الفصل الحادي والعشرون

الحركة العربية والخلافة

الحلف عند العرب

يلجأ المستعمرون دائمًا إلى الوسائل الفعالة في البلاد التي يرمون للاستيلاء عليها، فهم يجذبون الشعوب بإحياء عاداتها القديمة أو بالضرب على الأوتار الحساسة في نفوسها، وليس الحلف العربي بدعة تخيلها الأجانب إنما هو إحياء لعادة قديمة يريدون أن يتخذوا منها سلاحًا.

فقد ألَّف العرب في الجاهلية حلوفًا شتى لحفظ التوازن بين القبائل وذَوْد القوي عن الضعيف، وأشهرها وأقربها حلف الفضول، وقد وصفه الخثعمي قال:

كان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به، وأشرفه، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب. وكان سببه أن رجلًا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل وكان ذا قوة بمكة وشرف، فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار ومخزومًا وجُمح وعدي بن كعب فأبوْا أن يعينوه على العاصي بن وائل وانتهروه.

فلما رأى الزبيدي الشر أَوْفَى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، وصاح بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته
ببطن مكة نائي الدار والثغر
ومحرم أشعث لم يقضِ عمرته
ياللرجال وبين الحِجْر والحَجَر
إن الحرام لمن تمت كرامته
ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مَتْرَك! فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان فصنع لهم طعامًا وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قيامًا فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونُنَّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدَّى إليه حقه، ما بلَّ بحر صوفة وما رسا حراء وثَبِير مكانهما، وعلى التأسِّي في المعاش. ثم مشوْا إلى العاصي بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه، وقال الزبير:

حلفتُ لنعقدنَّ حلفًا عليهم
وإن كنا جميعًا أهل دار
نسميه الفُضُول وإنْ عقدنا
يعِزُّ به الغريب لدى الجوار
ويعلم مَنْ حوالي البيت أنَّا
أُباة الضيم نمنع كل عار

فيظهر من ذلك أصل الحُلُوف العربية أنها كانت أنظمة عرفية غايتها إنصاف المظلوم من الظالم وحماية الغريب المسلوب من الوطني السالب. أما الحلف العربي الذي ظهر في السنين الأخيرة فلم تكن غايته إلا خدمة السياسة الأجنبية، ولم نسمع بحلف يكون لرد غارة الأجنبي الفاتح أو لحماية الوطن من اعتداء صارخ، إذ العرب لا يتحدون ضد الأجنبي ولكنهم يمالئونه للقضاء على أنفسهم، فهم يأبون الحلف حيث يجب الحلف ويسعون إليه حيث يكون ضد مصلحتهم.

وكان الملك حسين قبل أن يفقد عرشه في مكة ينادي بحلف عربي، بل بالغ في الأمر فنشد الوحدة العربية، ولكن الواقفين على بواطن الأمور يعلمون أن دعوته لم تتعدَّ حد التمني، ولم يكن الحسين يعني ما يقول لأنه يعلم أنه مهما نادى فلن يتعدَّ نداؤه آذان الحجاز وشرق الأردن وفلسطين، وإن كانت المملكتان الأخيرتان تحت الحماية الإنجليزية، أما العراق فهو حتمًا أجنبي عنه وعن دعوته. فالوحدة العربية التي نادى بها الحسين قبيل هجوم ابن سعود عليه كانت خيالًا، لأنها إن لم تضم عامة أمراء الجزيرة فلا تعد وحدة. واجتماع كلمتهم في عهد الحسين كان محالًا، لأن اليمن لا يعترف له بنفوذ، وابن سعود يتحفز للهجوم عليه والقضاء على ملكه، وإمارة العسير في حكم الأدارسة وواقعة تحت نفوذ الإنجليز، وأمراء البحرين وإمام عمان ومسقط وشط العرب وكل السلاطين الذين على الخليج الفارسي كسلطان لحج والأمير خزعل وغيرهم لا يلبون هذا النداء لأنهم لا مصلحة لهم في الحلف، وهم يطيعون أوامر القنصل البريطاني، ومعظمهم ألهاه الغنى أو المرتب الذي يتقاضاه عن المسائل السياسية. فكيف يوجد حلف عربي أو وحدة عربية وكل الممالك التي يؤلَّف منها خاضعة لحكم الأجنبي ومغلوبة على أمرها؟ وكل حلف لا يدخله الإمام يحيى لا يعد حلفًا، وبعد زوال الملك حسين كل حلف لا يدخله ابن سعود والإمام يحيى لا يعد حلفًا، وإذا رأى صغار السلاطين والأمراء في الشرق والجنوب الشرقي كبار الجزيرة يأتلفون فهم لا شك يقلدونهم وينضمون إليهم.

وكان الملك حسين في الفترة التي دعا إليها للحلف العربي يبغض ابن سعود ويخشاه، يخشاه لأن ابن سعود كان يهاجم شرق الأردن وقد هزم الأمير عبد الله في وقعتين ويهدد فلسطين، والحسين يعرف قوته وبأسه، وكان يبغضه لأنه رأى أنه رجل المستقبل في الجزيرة بعد أن خاب هو في سياسته وحربه وبعد أن جر الخراب على العرب والأتراك معًا، فكانت دعوته إلى الحلف العربي بمثابة الخدعة لنفسه والإيهام لغيره بأنه لا يزال الزعيم المفدَّى والمنقذ المرتقب. فذهبت صيحته صرخةً في وادٍ.

الخلافة والملايين

لما توفي الحسين بن علي ملك الحجاز الأسبق، وخليفة المسلمين لبضعة أيام، وسجين قبرص تحت إمرة صديقه ستورز، وطليق مرض الموت الذي لجأ أثناءه إلى عمان التي يحكمها ولده عبد الله ويزوره فيها الملكان فيصل وعلي والأمير زيد، لما توفي المذكور في يونيو سنة ١٩٣١ ودفنوه في قبر في بيت المقدس (كأن دفن المشهورين من المسلمين صار خطة تقتدى أو «مودة» تتبع بعد دفن المغفور له محمد علي الهندي)؛ أخذ كُتَّاب العرب وغيرهم يتبارون في الكتابة عن الرجل كعادتهم ليقول كل منهم كلمته، فأجمع كلهم على أن الرجل كان حسن النية في ثورته ولكن الحظ خانه ورجال السياسة من الحلفاء خدعوه وضحكوا على لحيته، ولكنه لم يُخدع مجانًا بل خدع مقابل بضعة ملايين من الجنيهات وصلت إلى يده ويد قومه والمحاربين من أتباعه والجواسيس والخونة وغيرهم ممن التفوا حوله في ظروف الحرب الحرجة، وهم أشبه الأشياء بالطيور الجارحة التي تحوم حول الرميم والجيف. (انظر كتاب «الثورة في الصحراء» تأليف لورنس، طبع لندن سنة ١٩٢٧، وهو وجيز لكتاب «عُمُد الحكمة».)

وقد جمعتنا مجالس شتى برجال ممن عرفوا الحسين وعاشروه واختلطوا به وساعدوه في عمله أو نصحوه في أثناء قيامته وحذروه من المستقبل القريب والبعيد، فكان الوصف الذي ظفر به من معظمهم هو العناد وشدة المراس في أفكاره التي تنبت في ذهنه المريض، والاعتداد بالنفس إلى درجة بعيدة جدًّا.

وكان يظن نفسه أعظم الناس طُرًّا، وأقدرهم في مواطن السياسة والتدبير والحرب، وأن الإنجليز وغيرهم لا يقدرون على خداعه. ونسب إليه أحد المقربين منه أنه قال أثناء الحرب:

إن الحلفاء الآن محتاجون إلينا أشد الاحتياج، فيجب علينا أن نستغل احتياجهم بأقصى ما نستطيع من وسائل الاستغلال، لأنه سيأتي يوم يستغنون هم فيه عنا، وحينئذ يلفظوننا لفظ النواة.

رواها الريحاني وأرسلان والخطيب.

ولكن هذا الرجل لم يكن يعلم أن الحلفاء وغيرهم من الأوروبيين، ولا سيما الدولة التي استخدمته في الثورة، تتخذ لكل الأمور عدتها، وهي تدفع له المال وتبسط يدها لا على أنها مخدوعة أو مضحوك عليها ولكن على أنها تستأجره وتستخدمه هو ومن معه ومن يمت إليه بعلاقة، وقد دفعت بسخاء حتى إن لورنس قال لبعض أخصائه: إن الثورة العربية كلفت خزانة الحلفاء سبعة ملايين من الجنيهات (وكان يقول من الفارس الخيَّال يقصد الجنيه الإنجليزي). حتى إذا جاء اليوم الذي يحتج فيه الحسين أو غير الحسين عليهم بنقض العهود وخلف الوعود ردوه بأن العرب كانوا مأجورين وقد أخذوا أجرهم وزيادة. وماذا يهمهم أن الحسين يبايَع بالخلافة في عمان أو في غير عمان إذا كانوا يعلمون أن العاقبة لهم ولمن يمدونه بأموالهم وأسلحتهم؟

إن مسألة الخلافة كان لها خطرها وشأنها بعد أن طَرد كمال باشا الخليفة والأسرة السلطانية من تركيا. قال محدثي: وقد ظن الحسين أن الفرصة سانحة لجلوسه على عرش الخلفاء، فجاء عمَّان في يوم من أيام يناير سنة ١٩٢٤ وكان استقباله فخمًا جدًّا، وصار العرب يهتفون له باسم المنقذ الأعظم وصاحب النهضة، وألقوا على مسامعه الخطب والقصائد، فرد عليهم بكلمة وجيزة جاء فيها قوله:

أنا لا أتنازل عن حق واحد من حقوق البلاد! لا أقبل بالتجزئة ولا بالانتدابات، ولا أسكت وفي عروقي دم عربي عن مطالبة الحكومة البريطانية بالوفاء بالعهود التي قطعتها للعرب، إذا رفضت الحكومة البريطانية التعديل الذي أطلبه فإني أرفض المعاهدة كلها ولا أوقِّع المعاهدة إلا بعد أخذ رأي الأمة. إني عامل دائمًا في سبيل الوحدة العربية والاستقلال التام للأقطار العربية كلها في الحجاز وسورية والعراق ونجد!

وبعد الولائم والمآدب التي حضرها كبار الإنجليز وهم الذين سمعوا الخطبة، بويع الحسين بالخلافة ونودي به خليفة على المسلمين وأميرًا للمؤمنين، وكانت هذه المبايعة في نظر رجال السياسة «صحوة الموت» التي تسبق الوفاة بقليل! ثم عاد الملك إلى مكة وقد صار خليفة المسلمين!

وكان الإنجليز يعلمون مدى هذه المبايعة، وقد علموا من عناد الحسين وتشبثه ببعض الأمور التافهة ما علموا فأعدوا ابن سعود لمحاربته، فعقد في غرة ذي القعدة من السنة نفسها (١٣٤٣) مؤتمرًا صوريًّا في الرياض تباحثوا فيه في ضرورة الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج، وأفتى علماء الوهابيين ومنهم سعد بن عتيق بوجوب الحج، وخطب ابن سعود خطبة من خطبه البدوية، وقال سلطان بن بجاد: «إذا منعنا الشريف حسين دخلنا مكة بالقوة!»

ومما جاء في أقوال ابن سعود:

إن شريف مكة هو الوارث من أسلافه بغضَنا، وكلما دنوت منه تباعد عنا أي ورب الكعبة! لا أرى الاستمرار في خطة لا تعزز حقوقنا ومصالحنا!

فهتف الجميع: «توكلنا على الله! إلى الحجاز! إلى الحجاز!»

فإذن لفظ الإنجليز عرب الحجاز وملك الحجاز والمنقذ الأعظم لفظَ النواة وحركوا عليه الإخوان بعد أن رأوا تشبثه وعناده وحرصه (بعد فوات الأوان وضياع الفرصة) على الاستقلال والكرامة. ولكن السلطان عبد العزيز لغرض حربي أمر بغزو الشرق العربي قبل الزحف على الحجاز، واتخذ عبد العزيز ذريعة لذلك تغريم قبيلة بني صخر ٢٠٠ ألف ليرة تضمينًا لسلامة التجارة والتجار بين نجد وسوريا، ولم تكترث حكومة عمان لهذا الحكم فلجأ ابن سعود إلى القوة وسار بجيش لمحاربتها.

ووقعت معركة بين النجديين وعرب الأردن وكان بيك باشا القائد الإنجليزي لجند الأمير عبد الله فأرسل الطيارات والسيارات على الفريقين! وكان الملك حسين في تلك اللحظة راقدًا بمكة متوسِّدًا وسادة الخلافة العظمى مطمئن البال واثقًا مما تضمره الأيام وهو يدبج المقالات لجريدة «القبلة» ويذكر «كمالات حكومة بريطانيا ويشكر حسياتها الرقيقة» ولكنه في الوقت نفسه لا يتنازل عن حقوق العرب ولا يوقع المعاهدة!

الوهابيون يهاجمون الحجاز بأمر من؟

وفي هذه اللحظة نفسها التي كان يحلم فيها الحسين بخلافة العباسيين والسيادة على سائر المسلمين في أنحاء الأرض كان جيش من الوهابيين مؤلف من ١٥ لواء يزحف على الطائف، وقد هزم جيش الحسين أولًا في الحوية، ثم سار الأمير علي الذي صار فيما بعد ملكًا إلى الطائف ثم خرج منها، وفي ٧ سبتمبر ١٩٢٤ دخل الوهابيون الطائف فاتحين وذلك بعد مبايعة الحسين بالخلافة بثمانية أشهر، وقد أتى بعض الوهابيين الحفاة العراة السلَّابين النهَّابين القساة من ضروب الفتك والقتل والخطف في مدينة الطائف أمورًا بشعة، ولا غرابة فهم يعتبرون المسلمين من غير الوهابيين أعداء لهم ألداء، وترى الوهابي يفضل المسيحي واليهودي على العربي السني، ويقولون: إن المسلمين الذين لم يتوهَّبوا «إنهم لا يزالون في الجاهلية»! فهم يعتبرون الإسلام على حالته الحاضرة جاهلية بالنسبة لعقيدتهم، ولذا فقد انتقموا من أهل الطائف شر انتقام. ونحن نعتقد أن دماء القتلى واقعة على رأس الحكومة الحسينية، فقد بقي الحسين مستقلًّا تسع سنوات واستولى على القناطير المقنطرة من الذهب، وهو مع ذلك لم يعمل عملًا صالحًا لوقاية هذه الأسر والبيوت المطمئنة في مدن الحجاز، وكان فعله وفعل أولاده في أوائل الثورة المنحوسة أنهم أهلكوا المدينة والطائف لأنهما كانتا في أيدي الترك، وحل بنسائهم وأولادهم وبأعيان البلاد ما حل. والآن جاء دور الانتقام فترى سلطان بن بجاد وخالد بن منصور وأمير الخرمة، وهما من قواد الإخوان، يمثلون الدور الذي مثله فيصل وعلي وعبد الله في سنة ١٩١٧ فكانت ساعة الهَوْل والفَجْع، فإن بعض الوهابيين الذين ادَّعوا الإيمان كانوا يدخلون البيوت بعد تأمين أصحابها ثم يقتلونهم وينهبونها، ولم يفرق هؤلاء الأوغاد بين عربي وأجنبي فامتدت أيديهم بالقتل والنهب إلى الهنود والجاويين، وقد أظهر الملك عبد العزيز أسفه فأمر بتأليف لجنة للتعويض على الضحايا. وقد قتلوا الشيخ الزواوي مفتي الشافعية، وروى شاهد عيان أنه رأى بعض الوهابيين يقتلون امرأة وطفلها وهي تحتضنه. وقتلوا أولاد الشيبي سادن الكعبة انتقامًا من أبيهم الشيخ عبد القادر.

وقد اضطر الشيبي أن يمثل دورًا محزنًا لينجو من القتل، فقد قبضوا عليه وهو أعزل واستلُّوا سيوفهم لقتله فبكي، فقال أحدهم:

وليس تبسي يا تسافر؟

أي ولماذا تبكي يا كافر؟

أجاب الشيخ: «أبكي والله من شدة الفرح، لأني قضيت حياتي كلها في الشرك والكفر ولم يشأ الله أن أموت إلا مؤمنًا موحدًا! الله أكبر، لا إله إلا الله.» فتركوه. ولما دخل سلطان بن بجاد الطائف طرد الناس من بيوتهم وساقهم إلى حديقة شبرا وحبسهم ثلاثة أيام وبعد أن نهب منازلهم وكنوزهم وأسلحتهم أطلق سراحهم!

وقد حاول الحسين وولده علي استرجاع الطائف ومقاومة الإخوان فهُزم جيشهما في «الهدى» في أواخر سبتمبر سنة ٢٤. ومن العجب أن كثيرين من عرب الحجاز واسمهم «المتدينة» بالنسبة إلى الإخوان، وكثيرين من جنود الجيش العربي قد شقُّوا عصا الطاعة على الحسين وأهله وانضموا إلى الوهابيين، وذلك فرارًا من الظلم والاستبداد وضيق العقل وسخافة الآراء. ولم يكن هؤلاء اللاجئون المساكين ليلتمسوا الرحمة من ألد أعدائهم إلا لعلمهم بأن الظلم أشد من العداوة وتحمُّل لؤم الحاكم القومي أقسى على النفس من ذل التسليم للفاتح الأجنبي. ولعنة الله على أهل اللؤم وأهل الظلم أجمعين!

من أكتوبر ١٩١٧–أكتوبر١٩٢٤

ومما يدل على عقلية الحسين أنه كان يعتقد أن في إمكانه طرد ابن سعود من الطائف ومن الحجاز، وطالما قال إن ابن سعود أمير من الدرجة الخامسة بين أمراء العرب. وفي الوقت الذي كان الحسين يرتب درجات الأمراء الذين انتصروا عليه وعلى جيشه اجتمع لفيف عظيم من الأعيان والأشراف والتجار واللاجئين من المدن المأخوذة (٣ أكتوبر ١٩٢٤) وطلبوا من الحسين أن يتنازل عن الملك لولده علي. ودارت بين الحزب الوطني الذي تألف في جدَّة وبين الحسين مراسلات مضحكة مدارها رغبة الحسين عن تعيين علي خلفًا له، ولكنه في ٢٥ ربيع أول ١٣٤٣ قَبِل، وفي اليوم التالي بويع علي ورجع إلى مكة، وفي ٩ أكتوبر سنة ١٩٢٤ وصلت إلى جدة القافلة الحسينية التي تحمل أمتعة الخليفة المخلوع والملك المعزول والمنقذ الذي نفَر شعبه من إنقاذه، وفيها عشرون جملًا تحمل أربعين صفيحة من صفائح البترول مملوءة ذهبًا أي حوالي ١٦٠ مائة وستين ألف جنيه.

وأقام الحسين أسبوعًا في جدة إلى ١٦ أكتوبر سنة ١٩٢٤ (سبع سنوات بالدقة بعد تسلمه كتاب مكماهون)، وفي تلك الليلة نزل إلى البحر هو وحرمه وعبيده، وكان نزوله إلى اليخت الذي اشتراه وأطلق عليه اسم الرقمتين، وكان يعده حتمًا لهذه السفرة الأخيرة.

يدعي الكثيرون من المؤرخين وكتاب الصحف أن سقوط الحسين يرجع إلى أسباب سياسية، أهمها رفضه المعاهدة الإنجليزية التي استمرت المفاوضة بشأنها ثلاث سنوات. والحقيقة أن الحسين قَبِل في الساعة الأخيرة — أي في الأيام التي تخللت الاستيلاء على الطائف ومعركة الهدى — أن يفاوض الحكومة الإنجليزية في تعديل مطالبه، فجاء وفد من مكة إلى وكيل إنجلترا في جدة ولكنهم ردوه خائبًا لأنه سبق السيف العَذَل أو الصيف ضيعت اللبن. وكانت جريدة التيمس تتشفى في المنقذ الأعظم وتقول بأنه لو وقع المعاهدة لأنقذته من ابن سعود وهذا صحيح، وإن كان أنصار الوهابي يدَّعون أن ذلك كان مستحيلًا بعد سقوط الطائف والهدى.

كان الحسين يحتقر أمراء العرب وقد جعلهم درجات، وكان يظهر في السياسة غير ما يبطن دائمًا، وهو يظن أن هذا منتهى الحِذْق والمهارة.

وكان شديد الاعتداد بنفسه ويعتبر شخصه أعظم شخص في العالم، وكان يزعم أن الحلفاء ينفذون خطته الحربية التي يضعها في جريدة القبلة، وأن آراءه وحي منزل، وأن تفسيره لبعض آيات القرآن أصح من تفاسير كبار الأئمة كالزمخشري والطبري والرازي، وأنه يستطيع بديوانه الخاص «مخلوان» أن ينقذ العالم العربي ويؤسس الدولة الشريفية كما يستطيع (بالقبو) أن يقتص من جميع أعدائه، والقبو أحد سجون القرون الوسطى أعاده الرجل إلى الوجود وأخذ يسجن فيه من يشاء لمدة غير محدودة ولأسباب مجهولة ولغاية لا يعلمها إلا الله، وهو أشبه بالباستيل في وسط مكة! كان الرجل مغرورًا وكانت حاشيته تساعده على الغرور بالمدح والنفاق. وقد اجتمعت في حاشيته الأضداد: ظلم الرعية وظلم نفسها وظلم العرب والإسلام وظلم كل من في حكومتهم، إلا المنافقين والمختلسين الذين سرقوا أمواله وأموال الأمة. وقد أقصى الرجل كل الرجال الصادقين المخلصين وأبغضهم وكرههم وكاد يهمُّ ببعضهم قتلًا وانتقامًا، وبحسن نية كان يقرب الخونة واللصوص والفاسدين فخرجوا من جدة قبل خروجه وبعده وفي حقائبهم بعض ما نهبوا، وقد سلبه أحدهم عشرات الألوف أخذها باسم شراء السلاح فاشترى بها في مصر ضياعًا وقصورًا، وكان موظف آخر مقرب منه نهب سبعين أو ثمانين ألف جنيه وابتنى بها قصورًا واشترى أطيانًا وهو يعيش الآن عيشة الملوك، وكان له جملة وكلاء في مصر وغيرها فاختلسوا عشرات الألوف. وهكذا تبدد معظم المال الذي ناله الحسين سواء من الإنجليز إبان الثورة أم من الحجاج المساكين الذين كانوا يدفعون الضرائب على كل شيء وحتى صفيحة الماء بيعت لهم في بعض الأحيان بجنيه إنجليزي ذهب. ومن هؤلاء الذين سلبوا ونهبوا غير الكاتب البليغ والخطيب الفصيح والتاجر الحاذق، ترى حامل ختم الوكالة الحجازية وتاجر الغنم وقيِّم المطوِّفين، وسماسرة الجمال والشقادف. كل هذا النهب والسلب والظلم والحسين يقول لمن يطلب منه المعونة: «لا، لا، أيها النجيب، المال يفسد الرجال!»

يرجح العارفون أن الحسين وصل إلى يده من مال إنجلترا أثناء الثورة العربية مليون و٢٠٠ ألف ليرة، ويقول بعضهم نقلًا عن لورنس إن الحملة كلها تكلفت سبعة ملايين. وكان المسلمون في الهند — وعددهم نحو أربعين مليونًا، أي يعدلون سكان إنجلترا أو فرنسا — يبذلون كل جهدهم لإنقاذ البلاد المقدسة من الظلم، فألَّفوا لجنة الخلافة وجعلوا على رأسها شوكت علي (الذي زار مصر في أوائل سنة ١٩٣١)، وأرسل شوكت علي إلى الحجاز بالبرقية الآتية:

إن مسلمي الهند لا يوافقون على بقاء الشريف حسين ولا أبنائه في الحجاز، وإن حكومة الحجاز يجب أن تكون ديمقراطية حرة خاضعة لرأي العالم الإسلامي، وإن جمعية الخلافة لا تعترف بإمارة الشريف علي.

وكان الإخوان الوهابيون قد دخلوا مكة في ١٧ ربيع أول ١٣٤٣ بغير حرب ولا ضرب.

وكان ابن سعود في أول الأمر يدَّعي أنه لا يريد أن يملك الحجاز إنما يريد أن يحتفظ به للعالم الإسلامي!

فقال في برقية إلى علي:

أنتم تعلمون أن الحجاز للعالم الإسلامي، فلا ميزة لطائفة من المسلمين على طائفة أخرى.

وكتب للسيد أمين الحسيني، الذي توسط لديه في الصلح بينه وبين الملك علي:

إنا نرغب في وجود إدارة في الحجاز تكفل حقوق جميع المسلمين بوجه المساواة، وتضمن راحة الحجاج وتزيل عنهم المظالم كلها.

وكتب ابن سعود يقول في هذا المعنى:

يجب إخلاء الحجاز من أولاد الحسين وانتظار حكم العالم الإسلامي الذي له الحق في أمر الأماكن المقدسة وطريقة إدارتها.

وأخيرًا في ١٦ نوفمبر ١٩٢٤ أرسل ابن سعود إلى الشريف علي بما يأتي:

أَخلوا الحجاز وانتظروا حكم العالم الإسلامي، فإن اختاركم أو اختار غيركم فنحن نقبل حكمه بكل ارتياح.

والعالم الإسلامي كان ضائعًا بين جمعية الخلافة في الهند والحزب الوطني في الحجاز وبين سلطان نجد وبين الحسين وأولاده، ولعله — رحمه الله — كان مظلومًا.

وقد اتُّخذ اسم العالم الإسلامي ستارًا لكل من أراد الكذب أو الدس أو المخادعة، وكل منهم يعلم أن العالم الإسلامي شيء خيالي، لأنه ليس له قوة مادية تنفذ حكمه أو تحمي ذِمَاره، حتى إن ابن سعود عرض في النهاية أنه يترك الحكم ﻟ «العالم الإسلامي» في اختيار من يتولى الملك في الحجاز! فوارحمتا للعالم الإسلامي والحسين لأنهما كانا ضحية!

سخافة عقل سفير سوري

ولا نغفل من أسباب انقلاب الإنجليز على الحسين غير ما تقدم من أحوال ضعفه وذهاب أهميته وانتهاء الحلفاء من مآربهم؛ سببًا مهمًّا جدًّا وهو أنه في تلك الفترة كان له سفير أهوج في رومة وهو من أسرة سوريَّة في مصر القاهرة قيل إن الحسين منحهم أحد ألقاب الشرف، وكان هذا السفير محبًّا للفخفخة، وهو على أكبر نصيب من الحماقة والطيش والتسرع في الأمور لأنه لا يعلم من أسرار السياسة شيئًا، وناهيك بمن يكون ذا مال وحسب ولقب ويرضى أن يكون ممثلًا سياسيًّا للحسين في عواصم أوروبية ودولها للأسف لا تكترث للحسين ولم ترسل إليه سفيرًا!

هذا السفير الأهوج سافر إلى روسيا في سنة ١٩٢٤ واتصل بحكومة السوفيت وطلب منها تعيين سفير لها في بلاد الحجاز، وادَّعى أنه هو سفير الحسين إلى حكومة موسكو، فاختار الشيوعيون رجلًا مسلمًا منهم وبعثوه سفيرًا إلى مكة، فاجتمع بالمسلمين في المؤتمر الذي عقد سنة ١٩٢٤ وأخذ يوزع عليهم منشورات شيوعية، فاغتاظ الإنجليز من ذلك أكثر من أي شيء آخر وصمموا على القضاء على الحسين بعد أن ظهر لهم منه هذا الخرق. وربما خدع الحسين وأوهمه سفيره السوري أن استقباله لهذا الروسي الشيوعي المسلم يهدد الإنجليز ويرعبهم ويخيفهم فيرتدعوا ويخشوا عاقبة الاتفاق بين روسيا «والخلافة العربية».

ولأجل هذا قابله الحسين مقابلة رسمية مقابلة الخلفاء السفراءَ، فكانت النتيجة أن الإنجليز وقفوا على ما يُضمره الحسين وعلموا مقدار حقده عليهم، ورأوا أنه يلعب بالنار، فتركوه حتى يحرق أنامله وأيديه وأوعزوا إلى ابن سعود أن يتم إشعال النار حتى تصل إلى جبة الرجل وعمامته، فلما اتصلت وعلا لهبها فرَّ من كانوا أول مشعليها، ولم يفروا خِفافًا بل فروا ثِقالًا بما سلبوه ونهبوه من مكان الحريق، وجاء ابن سعود رئيس فريق المطافئة «الأنجلونجدية» فأطفأ ما استطاع إطفاءه وأنقذ ما استطاع إنقاذه … باسم العالم الإسلامي أولًا ثم باسمه ثانيًا.

وفي ربيع الثاني خطب ابن سعود قائلًا:

إن مكة للمسلمين كافة، وسنجتمع هناك بوفود (العالم الإسلامي) فنتبادل وإياهم الرأي، وسيكون الحجاز مفتوحًا لكل من يريد عمل الخير من الأفراد والجماعات!

وفي أوائل ديسمبر سنة ١٩٢٤ دخل ابن سعود مكة فجاء بعض أعيانها وبادروا إلى يده يريدون تقبيلها، فمنعهم قائلًا: «المصافحة من عادات العرب، أما عادة التقبيل فقد جاءتنا من الأجانب، ونحن لا نقبلها.» ثم خطب خطبة قصيرة جاء فيها:

كان من أحب الأمور عندي أن يقيم الحسين بن علي شرع الله فأجيئه مع الوافدين أحب على يده (أقبلها) وأساعده في جميع الأمور …

وبعد ذلك بيومين اجتمع علماء نجد الوهابيون بعلماء مكة، فأقر علماء مكة المسائل الجوهرية في المذهب الحنبلي الوهابي وقبلوها، وفي اليوم نفسه أقر ابن سعود ما كان لعلماء مكة من المرتبات والمنح والوظائف. فأنت ترى سياسة «شيلني وأشيلك» معروفة ومعمولًا بها حتى في مكة المكرمة بين الوهابيين والسنيين، فعلماء مكة الذين كانوا يعتبرون أهل نجد الوهابيين كفارًا قد أقروا عقيدتهم عند دخول هؤلاء الوهابيين عاصمة ملكهم، فكافأهم ابن سعود بإقرار أرزاقهم في منشور جاء فيه:

كل من كان من العلماء في هذه الديار من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذا راتب معين، فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده. وكل من له حق ثابت في بيت مال المسلمين أعطيناه حقه. ا.ﻫ.

فالجزاء من جنس العمل، أنتم يا علماء مكة تؤمنون بعقيدتنا، ونحن نقرر أرزاقكم ونزيدها ونفتح لكم باب بيت مال المسلمين على مصراعيه.

وانتهى الأمر باستيلاء ابن سعود على الحجاز وخطب خطبة طويلة جاء منها:

لم يفسد الممالك إلا الملوك وأحفادهم وخدامهم والعلماء المملقون وأعوانهم. ومتى اتفق الأمراء والعلماء ليستر كل منهم على صاحبه فيمنح الأمير المنح والعلماء يدلسون، ضاعت حقوق الناس، وفقدنا والعياذ بالله الآخرة والأولى.

ا.ﻫ. عن كتاب «ملوك العرب» للريحاني.

قيل إن موظفًا كبيرًا من موظفي حكومة الحجاز مرض في أوائل سنة ١٩٣١ مرضًا خطيرًا ونقل بسببه إلى مصر، فلما توهم أن أجله قد دنا أوصى طبيبه الخاص بأن يبلغ ملك الحجاز وصيته الخيرة، وهي تحذيره من ثلاثة أمور: الإفراط في شراء السيارات، واتقاء دسائس «فيلبي»، وسماع نصيحة عبد الله بن حسن شيخ الإسلام في مكة وهو سليل صاحب المذهب الوهابي. ولكن الموظف الكبير نجا من خطر الموت وأَبَلَّ بعد دائه وسافر إلى مقر عمله، ولم يكن يستطيع أن يمنع إذاعة وصيته التي تناقلتها الألسن.

فقد روى كل من عرف الملك الوهابي أنه يشتري السيارات بالمئات ويقتنيها هو وأولاده بالعشرات تقطع المسافات البعيدة بين الحجاز والرياض (عاصمة نجد) في سباق يتكرر كل يوم وهي من أفخر السيارات، فإذا أدركها العطب أُهملت ولم تجد من يصلحها فتمسي هياكل حديدية لا تصلح للبيع والشراء، وقيل إن عدد السيارات التي أصابها التلف على هذه الصورة يزيد على سبعمائة.

أما فيلبي فلم يصلنا من أخباره ما يدل على إخلاصه وصدق إسلامه، غير أننا قرأنا في جريدة التيمس مقالة بعنوان «أربعة أيام في مكة» تكلم فيها فيلبي كما يتكلم السائح الأجنبي في بلاد شرقية، وكنا نشعر ونحن نتلوها أنها فصل من فصول كتبه عن جزيرة العرب، فقد وصف أيام العيد في مكة وهو يقول:

وهكذا أتاحت لي الأقدار أن أشهد أعظم منظر إنساني من ناحية غرابته في حياتي … وما هو؟ هو اجتماع الفتيان حيال القصر في مساء أول أيام العيد ومعهم طبولهم فيقرعونها ويرقصون ويغنون بنغمات واحدة لا اختلاف بينها لا تبعث على الطرب ولا على الشَّجَى، ثم يطل عليهم الملك من نوافذ قصره ثم تصلهم الجوائز والمنح.

ثم أخذوا يرقصون بالسيف حتى نضحت جباههم بالعرق الغزير.

وبمجرد انتهائهم من رقصتهم نهض الملك عبد العزيز بن سعود واقفًا وطرح عباءته عن كتفيه، ثم مد يده فأمسك بها أقرب سيف إليه وأخذ يلوح به كما يفعل الأبطال فوق رءوس هؤلاء الراقصين. وتقدم الملك بعدها إلى الأمام خطوتين وطفق يرقص بمهارة عجيبة فتارةً على أطراف أخمصيه وطورًا ناكصًا على عقبيه وأخرى متشادًّا إلى أعلى … وهكذا كانت حركات الرجل الذي قام بتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف لم يشترك معه فرد أو دولة في إنشائها …

ا.ﻫ. ونحن نعجب لدهشة فيلبي من عادات العرب.

وقد علقت إحدى الصحف العربية على هذا المقال بقولها: «وهل هذا كل ما أفاده المسلمون من إسلام مستر فيلبي؟» …

وقد روى للصحف خبير بشئون الحجاز أن ابن السعود يجمع في كل عام مليونين من الجنيهات وينقلها في خزائن إلى الرياض ولا يستبقي بمكة مالًا، وهو يعامل الحجاز معاملة الأرض الأجنبية المفتوحة، ويتقاضى الضرائب من أهلها ومن الحجيج على السواء. أما دعوى ترك حكومة الحجاز للعالم الإسلامي فكانت لتخدير الأعصاب وتطمين المتحمسين والمتهوسين الذين يخافون على الأراضي المقدسة. ولكن بعد أن استتب له الأمر فيها ودعا إلى مؤتمر سنة ١٩٢٦ الذي كان مؤتمرًا صوريًّا، فقد ضرب بوعوده عرض الحائط وأخذ يعامل الحجاز كما أسلفت معاملة المستعمرة والبلد المفتوح. ومن الحق أن نقول إن الأمن مستتب والنظام سائد والجرائم معدومة لا سيما جرائم قطع الطريق والنهب والسلب. ولكن ذلك تم لمصلحة الحاكم نفسه، فإنه إن لم يستتب الأمن لا يحضر الحجاج إلى الحجاز ولا يدفعون الضرائب والأموال التي يستخلص منها الفاتح الوهابي مليونين من الليرات. وقد ضربنا صفحًا عما صنعه الوهابيون من الفظائع عند الفتح لا سيما هدم الآثار النبوية، مثل البيت الذي وُلد فيه النبي وبيوت الخلفاء الراشدين، بحجة أن في وجودها تمجيدًا لذويهم يكاد يكون عبادة، مع أن الأمم المتحضرة تحتفظ بكل آثارها القديمة وإن كانت تخالف معتقداتها، وذلك احترامًا لقيمتها التاريخية.

وقد قرأنا وسمعنا من سوء معاملة الوهابيين المتوحشين للحجاج المصريين إذا رأوهم يتبركون ببعض الآثار أو يقرءون الفاتحة لأحد الصحابة، ويضربونهم إذا رأوهم يدخنون، وحدثت معارك دموية بين حرس المحمل وبين الجيش الوهابي وأصيب كثير من الجنود المصرية ومن الحجاج أيضًا، وانقطع المحمل والكسوة من سنة ١٩٢٦ إلى هذه السنة على الرغم من أن عبد العزيز أرسل ابنه فيصل يستشفي من رمد في عينيه فقوبل في مصر مقابلة الأحباب والحلفاء وذلك بعد الاعتداء على المحمل بالضرب والقتل. فانظر إلى كرم المصريين وحلمهم وتسامحهم التي تكاد تكون ضعفًا وحلمًا وعفوًا في غير موضعها، فنحن لا نستنيم للأجانب والأوروبيين فقط، بل تمتد استنامتنا وضعفنا إلى عرب الصحراء … فلا حول ولا قوة إلا بالله! ولكن أهل مصر قد جُبِلُوا على مكارم الأخلاق، فلعل هذا يُقدَّر حق قدره من أمم الشرق والغرب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤