واحد … واحد … إلى المقر!

انفجرت الغواصة … بعد أن وجه إليها «بو عمير» درجةً عالية من الضوء المُضاد … اعتدلت السيارة، وأخذت طريقها حسب البوصلة … قال «بو عمير»: يبدو أنه لم يعُد أمامنا وقت طويل …

استمرت السيارة في تقدمها، وقال «أحمد»: ينبغي أن نتجه إلى مكانٍ خالٍ من الناس حتى لا ننكشف …

فتح «بو عمير» جهاز الراديو، ثم بدأ يرسل رسالة مُتردِّدة: «شياطين … شياطين … شياطين … شياطين.»

توقف تردُّد كلمة الشياطين … ثم جاءت رسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، نحن هنا عند خط طول ٣.»

أرسل «بو عمير» رسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، إلى أين نتَّجِه؟ …»

جاءه الرد: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، إلى خط ٢ …»

أدار «أحمد» مقدمة السيارة في اتجاه الخط الذي حدده الشياطين، وأرسل «بو عمير» رسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، إلى اللقاء …»

مضت ربع ساعة … وعندها ضغط «أحمد» زرًّا خاصًّا، فجعل السيارة تصعد في هدوء. شيئًا فشيئًا، بدأ الضوء يظهر حتى أصبحت السيارة فوق سطح الماء …

ظهر شاطئ الجزيرة قريبًا تمامًا … اتجه «أحمد» إلى الشاطئ … كانت خلجان صغيرة تُشابه خلجان جزيرة «مايوركا» تمتدُّ على طول الشاطئ، فانتقى «أحمد» خليجًا مناسبًا ثم دخل فيه … لحظة … ثم بدأت السيارة تصعد إلى الأرض … ومن بعيد، ظهر «مصباح» و«خالد»، ما إن رآهما «أحمد» حتى أضاء نور السيارة … كانا مُتعبَين تمامًا، والتقى الشياطين باشتياق. قال «خالد»: إلى المقر أولًا …

أحمد: إن معنا صيدًا ثمينًا … لا يجب أن يفلت …

مصباح: إلى المقر إذن …

عاد الشياطين إلى السيارة، وجلس «خالد» في مقعد القيادة، ثم انطلق كالريح … وخلال مدينة «أيلسيوس» أخذوا طريقهم إلى المقر السري الخاص بالشياطين، وعندما وصلوا، انفتح الباب بسرعة فدخلت السيارة، ثم أُغلق الباب …

توقفت السيارة، فنزل الشياطين، ثم نزل «هوفر». أخذوه إلى الداخل، وعندما استقروا في المقر قال «مصباح»: ينبغي أن ترتاحوا … إن الإجهاد يبدو عليكم واضحًا …

دخل «أحمد» و«بو عمير» كلٌّ منهما في حجرة، واستغرقا في النوم … في نفس الوقت … كان «مصباح» يُرسل رسالةً إلى جزيرة «مايوركا»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» لقد التقينا … ما الأخبار؟ …»

جاء الرد بعد قليل من «باسم»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» نحن بخير … أتمنَّى لكم التوفيق».

كان «هوفر» يرقُب ذلك كله دون أن يفهم شيئًا، لكنه كان يظنُّ أن الشياطين عصابة تنافس عصابته. نظر إلى «خالد» وقال: إنني أستطيع أن أنضم إليك … ابتسم «خالد» وهو يقول: فيما بعد سوف نضمك إلينا …

اقترب «مصباح» من النافذة ينظر منها، كان الجو رائعًا … فكر قليلًا ثم أشار إلى «خالد» الذي اقترب منه … قال «مصباح»: ما رأيك، لو عرفنا طبيعة الجو في «مايوركا»؟

خالد: فكرة طيبة! …

أرسل «مصباح» رسالة إلى «باسم» و«زبيدة»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» هل عندكم أمطار؟ …»

بعد قليل جاءه الرد: «من «ش. ك. س» … المطر غزير والرياح عاتية! …»

نظر «مصباح» إلى «خالد» وقال: إن العصابة لا تزال تُمارس سيطرتها الجوية! …

ابتسم «خالد» ولم يرد …

مضت ساعة، ثم ظهر «أحمد»، وكان يبدو نشيطًا … رأى «مصباح» و«خالد» … يقفان بجوار النافذة، بينما «هوفر» يغط في نوم عميق … قال «أحمد»: الجو رائع … ترى ما هو الجو في «مايوركا»؟ …

ابتسم «مصباح» ﻟ «أحمد» ثم اقترب «أحمد» من «هوفر» وسأله: والآن، يا مستر «هوفر» ما رأيك. ألا يجِب أن نبدأ عملنا؟ …

كان «هوفر» يفتح عينيه في تلك اللحظة، ثم قال: كما تحب! …

اقترب «أحمد» منه، ثم فك وثاقه وهو يقول: ينبغي أن تكون عاقلًا، وهادئًا … وإلا فقد تخسر كل شيء! …

هز «هوفر» رأسه، وأخذ يَثني ذراعيه ويفردهما … أحضر «أحمد» جهاز التليفون ثم قال: كم الرقم؟

فهم «هوفر» أن «أحمد» يريد رقم تليفون العصابة … قال في تردد: أعطني التليفون وسوف أطلب أنا الرقم …

أحمد: سوف أطلبه بنفسي! …

صمت «هوفر» قليلًا … كان يفكر في النهاية قال: «إنه ٩٨٦٧٤٣.» … أدار «أحمد» القرص، ثم انتظر قليلًا، كان جرس التليفون يرن … لحظة … ثم جاءه صوت يقول: «من المتحدث؟» قلد «أحمد» صوت «هوفر» وقال: إنني «هوفر»!

الصوت: ألست في «مايوركا»؟

أحمد: «لا … إنني هنا في «إيلسيوس» إن الموقف صعب! …

الصوت: كيف؟ …

أحمد: ألم تصِلكم أخبار الغواصة «بوف»؟

الصوت: لا … ماذا هناك؟ …

أحمد: لقد انفجرت …

الصوت: انتظر قليلًا …

سكت الصوت، وانتظر «أحمد» قليلًا … كان يراقب «هوفر» الذي ظهرت عليه علامات الخوف.

قال «أحمد»: «لا تخف!» وجاءه الصوت مرة أخرى: احضر سريعًا! …

أحمد: إنني مُتعب تمامًا … ولا أستطيع الحركة …

الصوت: أين أنت؟ …

أحمد: خذ العنوان … شارع ٩٨ رقم ١٣.

الصوت: سوف أكون عندك سريعًا …

كان «هوفر» يراقب «أحمد» دون أن يسمع كلمات الطرف الآخر … اقترب «أحمد» منه، ثُم أوثق يدَيه وهو يقول: معذرةً إنها ضرورة …

شدَّ وثاقه إلى كرسي، ثم اتَّجَه إلى إحدى الحجرات … في نفس اللحظة ظهر «بو عمير» على الباب صائحًا: إلى أين؟ …

أشار إليهم «أحمد»، فتَبِعه الشياطين إلى حجرة حيث عقدوا اجتماعًا سريعًا … قال «أحمد»: إننا نستطيع أن نقبض على من يأتي منهم هنا، وبذلك تصبح قوتهم ضعيفة إذا ذهبنا إليهم في مقرهم. إن «مصباح» سوف يفتح الباب ويقود القادم … عندما يدخل وبعد خطوات، يتولى «خالد» الأمر …

لحظة … ثم سمع الشياطين جرس الباب الخارجي … أسرعوا إلى الصالة حيث يرقُد «هوفر»، ثم حمله «أحمد» و«بو عمير» إلى حجرة داخلية وأوثقوه إلى السرير … في نفس الوقت … كان «مصباح» يضغط زرًّا، انفتح على إثره الباب الخارجي، وسمعوا صوتًا ينادي «هوفر»: أين أنت؟

قلد «أحمد» صوت «هوفر» في نفس الوقت الذي تقدم فيه «مصباح» إلى الباب الداخلي للمقر ليفتحه … قال «أحمد»: إنني هنا … افتح يا «جاك». فتح «مصباح» الباب، ثُم ابتسم قائلًا: «أهلًا بك …» ظهر رجل ضخم الجثة، وقال بصوت أجش: أين «هوفر»؟

أجاب «مصباح»: إنه في الداخل!… هل معك أحد؟ …

أجاب الرجل: نعم. هناك ثلاثة في السيارة …

أشار له «مصباح» بالدخول، فدخل … ولم يكد يمشي خطوتين حتى أغلق «مصباح» الباب فجأة … كان «خالد» قد لوى ذراعي الرجل بقوة حتى إنه صاح: ما هذا؟ …

قال «خالد»: إنه نوع من الترحاب …

الرجل: دع ذراعي! …

وفي أقل من لمح البصر، كان «خالد» يطير في الهواء … فقد انحنى الرجل في سرعة، ثم ضرب «خالد» بكعب حذائه، مما جعله يطير … غير أن «مصباح» الذي كان قريبًا في تلك اللحظة، أسرع بتوجيه لكمةٍ قوية إلى الرجل جعله يترنح ويستند إلى الحائط، في اللحظة التي كان «خالد» فيها قد استعاد توازنه … فطار في الهواء، وضربه بحذائه إلا أن الرجل استطاع أن يتفادى الضربة ويمسك بقدم «خالد» ثُم جذبه بقوة … وما كاد يلفُّ به، حتى كان «مصباح» قد اندفع، ثم اصطدم برأسه في بطن الرَّجُل … فتراجع وارتطم بالجدار، توقف الرجل قليلًا بعد أن أفلت «خالد» منه … كان يبدو مُتعبًا تمامًا … نظر إليهما بشراسة في نفس اللحظة التي ظهر فيها «أحمد» على الباب … أدرك الرجل أنه لن يستطيع عمل أي شيء …

قال في هدوء: أين «هوفر»؟ …

أجاب «أحمد»: إنه موجود … تفضل …

أشار له بالدخول، غير أن الرجل تردَّد طويلًا قبل أن يتقدَّم في حذَر … نظر إلى «أحمد» بحدة، ثم قال: ماذا تريدون؟ …

أحمد: «لا شيء … إن «هوفر» متعب قليلًا … ويريد أن يراك …» توقف الرجل عن الحركة ونظر حواليه … قال «أحمد» في هدوء: «لا داعي … إنك تستطيع أن تستسلم في هدوء … وتكسب نفسك» … تقدم الرجل، حتى دخل الصالة فوقف ينظر إلى «بو عمير» الذي قال: أهلًا بك …

لم يرد الرجل، فسأله «أحمد»: هل يمكن أن نتعرف إليك؟ …

تردَّد الرجل لحظة، لكنه أدرك أنه قد وقع في فخ … قال: «اسمي «كالياري» …» فرد «أحمد»: أهلًا مستر «كالياري»، نحن سعداء بلقائك … تفضل … تقدم «كالياري» حتى جلس … لحظة، ثم دقَّ جرس الباب الخارجي. نظر «أحمد» إلى الشياطين، فاتجهوا إلى الخارج … ظل «بو عمير» في مكانه، وأخرج «أحمد» حبلًا مَتينًا، ثم تقدَّم من «كالياري» وقال: معذرةً … مجرد إجراء احتياطي …

كالياري: لماذا؟ …

أحمد: فيما بعد سوف تعرف …

استسلم «كالياري» … فاقترب منه «أحمد»، ولم يكد يلف الحبل حوله، حتى كانت لكمة قوية تأخذ طريقها إلى بطن «أحمد» … غير أن «كالياري» صرخ … لقد أصابت يدُه مُسدس «أحمد» الذي شعر ببعض الألم، وترنح قليلًا … قفز «كالياري»، ولِعُنف الضربة تهاوى. قفز «بو عمير» في الهواء، واستغل تهاويه وضربه ضربةً جعلته يسقط على الأرض … وبسرعة أوثقاه ثم جرَّاه إلى إحدى الحجرات … في نفس اللحظة كان «مصباح» يفتح الباب الداخلي ليظهر عملاق آخر … نظر إلى «مصباح» في حدة، وقال: أين «كالياري»؟ …

ابتسم «مصباح» في هدوء وقال: تفضل … إنه في الداخل مع مستور «هوفر»! …

نظر الرجل إلى «مصباح» في شك، ثم تراجع قليلًا وقال: إن معي زميلاي في السيارة! … قال «مصباح» في ثقة وأدب: «إنني أستطيع أن أدعوهما، هل تسميهما لي؟ …» تردَّد الرجل لحظة، ثم قال: إنهما «بوب» و«جت» …

مصباح: سوف أدعوهما …

تقدم الرجل عدة خطوات … ثم فجأة … هبط «خالد» فوق رأسه كالجبل، ترنَّح الرجل قليلًا ثم مد يديه ليمسك «خالد»، إلا أن «مصباح» كان قد اشترك بسرعة، فضربه في ركبته ضربة عنيفة، فتهاوى كالذبيحة، وفي لمح البصر … كان «أحمد» و«بو عمير» يَشُدَّانه إلى إحدى الحجرات، وأوثقاه جيدًا …

فتح «مصباح» الباب الخارجي بعد أن ضغط على الزر، ثم نظر من العين السحرية للباب الداخلي … رأى عملاقَين يتقدَّمان … وعندما اقتربا تمامًا، فتح الباب وهو يبتسم …

ثم قال: مستر «بوب»؟

قال أحدهما في شراسة: إنني «جت» …

مصباح: تفضلا! …

تقدم «جت» و«بوب» في تردُّد … أغلق «مصباح» الباب، فتقدم الرجلان قليلًا حتى تجاوزا باب الصالة … لم يتحرك «خالد» من مكانه … دخلا الصالة، وما أن تقدَّما خطوة، حتى كان «مصباح» و«خالد» قد اشتبكا معهما … كان «بوب» ضخمًا حتى أنه أطاح ﺑ «خالد» في ضربةٍ واحدة … إلا أن «بو عمير» كان أسرع من البرق، عندما قفز إليه، وأمسكه من شعره الغزير ثم أخذ يهزُّه في عنف، في اللحظة التي كان فيها «خالد» ينزل بكعب مُسدسه فوق رأسه … ترنح «بوب» قليلًا، ووضع يديه فوق رأسه، ثم اندفع في شراسةٍ في اتجاه «أحمد» … إلا أن «أحمد» طار في حركة كاراتيه ثم ضربه في ظهره ضربة قوية، جعلته يندفع ثم يصطدم بالحائط في عنف …

عندما سقط «بوب» على الأرض، كان «خالد» و«مصباح» قد أوثقا «جت» ذا البنية القوية. وقف الشياطين ينظرون إلى بعضهم، ثم رفعوا أصابعهم بعلامة النصر … قال «أحمد»: يجب أن ننتهي من العملية الليلة …

بو عمير: إن الليل يُعطينا فرصة لإنهائه …

أوثق «خالد» «بوب» وقال «أحمد»: يجب أن نعرف العنوان فورًا …

رفع سماعة التليفون، ثم أدار قرص الدليل، فجاءه صوت موظف التليفون يسأله عما يريد … أخبره برقم التليفون. وقال إنه يريد عنوانه … لحظة … ثم أملاه الموظف العنوان … عندما وضع سماعة التليفون … قال: إننا ندخل المرحلة الأخيرة …

كان الليل قد بدأ يهبط على المدينة … نظر «أحمد» من النافذة، كانت الأضواء تلمع في الخارج … نظر إلى الشياطين، وبدءوا يأخذون طريقهم إلى الخارج … هل تكون هذه هي النهاية؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤