الفصل الثاني

المكانة الأدبية للحيوانات

في كل عيد عمال بين عامي ١٩٣٤ و١٩٩٨، كان يُقام مهرجان لصيد الطرائد الحية في بلدة هيجنز الصغيرة في بنسلفانيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وذلك قبل أن تُحظر إقامة المهرجان. كان المشاركون في المهرجان يفدون إليه من جميع أنحاء العالم. خلال الحدث السنوي، كان يُطلق سراح نحو ٥ آلاف حمامة من محابسها، واحدة تلو الأخرى، لتصبح هدفًا للمشاركين. كانت معظم الطيور التي كان يجري إطلاق الرصاص عليها — أكثر من ثلاثة أرباع الطيور، وفق تقدير محققين من صندوق الحيوانات — تصاب بجروح ولا تُقتل في الحال. كان يُترك بعض هذه الطيور في مضامير الصيد فيما كان المتسابقون يكملون جولات صيدهم، وكان بعض هذه الطيور يتمكن من الهرب إلى الغابات القريبة لتموت ببطء متأثرة بجراحها. بعد انتهاء كل جولة، كان الأطفال الصغار يجمعون الطيور الجريحة ويقتلونها إما دهسًا بالأقدام، أو بفصل رءوسها عن أجسادها، أو سحقها قبالة جوانب البراميل، أو قذفها في البراميل لتموت مختنقة ضمن الحمائم الأخرى المحتضرة أو الميتة. لم يمارس الصيادون والأطفال هذه الأنشطة في الخفاء؛ إذ كان الآلاف من المتفرجين يدفعون تذاكر دخول للجلوس على مقاعد، ويأكلون، ويشربون الجعة، ويصرخون معربين عن تأييدهم لما يقوم به الصيادون والأطفال.

ربما يسمع المرء من حين إلى آخر الزعم القائل إن الاستخدام الآدمي للحيوانات لا يثير أي موضوعات أخلاقية من أي نوع. إذا كان ذلك صحيحًا، فلن يُعتبر أي من الأفعال التي ذُكرت توًّا — إطلاق الرصاص على الحمائم الحية من أجل المتعة، القفز عليها حتى الموت، فصل رءوسها عن أجسادها، إلخ — معضلة أدبية. وبالمثل لا يعد تشجيع الأطفال على المشاركة في ممارسة القسوة ضد الحيوانات، أو تشجيع البالغين والأطفال على الانخراط في هذه القسوة من خلال شراء تذاكر للدخول، معضلة مماثلة.

من الصعوبة بمكان تصوُّر موقف أدبي أكثر تدنيًا من الموقف السابق! من الصعوبة بمكان تصوُّر وجود شخص جادٍّ أدبيًّا — أي شخص يعتقد أنه من المهم التصرف بصورة صحيحة غير خاطئة — لا يدين ولو بعض الأفعال التي ذُكرت توًّا لإيقاعها ضررًا كبيرًا غير ضروري بالطيور! بينما كان الموقف من الحيوانات المتمثل في غض الطرف عنها تمامًا باعتبارها كائنات لا أهمية أدبية لها موقفًا شائعًا في القرون السابقة (انظر الفصل الأول)، يصير هذا الموقف أكثر ندرة بصورة متزايدة، وهو ما يوحي بشيء من التقدم الأخلاقي. ولكن، مثلما يبين مهرجان صيد الحمائم، لا يزال الكثيرون لا يجدون غضاضة في التسبب في الأذى للحيوانات.

من الجلي أن بعض الطرق التي جرى بها التعامل مع الحمائم في مهرجان الصيد السنوي كانت خاطئة. إذا دافع المرء عن «إطلاق الرصاص» على الطيور من أجل المتعة باعتباره أمرًا غير خاطئ تمامًا، حيث إن الهدف سيجري قتله إذا كان محظوظًا في الحال (مع تجاهل أن الكثير من الطيور التي أُطلق عليها الرصاص لم تكن محظوظة تمامًا)، فلن يجعل هذا الدفاع من يأملون في تبرير إلقاء الطيور المصابة في البراميل لخنقها ضمن الطيور الأخرى، مثلًا، يشعرون بالارتياح. تُعتبر معاملة الطيور — والحيوانات الحساسة الأخرى — على هذا النحو خاطئة، ولكن «لِمَ» تُعتبر هذه المعاملة خاطئة؟ وما دلالات الإجابة فيما يتعلق ﺑ «المكانة الأدبية» للحيوانات وما إذا كان لدى الحيوانات «حقوق»؟ تناقش بقية هذا الفصل الإجابات الممكنة المختلفة عن هذه الأسئلة.

(١) المكانة الأدبية

يزعم الكثيرون بصورة متزايدة أن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية، أو بحقوق أدبية، أو بكليهما. قبل الشروع في تحديد ما إذا كانت مثل هذه المزاعم صحيحة أم لا، يجب أولًا أن نعرف ما المقصود منها. لنبدأ أولًا بالمكانة الأدبية.

فالزعم أن كلبًا، على سبيل المثال، يحظى «بمكانة أدبية» يعني أن هذا الكلب يحظى بأهمية أدبية في ذاته وليس في علاقته بالبشر. بصورة أكثر دقة، يعني ذلك أن مصالح الكلب أو رفاهيته تُعتبر مسألة مهمة ويجب النظر إليها بعين الجدية، وذلك في صورة منفصلة عن طريقة تأثير رفاهة الكلب على مصالح البشر. بصورة أكثر بساطة، يجب التعامل مع الكلب جيدًا «من أجل الكلب نفسه». وإليك بعض الأمثلة.

يعرف الأشخاص العقلانيون أن ركل الكلاب بصورة وحشية من أجل المتعة يعتبر أمرًا خطأً. لماذا يعتبر ذلك الأمر خطأً؟ هَبْ أنَّ بن وجريج لديهما أسباب مختلفة للموافقة على هذا الحكم؛ فيرى بن أن ركل الكب يعتبر خطأ نظرًا لأن ذلك يؤدي إلى تدمير أحد ممتلكات مالك الحيوان الأليف، وهو ما يشير إلى أن «مصالح مالك الحيوان الأليف» هي العامل الأهم. بطبيعة الحال، لا يُعتبر كثير من الكلاب مملوكًا لأحد. قد يجيب بن أن ركل الكلاب يعتبر خطأ، على أي وجه من الوجوه، نظرًا لأن ذلك عمل يتسم بالقسوة، وأن القسوة رذيلة لا يجب أن نشجعها من خلال القيام بأفعال تتسم بالقسوة، «لأن ارتكاب رذيلة كتلك يجعل المرء، على المدى الطويل، أكثر ميلًا لإساءة معاملة البشر.» إجمالًا، تجعل إساءة معاملة الحيوانات من المرء شخصًا يميل إلى إساءة معاملة البشر. المصالح البشرية هنا أيضًا هي الأساس الجوهري الذي يعتمد عليه بن لمعارضة ممارسة القسوة ضد الحيوانات. وفق وجهة النظر هذه، لا تحظى مصالح الحيوانات بأهمية أدبية «مستقلة»، وهو ما يعني عدم وجود أي مكانة أدبية للحيوانات.

باعتبار أن الحيوانات تحظى بالفعل بمكانة أدبية، يتبنى جريج رؤية مختلفة؛ فيرى جريج أن ركل الكلاب من أجل المتعة يعتبر خطأ نظرًا لأن ذلك يسبب الضرر للكلاب دون وجود أي سبب وجيه لذلك. (وفق سيناريو مختلف، قد يتمثَّل أحد الأسباب الوجيهة في أن إلحاق الضرر بكلب هو السبيل الوحيد لمنعه من مهاجمة طفل.) من وجهة نظر جريج، تعتبر رفاهة الكلب مسألة ذات اعتبار في حد ذاتها، حيث إن لها أهمية أدبية مستقلة عن طريقة التأثير على المصالح البشرية من خلال الارتقاء برفاهة الكلب. بناءً عليه، حتى في حال إقناعك إياه بأن إساءة معاملة الكلب لن تؤثر سلبًا على البشر، سيظل جريج يعتبر إلحاق الضرر بالكلب خطأ. يرى جريج أن الكلب يحظى بمكانة أدبية (أما كون الكلب يحظى بالمكانة الأدبية «نفسها» التي تتمتع بها الكائنات الأخرى ذات الأهمية الأدبية، بما في ذلك البشر، أو لا فهي مسألة أخرى).

ماذا إذن عن «الحقوق الأدبية»؟ ماذا يعني القول إن الحيوانات تحظى بهذه الحقوق؟ هذا موضوع مفاهيمي معقَّد؛ حيث إن مصطلح «الحقوق الأدبية» يستخدم بطرق مختلفة، لكن سيعيننا كثيرًا بيان معنى المصطلح في سياق محدد بحيث لا يقصد من يناقشون ما إذا كانت الحيوانات (أو البشر) تحظى بحقوق أدبية معانيَ مختلفة من خلال استخدام المصطلح نفسه بطرق مختلفة.

نستطيع التمييز بين ثلاثة معانٍ للفظة «حقوق». (دعنا نفترض خلال مناقشتنا هذه بالكامل أننا نتحدث عن الحقوق «الأدبية»، في مقابل الحقوق «القانونية»، إلا إذا جرت الإشارة إلى خلاف ذلك.) في معنى أكثر اتساعًا للمصطلح، أن يُقال إن كائنًا ما يحظى بحقوق يعني أن هذا الكائن يحظى بمكانة أدبية. سَمِّ ذلك «معنى المكانة الأدبية للحقوق»، فوفق هذا المعنى، ربما يعتقد المرء أن الكلاب تحظى بمكانة أدبية — لكنها مكانة أدبية تقل عن المكانة التي يحظى بها البشر — ولا يزال يرى أن للكلاب حقوقًا، وأي درجة من درجات المكانة الأدبية كافية بالنسبة إلى الحيوانات. قد يرى المرء، على سبيل المثال، أن للكلاب حقوقًا في ألا يتسبب أي كائن في معاناتها أو قتلها، وهو ما يعني أن هذه المصالح تعتبر مهمة أخلاقيًّا في حد ذاتها ويجب ألا يجري تجاوزها «دون سبب وجيه»، بحيث يجري تفسير عبارة «سبب وجيه» بصورة شاملة بحيث تشمل على سبيل المثال المصلحة المالية لإحدى الشركات في اختبار سُمِّيَّة أحد مستحضرات التجميل الجديدة. لذا، فإن القول بأن الحيوانات تحظى بحقوق بمعنى المكانة الأدبية لا يعتبر أمرًا جديدًا.

وفق معنى ثانٍ أكثر تحديدًا «للحقوق» — سَمِّه «معنى الاعتبار المتساوي» — أن يُقال إن شخصًا يحظى بحقوق يعني أن هذا الشخص يستحق اعتبارًا متساويًا، وهو ما يعني أن مصالحه يجب أن تؤخذ في الاعتبار قدر ما تؤخذ المصالح المشابهة لأي شخص آخر. بناءً عليه، أن يقال إن الكلاب تستحق اعتبارًا متساويًا مع البشر يعني التشديد، مثلًا، على أن مصلحة الكلب في تفادي المعاناة تساوي في الأهمية الأدبية مصلحة الإنسان في تفادي المعاناة؛ إذ تؤخذ معاناة الحيوان في الاعتبار قدر ما تؤخذ معاناة الإنسان في الاعتبار. إذا رأى جريج أن الكلاب تحظى بالمكانة الأدبية لكنها لا تستحق الاعتبار المتساوي، فسيكون جريج بذلك معتقدًا في أن الكلاب تحظى بحقوق وفق معنى المكانة الأدبية لكنها لا تحظى بحقوق وفق معنى الاعتبار المتساوي (سيجري مناقشة الاعتبار المتساوي بمزيد من التفصيل لاحقًا في هذا الفصل).

وفق معنى ثالث أكثر تحديدًا «للحقوق» — سَمِّه «معنى تجاوز المنفعة» — أن يقال إن شخصًا يحظى بحق في شيء يعني ضرورة حماية المصلحة الحيوية محل السؤال حتى في حال كان حماية ذلك الحق على حساب المجتمع بأسره (يدافع توم ريجان وإيفلين بلوهار عن حقوق الحيوان وفق هذا المعنى. يمكن أن نطلق على رؤى كرؤاهما «رؤى قوية لحقوق الحيوان»). على سبيل المثال، تشير الفكرة القائلة إن الناس يحظون بحق أدبي وقانوني في محاكمة عادلة إلى أن من الخطأ الإيقاع بشخص بريء، حتى في حال عدم وجود مشتبه به لدى السلطات، وحتى لو كانت هناك منفعة اجتماعية عظيمة في تلبية رغبة المجتمع في إدانة أحد. بينما قد يسمح أحد المدافعين عن الحقوق وفق هذا المعنى الصريح بتجاهل الناس لحقوق أحد الأشخاص في «بعض» الحالات لتحقيق المصلحة العامة، فسيظل هذا المدافع يصر على التأكيد على استثنائية هذه الحالات وعلى أن الاحتكام عمومًا إلى المصلحة العامة لا يعد كافيًا لعدم احترام الحقوق.

في المقابل، ترى سو، على سبيل المثال، باعتبارها «نفعية» أن الإجراء الصحيح الواجب اتخاذه هو ذلك الإجراء الذي يعظِّم من المنفعة المتحققة — بعبارة أخرى، تحقيق التوازن بين المنافع والمضار — أخذًا في الاعتبار مصالح جميع من يطالهم الإجراء، بما في ذلك الحيوانات. ترى سو أنه بينما يستحق الحيوانات والبشر معاملة متساوية — تتساوى أهمية المصالح المتشابهة للجميع — إلا أننا قد نتغاضى عن مصالح أحد الأشخاص عندما يؤدي ذلك إلى تعظيم المنفعة. هكذا، ترى سو أن الحيوانات والبشر يحظون بحقوق وفق معنى الاعتبار المتساوي لا وفق معنى تجاوز المنفعة. تضمن الحقوق وفق معنى تجاوز المنفعة توفير حماية مطلقة، أو شبه مطلقة، لمصالح الأفراد الحيوية. أما كون البشر أنفسهم يحظون بحقوق وفق هذا المعنى فهي مسألة خلافية إلى حد بعيد. فالنفعيون، مثل بيتر سنجر وراي فراي، ينكرون وجود أي حقوق للبشر وفق هذا المعنى.

بيَّنَّا الآن ثلاثة معانٍ لمصطلح «الحقوق». هل تحظى الحيوانات حقًّا بأي حقوق وفق أيٍّ من هذه المعاني؟ خذ أولًا معنى المكانة الأدبية الفضفاض. لا شك في أن بعض الطرق على الأقل التي جرى بها معاملة الحمائم في مهرجان الصيد السنوي كانت خاطئة، مثلما كان ركل الكلاب من أجل المتعة خاطئًا. إلا أن هذه الأحكام — أو الحكم العام بأن إلحاق الضرر بالحيوانات دون سبب وجيه خطأ — لا تستتبع توافر مكانة أدبية للحيوانات. لِمَ لا؟

وفق «رؤية الواجب غير المباشر»، لا تتوجه التزاماتنا أو واجباتنا الأدبية إلا نحو البشر الآخرين. تعتمد أي التزامات تتعلق بالحيوانات، مثل عدم التسبب في إلحاق معاناة لا ضرورة لها، على المصالح الإنسانية بصورة كاملة. إذن بناءً على هذه الرؤية، إذا لم يتوافر سبب وجيه للاعتقاد في أن القسوة إزاء الحيوانات تسبب الضرر للبشر، فلن يتوافر أساس أخلاقي لإدانة القسوة إزاء الحيوانات، وهو ما يعتبر موقف كلٍّ من بن والفيلسوف إيمانويل كانط (انظر الفصل الأول).

أرى أن رؤية الواجب غير المباشر خاطئة، وهو ما يظهر من خلال عدم قدرتها على استيعاب التزاماتنا تجاه الحيوانات. أولًا: يتمثل العامل الحاسم في إدانة القسوة تجاه الحيوانات — مثلما أرى — في أن المرء «يلحق الضرر بالحيوانات دون داعٍ»، وهو ملمح يجعل وحده أي فعل خطأ. ثانيًا: بينما نحن متأكدون للغاية من أن ممارسة القسوة تجاه الحيوانات خطأ — حتى بن وكانط لا يبديان أي اعتراض إزاء هذه المسألة — لا يمكن أن نكون على نفس الدرجة من اليقين في أن ممارسة القسوة تجاه الحيوانات سيترتب عليها عواقب وخيمة بالنسبة للبشر. بينما يعتمد الافتراض أن ذلك يعتمد على الأدلة التجريبية، لا يبدو الأمر كما لو أن من يحكمون بخطأ ممارسة القسوة تجاه الحيوانات يستطيعون الاستشهاد بأدلة تدعم وجهة نظرهم على القدر نفسه من الإقناع واليقين الذي يحظى به الحكم الأدبي نفسه. على الجانب الآخر، ألا يمكن تفسير الأمر من وجهة نظر مقابلة في بعض الأحيان؟ ربما قد يسمح ركل الخراف للراعي بالتنفيس عن غضب كامن، ما يجعل ضرب زوجته وأطفاله «أقل» ترجيحًا. إضافة إلى ذلك، ستظل ممارسة القسوة إزاء الحيوانات خطأً حتى في الحالات الافتراضية التي تكون فيها العواقب الضارة على البشر «مستحيلة» (على سبيل المثال، إذا كان المرء هو آخر شخص حي على وجه الأرض).

fig2
شكل ٢-١: دب قطبي يلتقط سمكة في فمه.1

تشير هذه الأفكار إلى أن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية، وذلك على خلاف رؤية الواجب غير المباشر، ومن ثم تتمتع الحيوانات بحقوق وفق معنى واحد من معاني المصطلح على الأقل. في المقابل، لا تحسم هذه النتيجة التي توصلنا إليها قضية مقدار الاعتبار الأدبي الذي تستحقه الحيوانات، مقارنة بالبشر، وما إذا كانت الحيوانات تحظى بحقوق وفق معنى أكثر قوة.

(٢) نوع من المساواة للحيوانات؟

يزعم بعض المدافعين عن حقوق الحيوان أن «جميع الحيوانات متساوية»، غير أن معارضيهم يردون على ذلك غالبًا قائلين إن ذلك حديث عبثي لا معنى له. لكن كون ذلك حديثًا عبثيًّا أم لا يعتمد جزئيًّا على أي نوع من المساواة الأدبية، وأي حيوانات، يتصورها المرء في ذهنه.

لا يُعد الزعم بالمساواة الأدبية لمصلحة الحيوانات زعمًا مقبولًا إذا كان المرء يشير بذلك إلى «جميع» الحيوانات حرفيًّا، بما في ذلك أم أربعة وأربعين، والبزاقة، والأميبا. من الصعوبة البالغة بمكان الاعتقاد في أن هذه الكائنات «حساسة». يشير الإحساس إلى ما هو أكثر من القدرة على الاستجابة لأحد المثيرات؛ إذ يشير الإحساس إلى القدرة على امتلاك بعض «المشاعر». تشمل المشاعر الأحاسيس (الواعية) مثل الألم — حيث يشير «الألم» إلى شيء «يُستشعر» ولا يقتصر على قدرة الجهاز العصبي على تحديد المثيرات الضارة — والحالات الشعورية مثل الخوف. لا ندري عند أي نقطة تحديدًا على مقياس تطور السلالات، أو الشجرة التطورية، يختفي الإحساس، ويحل محله آليات عصبية أكثر بدائية، غير واعية. ولكن، مثلما سنرى في الفصل الثالث، هناك أدلة قوية على أن الحيوانات الفقارية على الأقل هي حيوانات حساسة، ولا يوجد من الأدلة تقريبًا ما يشير إلى أن الحيوانات غير الفقارية الأكثر بدائية حساسة. يتمثَّل السبب في التركيز على الإحساس في أن الكائنات غير الحساسة — التي تفتقر إلى القدرة على الشعور، والتفكير، والمرور بأي حالات عقلية — غير قادرة حتى على الاكتراث بالطريقة التي تُعامل بها. بناءً عليه، لا يوجد ما يؤكد أنها ستتعرض للضرر أو تتلقى أي منفعة بصورة تتسم بالأهمية الأدبية.

من ثم، يُعد من قبيل مخالفة المنطق القول حرفيًّا إن «جميع» الحيوانات عرضة لأحد أشكال المساواة الأدبية. ماذا عن الزعم أن جميع الحيوانات الحساسة متساوية؟ يجب أن نسأل الآن: متساوية وفق أي معنى؟ من المؤكد أن «المعاملة» المتساوية لجميع الحيوانات الحساسة لا تُعتبر أمرًا منطقيًّا؛ نظرًا لأن الحيوانات تمتلك خصائص مختلفة بعضها عن بعض تشكِّل أنواعًا مختلفة من المصالح. بينما توجد مصلحة لدى القطط في المعاملة الإنسانية وحرية الحركة، توجد مصلحة أيضًا للبشر الطبيعيين في تعلم كيفية القراءة ووضع خطط لحياتهم. لن نسعى إلى تحقيق مصالح القطط من خلال معاملتها بوصفها كائنات قارئة محتملة أو مخططة لأساليب حياتها. إضافة إلى ذلك، ينطبق مبدأ احترام الاستقلالية على البشر، عندما يحققون درجة كافية من النضج، ولا ينطبق المبدأ على الحيوانات (اللهم إلا بعض الاستثناءات المحدودة، إن وُجدت). لهذا السبب بينما لا غُبار على اصطحاب قطة إلى الطبيب البيطري، حتى في حال مقاومة القطة لذلك، يُعد إجبار إنسان بالغ راشد على الذهاب إلى الطبيب أمرًا مشكلًا أدبيًّا. تقوِّض هذه النقاط فكرة ضرورة منح الحيوانات الحساسة معاملة متساوية.

على الجانب الآخر، يقع الزعم أن الحيوانات الحساسة تستحق «اعتبارًا» متساويًا في إطار المعقول. ينطوي هذا الزعم على القول إنه حيثما توجد مصلحة متشابهة لإنسان وحيوان، يجب النظر إلى مصلحة الحيوان ومصلحة الإنسان باعتبارهما متساويين في الأهمية الأدبية. لتطبيق هذه الفكرة، يجب أولًا تحديد ما إذا كانت هناك حالات تتوافر من خلالها مصالح متشابهة بين البشر والحيوانات؛ هل يضع البشر والحيوانات على حد سواء الشيء نفسه على المحك؟ خذ على سبيل المثال مصلحة تفادي المعاناة. تتمثَّل إحدى الملامح المميزة للمعاناة في أنها غير سارة، أو مكروهة، أو «سلبية» من وجهة نظر الكائن الذي يعاني. تقلل المعاناة من رفاهة المرء أو جودة الحياة أثناء المعاناة. يبدو من المنطق بمكان إذن أن جميع الكائنات التي لديها القدرة على المعاناة لديها مصلحة متشابهة في عدم المعاناة. إذا كانت الحيوانات الحساسة تستحق اعتبارًا متساويًا، «فستتساوى مصلحة البقرة في عدم معاناتها على مستوى الأهمية الأدبية مع مصلحة الإنسان في عدم معاناته»، وإن كانت نظريات الاعتبار المتساوي المختلفة — مثل نظرية النفعية والرؤى المؤيدة بقوة لحقوق الحيوان — ستفسِّر هذا الحكم بصورة مختلفة نسبيًّا. إذا كان لا يجب تطبيق مبدأ الاعتبار المتساوي على الحيوانات الحساسة، فستصبح مسألة معاناة البقرة أقل أهمية من معاناة الإنسان. (تشير كلمة «الحيوانات» من الآن فصاعدًا إلى الحيوانات الحساسة بصورة خاصة، إلا إذا جرت الإشارة إلى خلاف ذلك.)

ثلاثة معانٍ تكتسب مزيدًا من الأهمية لمصطلح «حقوق الحيوان»

معنى المكانة الأدبية

تحظى الحيوانات بقدرٍ من المكانة الأدبية على الأقل. لا توجد الحيوانات فقط بغرض الاستخدام الآدمي لها، لذا يجب معاملتها جيدًا من أجلها هي نفسها، لا من أجل أي شيء آخر.

معنى الاعتبار المتساوي

يجب أن نعطي وزنًا أدبيًّا متساويًا لمصالح البشر ولمصالح الحيوانات المتشابهة. على سبيل المثال، تتساوى معاناة الحيوان في الأهمية مع معاناة الإنسان.

معنى تجاوز المنفعة

تمتلك الحيوانات مصالح حيوية مثل البشر لا يجب التغاضي عنها (مع وجود بعض الاستثناءات المحدودة، إن وُجدت) حتى في ظل وجود جهود لتعظيم المنفعة للمجتمع ككل. على سبيل المثال، تحظى الحيوانات بحق الحرية، وهو ما يعني عدم حبسها بصورة ضارة بها حتى إن كان من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحقق منافع عديدة وتقليل التكاليف.

إذا قبل الناس — بصورة عامة — الاعتبار المتساوي للحيوانات وتصرفوا بناءً على ذلك، فستختلف التفاعلات الإنسانية-الحيوانية كثيرًا. في تربية الحيوانات، والأبحاث على الحيوان، ومصارعة الثيران، ومسابقات رعاة البقر، وفي معظم ألعاب السيرك التي تنطوي على استخدام الحيوانات وعروض حدائق الحيوانات، وفي جميع أشكال الصيد تقريبًا، فضلًا عن كثير من الممارسات الأخرى، وفي مؤسسات استخدام الحيوان، لا نمنح مصالح الحيوانات أي شيء من قبيل الاعتبار المتساوي. بناءً عليه، يعتبر قبول هذا المبدأ مسألة جذرية. سواء كانت جذرية أو لا، من وجهة نظر أخلاقية، يتمثَّل السؤال الرئيسي في هذا السياق في كون الاعتبار المتساوي للحيوانات أمرًا صائبًا أو لا. في رأيي، يعتبر الأمر كذلك.

(٣) موضوع الاعتبار المتساوي

مثل البشر، تمتلك الحيوانات مصالح، ويمكن أن تستفيد مثلما يمكن أن تُضار. مثلما ذكرنا سابقًا، تحظى الحيوانات بمكانة أدبية؛ ولذا «قد» يصبح مبدأ الاعتبار المتساوي ذا معنى يُطبق لا على البشر فحسب بل على الحيوانات أيضًا. ولكن، هل «يجب» ذلك؟ من المنطق بمكان أن يُطبق هذا المبدأ — مع منح مصالح الجميع المتشابهة وزنًا أدبيًّا متساويًا — على جميع الكائنات التي تمتلك مصالح، «إلا إذا كان ثمة اختلاف ذو صلة بين الكائنات محل الاعتبار ما يبرر عدم منحها اعتبارًا متساويًا.» وهكذا، عند النظر فيما إذا كان من الممكن تطبيق مبدأ الاعتبار المتساوي على الحيوانات، سيصبح من المنطقي البدء بافتراض الاعتبار المتساوي ثم السؤال عما إذا كانت ثمة حجج — قائمة على الاختلافات ذات الصلة بين البشر والحيوانات — من شأنها أن تؤدي إلى دحض هذه الافتراض.

إذا لم تكن ملاءمة افتراض الاعتبار المتساوي غير واضحة، خذ هذا البديل: البدء بافتراض استحقاق الحيوانات لاعتبار أقل من متساوٍ. وفق هذه الرؤية، بالرغم من الإقرار بامتلاك الحيوانات مكانة أدبية، قد «نبدأ» بافتراض أنه من الصواب منح مصالح الحيوانات في حرية الحركة — لا المعاناة، إلخ — أهمية أقل من المصالح المتشابهة لدى البشر «دون تقديم أي تبرير للتقليل من شأن مصالحها على هذا النحو.» يعتبر ذلك في رأيي غير عادل ومضللًا.

نظريتان للاعتبار المتساوي

النفعية

التصرف أو السياسة الصحيحة هي تلك التي تعظِّم التوازن بين المنافع والمضار، حيث يجري أخذ مصالح جميع الأطراف المعنية — بما في ذلك البشر والحيوانات — في الاعتبار بموضوعية.

رؤية قوية لحقوق الحيوان

على غرار البشر، تتمتع الحيوانات بحقوق، بمعنى تجاوز المنفعة (انظر المربع السابق).

هذه الرؤية غير جديرة بالثقة بشكل خاص عندما نأخذ في الاعتبار تاريخ مواقف الإنسان حيال الحيوانات — الذي يكشف عن ميل واضح لاستغلال الحيوانات والتقليل من مكانتها الأدبية (انظر الفصل الأول) — واستمرار التحيز لمصلحة البشر ضد الحيوان. يميل الناس إلى الاعتقاد، صوابًا أو خطأً، أن مصالحهم تتعارض غالبًا مع مصالح الحيوانات — في سياقات مثل أكل اللحوم، والأبحاث على الحيوان، ومكافحة الآفات — وأن أخذ الحيوانات مأخذ الجد سيؤثر سلبًا على البشر. لذلك، لا يجب تجاهل احتمال التحيز المدفوع بالمصلحة الذاتية لمصلحة البشر. إضافة إلى ذلك، تختلف الحيوانات عنا كثيرًا بأكثر من طريقة، ولا تعتبر جزءًا من جماعاتنا الاجتماعية، مع وجود بعض الاستثناءات الملحوظة. في المقابل، نعلم من التجربة أن الناس تمارس التمييز في أحيان كثيرة ضد الأفراد الذين يرونهم مختلفين وليسوا «واحدًا منا»، لا سيما إذا كان من الممكن السيطرة على الأفراد من خارج الجماعة بسهولة. وهكذا، يُعتبر التحيز ضد الحيوانات مسألة ممكنة. يؤدي تاريخ هذه التحيزات واستمرارية احتمال حدوثها إلى جعل افتراض الاعتبار غير المتساوي مسألة تغري بصورة مبالغة إلى ارتكاب خطأ أخلاقي.

يميل هذا المزيج من الاعتبارات المنطقية والبرجماتية في صالح افتراض الاعتبار المتساوي للحيوانات، وهو ما يعني أن «الشخص المناهض للاعتبار المتساوي» — أي الشخص الذي يؤمن بالاعتبار غير المتساوي للحيوانات — يقع عليه عبء البيِّنة: أي تحديد اختلاف ذي صلة بين البشر والحيوانات يبرر الاعتبار الأقل من المتساوي للحيوانات. لا أعتقد أن الشخص المناهض للاعتبار المتساوي سيستطيع تقديم دليل كهذا. مع ذلك، سنناقش فيما تبقى من هذا القسم خمسة تحديات رئيسية تواجه مبدأ الاعتبار المتساوي فضلًا عن تفنيدات لهذه التحديات.

(٣-١) الاحتكام إلى أنواع الكائنات

ربما يدافع الشخص المناهض للاعتبار المتساوي عن مبدأ الاعتبار غير المتساوي بين البشر والحيوانات على النحو التالي: يختلف البشر عن الحيوانات نظرًا لأنهم ببساطة بشر؛ بعبارة أخرى، أعضاء في نوع «الإنسان العاقل». بالتعريف، يميز هذا الاختلاف في النوع جميع البشر وحدهم بصورة فريدة عن باقي الأنواع، وهو تمييز مهم من الناحية الأخلاقية. لا تتمثل الأهمية الأدبية في وجود سمة ما ترتبط بالأعضاء العاديين من النوع — مثل العقلانية أو الفاعلية الأخلاقية — تعتمد على مكانة أدبية فريدة للنوع، بل على كون الكائن إنسانًا فقط. نعرف ذلك لأن هذه مسألة بديهية.

ربما يكون من الصعوبة بمكان الدفع ضد المزاعم البديهية؛ نظرًا لأن هذه المزاعم تنحو إلى بتر الاسترسال في الحُجة: «هكذا هو الأمر، حقيقة أدبية أساسية، لذا لا أستطيع أن أقدِّم لك تبريرًا إضافيًّا.» في المقابل، هناك طرق عديدة للرد على الاحتكام إلى الأنواع.

أولًا: يمكن التشكيك في الزعم القائل إن الأهمية الأدبية للأنواع إنما هي مسألة بديهية من خلال الإشارة إلى أن العديد من الأشخاص، خاصة أولئك الذين تفكَّروا طويلًا في موضوع المكانة الأدبية للحيوانات، «لا» يجدون هذا الزعم بديهيًّا. قد يرد الشخص المناهض للاعتبار المتساوي بين البشر والحيوانات بإلقاء تهمة الكفاف الأخلاقي على الطرف الآخر — «لا أستطيع توضيح الأمر أكثر من ذلك إذا لم تستطع رؤية ما هو غني عن التوضيح» — إلا أن رأيه سيبدو وقتها دوجماتيًّا. عمومًا، عندما يختلف الأشخاص العاقلون حول بديهية أحد المزاعم، يأتي دور تقديم التبرير الصريح للزعم. لكن وفق الرؤية الحالية، «لا يوجد» تبرير إضافي.

ما هو أسوأ من ذلك أن الزعم القائل إن المادة البيولوجية المسئولة عن الاختلاف بين الأنواع تحظى بأهمية أدبية، يثبت ضعفه الشديد عندما نأخذ بعين الاعتبار بعض الحقائق البيولوجية. نقترب نحن البشر كثيرًا من نوعين من الشمبانزي: الشمبانزي العادي والشمبانزي القزم (البونوبو). يبلغ الاختلاف بيننا وبين كلٍّ منها على مستوى الحامض النووي المميز بين نوعينا (حوالي ١٫٦ بالمائة) تقريبًا ضعف الاختلاف بين نوعَي الشمبانزي (٠٫٧٪). إضافة إلى ذلك، كانت هناك أنواع تنتمي إلى الفصيلة الإنسانية بخلاف «الإنسان العاقل»، مثل «الإنسان المنتصب»، و«الإنسان الماهر»، و«الإنسان القوي». كانت هذه الأنواع الإنسانية قريبة منا أكثر من اقتراب أنواع الشمبانزي والقردة العظمى الأخرى، والغوريلات، وقردة الأورانج أوتان منا. من الصعوبة بمكان الاعتقاد في أن الانتماء إلى نوع «الإنسان العاقل» يبرر وجود مكانة أدبية خاصة في الوقت الذي تشبهنا كثيرًا أنواع أخرى متنوعة. لا يوجد فاصل بيولوجي حادٌّ بين نوعنا وبين أي أنواع إنسانية أخرى تطورنا منها. بكل تأكيد، لم تحدث عملية تحوُّر سحرية أدت إلى انفصال نوعنا «عنهم». بناء عليه، لِمَ يجب أن يحظى نوعنا فقط بمكانة أدبية خاصة؟

ربما يغيِّر الشخص المناهض للاعتبار المتساوي بين البشر والحيوانات من طريقة دفاعه؛ فيشير إلى أن المعنى المناسب لكلمة «إنسان» في هذا السياق هو «النوع الإنساني»، وأن الانتماء إلى هذا النوع الإنساني يمنح البشر مكانة أدبية خاصة. ولكن يقوِّض هذا الدفع اعتبار ضآلة الاختلافات البيولوجية بين أكثر الأنواع الإنسانية بدائية وأكثر أنواع الرئيسيات غير الإنسانية قربًا من الأنواع الإنسانية. إضافة إلى ذلك، يبدو من المحتمل للغاية أن القردة المدربة لغويًّا في العصر الحالي تُعتبر أرقى فكريًّا من أكثر الأنواع الإنسانية بدائية، وهو ما يلقي بمزيد من ظلال الشك على الطرح القائل إن «جميع» الأنواع الإنسانية — بل الأنواع الإنسانية «فقط» — هي التي تحظى بمكانة أدبية خاصة. إضافة إلى ذلك، حتى لو أصررنا على أن الاختلافات البيولوجية في حد ذاتها تعتبر مهمة أدبيًّا، فلِمَ افتراض أهمية التقسيم بشر/غير البشر؟ لم لا تُعتبر جميع الأنواع الإنسانية إضافة إلى القردة العليا شاغلةً للدائرة السحرية نفسها للمكانة الأدبية؟ أو جميع أنواع الرئيسيات؟ أو جميع الثدييات؟ وما دام الأمر كذلك، فلماذا لا تشغل جميع الفقاريات الدائرة نفسها؟ ولما كان النوع لا يُعتبر التقسيم البيولوجي الوحيد، يبدو من الجلاء بمكان ضرورة التحول عن مزاعم البديهية إلى أطروحات نخلص إليها تؤيد أو تعارض مبدأ الاعتبار المتساوي للبشر والحيوانات.

يمكن ملاحظة أن هذه الأطروحات ستدفع بنا بما يجاوز رؤية الاحتكام إلى الأنواع من خلال النظر بعين الاعتبار للسيناريو المستقبلي المحتمل الذي نصادف فيه كائنات غير أرضية تتميز بذكاء أكثر، وبحساسية أعلى، وبثقافة أوسع منا. إذا زعم أحد أن كون هذه الكائنات غير بشرية يبرر تجاهل مصالحها، فسيستدعي ذلك توجيه تهمة التعصب الأعمى، وهي تهمة لا تختلف كثيرًا عن تهم العنصرية والتحيز الجنسي. وفي الواقع، تتمثل إحدى الصعوبات فيما يتعلق برؤية الاحتكام إلى الأنواع في أنها لا تقدِّم أي تبرير آخر لطريقتها المفضلة في فصل «نحن» عن «هم» أكثر مما يقدم الدوجماتيون من العنصريين والمتحيزين ضد النساء تبريرًا لطرقهم المختلفة في تقسيم العالم. ربما نخلص من ذلك إذن إلى أن رؤية الاحتكام إلى الأنواع لا تَعِد بأي حال من الأحوال بتبرير الاعتبار الأقل من المتساوي للحيوانات مع البشر.

(٣-٢) نظرية العقد

يحتكم أحد الطرق الممكنة الأخرى للدفاع عن الاعتبار غير المتساوي بين البشر والحيوانات إلى تقليد في الأخلاقيات معروف باسم «نظرية العقد». وفق نظرية العقد، تنبع الحقوق والواجبات الأدبية للمرء من خلال شروط تعاقدية جرى التوصل إليها عن طريق أطراف متعاقدة متخيلة، وهي أطراف تتفاوض فيما بينها في محاولة التوصل إلى مبادئ وقواعد مفيدة للأطراف المتعاقدة يجري حكم المجتمع من خلالها ووضع بنية مؤسساته الأساسية. وفق نظرية العقد، لما كانت الحيوانات لا تُعتبر كائنات عاقلة فاعلة تستطيع المشاركة في إبرام عقد، تفتقر الحيوانات إلى المكانة الأدبية، وهو ما يترتب عليه عدم استحقاقها للاعتبار المتساوي.

ينطوي هذا الجهد لتبرير الاعتبار غير المتساوي على مشكلتين رئيسيتين؛ أولًا: لا يستطيع هذا الطرح تفسير واجباتنا تجاه الحيوانات بشكل وافٍ. يكشف ما ينطوي عليه هذا الطرح من أن الحيوانات لا مكانة أدبية لها على الإطلاق عن عدم منطقية نظرية العقد من البداية. رأينا توًّا كيف أن خطأ ممارسة العنف ضد الحيوانات لا يُفسَّر بشكل مقنع إلا من خلال القبول بتمتع الحيوانات بمكانة أدبية.

مشيرًا إلى الانجذاب البديهي تجاه الاستنتاج القائل إن الحيوانات تتمتع بمكانة أدبية، حاول بيتر كاروثرز تفسير واجبنا بألا نمارس القسوة ضد الحيوانات من خلال إحدى نسخ رؤية الواجب غير المباشر. يرى كاروثرز أن ممارسة القسوة ضد الحيوانات تجعل مرتكبها إنسانًا شريرًا من المرجح أن يسيء على المدى الطويل معاملة البشر. رأينا بالفعل عدم كفاية هذه الأطروحات من هذا النوع على الأقل للسبب القائل إن هذه الأطروحات تحاول تأسيس حكم أخلاقي محدد — ألا وهو أن ممارسة القسوة ضد الحيوانات خطأ — بناءً على افتراضات تجريبية متخيلة حول أثر الانسحاب غير المرغوب لممارسة القسوة ضد الحيوانات على البشر. في المقابل، يمكن أن نمضي بهذا النقد خطوة أبعد؛ إذ لا تقدم رؤية الواجب غير المباشر تفسيرًا يعلل «لماذا» تعتبر ممارسة القسوة ضد الحيوانات رذيلة وتعتبر الرحمة بها فضيلة. وفق هذه الرؤية، تفتقر الحيوانات إلى المكانة الأدبية ولا يمكن الإساءة إليها مباشرة. بناءً عليه، لماذا يكشف سحق الأبقار من أجل المتعة عن قصور أخلاقي في الشخصية أكثر مما قد يكشف تمزيق صحيفة من أجل المتعة عن قصور أخلاقي؟ يُقر التفسير المنطقي الوحيد لاعتبار ممارسة القسوة ضد الحيوانات رذيلة بالمكانة الأدبية لضحاياها.

تواجه نظرية العقد مشكلة أخرى كبيرة؛ ألا وهي أن الطرح القائل إن المكانة الأدبية تتطلب كيانًا فاعلًا عاقلًا ينطوي على تداعيات خطيرة بالنسبة للبشر غير العقلانيين. إذا كان هذا الطرح صحيحًا، فسيترتب على ذلك أن البشر الذين يفتقرون إلى درجة العقلانية اللازمة لفهم شروط أي عقد اجتماعي سيفتقرون أيضًا إلى المكانة الأدبية. بداهةً، بينما يفتقر الأطفال الرضع إلى هذه العقلانية اللازمة، يُعتقد في امتلاكهم مكانة أدبية. إذا أجاب أنصار نظرية العقد قائلين إن الأطفال الرضع لديهم «إمكانية» التطور ليصيروا كائنات فاعلة عاقلة، فسينطبق الأمر نفسه على الأجنة البشرية إذن، ومن ثم فإن الاحتكام إلى ما هو ممكن إنما يشير ضمنًا إلى أن الأجنة في مراحلها المبكرة تتمتع بمكانة أدبية وتستحق اعتبارًا متساويًا. سيقبل بعض أنصار نظرية العقد هذه النتيجة فيما لن يقبلها كثيرون.

بدلًا من الخوض في موضوعات المكانة الأدبية للأطفال الرضع والأجنة، دعونا ننظر بعين الاعتبار إلى هؤلاء البشر الذين يفتقرون حتى إلى إمكانية الفاعلية الأخلاقية (ولم يحظوا بها أبدًا من قبل)، مثل البشر الذين يعانون من إعاقات عقلية بالغة. وفق الرؤية الراهنة، يفتقر هؤلاء ظاهريًّا إلى المكانة الأدبية، وربما يُعامَلون بناءً على ذلك. ولكن، حاول كاروثرز دحض هذا الاستخلاص الضمني غير المقبول بطريقتين:

أولًا: يسوق كاروثرز حُجة من شأنها أن تفضي إلى وضع خطير. وفق كاروثرز، إذا لم يُعامَل البشر غير العقلانيين، على سبيل المثال، البشر الذين يعانون من إعاقات عقلية بالغة، «كما لو أن لديهم حقوقًا» — يجمع كاروثرز بين معنيي المكانة الأدبية والاعتبار المتساوي لهذا المصطلح — فسيُفتح الباب واسعًا أمام إساءة معاملة البشر الذين لا يستوفون معيار العقلانية إلا بالكاد، والذين يحظون بالفعل بحقوق. لا نتمتع بالحصافة الكاملة كمُصْدِري أحكام فيما يتعلق بالقدرات التي تؤلف الفاعلية العقلانية، ومن ثم لا نرسم عمليًّا الخط الفاصل تمامًا بين من يستوفون ومن لا يستوفون معيار العقلانية. لتجنب الانزلاق في منحدر الفروقات الضئيلة بين العقلانية واللاعقلانية وصولًا إلى انتهاك حقوق من يتمتعون بها، يجب أن نبقى بعيدًا عن الحكم على أي من البشر يتسم أو لا يتسم بالعقلانية.

يواجه هذا الطرح عدة صعوبات؛ أولًا: بينما لا يُعد طرحًا غير منطقي، إلا أن افتراض أننا لن نستطيع التمييز بين من هو عقلاني ومن هو غير عقلاني بين البشر هو افتراض غير مدعوم. وبالتأكيد هذا الافتراض أقل في درجة اليقين من الحكم الأخلاقي الذي من المفترض أن هذا الافتراض يدعمه، وهو الحكم الأخلاقي القائل بخطأ معاملة البشر غير العقلانيين كما لو أنهم يفتقرون إلى المكانة الأدبية (مثل إجبارهم على سبيل المثال على الخضوع لتجارب ضارة، وقتلهم للحصول على أعضائهم بغرض نقلها). ثانيًا: تصوَّرْ سيناريو افتراضيًّا اكتسبنا فيه القدرة على تحديد معايير للعقلانية في غاية الدقة. حتى في حال تحقق ذلك، ألا يزال من الخطأ معاملة البشر غير العقلانيين باعتبارهم يفتقرون إلى المكانة الأدبية؟ يحظى هؤلاء البشر في حقيقة الأمر بمكانة أدبية، ولهذا من الخطأ معاملتهم كما لو كانوا لا يحظون بأي مكانة أدبية.

ثانيًا: يحتكم كاروثرز إلى حجة الاستقرار الاجتماعي. يرى كاروثرز أن من قبيل الحقيقة النفسية أن كثيرًا من الناس سيشعرون بالأسى إذا جرى إنكار حقوق البشر غير العقلانيين ولن يستطيعوا الالتزام بسياسة كهذه، بقطع النظر عن تبريراتها. بناءً عليه، يجب «منح» حقوق للبشر غير العقلانيين بغرض تجنب حالة عدم الاستقرار الاجتماعي التي قد تنجم إذا حدث غير ذلك. إلا أن المشكلات التي يواجهها هذا الطرح تتشابه مع مشكلات الطرح السابق؛ فأولًا: الافتراض المقدم في هذا الطرح الأخير — أن معاملة البشر غير العقلانيين باعتبارهم يفتقرون المكانة الأدبية سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي — هو افتراض غير مدعوم، وفي أفضل الأحوال، أقل في درجة اليقين من القناعة الأدبية بأن مثل هؤلاء البشر لا يجب التعامل معهم وفق هذه الطريقة. ثانيًا: لا يبدو هذا الطرح قادرًا على التعامل مع الحدس الأدبي الذي يذهب إلى خطأ معاملة هؤلاء البشر على هذا النحو في جميع الأحوال، وذلك في ظل سيناريو افتراضي لا يزعج الناس كثيرًا وفقه معاملة البشر غير العقلانيين باعتبارهم يفتقرون إلى حقوق.

ختامًا، تنكر نظرية العقد خطأً أن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية، كما لا تفسِّر بصورة كافية المكانة الأدبية للبشر غير العقلانيين. ومن ثم، تفشل نظرية العقد في دحض الافتراض القائل بوجود اعتبار متساوٍ للحيوانات.

(٣-٣) الاحتكام إلى الفاعلية الأخلاقية

بدلًا من الاحتكام إلى نظرية العقد، التي بدورها تستحضر مفهوم الكائن الفاعل العقلاني، ربما يحتكم الشخص المناهض للاعتبار المتساوي بين البشر والحيوانات إلى «الفاعلية العقلانية» أو «الفاعلية الأخلاقية» مباشرة (وهي مصطلحات سأستخدمها بصورة تبادلية لاحقًا). يتمثل الطرح الأساسي هنا في أن المرء لا بد أن يكون كائنًا فاعلًا أخلاقيًّا من أجل أن يحظى بمكانة أدبية كاملة ويستحق اعتبارًا متساويًا. ولكن، كيف يمكن تبرير هذا الزعم؟ يؤكد بعض مناهضي الاعتبار المتساوي أن هذا الزعم يجري تبريره «بديهيًّا». من جهة أخرى، يشير آخرون إلى «مبدأ التبادلية»: يحظى المرء بحقوق أدبية، أو يستحق اعتبارًا متساويًا، إذا كان المرء يمتلك التزامات أدبية، ولا يوجد سوى الكائنات الأدبية التي تمتلك مثل هذه الالتزامات. إذا لم يكن لدى حاملي الحقوق أي التزامات أدبية، فسيجنون إذن مميزات الحماية الأدبية دون تحمل عبء المسئوليات (الالتزامات) الأدبية، وهو ما يُعتبر أمرًا غير عادل بالنسبة إلى الكائنات الفاعلة أخلاقيًّا الذين يتحملون أعباء الالتزامات الأدبية. في المقابل، يبرر الشخص المناهض للاعتبار المتساوي الزعم القائل إن الفاعلية الأخلاقية من شأنها أن تصبغ على صاحبها حقوقًا، مشيرًا إلى أن البشر يُعتبرون كائنات فاعلة أخلاقيًّا بينما لا تعتبر الحيوانات كذلك، أو على الأقل السواد الأعظم منها.

لكن يثير ذلك الطرح الأخير من فوره مشكلة تتمثل في أن بعض البشر يفتقرون حتى إلى إمكانية الفاعلية الأخلاقية، كما لا يستطيع الأسلوب الحالي التعامل مع مشكلة البشر غير العقلانيين بصورة أفضل من نظرية العقد. إضافة إلى ذلك، مثلما في نظرية العقد، يواجه هذا الطرح مشكلة تفسير المكانة الأدبية للحيوانات. كما يُعتبر الطرح القائل إن الفاعلية الأخلاقية تسبغ مكانة اجتماعية خاصة مسألةً خلافية إلى حدٍّ بعيد في حد ذاتها. تدبَّرْ طريقتَي دعم هذا الطرح. يصبح مبدأ التبادلية محلًّا للشك عبر الحكم المنطقي القائل إن الرُضَّع يتمتعون بحقوق — مثل حق عدم إساءة معاملتهم — مع أنهم ليسوا كائنات فاعلة أخلاقيًّا، بل لن يصبح بعضهم كائنات فاعلة أخلاقية أبدًا. في الوقت نفسه، ليس من الممكن الزعم على نحو قاطع أن الصلة بين الفاعلية الأخلاقية والحقوق مسألة منطقية بداهة. فبينما يعتبر كثيرون هذه الصلة منطقية بداهة، لا يجد كثيرون مثلي أنها كذلك. بالنسبة إلى هؤلاء المنتمين إلى المجموعة الأخيرة، بينما الفاعلية الأخلاقية وثيقة الصلة بطريقة المعاملة — حيث إن الكائن الفاعل أخلاقيًّا يجب التعامل معه باعتباره يتحمل بعض المسئوليات — إلا أنها ليست ذات صلة، من الناحية الأخلاقية، بأهمية مصالح المرء.

يعتبر الاحتكام إلى الفاعلية الأخلاقية أسلوبًا أكثر قوة إذا جرى فصله من مبدأ التبادلية المريب، حيث إن هذا المبدأ ينطوي على الزعم أن الكائنات التي تفتقر إلى الفاعلية الأخلاقية لا تحظى بأي مكانة أدبية على الإطلاق. على الجانب الآخر، ربما يؤكد الاحتكام إلى الفاعلية الأخلاقية التي لا تعتمد على هذا المبدأ أن الكائنات الفاعلة أخلاقيًّا وحدها تحظى بمكانة أدبية «خاصة»، لا «حصرية»، وهو ما يفسح المجال أمام الكائنات الحساسة غير الفاعلة لتحظى بدرجة ما من المكانة الأدبية. هذه الرؤية أقل إشكالية مقارنة بأي رؤية أخرى لا ترى أي مكانة أدبية للحيوانات. في المقابل، إذا كان كل ما يدعم هذه الرؤية هو الاحتكام إلى المنطق البديهي، فسيُلقي اختلاف الحدس بين الأفراد بظلال كثيفة من الشك على هذه الرؤية. إضافة إلى ذلك، تنطوي هذه الرؤية على مشكل أخلاقي يتمثل في أن بعض البشر يحظون بمكانة أدبية «أقل» من الآخرين. نستطيع أن نخلص، إذن، إلى أن الاحتكام إلى الفاعلية الأخلاقية لا يدحض الافتراض القائل بالاعتبار المتساوي بين البشر والحيوانات.

(٣-٤) الاحتكام إلى الروابط الاجتماعية

تنظر رؤية مختلفة تمامًا، تصوَّرتها ماري مِدجلي، إلى المكانة الأدبية باعتبارها تعتمد على «العلاقات» بدلًا من صفات الأفراد، وتحتكم هذه الرؤية إلى الأهمية الأدبية «للروابط الاجتماعية». وفق هذه الرؤية، ندرك في تعاملاتنا مع أقراننا من البشر أن مدى قربنا الاجتماعي من شخص ما يؤثر على قوة التزاماتنا تجاه ذلك الشخص. بناء عليه، تقع على عاتقنا التزامات قوية للغاية تجاه أفراد عائلتنا وأصدقائنا المقربين، والتزامات أقل قوة تجاه أعضاء الجماعات الأخرى المتنوعة (مثل جيران الحي، وزملاء المدرسة، والجماعة الدينية). تكون الالتزامات الأدبية الأضعف تجاه الغرباء الذين لا يربطنا بهم رابط بخلاف الانتماء إلى الجماعة الإنسانية. في المقابل، تعبِّر الروابط الشعورية والاجتماعية التي نشعر بها تجاه البشر الآخرين عن شيء ما، وهو ما يفرض التزامات أدبية أقوى تجاههم من تلك الالتزامات الأدبية تجاه الحيوانات، الذين لا نكوِّن معهم جماعة خاصة (في حال وجود استثناءات، مثلما في حالة الحيوانات الأليفة، تعتبر التزاماتنا الأدبية تجاه الحيوانات قوية للغاية). بناء عليه، وفق هذه الرؤية، قد نمنح اعتبارًا أقل من المتساوي للحيوانات.

هذا الطرح صحيح من حيث إننا في بعض الجوانب نتحمل التزامات أدبية أقوى تجاه أولئك الذين تربطنا بهم صلات أقرب. على سبيل المثال، بينما ألتزم أدبيًّا بكفالة طفلي، إلا أنني لا أتحمل التزامًا على القدر نفسه من القوة بكفالة الأطفال الآخرين. في المقابل، لا يزال الأمر خلافيًّا فيما يشير إليه ذلك بشأن الاعتبار المتساوي. على أي حال، تحظى التزاماتي «السلبية» تجاه الأطفال الآخرين بالأهمية ذاتها؛ إذ يُحظر عليَّ خطف الأطفال الآخرين أو إساءة معاملتهم أو قتلهم، بقطع النظر عن مدى قربي الاجتماعي منهم. وبينما أتحمل التزامات «إيجابية» خاصة — التزامات بتوفير أشياء محددة — تجاه طفلي، أقر بأن جميع الأطفال يجب أن يتمتعوا بالحقوق الأساسية نفسها التي يتمتع بها طفلي. وأود أن أضم إلى الحقوق الأساسية حقوقًا إيجابية محددة مثل الحق في الغذاء الكافي، والحق في اللباس، والحق في المأوى، كما لن أقتصر في هذه الحقوق على الأطفال الذين ينتمون إلى بلادي أو مجتمعي. هكذا، ينسحب الاعتبار المتساوي على الأطفال كافة وعلى البشر بصورة عامة.

إضافة إلى ذلك، مثلما يتوافق الاعتبار المتساوي لجميع البشر مع الالتزامات المحددة المختلفة نوعًا ما تجاه الأفراد المختلفين، يتوافق الاعتبار المتساوي لجميع الكائنات الحساسة مع الالتزامات المحددة المختلفة تجاههم. بناء عليه، فإن القناعة الشائعة القائلة إننا نتحمل التزامات لمساعدة البشر الذي يمرون بمحن أقوى بكثير من التزاماتنا لمساعدة الحيوانات التي تمر بمحنة، لا تتعارض بالضرورة مع الاعتبار المتساوي. على أي حال، تعتبر الالتزامات الإيجابية «انتقائية» بشكل كبير، وهو ما يعني أننا قد نختار مَن نساعد وسط مزيج هائل من استغاثات المساعدة في العالم من حولنا. لا يشير اختياري لمساعدة الأثيوبيين المهددين بالموت جوعًا بدلًا من مساعدة اللاجئين السلفادوريين بأي حال من الأحوال إلى أنني أعتقد أن اللاجئين يستحقون اعتبارًا أقل من المتساوي. بالمثل، لا يشير اختياري للتبرع لمصلحة قضايا إنسانية بدلًا من التبرع لقضايا تتعلق بالحيوانات إلى الحكم بأن الحيوانات تستحق اعتبارًا أقل من المتساوي.

إضافة إلى ذلك، يعتبر الاحتكام إلى الروابط الاجتماعية في محاولة الدفاع عن الاعتبار غير المتساوي مسألة تتسم بالخطورة. يرجع ذلك إلى أن المنطق الذي يؤدي بالشخص المناهض للاعتبار المتساوي لاستخلاص أن الحيوانات لا تستحق اعتبارًا متساويًا قد يوفِّر تبريرًا، في بعض الحالات، لا يقل عن تبرير الأشكال الجائرة للتمييز مثل العنصرية. تخيَّلْ مجتمعًا يشعر فيه أعضاء العرق (س) بأنهم مترابطون اجتماعيًّا ارتباطًا قويًّا بينما يشعرون بالبعد الاجتماعي عن أعضاء العرق (ص). يشير اعتبار الروابط الاجتماعية أساسًا للمكانة الأدبية إلى أن أعضاء الجماعة (س) قد يقللون من قدر أهمية مصالح أعضاء الجماعة (ص)، وهو ما يُعتبر أمرًا مريعًا من الناحية الأخلاقية.

ختامًا، متى اشتمل الطرح الحالي على تداعيات غير مقبولة أخلاقيًّا، فإنه يصير مشكلًا إذا ما عُد أساسًا للمكانة الأدبية، ومتى دعَّم هذا الطرح استخلاصات منطقية من الناحية الأخلاقية فقد يتوافق مع مبدأ الاعتبار المتساوي. في المقابل، ربما يكتسب هذا الطرح قبولًا — إذا ما فُهم باعتباره عقبة في مواجهة الاعتبار المتساوي — من خلال طريقتين؛ أولًا: إذا فسَّرنا الروابط الاجتماعية باعتبارها «مجرد عامل واحد في تحديد المكانة الاجتماعية»، بدلًا من كونها العامل الوحيد المحدد لها، ربما توجد طريقة لتفادي دعم التمييز المريع ضد بعض البشر. ثانيًا: ربما يمكن تطوير الفكرة القائلة إننا نتحمل التزامات إيجابية أقوى تجاه البشر الآخرين من الالتزامات تجاه الحيوانات. إذا كان جميع البشر يتمتعون بحقوق إيجابية محددة — بما في ذلك الحق في الطعام والحق في المأوى — إذن، حتى إذا ما كان الأمر يرجع إلى «الأفراد» لانتقاء أي القضايا يدعمونها، يتحمل «كيان جماعي» أكبر (تمثله ربما حكومات الدول الغنية أو الأمم المتحدة) التزامات الاضطلاع بتلبية الحاجات المطلوبة. تعتمد هذه الالتزامات كأساس لها على فكرة الجماعة الإنسانية. في المقابل، لا تحظى الحيوانات بحقوق إيجابية مشابهة في الغذاء أو — حتى في حال كانت الظروف الجوية تهدد الحياة — الحق في المأوى، كما لا يتحمل البشر، أفرادًا أو جماعات، أي التزامات لتوفير هذه الأشياء للحيوانات. يناقش التحدي التالي الذي يواجه مبدأ الاعتبار المتساوي هذا الطرح.

(٣-٥) الاحتكام إلى الاختلافات الأدبية المنطقية فيما يتعلق بالمساعدة والقتل

ما قد يكون أكثر التحديات قوة لمبدأ الاعتبار المتساوي يحتكم إلى اختلافين مقبولين على نطاق واسع بين التزاماتنا تجاه البشر والتزاماتنا تجاه الحيوانات. يتمثل الاختلاف المزعوم الأول في أنه بينما يحظى جميع البشر بحقوق إيجابية محددة يقابلها التزامات مساعدة للآخرين، تفتقر الحيوانات إلى حقوق إيجابية كهذه. يتمثل الاختلاف المزعوم الثاني في أن قتل إنسان يُعد أسوأ أدبيًّا من قتل حيوان في الظروف الطبيعية. بينما قد يعتبر قتل طائر دون مبرر خطأ، وقد يعتبر قتل كلب دون سبب أمرًا أسوأ، يعتبر قتل إنسان دون تبرير محدد (مثل الدفاع عن النفس) أمرًا أسوأ بكثير، بل ربما يعتبر أحد أسوأ الأشياء التي قد يقترفها الإنسان. يتفق عمومًا المدافعون عن حقوق الحيوان مع تلك الأطروحات القائلة بخطأ قتل البشر والحيوانات الأخرى على حد سواء. وفق منطق التفكير الحالي، لا تتوافق هذه الاختلافات بين البشر والحيوانات فيما يتعلق بالتزامات تقديم المساعدة وخطأ القتل مع الاعتبار المتساوي للحيوانات.

في البحث عن استراتيجيات ممكنة لتفنيد هذا التحدي، أشير هنا إلى بعض الخطوط العامة في التفكير دون الخوض في التفاصيل. بدءًا من الاختلاف في التزامات تقديم المساعدة، ربما يجيب المرء على النحو الآتي: هَبْ، على سبيل النقاش، (١) أن البشر يحظون بحقوق إيجابية تعتمد على التزاماتنا لمساعدة البشر الواقعين تحت أسر الحاجة الملحة. و(٢) أننا لا نتحمل سوى التزامات محدودة للغاية، إن وجدت، لمساعدة الحيوانات التي تحتاج إلى مساعدة. وفق هذا النمط من التفنيد، تتوافق هذه الاختلافات مع مبدأ الاعتبار المتساوي. هَبْ أن الحيوانات تحظى بحقوق إيجابية مثل البشر. ربما ندرك وجود التزامات تتحملها الحيوانات على غرار المبدأ التالي: «أبذل ما يكفي من الجهد لتقديم المساعدة «عندما تصبح المساعدة ذات جدوى حقيقية».» في المقابل، تضر التدخلات الإنسانية لمساعدة الحيوانات المحتاجة إليها قدر ما تفيدها. تتسم الأنظمة البيئية بالدقة والتعقيد وقد تفسدها بسهولة التدخلات الفجة. على سبيل المثال، إذا تدخلنا لإنقاذ الذئاب من الموت جوعًا عن طريق توفير الغذاء لها، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة أعدادها بصورة كبيرة وظهور تهديد جديد بالموت جوعًا، فضلًا عن استهلاك الذئاب الزائد عن الحد للحيوانات التي تتغذى عليها. بناءً عليه، نعامل الحيوانات البرية المعاملة الصائبة عادةً بأن ندعها وشأنها. متى كانت التدخلات مفيدة، تتكون هذه التدخلات من عمليات اعتراض أنشطة الأشخاص الذين يستغلون الحيوانات؛ على سبيل المثال، معارضة أنشطة من يمارسون الصيد كرياضة أو صائدي الحيتان. ويُعد من قبيل المقبول في بعض الأحيان ممارسة التدخلات على هذا النحو. ولذا، يسعى هذا الطرح إلى التوفيق بين مبدأ الاعتبار المتساوي والحكم القائل، عمليًّا، إننا لا يجب أن نتدخل أكثر مما ينبغي لمساعدة الحيوانات البرية التي تحتاج إلى العون.

بالنسبة إلى الاختلاف المزعوم بين قتل البشر وقتل الحيوانات، توجد استراتيجيتان رئيسيتان للرد على هذا الزعم (وهو الرد الذي ذكرته تفصيلًا في موضع آخر). تتمثل الاستراتيجية الأكثر شيوعًا في أن الاعتبار المتساوي «لا ينطوي» على افتراضات أدبية قوية ضد قتل البشر والحيوانات على حد سواء. يشير الاعتبار المتساوي إلى أنه متى كانت هناك مصالح متشابهة للحيوانات والبشر — على سبيل المثال، في تفادي المعاناة — يجب منح وزن أدبي مساوٍ لوزن هذه المصالح. في المقابل، بالرغم من استخدام الكلمة نفسها، «قتل»، للإشارة إلى إزهاق روح الإنسان والحيوان، لا يمكن حقيقةً مقارنة مصالح الكائنات المختلفة. تعتبر مصلحة الإنسان في البقاء حيًّا، في الظروف العادية، مسألة مركزية لرفاهته. عادةً، يمتلك البشر خططًا، ومشاريع، وعلاقات شخصية قوية تنتهي جميعها عن طريق الموت المفاجئ. في المقابل، بافتراض أن من مصلحة الكلب البقاء حيًّا (وهو زعم سوف يُدعم في الفصل الرابع)، يعتبر من المنطقي بمكان افتراض استمرار حياة الكلب مسألة «أقل» مركزية بالنسبة إلى رفاهة الكلب مما هي بالنسبة إلى رفاهة الإنسان. لا تمتلك الكلاب سوى خطط مبتورة، وبينما تمتلك الكلاب علاقات، تفتقر هذه العلاقات إلى العمق والمدى الذي يجده المرء عادة في علاقات البشر النموذجية. ومن ثم، يعتبر الموت عادةً مسألة أقل ضررًا بالنسبة إلى الكلب مما هي بالنسبة إلى الإنسان. عندما يقارن المرء بين الإنسان والحيوان الذي يقع في مرتبة أقل في شجرة التطور، مثل السمك، تصبح القناعة بأن الموت يسبب ضررًا أكبر للإنسان مسألة لا يمكن مقاومتها.

بينما تعتبر هذه المزاعم مقبولة بداهة، إلا أنه من الصعوبة بمكان وضع نظرية داعمة لها تتسم بالتفصيل والإقناع. لكن، في ظل عدم وجود نظرية كهذه، قد يتساءل المرء عما إذا كانت الجاذبية البديهية لهذه المزاعم لا تنبع إلا من التحيز لمصلحة الإنسان. تتمثل إحدى الأطروحات البديلة — وهو الطرح الذي يدعمه ستيف سابونتزس — في إنكار أن قتل الكائنات الحساسة غير البشرية يمثل إشكالية أخلاقية أقل من قتل البشر. تسعى كلا الاستراتيجيتين إلى بيان عدم وجود ما هو عبثي أو غير عقلاني فيما يتعلق بالاعتبار المتساوي للحيوانات.

(٣-٦) خاتمة: مسألة غير محسومة

مسألة ما إذا كانت الحيوانات تستحق اعتبارًا متساويًا أم لا مسألة غير محسومة. دافعتُ في طرحي عن افتراض أدبي مؤيِّد لرؤية الاعتبار المتساوي. بداهة، لن يؤدي الاحتكام إلى الاختلافات بين الأنواع إلى دحض هذا الافتراض. بالمثل، لن تدحض نظرية العقد هذا الافتراض أيضًا. وفي حين لم تلقِ أي مناقشات منشورة متعلقة بالاحتكام إلى الفاعلية الأخلاقية وبالاحتكام إلى الروابط الاجتماعية عبءَ البينة على عاتق الشخص المناهض للاعتبار المتساوي، قد يكون سابقًا لأوانه استبعاد إمكانية تطوير الأطروحات الأخرى ذات الصلة بصورة أكثر نجاحًا. من بين شتى التحديات التي تواجه مبدأ الاعتبار المتساوي، تبدو استراتيجية الاحتكام إلى الاختلافات الأدبية المنطقية فيما يتعلق بالمساعدة والقتل الاستراتيجية الأقوى. من خلال مزج هذه الاستراتيجية مع أي من الطرحين، أو كلاهما، المتعلقين بالاحتكام إلى الفاعلية الأخلاقية والروابط الاجتماعية قد يتمثل التحدي الأكبر لمبدأ الاعتبار المتساوي. في المقابل، فإن الإمكانية الحقيقية المتمثلة في أن حدسنا فيما يتعلق بالمساعدة والقتل يشكله تحيز واضح لمصلحة الإنسان، مناهض للحيوان، تبرر بقاء الافتراض المؤيد لمبدأ الاعتبار المتساوي. لا يستطيع أي تحدٍّ دحض ذلك الافتراض سوى تحدٍّ يتسم بالوضوح، والتماسك، ودرجة أكبر من الإقناع أكثر من أي من التحديات التي عرضناها حتى الآن.

(٤) رؤية بديلة: نموذج المقياس التراتبي

هَبْ أن الافتراض الذي يميل لمصلحة منح اعتبار متساوٍ للحيوانات تم دحضه بنجاح، فكيف يمكن إذن أن نفهم المكانة الأدبية للحيوانات؟ مثلما رأينا، لا تعتبر الرؤية القائلة بعدم وجود مكانة أدبية للحيوانات رؤية مقنعة، في ضوء الأطروحات التي عرضناها. في المقابل، هناك رؤية تقع بين هذه الرؤية المتطرفة والرؤية المؤيدة لوجود اعتبار متساوٍ للحيوانات، رؤية تعتبر مقنعة بداهة ومقبولة أيضًا ضمنيًّا من قبل الكثيرين.

حتى نضع أيدينا على ملامح هذه الرؤية، علينا أن نتصور وجود مقياسين ثم دمجهما. المقياس الأول هو مقياس تطور السلالات، أو على الأقل طريقة لتفسيره. يمثل هذا المقياس تراتبية تطورية تقترب فيها أنواع الحيوانات التي تتميز بالتعقيد البيولوجي والإدراكي من القمة. وعلى ذلك، يتربع البشر — حاليًّا! — على قمة هذا المقياس، ثم يليهم في درجة أدنى قليلًا القردة العليا والدلافين (والأنواع الإنسانية بخلاف «الإنسان العاقل» في درجة بينية، إذا أدرجنا الأنواع المنقرضة). تقع الأفيال، وقردة الجيبون، والقرود — على سبيل المثال — في درجة أقل نوعًا ما على المقياس، ثم تليها بقليل الحيوانات المنتمية إلى العائلة الكلبية والعائلة القططية، ثم تليها نزولًا الأرانب والقوارض. وبالتحرك سريعًا هبوطًا وصعودًا عبر المقياس، نجد الثدييات بصورة عامة في مرتبة أعلى من الطيور، التي تقع بدورها في مرتبة أعلى من الزواحف والبرمائيات، التي بدورها تقع في مرتبة أعلى من الأسماك. في معظم الأحوال، تقع الفقاريات — وهي فئة تشمل جميع الأصناف التي ذُكرت حتى الآن — في مرتبة أعلى من اللافقاريات. وبطبيعة الحال، تشمل اللافقاريات أشكالًا شديدة التنوع من الحياة، لا يتمتع معظمها بالإحساس، وإن كنا لا نستطيع التحديد على وجه اليقين أين يمكن رسم خط فاصل بين الحيوانات الحساسة وغير الحساسة. يمثل ذلك، بصورة موجزة للغاية، المقياس الأول.

يمثل المقياس الثاني تراتبية المكانة الأدبية. تحظى الكائنات التي تتربع على قمة هذا المقياس بالمكانة الأدبية الأعلى كما تستحق اعتبارًا كاملًا. تستحق الكائنات في الدرجة الأدنى اعتبارًا جادًّا جدًّا وإن كان أقل من الاعتبار الذي تستحقه الكائنات الموجودة على القمة. مع التحرك إلى أسفل مقياس المكانة الأدبية أو الاعتبار الأدبي هذا، ينخفض مقدار الاعتبار الذي يوليه المرء للكائنات التي تقع في أحد المستويات. ثم يصل المرء إلى نقطة ما لا تستحق الكائنات فيها إلا اعتبارًا متواضعًا. تحظى مصالح هذه الكائنات بأهمية أدبية مباشرة وإن كانت أهمية غير كبيرة، ومن ثم متى تعارضت مصالح هذه الكائنات مع مصالح الكائنات التي تحظى بمكانة أدبية أعلى منها بكثير، يجري عادةً تفضيل مصالح الكائنات الأخيرة عليها. نرسم خطًّا متخيلًا تحت مستوى هذه الكائنات تمامًا. لا تحظى أي كائنات تقع أسفل هذا الخط «بأي» مكانة أدبية على الإطلاق. إذا كان ثمة سبب وجيه لمعاملة هذه الكائنات بشيء من التحفُّظ، فإن ذلك لا يجري إلا لأن معاملتها على هذا النحو تتصل بمصالح الكائنات التي تحظى بمكانة أدبية. يمثل ذلك، إذن، مقياسًا للمكانة الأدبية، مقياسًا تراتبيًّا للاعتبار غير المتساوي.

حتى يمكن استيعاب هذه الرؤية المطروحة — وهي رؤية بديلة لمبدأ الاعتبار المتساوي — يجب أولًا دمج مقياس تطور السلالات مع المقياس التراتبي للاعتبار غير المتساوي. في الصورة النهائية للمقياس الناتج، يتمتع البشر وحدهم بالاعتبار المتساوي الكامل. من بين الأنواع الموجودة، تتمتع القردة العليا والدلافين باعتبار أقل قليلًا من البشر، ثم تليها الأفيال، وقردة الجيبون، والقردة باعتبار أقل، وهكذا دواليك. تقع مباشرة فوق الخط الفاصل بين مستوى انعدام المكانة الأدبية والحد الأدنى للمكانة الأدبية الكائناتُ الأكثر بدائية والأقل إدراكًا بين الكائنات الحساسة بدرجة بسيطة، وهي تلك التي تنتمي إلى نوع أو أكثر من اللافقاريات. ربما نفترض بصورة منطقية أن الكائنات الحساسة لا تتمتع بأي مصالح، وهو ما يبرر وجود مستوى أعلاها. بينما تتفادى هذه الرؤية مشكلات النظرية القائلة إن الحيوانات تفتقر إلى المكانة الأدبية، تأخذ في الاعتبار بسلاسة الاعتقاد الشائع أن قتل الإنسان أمر أسوأ بكثير من قتل كلب، الذي هو بدوره أمر أسوأ من قتل طائر، وهكذا دواليك. تتوافق هذه الرؤية أيضًا مع قناعة تحمُّل البشر التزامات إيجابية أقوى تجاه البشر من الواجبات تجاه الحيوانات الأخرى، حيث إن البشر، وفق هذه الرؤية، يتحملون التزامات أقوى تجاه البشر عمومًا.

إطارا عمل لفهم المكانة الأدبية للحيوانات

إطار عمل الاعتبار المتساوي

تستحق الحيوانات اعتبارًا متساويًا (انظر مربع النص المعنون «ثلاثة معانٍ تكتسب مزيدًا من الأهمية لمصطلح «حقوق الحيوان»»).

نموذج المقياس التراتبي

يستحق البشر اعتبارًا متساويًا كاملًا، وتستحق الحيوانات الأخرى اعتبارًا يتناسب مع درجة تعقُّد قدراتها الإدراكية، والشعورية، والاجتماعية. على سبيل المثال، لمعاناة قرد أهمية أقل من معاناة إنسان، لكن لها أهمية أكبر مقارنة بمعاناة فأر، الذي تعتبر معاناته أكثر أهمية من معاناة دجاجة.

يتمثل السبب الرئيسي في رفض هذه الرؤية في الافتراض الذي يدعم الاعتبار المتساوي. مهما كان نموذج المقياس التراتبي مغريًا بتبنيه بداهةً، لا نستطيع قبوله بصورة مسئولة دون وجود تبرير واضح مقنع لمنح الحيوانات اعتبارًا أقل من المتساوي. دون وجود هذا التبرير، سيعد من قبيل التعسف المتطرف التقليل من أهمية معاناة الكلب، على سبيل المثال، لا لسبب إلا أن الكائن الذي يعاني صادفَ كونه كلبًا. إذا كان من الصواب بمكان التقليل من شأن أو قيمة مصالح الحيوانات جميعًا، فسيكون هناك «سبب» بشأن صواب ذلك. وللتأكد من وجود سبب كهذا بالفعل، على المرء العثور عليه. في المقابل، تنتابني الشكوك في وجود سبب مثل ذلك، ولهذا فإنني أقبل الاعتبار المتساوي.

(٥) خلاصة

عرض هذا الفصل مفاهيم المكانة الأدبية، والحقوق الأدبية، والاعتبار المتساوي، مثلما أشار إلى الأطروحات الأساسية المؤيِّدة والمعارِضة لنسبة هذه المفاهيم إلى الحيوانات. وإذا عدنا إلى القضية التي بدأ بها الفصل، يمكننا الآن المضي قدمًا إلى ما بعد الحكم المبدئي بأن المعاملة القاسية للحمائم في مهرجان الصيد السنوي كانت خطأ. لماذا كانت خطأ؟ لأنها سبَّبت ضررًا بالغًا للحيوانات دون وجود سبب وجيه لذلك. لماذا يعتبر من قبيل الخطأ التسبب في الضرر للحمائم أو أي حيوانات حساسة أخرى دون وجود سبب وجيه لذلك؟ هنا يأتي دور المفاهيم الرئيسية التي أشرنا إليها.

أولًا: تحظى الحمائم والكائنات الحساسة الأخرى ﺑ «مكانة أدبية»، وهو ما يعني أن مصالحها — أو إجمالًا، رفاهتها — لها أهمية أدبية مستقلة. بعبارة أخرى، نتحمل التزامات تجاه الحيوانات، وهي التزامات لا تعتمد ببساطة على المصالح الإنسانية. من الممكن إساءة معاملة الحيوانات، لكن يجب أن نعامل الحيوانات جيدًا «من أجلها فقط» لا لأي سبب آخر. هل يعني ذلك أن الحمائم والحيوانات الأخرى تحظى «بحقوق أدبية»؟ نعم، على الأقل وفق المعنى الأشمل للمعاني الثلاثة للمصطلح، الذي يشير إلى أن امتلاك حقوق أدبية يعني امتلاك مكانة أدبية.

لنتأمل الآن المعنى الأكثر تحديدًا «للحقوق»، معنى الاعتبار المتساوي. لا تنطوي معاملة الحمائم بصورة خاطئة على أنها تستحق اعتبارًا متساويًا. يعتبر التسبب في الضرر للطيور دون وجود مبرر لذلك خطأً أيضًا وفق نموذج المقياس التراتبي الذي يمنح الحيوانات مكانة أدبية ولا يمنحها اعتبارًا متساويًا. إذا كانت الحمائم والكائنات الحساسة الأخرى تستحق اعتبارًا متساويًا، تحظى إذن هذه الكائنات بحقوق أدبية بالمعنى الضيق للعبارة. لا يستبعد الاعتبار المتساوي صيد الحمائم فقط، بل تربية الحيوانات، على سبيل المثال، في الحالات التي لا يحتاج الناس إلى اللحم من أجل البقاء (انظر الفصل الخامس). على الجانب الآخر، هَبْ أن رؤية المقياس التراتبي صحيحة، إذن، فبينما يعتبر من قبيل الخطأ إطلاق الرصاص على الحمائم من أجل المتعة، وتهشيم رءوسها، وخنقها، ربما لا يكون من قبيل الخطأ توفير حياة مريحة للدواجن في المزارع العائلية ثم قتلها لاحقًا لأكلها، مع أننا لسنا في حاجة حقيقة لأكل لحومها ولا يحق لنا استغلال أقراننا من البشر على هذا النحو.

هل تحظى الحمائم والحيوانات الأخرى بحقوق وفق معنى تجاوز المنفعة الأكثر تحديدًا على الإطلاق بين المعاني الثلاثة؟ وفق هذا المعنى، يحظى المرء بحق القيام بعمل ما — مثل حرية الحركة — فقط في حال عدم حرمان الآخرين لذلك الشخص من هذا الحق، حتى وإن كان ذلك من شأنه تعظيم المنفعة العامة. من وجهة نظر عملية، ليس من الأهمية بمكان تقرير ما إذا كانت الحيوانات تحظى بحقوق وفق معنى تجاوز المنفعة أم لا (يعتبر سياق الأبحاث على الحيوان استثناء، انظر الفصل السابع)، بل المسائل المتعلقة بالمكانة الأدبية والاعتبار المتساوي أكثر أهمية وأوسع نطاقًا من الناحية العملية. في حقيقة الأمر، لا يتفق المنظرون الأخلاقيون جميعهم على ما إذا كان البشر يحظون بحقوق وفق معنى تجاوز المنفعة؛ لهذه الأسباب، لم أخض كثيرًا في النقاش حول حقوق الحيوان وفق هذا المعنى، تاركًا النقاش للفلاسفة المحترفين.

هوامش

(1) Jessie Cohen.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤