الصراع مع مَن؟

شقَّت السيارة طريقها فوق سطح الماء. كانت الأمواج متوسطة الارتفاع، وكان الجو بديعًا. أخرج «أحمد» خريطة صغيرة. ثم بدأ يُحدد مكان اللقاء، كان يقع في مدينة «إيلسيوس» … نظر إلى «بو عمير» ثم تحدث بلغةٍ لا يفهمها سوى الشياطين ومعناها: متى نصل إلى هناك؟

ضغط «بو عمير» زرًّا في تابلوه السيارة، ثم قال: أمامنا ثلاث ساعات.

أحمد: هذا وقت طويل! ينبغي أن ننزل إلى الأعماق.

ضغط «بو عمير» زرًّا آخر، فأخذت السيارة طريقها إلى أعماق البحر.

وفجأة سمع «أحمد» رسالة من خلال الراديو: «من رقم «صفر» إلى الشياطين. تحرك «مصباح» و«خالد» إليكما … أهنئكما».

رد «أحمد» بلغة للشياطين: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر» … إننا في الطريق إلى النهاية.»

جاءت رسالة أخرى من رقم «صفر»: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» المقر هناك عند خط ٢ يَمينًا. أسلحة. مراقبون. اتصل بالرقم إذا احتجت … أتمنى لكم التوفيق.»

رد «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر». عُلِم.»

وفجأة بدأت السيارة تهتز، قال «بو عمير»: إن هناك جسمًا غريبًا يقترب منا بسرعة.

أحمد: أعطنا صورة له.

أدار «بو عمير» جهاز الرادار المصور فظهرت غواصة صغيرة على الشاشة، فصاح «هوفر» فجأة: هي!

فنظر له «أحمد» متسائلًا: ماذا تعني؟ هوفر: لا شيء.

ضغط «أحمد» زرًّا خاصًّا فانطلقت عدة قذائف مائية من جانبَي السيارة، وفي نفس اللحظة أطلق «بو عمير» صواريخ الدخان، ثم انحنى في اتجاه اليمين اتجاهًا حادًّا … اهتزت السيارة بعنف وقال «بو عمير»: لقد هربنا منها. وفجأة، انقض «هوفر» على «بو عمير»، حتى إن السيارة فقدت توازنها، ولم يستطع «بو عمير» السيطرة عليها … غير أن «أحمد» أخرج مُسدسه بسرعة وضرب «هوفر» … ثم دفعه بقوة حتى سقط في المقعد الخلفي، واستطاع «بو عمير» أن يسيطر على السيارة أخيرًا … كان مؤشر البوصلة يُشير إلى الشمال، فأدار «بو عمير» وجه السيارة تبعًا للمؤشر … انتقل «أحمد» إلى المقعد الخلفي، ثم أخذ يشدُّ وثاق «هوفر» الذي كان يئن … عاد «أحمد» إلى مقعده فقال «بو عمير»: إن الغواصة تتبعنا …

أحمد: لا تدخل معها في صراع، حاول أن تزوغ منه …

غيَّر «بو عمير» اتجاه السيارة، ثم انطلق … كان الرادار ينقل صورة للغواصة التي كانت تقترب فعلًا … قال «أحمد»: اتَّجِه إلى «سردينيا»، وارفع سرعة السيارة، إننا نُريد أن نأخذهم إلى هناك، حتى لا يصِلوا إلى «مايوركا» …

غير «بو عمير» اتجاه السيارة. ثم أطلق صاروخًا دخانيًّا، وغير اتجاه السيارة مرة أخرى … لحظات … ثم اختفت صورة الغواصة من فوق شاشة الرادار … قال «أحمد»: لقد اختفت …

بو عمير: أعتقد أنه من الأصلح ألا تعرف وجهتنا …

صمت «أحمد» واستمر «بو عمير» … فجأة … اهتزت السيارة بعنف … قال «بو عمير»: لقد أصابتنا قذيفة مائية، غير أنها لم تؤثر …

كان «أحمد» يُفكر بسرعة، فقال: ما رأيك لو اشتبكنا معها؟ … فقال «بو عمير» وهو يأخذ طريقًا آخر: أعتقد أن هذا هو الصواب …

حولت السيارة اتجاهها في اتجاه الغواصة … ظهرت صورتها على الشاشة الصغيرة، وكانت الغواصة تتجه هي الأخرى في اتجاه سيارة الشياطين … قال «أحمد»: «فلنعطل ماكينات الغواصة.» … مدَّ يده وأدار زرًّا صغيرًا بدأت السيارة تهتزُّ بعنفٍ ثم خرج منها شريط من الضوء مُتجهًا إلى الغواصة … لحظة … ثم سكتت الغواصة تمامًا … ابتسم «أحمد» وقال: لقد انتهى الموقف …

اقترب «بو عمير» من الغواصة … كانت تقف مكانها بلا حركة … أدار الرادار فاستمع إلى إشارة لاسلكية، كانت تعني: «النجدة». ابتسم «أحمد» وقال: اقترب منها أكثر …

اتجه «بو عمير» إلى الغواصة حتى جاورها تمامًا … توقف بجوارها … كان «هوفر» قد بدأ يفيق فقال بصوتٍ ضعيف: ماذا حدث؟

أحمد: لا شيء، إنهم بعض الزملاء، يمارسون معنا هواية المطاردة …

هز «هوفر» رأسه، وكأنه يطرد شيئًا، ثم قال: إننا بجوار الغواصة تمامًا …

أحمد: نعم. هل تريد أن تتحدث إليها؟ …

نظر إليه «هوفر» ولم يرُد فأخرج «أحمد» مسدسه، وقال: سوف تتحدث إليهم بما أقول لك …»

هز «هوفر» رأسه موافقًا، وفتح «أحمد» ميكروفون الراديو ثم قال: هيا … تحدث …

هوفر: إلى الغواصة «بوف» إلى الغواصة «بوف» … هل تسمعني؟ …

ومن خلال الراديو جاء الرد: من الغواصة «بوف» من الغواصة «بوف» … نعم. من أنتم؟ …

أغلق «أحمد» الراديو ثم قال ﻟ «هوفر»: سوف أقوم أنا بالمهمة …

فتح الراديو، ثم تحدث: من العضو «هوفر» إلى الغواصة «بوف» من العضو «هوفر» إلى الغواصة «بوف» هل تسمعني؟ …

ردَّت الغوصة: من الغواصة «بوف» إلى العضو «هوفر» نعم نسمعك. أين أنت؟ …

أحمد: من العضو «هوفر» إلى الغواصة «بوف» … من القائد اليوم؟ …

الغواصة: من الغواصة «بوف» إلى العضو «هوفر» … الكابتن «مين» يُجيب …

أحمد: من العضو «هوفر» إلى الغواصة «بوف» … أعطني الكابتن «مين» …

الغواصة: إن الكابتن «مين» يتحدث …

أحمد: أهلًا كابتن «مين» …

مين: أهلًا «هوفر» … كيف حالك؟ …

أحمد: إنني بخير … هل أنتم في ورطة؟ …

مين: نعم … أين أنت؟

أحمد: إنني قريب منكم … ما الأخبار؟ …

مين: نفذت الخطة «ل» … ونحن على وشك الانتهاء … بعدها سوف ننقل الحوار …

أحمد: هل أنتم في الطريق إلى هناك؟ …

مين: نعم …

أحمد: عندي أوامر أن تعود إلى القاعدة … فقد تأجل الهجوم قليلًا …

مين: لقد توقفت الغواصة … ولا ندري سببًا لذلك …

أحمد: سوف يُصبح كل شيء على ما يُرام الآن … فقط، عُد إلى القاعدة سأكون على اتصال بك …

نظر «أحمد» إلى «بو عمير» الذي أوقف جهاز الضوء، فبدأ يسمع صوت مُحركات الغواصة …

قال: اتجه إلى الجزيرة سريعًا …

تحرك «بو عمير» حسب اتجاه البوصلة، وانطلق. في نفس الوقت، كان الرادار ينقل صورة الغواصة وهي تسير في أعقاب السيارة … نظر «أحمد» إلى «هوفر» وقال: ما هي الخطة «ل»؟

ابتسم «هوفر» ثم قال: إنها مجرد رمز للتحرك …

أحمد: أي تحرك تعني؟ …

هوفر: التحرك داخل البحر المتوسط … فهو في خطتنا نطلق عليه حرف «ل».

هز «أحمد» رأسه، ولم يتحدث … كان يعرف أن «هوفر» يكذب … كان «بو عمير» يبدو عليه الإجهاد، فقال له «أحمد»: أعطني مِقعد القيادة قليلًا …

تبادلا الأمكنة، وبدأ «أحمد» يقود السيارة … تمطى «بو عمير» ثم نظر إلى «هوفر»، الذي كان مُستغرقًا في تفكيره، وهو ينظر من نافذة السيارة … كانت مجموعات الأسماك تَسير بجوار السيارة وكأنها في حالة سباقٍ معها … كانت صورة الغواصة لا تزال تظهر على شاشة الرادار. أدار «أحمد» الرادار ثم تحدث إلى الغواصة: من العضو «هوفر» إلى الكابتن «مين» … هل تسمعني؟ …

مين: نعم أسمع …

أحمد: هل أنت على ما يرام؟ …

مين: نعم …

أحمد: لقد وصلتني إشارة من مركز القيادة تفيد أن الخطة «ل» قد دخل عليها بعض التعديل …

مين: متى وصلت؟ …

أحمد: منذ قليل …

مين: ما هو التعديل؟ …

أحمد: الفقرة «ع» …

صمت «مين» قليلًا، حتى شك «أحمد» في اختياره لهذا الحرف، فنظر إلى «هوفر» وقال: هل في الخطة هذا الحرف؟ …

ضحك «هوفر» في عنف، ثم قال: لا يوجد …

لحظة … ثم أتى صوت «مين»: «لا يُوجد حرف «ع» في الخطة …» فسكت «أحمد» قليلًا وأخرج «بو عمير» مُسدسه وصوبه إلى «هوفر» الذي ابتسم قائلًا: لا داعي لهذا … حرف «س» …

وبسرعة قال «أحمد»: من العضو «هوفر» إلى الكابتن «مين» هل تسمعني؟ …

وبسرعة رد «مين»: نعم أسمعك … لماذا سكت؟ …

أحمد: معذرةً … إن الحرف لم يكن واضحًا تمامًا … إن التعديل في الحرف «س» …

صمت «مين» ولم يرد … شك «أحمد» مرة أخرى في كلمات «هوفر» … لحظات ثم جاء صوت «مين»: لا يُوجَد في الخطة حرف «س» …

نظر «أحمد» إلى «هوفر» في غيظ، ثم أخيرًا قال: «مين» هل يمكن أن تقرأ لي الخطة؟

صمت «مين» نهائيًّا، فأدرك «أحمد» أن موقفه قد انكشف، فجأة اختفت صورة الغواصة من فوق شاشة الرادار … قال «أحمد» مُخاطبًا «بو عمير»: لقد أخطأت …

بو عمير: لا يهم … إننا نستطيع أن نجده …

دار «أحمد» بالسيارة دورةً واسعة … ثم بدأت مؤشرات الأجهزة تُشير إلى وجود جِسمٍ قريب … فجأة … ظهرت صورة الغواصة على الرادار … اقتربت الغواصة بسرعة وسجل الرادار انطلاق عدة صواريخ منها … اهتزت السيارة بعنف، حتى كادت تنقلب، قال «أحمد» بسرعة: «يجِب تعطيلها فورًا …» أدار «بو عمير» جهاز الضوء المُضاد، فخرجت حزمة قوية من الضوء اخترقت الماء في اتجاه الغواصة التي ظهرت واضحة الآن تمامًا … داخل حزمة الضوء … فجأة … توقفت حركة المؤشرات في السيارة، وانقطعت الذبذبات التي تدل على عمل الغواصة أو سكوتها … لقد سكتت الغواصة تمامًا … أدار «أحمد» جهاز الراديو، ثم تحدث إلى «مين»: كابتن «مين». هل تسمعني؟ …

«مين»: نعم … لقد توقفت الغواصة مرة أخرى.

ثم بعد لحظة: «هوفر»، يبدو أن هناك شيئًا …

قال «بو عمير» وهو يُغلق الراديو: يجب أن نتخلص منها … فإنها سوف تدور عندما تُصبح خارج تأثير الضوء المضاد …

ضغط «بو عمير» زرًّا بجوار زر الضوء المضاد، وانتظر قليلًا … لحظة، ثم حدث انفجار مكتوم جعل الأمواج تثور، والسيارة تهتز بعنف … حتى إن «هوفر» أصبح في المقعد الأمامي بجوار «بو عمير» الذي قال: لقد انتهى كل شيء …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤