مقدمة الطبعة الأولى

لم يعد خافيًا أن العرب قد أصبحوا — وخاصة في الآونة الأخيرة — يثيرون اهتمام العالم أجمع؛ ذلك لأنهم أدركوا أنهم عادوا الآن، كما كانوا من قبل، يتحكمون تحكمًا خطيرًا في مصائر العالم من الناحيتين الحربية والاقتصادية، بحكم موقع بلادهم الجغرافي، وتوسطها بين الشرق والغرب.

ولقد أصابت العرب في القرون القلائل الأخيرة إغفاءة طويلة، فلم يقدروا خطورة موقفهم بالنسبة للأمم الأخرى، فاستُهدفت مصالحهم للعبث كما تعرضت مكانتهم للتجاهل، ولكنهم عندما أخذوا — منذ أواخر القرن الماضي — يستيقظون من سباتهم ويتحركون من رقدتهم ليلموا شعثهم، بدأت القوات المتصارعة في العالم تخطب ودهم، وتتلمس رضاهم، واتجه العلماء في الغرب — وهم دائمًا الرواد الممهِّدون — إلى العناية بدراسة أحوالهم الحاضرة، وتاريخهم القديم.

وإذا كان هذا شأن أهل الغرب في العناية بتاريخ العرب، فكم بالحَرَى يجب أن يكون شأننا ونحن ننتسب إلى ذلك الشعب العريق أو نفخر بأن نكون من سلالته.

وقد حاولت في هذا الكتاب الذي أضعه بين أيدي القراء، أن أرسم صورة واضحة لتاريخ العرب قبل الإسلام، وتاريخ دولهم، في الجنوب، والشمال والوسط، والأدوار التي لعبها هؤلاء وأولئك في معترك الحياة العالمية من سياسية واقتصادية، منذ فجر التاريخ إلى مبعث سيد الخلق محمد .

وما أحسب أني في حاجة إلى القول بأنه لا يلمس الصعوبة التي يعانيها من يتصدى للكتابة في تاريخ العرب في عصر ما قبل الإسلام إلا من كابدها.

ولست أدعي أني قد أحطت بما لم يُحط به أحد، أو أنني وفيت الموضوع من جميع نواحيه، بل أشهد أن هذا الحقل من حقول المعرفة التاريخية — بسبب قلة الكشوف والبحوث، ولأسباب أخرى — لا يزال بكرًا، لم تُقلب أرضه إلا فئوس قليلة، وبحسبي أن أكون أحد العاملين في هذا السبيل.

والله العلي القدير أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وأن يهبنا من لدنه العون والقوة.

محمد مبروك نافع
القاهرة في
٨ رجب سنة ١٣٦٧ / ١٧ مايو سنة ١٩٤٨

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤