التشاؤم والتفاؤل

لماذا نتشاءم، ولماذا نتفاءل؟ هناك مَن يذهب إلى أن التشاؤم والتفاؤل لفظان مختلفان لمعنًى واحد، هو الوهم؛ فالمتفائل إنسان يرى ضوءًا غير موجود، والمتشائم إنسان يحاول إطفاء ذلك الضوء غير الموجود!

وهذا كلام مريح، ولكنه ليس الحقيقة؛ فنحن في حياتنا نتشاءم من ناس، وأيام، وأرقام، ونتفاءل بناس، وأيام، وأرقام.

وقد حاولتُ عبثًا أن أتحرر من هذا الوهم، أو هذه الحقيقة، وما زلت إلى اليوم أتشاءم من الرقم الذي يلي رقم ١٢ في الصعود فلا أكتبه، ولا أنطقه، وفي حياتي أشخاص إذا رأيتهم واجهت يومًا ضاحكًا، وأشخاص إذا رأيتهم واجهت يومًا عبوسًا!

ولم يكن بدٌّ من أن ألقى صباحَ اليوم واحدًا من هؤلاء!

استقبلتُه في البيت، واعتزمتُ أن أعتكف طول النهار حتى لا أتعرض لخطرٍ مجهول، ولكني اضطررت إلى الخروج لعيادة صديق مريض لم أعلم بمرضه إلا أمس، وذهبتُ إلى المستشفى فعلمتُ أن الصديق غادره من عشرة أيام مضت فحمدت الله، وفي المساء تلقيت نعي صديقي!

وذهبت إلى دار الفقيد لأؤدِّي واجب العزاء، فلم أجد أحدًا في الدار، وسألت الجيران عن المأتم، وقيل لي إن المأتم أُقِيم في البلد منذ أسبوع.

وفهمت أنَّ ما ظننتُه نعيًا للفقيد، لم يكن إلا شكرًا من الأسرة للمعزين!

وكانت سيارة أجرة تنتظرني، فركبتها وطلبت من السائق أن ينطلق بي في شارع الهرم، فقد كنت في حاجةٍ إلى هواء طلق، ولما وصلنا إلى نهاية الشارع، أشرتُ إلى السائق أن ينتظر أمام أحد المطاعم، وهناك طلبتُ دجاجة خالية من العظام، وأحضَرَ لي الجرسون عظامًا خالية من الدجاج، ونهضت لأدفع الحساب، فلم أجد حافظة النقود، وخرجت إلى الشارع أبحث عن السيارة فوجدتُها، ولكني لم أجد فيها حافظة النقود!

وسألتُ السائق: هل يستطيع أن يقرضني جنيهًا؟ وأعطاني الجنيه، ودفعت ثمن العشاء، وركبت السيارة عائدًا إلى بيتي، وقال لي السائق: هل بحثتَ جيدًا في جيوبك عن حافظة النقود؟ ولم أُجِبْه بشيء؛ فقد كنتُ واثقًا من أن نقودي ضاعت في سيارته وأنه وجدها وأخذها!

ولما وقفَتِ السيارة أمام البيت، نزل السائق من مكانه، وأدخل رأسه في الجزء الخلفي من السيارة، وأشعل عود كبريت، وفتَّشَ تحت الكنبة، فوجد حافظة النقود، فقدَّمَها لي وهو يحمد الله. شعرتُ بخجلٍ شديد؛ لأني أسأت به الظن، وأعطيته حسابه، وكافأته على أمانته بثلاثة جنيهات.

هذه المضاعفات كان يمكن أن تقع لي دون أن أرى واحدًا ممَّن يثيرون تشاؤمي، ولكنها لم تقع إلا بعدما رأيتُ هذا الواحد فعلًا!

إن المنطق يهزأ من المتفائلين والمتشائمين، ولكن هل نحن نسير في حياتنا بالمنطق؟

إننا نقف، ونتحرك، ونعيش بهواجس نفسية مبهمة، وقد نستطيع أن نسيطر أحيانًا على هواجسنا، ولكن الهواجس تعود وتسيطر علينا في أكثر الأحيان!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤