد تفاوت درجات القابلية للتكذيب.

ولنلاحظ أن البحث هنا، لا يعين أي شيء مطلق، كأن يعين أن النظرية تقبل التكذيب أو لا تقبله بصفة حاسمة، كلا فالمفروض أننا هنا — في هذا الفصل — لا نتعامل إلا مع النظريات القابلة للتكذيب أصلًا، ونريد أن نعين أمرًا فقط بالنسبة لها.

(٢) ولتعيين تفاوت درجات النظريات في القابلية للتكذيب أهمية ميثودولوجية كبيرة؛ فقد أوضح فصل «منهج العلم» أن الميثودولوجي يستحيل أن يرسم الطريق إلى الفرض الجديد، كما يدَّعي المنطق التقليدي الاستقرائي؛٢ ولذلك كان هدف نظرية بوبر المنهجية — والذي حظي منه بالعناية الفائقة — هو كيفية الاختيار بين الفروض المتنافسة، التي نتوصل إليها بأية طريقة، إن كانت جميعها قريبة من الصدق وقادرة على حل المشكلة، فكيف يمكن الاختيار إذن؟ خصوصًا وأن أي فرض يحتوي على قدر من الخطأ وقدر من الصواب ولا يمكن إثبات أن أي فرض صادق ١٠٠٪ ولا أنه كاذب ١٠٠٪، بعبارة أخرى ليس هناك تحقيق نهائي ولا تكذيب نهائي،٣ وفي هذا الفصل يوضح بوبر كيف يتمكن العالم من الاختيار، إنه يختار أكثر النظريات قابلية للتكذيب ويستبعد الأخرى.
ولقد كان توضيح بوبر لمنهج الاختيار بين الفروض المتنافسة من أبرز مواطن الاستحسان في نظريته المنهجية، وبصفة عامة فإن عملية الاستبعاد المنظم systematic elimination٤ — على حد تعبير بفردج — من أهم القواعد المنهجية في فن البحث العلمي.

وكما سيوضح السياق التالي، فإن البحث في تفاوت درجة القابلية للتكذيب يعني التقييم الميثودولوجي لمختلف الجوانب المنطقية للنظرية العلمية.

(٣) وطالما أن قابلية النظرية للتكذيب، تعني أن فئة مكذباتها المحتملة ليست فارغة، فلا بد وأن تكون النظرية أكثر قابلية للتكذيب كلما كانت فئة مكذباتها المحتملة أوسع؛ لأن هذا يعني أنها تقول أكثر عن عالم الخبرة، فتستبعد فئة أكبر من العبارات الأساسية، وتقر بفئة أصغر، فالنظرية ذات المحتوى الغزير يمكن تكذيبها بسهولة أي درجة قابليتها للتكذيب عالية؛ لأنها تسمح للعالم التجريبي فقط بمدى ضيق جدًّا من الاحتمالات، فتستبعد تقريبًا كل الأحداث الممكنة التصور، أي الممكنة تجريبيًّا فهي تقرر الكثير عن عالم الخبرة، وعلى هذا ففرصتها ضعيفة في الهروب من التكذيب.٥
هدف العلوم التجريبية هو — على وجه الدقة — الحصول على نظريات تقبل التكذيب بسهولة، إنها تهدف إلى تقييد مدى الأحداث الممكنة إلى الحد الأدنى إلى الحد الذي يؤدي معه أي تقييد آخر إلى تكذيب فعلي للنظرية، وإذا تمكنا من هذا أي من وضع نظرية لا تحتمل أية درجة أعلى من التكذيب، فإننا سنتوصل إلى وصف عالمنا الفعلي بأدق ما يمكن أن تصفه النظرية، وهذه النظرية سوف تفرد single out عالم خبرتنا المعين عن فئة جميع عوالم الخبرة الممكنة منطقيًّا، ولن تسمح فقط إلا بالأحداث events والحدوثات accurancy التي نصادفها بالفعل ونلاحظها،٦ بالطبع هذا حديث منطقي فقط عن احتمال ضعيف للغاية هو الوصول يومًا ما — بعيدًا جدًّا — إلى النظرية ذات أعلى درجة من التكذيب بوصفها ستكون أكمل نظرية علمية ممكنة.

لكننا نريد الآن أن نناقش كيف يمكن تعيين النظرية الأكثر قابلية للتكذيب بالنسبة لعلمنا اليوم.

(١) درجات القابلية للتكذيب على أساس علاقات الفئة الفرعية والقابلية للاشتقاق

(١) يمكن مقارنة درجات القابلية للتكذيب على أساس سعة فئات المكذبات المحتملة لكن هذه الفئات لا متناهية، مما يجعل تعيين الأكثر والأقل فيها مسألة حدسية بغير قواعد ثابتة، وهذه صعوبة لا يمكن الإحاطة بها، حتى لو وضعنا فئة الأحداث مثلًا بدلًا من فئة العبارات الأساسية، ونعين النظرية التي تمنع أحداثًا أكثر، هذا لا يحل المشكلة لأن الأحداث بدورها لا متناهية، لا سيما وأن ارتباط حدث تمنعه النظرية بحدث آخر، سواء كانت تمنعه أم لا، هو بدوره حدث تمنعه النظرية.٧
(٢) إن أفضل أسلوب لمقارنة فئات المكذبات المحتملة، هو مقارنتها عن طريق علاقة الفئة الفرعية Sub-class-relation فتكون النظرية «ص» أكثر قابلية للتكذيب من النظرية «س»، إذ كانت فئة مكذبات «س» مجرد فئة فرعية في فئة مكذبات «ص».
ولتوضيح ذلك نفترض أن كل عناصر الفئة «س» هي أيضًا عناصر في الفئة «ص»، على هذا تكون «س» فئة فرعية في ص «س ص» إما أن تكون كل عناصر «ص» هي بدورها عناصر في «س»، وفي هذه الحالة تكون الفئة «س» مطابقة للفئة «ص»، وإما أن توجد عناصر في «ص» لا تنتمي ﻟ «س»، هذه العناصر هي التي تمثل فئة الفارق difference class وهي تتمة «س» بالنسبة ﻟ «ص»، وهي بالتالي التي تجعل «س» فئة فرعية في «ص»،٨ وهذه هي الحالة التي تهمنا وتجعلنا نحكم منطقيًّا بأن فئة المكذبات «ص» أكبر.

ولما كان تضمُّن الفئة الفرعية يستلزم منطقيًّا أن تكون الفئة الأصلية أوسع كانت علاقة الفئة الفرعية تناظر بصورة جيدة التقدير الحدسي للأكثر والأقل؛ إذ تكون الفئة الفرعية هي فئة المكذبات الأقل، وبالتالي تكون النظريات ذات درجة تكذيب أقل.

(٣) وبالحديث المنطقي عن النظريات أو العبارات العلمية، فإننا لو وضعنا لدرجة القابلية للتكذيب الرمز «ق ك»، وأردنا أن نعبر عن المفاضلة بين العبارتين «م»، «ن» يمكن أن نضع الصيغة الرمزية الآتية:

ق ك «م» < ق ك «ن»
أي قابلية العبارة «م» للتكذيب، أكبر من قابلية العبارة «ن» وذلك إذا — وفقط إذا — كانت فئة المكذبات المحتملة ﻟ «م» تتضمن فئة المكذبات المحتملة ﻟ «ن» كفئة فرعية،٩ بالطبع لا بد وأن توجد دائمًا فئة متممة غير فارغة، في حالة العبارات العمومية لا بد وأن تكون لا متناهية؛ على هذا لا يمكن لنظريتين عموميتين — تفاوتتا في درجة القابلية للتكذيب — أن تختلفا في آن واحد مهما تمنع عددًا معينًا من الحدوثات accurances المفردة تسمح بها الأخرى بل يختلفا في منع عدد لا متناهٍ من الحدوثات.
أما إذا كانت فئتا مكذبات العبارتين «م»، «ن» متطابقين، فإننا نصل إلى الصياغة الرمزية: «ق ك «م» = ق ك «ن».»
التي تعني أن لهما نفس درجة القابلية للتكذيب.١٠

وإذا لم تكن إحدى الفئتين تتضمن الأخرى، فإن العبارتين لهما درجتا تكذيب غير قابلتين للمقارنة أي:

ق ك «م» // ق ك «ن»

وتتساوى جميع العبارات اللاعلمية والميتافيزيقية غير القابلة للتكذيب في درجة القابلية للتكذيب وهي الصفر، وتتطابق جميع فئات مكذباتها، إذ هي فارغة، ولما كان لا توجد إلا فئة فارغة واحدة فإنها ستلزم بالتالي عن كل وعن أية عبارة لا علمية، وكانت جميع فئات مكذبات هذه العبارات متطابقة في صورة فئة واحدة هي الفئة الفارغة.

فلو أخذنا العبارة التجريبية «أ»، والعبارتين اللاعلميتين «ب»، «ﺟ» نصل إلى المعادلة:

ق ك «ب» = ق ك «ﺟ» = صفر
في حين أن ق ك «أ» < صفر

وبعد سقوط اليقين، لا يمكن أن توجد عبارة مطلقة الخطأ بالتعبير السليم درجة كذبها أو قابليتها للتكذيب واحد صحيح إلا العبارة المتناقضة ذاتيًّا، ولتكن «ﺟ» وبالتالي سيكون لها فئة كل العبارات الأساسية الممكنة منطقيًّا كفئة مكذبات محتملة، وهذا يعني أن أية عبارة يمكن أن نقارنها بالعبارة المتناقضة ذاتيًّا، فأية عبارة لا بد وأن تكون فئة مكذباتها فئة فرعية، في هذه الفئة التي تضم جميع العبارات الأساسية الممكنة منطقيًّا، والتي تجعل تكذيب عبارتها واحدًا صحيحًا لذلك:

(١) ق ك «ح» < ق ك «أ» < صفر

ولما كان الواحد الصحيح هو درجة تكذيب العبارة المتناقضة ذاتيًّا فقط أمكنا أن نضع التقدير العشوائي:

(٢) ق ك «ح» = ١
ومن (٢) نصل إلى: ١ < ق ك «١» < صفر.
ولأن التناقض الذاتي يؤدي إلى كل عبارة، وكل عبارة تؤدي إلى تحصيل الحاصل، فلا بد وأن تقع دائمًا درجة تكذيب العبارة التجريبية بين الواحد الصحيح والصفر،١١ فالعبارات العلمية تقع في منطقة وسطى محددة من ناحية بالعبارات المتناقضة ذاتيًّا، ومن الناحية الأخرى بتحصيلات الحاصل، أي بين درجة التكذيب واحد صحيح وصفر.
ولما كانت نظرية الاحتمال تقوم على بديهية، مؤداها أن القضية التجريبية قضية احتمالية، بمعنى أنها ليست قضية يقينية، كما أنها ليست قضية مستحيلة وإنما تقف بين اليقين والاستحالة،١٢ كان التسلسل المنطقي السالف يوضح كيف أن التكذيب يمكن تمامًا أن يحلَّ محل النظرية الاحتمالية الاستقرائية في المنطق التقليدي، لكن بالطبع يسير على عكسها تمامًا، فالقضية ذات درجة التكذيب «واحد صحيح» هي القضية التي يعطيها المنطق الاستقرائي درجة احتمالية: صفر، كما أن العبارة ذات درجة التكذيب صفر، هي التي يعطيها المنطق الاستقرائي درجة احتمالية واحد صحيح وهكذا،١٣ وبوبر دائمًا على عكس الاستقرائيين تمامًا.
(٤) ولو قارنَّا درجات القابلية للتكذيب على أساس علاقة القابلية للاشتقاق Derivability relation، فسنصل إلى نفس النتيجة التي سنصل إليها لو قارنَّاها على أساس علاقة الفئة الفرعية كلا الأسلوبين يعطينا صورة شباك تتصل نهاياتها جميعًا بالتناقض الذاتي وتحصيلات الحاصل ودرجة القابلية للاشتقاق هي درجة المحتوى المعرفي، التجريبي والمنطقي:
المحتوى التجريبي للعبارة = فئة مكذباتها المحتملة.
المحتوى المنطقي للعبارة = فئة كل العبارة التي ليست بتحصيل حاصل، والتي يمكن اشتقاقها من العبارة.
فالمحتوى المنطقي نصل إليه عن طريق القابلية للاشتقاق؛ لذلك يمكن أن نصل إلى تقدير الأكثر والأقل قابلية للتكذيب عن طريق القابلية للاشتقاق، فإن أمكن اشتقاق «ص» من «س» «بالرموز: س ص»، للزم منطقيًّا إمكان اشتقاق المحتوى المنطقي ﻟ «ص» من «س»؛ وبالتالي وجب أن يكون المحتوى المنطقي للعبارة «س» مساويًا للمحتوى المنطقي للعبارة «ص»، أو أكبر منه، ويكون مساويًا له: إذا أمكن اشتقاق «ص» من «س»، وأيضًا «س» من «ص».
أي: س ص. ص س.

أي لو كانت إمكانية الاشتقاق متبادلة، في هذه الحالة تتساوى العبارة «س» والعبارة «ص» في درجة المحتوى المنطقي، وفي درجة القابلية للتكذيب وللاختبار.

ويكون المحتوى المنطقي للعبارة «س» أكبر، ودرجة تكذيبها أعلى من «ص»، إذا أمكن اشتقاق «ص» من «س» ولم نتمكن من اشتقاق «س» من «ص»، ففي هذه الحالة يكون المحتوى المنطقي للعبارة «ص» فئة فرعية للمحتوى المنطقي للعبارة «س».

وإذا كانت العبارة علمية أصيلة، لا تحتوي على عناصر ميتافيزيقية، يمكن أن نتبع هذا بالنسبة للمحتوى التجريبي، ونصل إلى نفس النتيجة.

ويمكن تلخيص هذا كالآتي، كي نوضح قواعد المقارنة على أساس قابلية اشتقاق المحتوى:
  • (أ)

    إذا كان للعبارتين نفس المحتوى التجريبي، وجب أن يكون لهما نفس المحتوى المنطقي.

  • (ب)

    إذا كان محتوى العبارة «س» المنطقي أكبر من محتوى العبارة «ص» المنطقي، فلا بد وأن يكون محتواها التجريبي أكبر أو على الأقل مساويًا له، ونطرح احتمال التساوي لأن «س» قد تكون ربط «ص» بعبارة وجودية خالصة أي غير محددة أو أية عبارة ميتافيزيقية مما يجعلنا نعزو «س» نفس المحتوى المنطقي الذي نعزوه ﻟ «ص»، وبالتالي لن يكون المحتوى التجريبي ﻟ «س» أعلى من محتوى «ص» التجريبي.

  • (جـ)
    إذا كان محتوى «س» التجريبي أكبر من محتوى «ص» التجريبي، فلا بد وأن يكون محتواها المنطقي أيضًا أكبر أو أنه غير قابل للمقارنة لأسباب مناظرة للأسباب السالفة كأن تكون «س» مجرد ربط «ص» بعبارة لا تفيد إخبارًا.١٤

(٥) الخلاصة حتى الآن أن:

درجة القابلية للتكذيب = درجة القابلية للاختبار = درجة اتساع فئة المكذبات المحتملة = درجة المحتوى التجريبي = درجة المحتوى المنطقي.

لذلك نحكم بأن النظرية «س» لها درجة تكذيب أو اختبار أعلى من «ص» إذا كانت فئة مكذبات «ص» محض فئة فرعية، من فئة مكذبات «س» الأوسع؛ لأن ذلك يعني أن «س» تتضمن محتوى منطقيًّا وتجريبيًّا أكبر من «ص» إذ يمكن اشتقاق «ص» منها.

على كل هذا تتضح الصورة العامة التي حددها بوبر في فصل «منهج العلم» من أن يختار العالم النظرية الأكثر قابلية للتكذيب والاختبار، فقد أصبح واضحًا أن هذا سينتهي به إلى الظفر بالنظرية الأغزر في المحتوى المعرفي:

(٦) بل وليس فحسب إذ سينتهي به إلى النظرية ذات:
  • أعلى درجة من العمومية.

  • أعلى درجة من الدقة.

فإذا وضعنا القوانين الطبيعية الأربعة الآتية:
  • س: كل مدارات الأجسام السماوية دوائر.
  • ص: كل مدارات الكواكب دوائر.
  • م: كل مدارات الأجسام السماوية إهليجية.
  • ن: كل مدارات الكواكب إهليجية.

وإذا مثلنا لعلاقات القابلية للاشتقاق بالأسهم، أمكنا وضع الشكل التالي:

يوضح الشكل إمكانية اشتقاق جميع العبارات من «س»، وإمكانية اشتقاق: «ن» من «م» و«ص»، وعدم إمكانية اشتقاق «س» من أية عبارة، وعدم إمكانية اشتقاق أية عبارة من «ن».

وكما توضح الأمثلة تقل درجة العمومية بالتحرك من «س» إلى «ص»، «س» تقول أكثر مما تقوله «ص»؛ لأن مدارات الكواكب فئة فرعية من فئة مدارات الأجسام السماوية التي تضم مدارات الكواكب والنجوم والتوابع كالأقمار … وبالتالي يكون تكذيب «س» أسهل من تكذيب «ص».

لأن أي جسم سماوي لا يتحرك في مدار دائري من شأنه أن يكذب «س»، بينما لا يكذب «ص» إلا كوكب بالذات، من هنا كان تكذيب «ص» يلزم عنه منطقيًّا ضرورة تكذيب «س» لكن العكس غير صحيح، فقد تكون العبارة الأساسية التي كذبت «س» حول مدارات أقمار مثلًا.

إذن الشكل يوضح أن «س»، وهي أكثر العبارات قابلية للتكذيب، هي أيضًا أكثرها عمومية Universality.
• ليست العمومية فقط، بل وأيضًا الدقة، دقة التنبؤ، فكلما تحركنا من «س» كلما قلت الدقة، حتى تبلغ أقل درجة لها في «ن»، فالدوائر فئة فرعية في فئة الإهليجات، فإذا كذبنا «م» … فلا بد وأن تصبح «س» كاذبة، لكن العكس غير صحيح، ويمكن تطبيق ملاحظات مناظرة على تحركات الأسهم الأخرى، فبالتحرك من «س» إلى «ن» تقل كل من درجة العمومية ودرجة التنبؤ، وبالتحرك من «ص» إلى «ن» تقل الدقة وبالتحرك من «م» إلى «ن» تقل العمومية.١٥
إذن أكثر العبارات قابلية للتكذيب والاختبار، هي أكثرها عمومية وأكثرها دقة في التنبؤ؛ لأنها الأغزر في المحتوى المعرفي.١٦

(٧) وإذا عدنا إلى القاعدة الميثودولوجية: ألا ندع شيئًا بغير تفسير — والتي تفسر ميتافيزيقيًّا بقانون العلية — وجدنا أنها تعني هنا أن نحاول دائمًا استنباط العبارات، من عبارات ذات مستوى عمومية أعلى، مما يجعلنا نبحث دائمًا عن العبارات ذات أعلى درجة من العمومية والدقة؛ وبالتالي من غزارة المحتوى، وبالتالي من أعلى قابلية للتكذيب ولأقسى الاختبارات.

لكل ذلك اتخذ بوبر محور دعواه قابلية النظرية العلمية للتكذيب، وألحَّ منذ البداية على ضرورة أخذ العبارة ذات أعلى درجة من قابلية التكذيب وبوبر في نظرته الشمولية لمنطق العلم على تمام الاتساق، فهو يطالب بالبحث عن النظرية ذات أدنى درجة من الاحتمالية وأدنى درجة من الاحتمالية تناظرها أعلى درجة من قابلية التكذيب كما أوضحنا أنفًا.

وطالما أن بوبر يرفض الاحتمالية بمفهومها التقليدي الاستقرائي، أي الذي يحسب نسبة حدوث متحققات النظرية إلى احتمال معين من الأحداث، فيمكن الآن أن نضع بدلًا من الاحتمالية مفهوم المدى Range، والمدى هو فئة العبارات الأساسية التي تسمح بها النظرية، هو درجة الحرية التي تسمح بها للواقع، إنه فئة العبارات الأساسية المتاحة، المناقضة لفئة العبارات الأساسية الممنوعة التي تمثل المكذبات المحتملة للنظرية، فإذا كانت درجة تكذيب العبارة «س» أعلى من «ص» لأن «س» من مستوى عمومية ودقة أعلى؛ لكانت فئة العبارات المتاحة ﻟ «س»، هي فئة فرعية من فئة العبارات المتاحة «ص»، أي إن مدى «س» فئة فرعية من مدى «ص»؛ لأن عبارات الفئة الفرعية بين فئات العبارات المتاحة، تناقض عبارات الفئة الفرعية بين فئات العبارات الممنوعة «المكذبات»، العلاقات عكسية؛ لأن المدى والمحتوى التجريبي مفاهيم عكسية، من هنا يمكن أن نقول — تبعًا لمنطق التكذيب: إن مدى العبارتين يتصلان ببعضهما تمامًا، أو يناظرن احتماليتهما المنطقية؛ فالنظرية ذات المحتوى المعرفي الكبير أي ذات درجة القابلية للتكذيب الكبيرة هي النظرية التي تسمح للعالم التجريبي فقط بمدى ضيق؛ أي ذات أقل درجة من الاحتمالية.١٧

(٢) درجات القابلية للتكذيب على أساس درجة تأليف النظرية وأبعادها

(١) لكن أسلوب علاقة الفئة الفرعية — وما يرتبط به من قابلية الاشتقاق والمدى — لا يصلح لتعيين النظرية الأكثر قابلية للتكذيب، إلا إذا كانت فئتا المكذبات المحتملة للنظريتين المتنافستين، تتضمن إحداهما الأخرى، أما إذا تقاطعت فئتا المكذبات المحتملة بغير هذا التضمُّن، أو لم يكن بينهما عناصر مشتركة فإننا لن نستطيع المقارنة بينهما؛ وبالتالي لن نستطيع تعيين النظرية الأكثر قابلية للتكذيب أنه أسلوب لا يتيسر دائمًا.

كما أن العبارة ذات درجة العمومية العالية كصياغة بلانك لقانون بقاء الطاقة قد تصبح تحصيل حاصل، وتفقد محتواها التجريبي ما لم نحدد الشروط المبدئية ببعض المقاييس؛ أي بواسطة عدد صغير من كميات العزم المميزة لحالة النسق،١٨ هذه الشروط المبدئية initial condition التي يجب أن نتثبت منها ونضعها في الصياغة لا يمكن توضيحها في علاقة الفئة، رغم أنها بوضوح وثيقة الاتصال بمشكلة القابلية للاختبار والقابلية للتكذيب وتحديد تفاوتهما،١٩ أي درجتهما؛ إذ هي تزيدهما.
في هذه الحالة يمكن مقارنة درجات التكذيب، عن طريق مقارنة درجة تأليف composition العبارات الأساسية التي تكفي لتكذيب النظرية؛ لأن العبارات الأساسية المكذبة تتكون من ارتباط:
الشروط المبدئية + نفي التنبؤ الذي نشتقه من العبارة، فتكون أعلى درجة من التكذيب، هي أقل درجة من التأليف تحتاجها العبارات الأساسية كي تستطيع أن تناقض النظرية، أي تكذبها.٢٠

وهذا واضح وبديهي؛ لأنه متسق؛ فالنظرية حيثما تكون على درجة عالية من العمومية والدقة وغزارة المحتوى المعرفي، يكون القطاع الذي تحكمه وتقيده من العالم واسعًا جدًّا؛ لذلك لا تحتاج لتحديدات كثيرة وشروط متنوعة وستكون قابليتها لتكذيب عالية، فتكذيبها ميسور لا يحتاج لعبارات أساسية عالية الدرجة من التأليف على ذلك يكون من المنطقي جدًّا أن نتثبت من درجة القابلية للتكذيب عن طريق درجة تأليف العبارات الأساسية المكذبة، مع ملاحظة أن التناسُب بينهما عكسي بالطبع.

(٢) لكن هناك شرطًا جوهريًّا وأساسيًّا هو أن نتمكَّن دائمًا من إيجاد طريقة لمقارنة العبارات الأساسية؛ كي نتثبت من أنها أكثر أو أقل تأليفًا؛ أي مكونة بدورها من عددٍ أكثر أو أقل من العبارات الأساسية من أبسط الأنواع: وكل العبارات الأساسية التي لا تصل درجة تأليفها إلى الحد الأدنى المطلوب مهما كان محتواها سوف تسمح بها النظرية، يعني هذا منطقيًّا أن شروط حدوثها سهلة غير معقدة، فقط لأن درجة تأليفها منخفضة.٢١

وأبرز الصعوبات التي تقابل هذا المنهج هو أنه ليس من السهل أن نعرف بمجرد فحص العبارة، ما إذا كانت مؤلفة أم لا، أي ما إذا كانت مكافئة لربط عبارات أبسط، ففي كل عبارة — كما يؤكد بوبر نفسه خصوصًا في نقد التحليل والتحقق — ترد أسماء كلية، وبتحليلها تنحل العبارة إلى ربط بين عبارات، وبإزاء هذا لا يمكن أن نجد أية نهاية طبيعية، لا سيما أننا في كل انحلال نستطيع أن نقدم كليات لا معرفة، تفتح المجال أمام إمكانية انحلالات أخرى للعبارة … وهكذا ستبدو أبسط عبارة وكأنها مؤلفة من عبارات بل من عدد لانهائي من العبارات، فيستحيل التثبت من تفاوت تأليف العبارات الأساسية؛ كي نتثبت من تفاوت درجة القابلية للتكذيب.

ولكي نتجنب هذا يمكن اختيار «فئة عبارات أساسية معينة» ولتكن العبارات الأولية Elementary، أو الذرية Atomic ومن هذه العبارات الأولية يمكن أن نتوصل إلى كل العبارات الأخرى، عن طريق الربط وبقية العمليات المنطقية الأخرى.٢٢
ولكن هل يمكن أن نحدِّد بهذه الطريقة صفرًا مطلقًا للتأليف، بمعنى أن تكون الفئة الأولية، ممثلة لفئة العبارات الأساسية التي لا تأليف فيها إطلاقًا، ويبدأ التأليف في التدرج صاعدًا ابتداءً منها؟ الواقع أنه لا يمكن تحديد صفر مطلق لدرجة التأليف لنفس السبب السابق (أي الكليات) وأيضًا لأنه سوف يفرض قيودًا خطيرة تحدُّ الاستعمال العادي للغة العلم٢٣ حدًّا لا جدوى منه.
لكن رغم ذلك نستطيع مقارنة تأليف العبارات الأساسية، والعبارات الأخرى بهذا الأسلوب، عن طريق اختيار عشوائي لفئة من العبارات الأساسية الذرية نسبيًّا فتتخذها أساسًا للمقارنة، ويمكن تعريف فئة العبارات الأساسية الذرية نسبيًّا بواسطة قاعدة توليد generating Matrix لتكن مثلًا:
«يوجد جهاز قياس ﻟ… في المكان … يقع مؤشره بين علامات التدرج … و…» هذه القاعدة دالة عبارة، وفئة العبارات الأساسية التي نتوصل إليها بواسطتها، أي بواسطة إحلال متغيرات محل ثوابتها الفارغة يمكن تعريفها بأنها فئة العبارات الأساسية الذرية النسبية؛ وبالتالي المساوية للمؤلف equi-compisite و«المؤلف» هو الأول الذي يسهم في «تأليف» العبارة، فيزيد التأليف بزيادته.٢٤
وفئة كل هذه العبارة + كل الروابط التي تتشكل فيها = المجال field مجال النظرية وربط العدد «وليكن العدد «ع»» من مختلف العبارات الذرية نسبيًّا يسمى «ع-وحدة N-tuple»٢٥ حيث إن «ع» هي وحدات المجال، ويمكن القول: إن درجة التأليف مساوية للعدد «ع»؛ أي لعدد وحدات المجال.

وإذا وجد للنظرية «ن» مجال من العبارات المفردة (وليس من الضروري أن تكون عبارات أساسية)، مثل: لعدد ما «د»، لا يمكن تكذيب النظرية «ن»، بواسطة أي «د-وحدات» من المجال، على الرغم من أن تكذيبها ممكن بواسطة «د + ١ وحدات»، فيمكن أن نسمي «د» العدد المميز للنظرية بالنسبة لذلك المجال، وكل عبارات المجال التي درجة تأليفها أقل من «د» أو مساوية ﻟ «د» تسمح بها النظرية، بصرف النظر عن محتواها.

(٣) والآن يمكن أن نقيم درجات القابلية للتكذيب على أساس هذا العدد المميز «د»، ولكي نتجنب اللااتساق الذي قد ينشأ من استعمال مجالات مختلفة، يبدو من الضروري استخدام مفهوم أضيق نوعًا ما من مفهوم المجال، أي مفهوم مجال التطبيق.

فإذا كانت النظرية «ن» هي المعطاة، فالمجال هو مجال تطبيق النظرية «ن»، وفي هذا الصدد نحاول إيجاد العدد «د» المميز للنظرية «ن» بالنسبة لهذا المجال،٢٦ وبوبر يسمي العدد «د» المميز للنظرية بالنسبة لمجال التطبيق بعد النظرية Dimension of the theory ويسميه «بعد»؛ لأننا نستطيع أن نفكر في كل «ع-وحدة N-tuple» للمجال على أنها مرتبة ترتيبًا فراغيًّا configuration في مكان شكلي للأبعاد المحددة، فمثلًا لو كانت «د» = ٣، لكانت العبارات المسموح بها بسبب تأليفها، هي صورة منخفضة جدًّا لأبعاد ثلاثة، وهي فئة فرعية لهذا الشكل، وكلما حاولنا إقلال درجة التأليف مثلًا بالانتقال من «د» = ٣ إلى «د» = ٢، فإن هذا الانتقال يناظر الانتقال من الجسم إلى السطح (من المكان الثلاثي الأبعاد إلى المكان الثنائي الأبعاد) مما يوضح أن البعد «د» كلما كان أصغر كلما كانت درجة القابلية للتكذيب أعلى.٢٧

ومفهوم مجال التطبيق لا يقتصر على العبارات الأساسية؛ إذ يمكن أن تنتمي إليه العبارات المفردة من كل الأنواع، ولكن بمقارنة أبعادها بمساعدة مفهوم المجال يمكن أن نقدر درجة تأليف العبارات الأساسية، فالمفروض أن العبارة المفردة المؤلفة بدرجة عالية تناظر العبارة الأساسية المؤلفة بدرجة عالية؛ لذلك فالنظرية ذات البعد الأعلى تناظر النظرية التي لها فئة العبارات الأساسية ذات درجة التأليف المرتفعة وذلك يناظر درجة القابلية للتكذيب الأقل.

(٤) والآن لدينا منهجان مختلفان لمقارنة درجات القابلية للاختبار أو التكذيب: أحدهما بواسطة الفئات الفرعية للنظرية، والآخر بواسطة أبعاد النظرية قد لا يمكن تطبيق أيهما في بعض الأحيان، وقد يمكن تطبيق واحد منهما فقط، وفي كل حال لا يوجد تنافس بينهما إذ حين نتمكن من تطبيق المنهجين، فسنصل في معظم الحالات إلى نفس النتائج.

كيف ذلك؟ الأمر بسيط للغاية فبمساعدة نظرية الأبعاد ترى أن بعد الفئة يجب أن يكون أكبر من أو مساويًا ﻟ «بعد» فئتها الفرعية؛ بسبب تناظر فئات النظرية مع أبعادها.٢٨

لكن قد تتساوى أبعاد نظريتين متفاوتتين في درجة القابلية للتكذيب نتيجة لعلاقة فئة فرعية، وفي هذه الحالة نأخذ بنتيجة منهج الفئة الفرعية، فهو بصفة عامة المنهج الأدق والأكثر حسمًا والأوضح.

(٥) وحتى الآن، ارتبطت درجة القابلية للتكذيب بدرجة القابلية للاختبار، واتساع فئة المكذبات، وبعلاقة الفئة الفرعية وبالمحتوى المعرفي: التجريبي والمنطقي، بعلاقات القابلية للاشتقاق، وبالدقة والعمومية وبالمدى والاحتمالية، وبدرجة تأليف العبارات الأساسية المكذبة، وبأبعاد النظرية ومجال تطبيقها.

(٣) درجات القابلية للتكذيب والبساطة

(١) وإن درجة القابلية للتكذيب ترتبط أيضًا بدرجة البساطة Simplicity بساطة النظرية، فكلما كانت النظرية أبسط كلما كانت أكثر قابلية للتكذيب والعكس صحيح.
(٢) وإن مفهوم البساطة لذو أهمية قصوى في فلسفة العلم، وهو مثل أي مفهوم ميثودولوجي آخر مبهم غير واضح، خصوصًا وأنه يدخل المناقشات الفلسفية بصور عدة، فقد يشير إلى الأفكار البسيطة كمقابلة للمركبة، أو للمكونات البسيطة للعالم، وقد يشير إلى بعض الخصائص البسيطة لبنية العالم كمقابلة للخصائص المعقدة، وقد يشير إلى بعض الخصائص البسيطة لبنية العالم كمقابلة للخصائص المعقدة، وقد يشير إلى بعض الخصائص الصورية للنسق المنطقي، أو لمجرد وصف ما نتحدث عنه بالبساطة،٢٩ والبسيط في اصطلاح الفلاسفة هو الشيء الذي لا جزء له أصلًا كالوحدة والنقطة وهو لفظ مولَّد يقابله المركب، بمعنى الشيء الذي له جزء.٣٠
لكن في الآونة الأخيرة، لا ينصب الاهتمام على مفهوم البساطة إلا بوصفه منتميًا لفلسفة العلم، إذ يقال عادة: إن البساطة صفة مرغوبة في مفاهيم وقوانين ونظريات العلم الطبيعي، بل وإن البساطة أساسية للبحث العلمي تمامًا كالبديهات المسلَّم بها مثل قابلية الطبيعة للفهم، وخضوعها لنفس القوانين، وإمكانية إخضاعها للقياس،٣١ ومؤدَّى مسلمة البساطة أن أبسط تفسير يتفق مع الملاحظات المتعلقة بالموضوع هو الصحيح على الأرجح،٣٢ والمقصود بالبساطة هنا أن تكون النظرية محتويةً على أقل عدد ممكن من المفاهيم الأساسية والعلاقات مع أعلى معيار من التجريد، وبعبارة أخرى: إن النظرية تبدأ بعدد قليل من المفاهيم والمبادئ الأساسية أو البديهات،٣٣ وهذه هي البساطة التي يفترضها العقل بدرجة عالية في النظرية بصورة تدخل هذا الافتراض في نطاق مسلمات البحث العلمي، ومسلَّمة البساطة هذه قاعدة مبنية على الخبرة العلمية فقد أثبتت فائدتها الجمة، لكن مهما كانت أهميتها من الناحية العلمية فإنه من المستحيل اختبارها علميًّا، وهذا ما يجعلها موضع بحث في فلسفة العلم، خصوصًا وأنها أدت إلى استبعاد كثير من الأفكار الذاتية من مجال البحث،٣٤ كما أن إيمان العلماء بأهمية البساطة في النظرية على أساس فهم الظواهر والوقائع والحوادث في العالم بواسطة أقل عدد ممكن من الأفكار والفرضيات، كان من الدوافع القوية في تطوير النظرية العلمية والوصول بها إلى درجات تجريدية عالية.٣٥
وما يجعل لها الأهمية القصوى في فلسفة العلم من الناحية الأخرى، هو انهيار فكرة السببية، بعد أن تبينا قيامها على أسس ميتافيزيقية ما لها من قرار، فوجب أن نتخلى عنها، وليس أمامنا إلا أن نحل مفهوم البساطة محلها، وهذا ما فعله إرنست ماخ وكيرخهوف kierchoff وأيضًا ريتشارد أفيناريوس richard Avenarius (١٨٤٣–١٨٩٦م) «وبوبر شديد الإعجاب بأفيناريوس» إذ وضعوا الشرح الأبسط بدلًا من الشرح السببي الذي استعمله جون ستيورات مِل مثلًا، وماخ وأفيناريوس خصوصًا كانا يعتبران البساطة هي الوصف الاقتصادي المقتر للعالم.٣٦

المهم أن الشرح الأبسط أو الوصف الأبسط هو هدف العلم، فنحن نفضل شرح العالم بنظرية واحدة عن شرحه بعدد لانهائي أو كبير جدًّا من العبارات المفردة، وما ذلك إلا لأن النظرية الواحدة ستعطينا شرحًا أبسط، وطالما نفضل النظرية من أجل البساطة فلا بد وأن نفضل أبسط النظريات، ولا بد وأن تكون النظريات بسيطة قدر المستطاع، بل وكذلك المفاهيم وإن كان بوبر بالذات لا يُعنى إطلاقًا بالمفاهيم ولا يهتم إلا بالقوانين ذات المحتوى المعرفي، وهو لذلك لا يهتم إطلاقًا ببساطة المفاهيم والبساطة عنده هي فقط بساطة العبارات أو النظريات.

(٣) وإذا سألنا لماذا يجب أن تكون المفاهيم والنظريات العلمية بسيطة؟ لوجدنا ثلاث إجابات أساسية:
  • المواءمة البراجماتية Pragmatic convenience:
    أي نتفق على ما هو أبسط؛ لأن البساطة أفْيَد من الناحية العلمية، فنجد هنري بوانكاريه مثلًا، وهو من أبرز ممثلي الاتجاه الأداتي في فلسفة العلم — والاتجاهات الأداتية والاصطلاحية والبراجماتية تسير إلى حد كبير في اتجاه واحد — نجد بوانكاريه يؤكد أن مبدأ الاختيار بين النظريات هو اختيار أبسط الاصطلاحات الممكنة،٣٧ فقد ميز بوانكاريه بين الواقع المفرط التعقيد من جهة، وبين القوانين العلمية البسيطة التي تفرضها عقولنا عليه من الجهة الأخرى، فليست الطبيعة هي البسيطة، بل قوانينا التي نفرضها عليها هي البسيطة؛ لأن القوانين هي التي تفرض ما تريده على عالم يكاد يكون مصطنعًا، وقد وصف بوانكاريه قانون نيوتن بالسهولة، بينما وصف حركة الكوكب بأنها معقدة، ومعنى هذا أن قانون نيوتن قد أعطى تفسيرًا مبسطًا لهذه الظواهر الطبيعية؛٣٨ لذلك يعطي بوانكاريه القانون العلمي ثلاث وظائف هي: السير بالعلم نحو الوحدة والتنبؤ، وتبسيط الظواهر الطبيعية المعقدة.٣٩
    والحق أن بوانكاريه — لأنه رجل علم حقيقة — قد انشغل بمشكلة البساطة بجميع أبعادها: بساطة النظرية وبساطة المفهوم، بل وحتى بساطة الوقائع Facts؛ إذ رأى أن ينتفي العالم لموضوع دراسته أبسط الوقائع الممكنة، وهي التي يمكن استخدامها مرات متعددة، والتي بتكرر حدوثها، والمتألفة من أبسط عدد من العناصر وغير المتغايرة الخواص، وأوضح بوانكاريه أن هذه الوقائع هي على وجه الخصوص الوقائع المتناهية الكبر والمتناهية الصغر؛ لذلك انتقاها العلماء موضوعًا للدراسة.٤٠
    لكن الاتجاه البراجماتي ومعالجته للبساطة في جملته غير دقيق ولا يمكن أن يقنعنا، فهناك أولًا صعوبة في التسليم بأساس هذا الاتجاه الذي يحلون بناء عليه مشكلة البساطة وسائر المشكلات؛ أي اعتبار القوانين العلمية بناءات منطقية ومحض أدوات، وليس لها أي محتوى معرفي «ثم إن فكرة المواءمة تعتمد كثيرًا على المكونات السيكولوجية وظروف الناس المختلفة، وعلى الأدوات المنطقية والمادية المتاحة لهم، وعلى وجهات النظر التي يشتركون فيها، والغايات التي يهدفونها، وعوامل أخرى عديدة، وأكثر من هذا فحتى لو تمكنا من إضفاء شيء من الموضوعية، فإن المواءمة ليس من الضروري أن تتصل بإمكانية قبول المفاهيم والنظريات العلمية، وكثيرًا ما تكون النظريات الصادقة بل والمفيدة ليست موائمة بدرجة كبيرة.»٤١
  • الاعتقاد بأن الطبيعة بسيطة:

    لكن ليس هناك أي دليل على صدق هذا الاعتقاد، ثم إن تاريخ العلم يشهد بأحايين كثيرة تحطمت فيها الأنساق النظرية البسيطة وقبلت المعقدة، ثم إن هذا الاعتقاد يدل على مجرد فهم اعتباطي أو على أحسن الفروض حدسي «للطبيعة وللبساطة؛ لذلك فهو ميتافيزيقي؛ لذلك فمن الممكن أن يخدم كحافز للبحث لكن لا يقبل أي دحض أو تأييد بواسطة الدليل التجريبي.»٤٢
  • معيار الاختبار بين النظريات:

    إذا ما تبينَّا أن الطبيعة بسيطة فإن هذا تبرير لاختبار النظريات البسيطة، وحتى ولو لم نتبين هذا فستبقى على أية حال أسباب أقوى من أن تكون مجرد مواءمة أو اتفاق،٤٣ والبحث عن هذه الأسباب هي الشغل الشاغل لفلسفة العلم تحت عنوان «مشكلة البساطة» لو لم نحلها سنجد العلماء يفضلون النظريات الأبسط حين تتساوى مع النظريات التي تنافسها في بقية المعايير الأخرى، لكنهم يقررون أن البساطة مرغوبة؛ لأننا نختار أبسط النظريات في الوقت الذي نختار أبسط النظريات لأن البساطة مرغوبة.
    هذا الدوران المنطقي يوضح أن البساطة موضع إشكال، رغم أنها مطلب عزيز في العلم فمن الصعب تحديد معيار واضح يحددها بالمعنى الدقيق، ومن الصعب أيضًا تبرير الأولوية الممنوحة للفروض والنظريات الأكثر بساطة، وبالطبع لا بد لأي معيار للبساطة من أن يكون موضوعًا؛ لأنها ليست مجرد حدس أو سهولة حفظ أو تذكر للفرض أو النظرية٤٤ بل هي معيار للاختيار بين النظريات.
    من هنا كان أفضل تناول لها هو تناول ر. س. رندر R. S. Runder إذ تناولها تحت مقولة البساطة الموضوعية المنطقية، مما يعني أنها لا ذاتية ولا سيكولوجية، وأنها تشير إلى البنية المنطقية لأوصافنا للعالم ولا نشير مباشرةً إلى بساطة العالم نفسه.٤٥
(٤) وتحت هذا المنظور للبساطة؛ أي البساطة الموضوعية المنطقية، يدخل اقتراح بوبر؛ فبوبر يستبعد تمامًا المفاهيم البراجماتية للبساطة وأيضًا المفاهيم الاستطيقية التي ترى أن البحث عن البساطة في العلم راجعٌ إلى النزوع نحو الانسجام والائتلاف الجمالي، فهذا منظور ذاتي،٤٦،٤٧ وبالطبع يرفض بوبر اعتبار مبدأ البساطة راجع إلى الاعتقاد بأن الطبيعة بسيطة؛ لأن هذا اعتقاد دوجماطيقي.
يرفض بوبر كل هذا، ولا يسلم إلا بالمفهوم الإبستمولوجي للبساطة، وتبعًا له يقدم اقتراحًا لمعالجة المشكلة بأن يطابق بين درجة البساطة وبين درجة القابلية للتكذيب، وحين نختار النظرية الأكثر قابلية للتكذيب، فإننا نصل بهذا إلى النظرية الأبسط، مما يمكننا من وضع تنظيم للقوانين تبعًا لدرجة بساطتها الأبسط ثم الأقل بساطة وهكذا،٤٨ على أساس درجات قابليتها للتكذيب، بعبارة أخرى معيار التكذيب يحل مشكلة البساطة؛ لأنه يزودنا بمعيار واضح لها:
مثلًا رأينا أن النظرية الأكثر قابلية للتكذيب، هي النظرية ذات الأبعاد الأقل، والنظرية ذات الأبعاد الأقل هي النظرية الأبسط؛ لتوضيح ذلك نعود إلى مثالنا السابق من القوانين الطبيعية الأربعة المعبرة عن تفاوت درجات تكذيب النظرية العلمية:
  • س: كل مدارات الأجسام السماوية دوائر.
  • ص: كل مدارات الكواكب دوائر.
  • م: كل مدارات الأجسام السماوية إهليجية.
  • ن: كل مدارات الكواكب إهليجية.

لقد أوضحت المناقشة السابقة أن «ص» أكثرها قابلية للتكذيب، وهو أيضًا أبسطها إذ إنه قانون يرتد إلى أقل عدد من الأبعاد؛ لأن الفرض الدائري يكفي لتكذيبه أربعة مواضع، نجد أنها لا تقع على دائرة، إذن يمكن وصل أية ثلاثة مواضع على — أي رسم مثلث منتظم داخل — أية دائرة هذا بينما تكذيب الفرض «م» الإهليجي يحتاج لستة مواضع على الأقل نجد أنها لا يمكن أن تتعين على الإهليج، من هنا نجد البساطة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بدرجة إمكانية التكذيب.

وبالطبع القانون الذي له دالة من الدرجة الأولى أي بها متغير واحد قابليته للتكذيب أكثر من قابلية القانون الذي له دالة من الدرجة الثانية؛ أي بها متغيران رغم أن هذه الدالة قد تمثل قانونًا علميًّا، أي قابلًا للتكذيب، وإن شليك — مثلًا — يقطع بضرورة اعتبار الدالة من النوع الأول أبسط من الدالة من النوع الثاني لكنه لم يوضح كيف يمكننا الحكم بهذا،٤٩ أما الآن فيمكننا عن طريق معيار التكذيب الحكم بهذا لأنه سيحكم على الدالة الأولى بأنها أكثر قابلية للتكذيب، وبالتالي أبسط خصوصًا وأن درجة القابلية للتكذيب تعين درجة صرامة النظرية strictness of the theory؛ أي الدرجة التي تفرض بها النظرية قيودها على الطبيعة مما يؤكد أن التكذيب يفعل بالضبط ما يرومه شليك من البساطة؛ لأن النظرية ذات الدالة من الدرجة الأولى هي بالطبع أشد صرامة من النظرية ذات الدالة من الدرجة الثانية.
وبعد، نجد العبارة الأكثر عمومية تحل محل العديد من العبارات الأقل منها عمومية لذلك تكون أكثر بساطة، وهنري بوانكاريه خصوصًا يبرر البساطة بالعمومية، وبالطبع العبارة الأكثر عمومية هي الأكثر قابلية للتكذيب، فلنختَرْها إذن في البحث عن البساطة، دون الاحتياج لمبدأ الاقتصاد في التفكير ولا أي شيء من هذا القبيل،٥٠ لم يدخل في منطق التكذيب، فإن معيار التكذيب كما هو واضح يكفينا تمامًا كمعيار للعلم؛ وبالتالي كأساس لمنطقه.
وعلى كل هذا يتمكن بوبر من إقرار «أننا إذا وضعنا نصب أعيننا المعرفة فلا بد وأن نختار أبسط العبارات أي أكثرها قابلية للتكذيب؛ لأنها تخبرنا بالأكثر ومحتواها التجريبي أعظم، ولأنها يمكن أن تختبر بصورة أفضل.»٥١

(٥) هكذا نجد معيار التكذيب يطوق النظرية تمامًا لدرجة أنه يتمكن من الإحاطة بمفهوم البساطة بسائر أبعاده، وهو من أشد المفاهيم الميثودولوجية غموضًا وإبهامًا رغم أنه من أهمها.

لكن بالنسبة لبوبر بالذات فقد أصبح في إمكانه الآن أن يؤكد بمنتهى الثقة على أهمية البساطة كمسلَّمة للبحث وأن يرى موضوعات دراساتنا، سواء كانت بجعًا أو نجومًا في السماء أو فلسفات معقدة بغير حدود، وأن كل ما يمكن أن نقوله في حيواتنا المحدودة وبكلماتنا المحدودة أشياء بسيطة، لكن يمكنها أن تلقي الضوء على العالم من حولنا، وكلما كان الضوء أقوى كانت البساطة أكثر كلما كان ذلك أفضل، وأن بعض التبسيطات الشديدة أفضل من غيرها، وأن الغموض يرجع إما إلى عدم الصلاحية والكفاءة، وإما إلى محاولة التأثير الجوفاء على الناس بالكلمات،٥٢ وأن النظريات العلمية العظيمة لا تعدو أن تكون تبسيطات شديدة للواقع.
في إمكان بوبر الآن أن يطرح هذه المسلَّمات للبحث، بل وأن يتمادى أكثر من ذلك حتى أعماق فلسفته فيقول: «بصميم طبيعة منهج التبسيط الشديد يجب أن نتناول المشكلة على مراحل، وكل حلٍّ تقريبًا يثير مشاكل جديدة، وفي الأعم الأغلب تقضي المشاكل الجديدة إلى تبسيطاتها الخاصة بها والتي غالبًا ما تكون بدورها مثمرةً جدًّا.»٥٣ وقد كان الطابع المرحلي لكل بناء، وإن كل مشكلة تثمر مشاكل أخرى من ضمن النتائج التي لزمت عن صياغته «م١ ح ح أ أ م٢».٥٤
باختصار، أصبح من حق بوبر الآن أن يستخدم مفهوم البساطة كيفما شاء، ومن حق برونوفسكي أيضًا أن يؤكد على إعجابه بفكرة بوبر الميثودولوجية الرائعة من استبعاد النظريات التي تم تكذيبها والبحث عن أكثر النظريات المتبقية قابلية للتكذيب مما يجعلنا نتوصل إلى أبسطها.٥٥
(٦) لكن هناك اعتراضات كثيرة واجهت تناول بوبر للبساطة منها أنه إذا كان عدد النقاط المطلوبة لتكذيب القانون؛ أي إبعاده، هو الذي يحدد البساطة فقد يحدث أن نجد أمامنا مثالًا معارضًا؛ لأن إبعاد النظريات ليست دائمًا مرتبطة ببعضها حتى يمكن مقارنتها،٥٦ ولكن يمكن رد هذا الاعتراض بأن مقارنة درجات القابلية للتكذيب — وبالتالي البساطة — ممكن بواسطة وسائل أخرى غير أبعاد النظرية مثل علاقات الفئة الفرعية والقابلية للاشتقاق ودرجة تأليف العبارات الأساسية.
لكن النقد قد يستمر قائلًا: إن قياس بساطة القانون بدرجة عموميته غير سليم، ويمكن أن ينهار بمنتهى السهولة، مثلًا لدينا الدليل على أن «كل حالات «س» الملاحظة هي «ز».» فإن التعميم «كل «س» وكل «ي» هي «ز».» قابل للتكذيب في أكثر من «كل «س» هي «ز»» في حين أن «كل «س» هي «ز»» أكبر بساطة، وهو أفضل فرض يمكن الوصول إليه على أساس ذلك الدليل،٥٧ وليس من العسير رد ذلك النقد، فأولًا: نحن لا نتوصل إلى النظرية على أساس الدليل، وإلا كنا نردِّد الخرافة الاستقرائية، وثانيًا: بوبر لا يروم البساطة في حد ذاتها بل يرومها مرتبطة بالمحتوى المعرفي، وإلا توصلنا إلى أتفه النظريات؛ لأنها الأبسط، ومعيار القابلية للتكذيب هو الذي يخول الربط بين الأبسط والأغزر في المحتوى المعرفي.
لكن الوضعي المنطقي كارل همبل ينقد بوبر على هذا الأساس، أي على أساس أن النظرية الأبسط الأغزر في المحتوى المعرفي، بالمعنى الاستنباطي أي إمكانية اشتقاق النظرية الأقل بساطة منها، لكن همبل يرى أن المحتوى الأكبر ليس بالضرورة مرتبطًا بالبساطة الأكثر، فأحيانًا نعتبر نظرية من النظريات قوية كنظرية نيوتن عن الجاذبية والحركة؛ لكونها أبسط من الكثير من النظريات التي لا علاقة لها بالنطاق المحدود الذي تتضمنه النظرية، على أن النوع المرغوب فيه من التبسيط الذي تبلغه نظرية من النظريات ليس على هذا النحو مجرد محتوى زائد؛ لأنه إذا كان ثمة فرضان لا علاقة بينهما (على سبيل المثال قوانين هوك وسيل والارتباط الناتج عنهما يخبرنا بما هو أكثر وإن لم يكن أبسط من مكونات أيهما).٥٨
على هذا النحو تسير انتقادات نظرية بوبر، فيزعم البعض أن محتوى النظرية يشير إلى قوة Power النظرية أكثر مما يشير إلى بساطتها، ومن الناحية الحدسية لا ترتبط القوة بالبساطة دائمًا، بل إنهما ليستا مرتبطتين، وليست النظرية ذات المحتوى الأعلى هي دائمًا الأكثر قبولًا في الممارسات العلمية.٥٩

في الرد على هذه الانتقادات يمكن أن نذكر قاعدة بوبر المنهجية التي توضح أن الأمر دائمًا نسبي نحن نحكم على الفرض بالنسبة لما لدينا من نظريات وبالنسبة للفروض الأخرى التي تنافسه، وليس حكمًا جامعًا مانعًا، وإلا وقعنا في متاهات الميتافيزيقا، ونسينا طبيعة العلم المتغير المتطور دومًا؛ لذلك نحكم على النظرية بأنها الأبسط وبالنسبة للنظريات التي تتنافس معها على حل نفس المشكلة أنها أبسطها وليست أبسط النظريات مطلقًا.

على العموم يبدو أن نظرية بوبر في البساطة لم تقنع همبل كثيرًا؛ لأنه يقول: «ما زالت مشكلات إيجاد صيغة دقيقة وتبرير موجز لها — أي للبساطة — بغير حل حتى الآن.»٦٠
(٧) لم يصب همبل فإن معالجة بوبر للبساطة دقيقة ومحكمة وعلى تمام الاتساق مع نظرية في منطق العلم، وانتقاداتها٦١ دومًا تنصب على جانب دون الآخر، وتحاول أن تبرز قصور معالجة بوبر بأسرها على أساس قصور ذلك الجانب، والحق أن معالجة بوبر للبساطة لا يمكن رفضها إلا إذا رفضنا منطق التكذيب بأَسْره، وليس هذا بالأمر اليسير.
١  K. P., L. S. D., p. 112.
٢  انظر «الفصل الخامس» من الباب الأول القسم الرابع خصوصًا الفقرة الأولى.
٣  K. P., L. S. D., p. 44.
٤  و. أ. بفردج، فن البحث العلمي، ترجمة زكريا فهمي، ص٣٤.
٥  K. P., L. S. D., p. 113.
٦  Ibid, p. 113.
٧  Ibid, p. 114.
٨  Ibid, p. 115.
٩  Ibid, p. 115.
١٠  Ibid, p. 115.
١١  Ibid, pp. 116–121.
١٢  د. ماهر عبد القادر محمد علي، فلسفة العلوم الطبيعية: المنطق الاستقرائي، ص١٥٥.
١٣  انظر في نظرية بوبر الاحتمالية: الباب الثاني، الفصل الرابع، القسم ٣، فقرة ٤.
١٤  K. P., L. S. D., p. 120.
١٥  Ibid, p. 122.
١٦  نلاحظ أن مفهوم الدقة عند بوبر مبهم وغامض وهو لا يرضي الكثيرين خصوصًا أن بوبر لم يوضحه بما يكفي لكنه بالقطع — كما هو واضح — يستخدمه استخدامًا مختلفًا عن الاستخدام الشائع، لعله يقصد به أحكام النظرية لنطاق أوسع فالدقة هنا إذن قريبة من الشمولية أي مناقضة لمفهومها الشائع.
١٧  Ibid, p. 124.
١٨  A few numbers of magnitudes characteristic of the state of the system.
١٩  Ibid, p. 127.
٢٠  Ibid, p. 127.
٢١  Ibid, p. 127.
٢٢  Ibid, p. 127.
٢٣  نأخذ لغة العلم، هنا بمغزى عام، سطحي جدًّا، لا يتضمن إطلاقًا أية تعبيرات اصطلاحية فنية أو معقدة، أو مفاهيم كارنابية أو فتجنشتينية أو غيره.
٢٤  K. P., L. S. D., p. 128.
٢٥  N هو المقابل لرمز «د» تبعًا للترجمة الإنجليزية: عدد Number.
٢٦  K. P., L. S. D., pp. 128-129.
٢٧  Ibid, p. 129.
٢٨  Ibid, p. 130.
٢٩  Encyclopedia for philosophy, Volume 8, p. 445.
٣٠  د. جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، ص٢٠٩.
٣١  ستانلي بيك، بساطة العلم، ترجمة زكريا فهمي، مراجعة د. عبد الفتاح إسماعيل، ص١٦٠-١٦١.
٣٢  المرجع السابق، ص١٦١.
٣٣  د. ياسين خليل، منطق المعرفة العلمية، ص٢٠٣.
٣٤  ستانلي بيك، بساطة العلم، ترجمة زكريا فهمي، مراجعة د. عبد الفتاح إسماعيل، ص١٦١.
٣٥  د. ياسين خليل، منطق المعرفة العلمية، ص١٧٧.
٣٦  كارل همبل، فلسفة العلوم الطبيعية، ترجمة د. جلال محمد موسى، ص٦٤.
٣٧  وهناك أيضًا بُعْد مميز لمفهوم البساطة عند الاصطلاحيين وعند بوانكاريه، وهو المفهوم الاستطيقي، وقد تجاوزناه ها هنا؛ لأننا سبق أن ناقشناه في الفصل السابق، القسم الثالث، الفقرة الثالثة، خصوصًا وأن هذا البُعْد عند بوانكاريه واصطلاحيين قد بدا متميزًا تمامًا، وبصورة تفصلهم فصلًا عن المدرسة البراجماتية.
٣٨  محمد فرحان عمر، طبيعة القانون العلمي، ص٢١٣-٢١٤.
٣٩  المرجع السابق، ص٢١٤.
٤٠  Henri Poincare, Science and Method, translated by: francis Mantiand, pp. 17–22.
٤١  Encyclopedice for philosophy, Volume 8; p. 445.
٤٢  Ibid, pp. 445-446.
٤٣  Ibid, p. 446.
٤٤  كارل همبل، فلسفة العلوم الطبيعية، ترجمة د. جلال محمد موسى، ص٦٢.
٤٥  Encyclopedia for philosophy, Volume 8, p. 446.
٤٦  K. P., L. S. D., p. 137.
٤٧  عرضنا لهذا ولرفض بوبر له في الفصل السابق، القسم الثالث، الفقرة الثالثة.
٤٨  نلاحظ أن جيفرييز Jeffreys وضع هو الآخر تنظيمًا للقوانين تبعًا لدرجة بساطتها، لكن يسير في طريق مناقض تمامًا لطريق بوبر؛ إذ إنه يهدف إلى شرح تفضيل القوانين البسيطة في العلم على أساس إمكانية تطوير تأييد النظرية بحيث يكون لأبسط القوانين أعلى درجة من الاحتمالية الأولية، معنى ذلك أن القوانين الأبسط هي القوانين ذات الاحتمالية الأعلى، وهذا بالطبع ما سبق أن رفضه بوبر، وقد أوضح أن الهدف؛ أي القوانين الأبسط هي القوانين ذات الاحتمالية الأقل، أي درجة التكذيب العالية، على العموم تعرضت نظرية جيفرييز لانتقادات كثيرة، خصوصًا من روبرت أكرمان robert Achormann.
See: Encyclopedia for philosophy, Volume 8. p. 446.
وانظر معالجة بوبر نفسه لنظريته مقارنة بنظرية جيفرييز وسائر من ينزعون منزعه مثل كينز ورايشنباخ وكيلا وهويزياسون وكارناب: Logic of scientific discovery, pp. 392–395.
٤٩  K. P., L. S. D., p. 141.
٥٠  Ibid, p. 142.
٥١  Ibid, p. 142.
٥٢  K. P., Replies, pp. 976-977.
٥٣  Ibid, p. 977.
٥٤  انظر الفصل الثاني من الباب الأول، فصل «المعرفة موضوعية» القسم الخامس، فقرة ٧.
٥٥  ج. برونوفسكي، وحدة الإنسان، ترجمة د. فؤاد زكريا، ص١٢١.
٥٦  Encyclopedia for philosophy, Vol. 8, p. 446.
٥٧  Ibid, p. 446.
٥٨  كارل همبل، فلسفة العلوم الطبيعية، ترجمة د. جلال محمد موسى، ص٦٧-٦٨.
٥٩  Encyclopedia for philosophy, Volume 8, p. 447.
٦٠  كارل همبل، فلسفة العلوم الطبيعية، د. جلال محمد موسى، ص٦٨.
٦١  تعرض جيرولد كاتسي Jerold Katz في كتابه «مشكلة الاستقراء وحلولها the problem of Induction and its solutions» لنقد متحامل على نظرية بوبر للبساطة، لكنه لا يخرج عن مثل هذه الانتقادات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤