الفصل الرابع

أضرار المعاناة والحبس والموت

بعد أن انتقلت رايتشل إلى منزلها الجديد مباشرة، اكتشتف وجود فأر في الخزانة، ولما كانت رايتشل تهتم بسلامة الحيوانات، فهي تريد التخلص من الفأر بصورة لا تسبب له أي ضرر قدر الإمكان، فتفكِّر في خيارين: قد تنصب رايتشل شَرَكًا مميتًا يحتوي على جبن، ويمكن الاعتماد على هذا الشرك لقتل الفأر في الحال من خلال إطباق حديد الشَّرَك بسرعة على الفأر كاسرًا عموده الفقري. تعتقد رايتشل أن هذا الخيار لا ينطوي على أي ألم تقريبًا عند وفاة الفأر. أما البديل، فقد تستخدم رايتشل شَرَكًا «رحيمًا» يغري الفأر، عن طريق وضع قطعة جبن بداخله، للدخول في حاوية ستنغلق تلقائيًّا عند تحريك قطعة الجبن. تستطيع رايتشل الإمساك بالفأر لاحقًا ثم إطلاق سراحه في أحد الحقول. عند التفكير في هذين الخيارين، تتساءل رايتشل عما إذا كان الموت بلا ألم يتسبب في إيقاع الضرر بكائن لديه إحساس. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يتسبب قتل الفأر بلا ألم في أي ضرر. تستغرق رايتشل في التفكير وتتساءل، لماذا لا يزال استخدام الشَّرَك «الرحيم» خيارًا يستحق الاعتبار؟ على أي حال، قد يظل الفأر الواقع في الشرك حبيسًا فيه لساعات، أثناء وجود مالك المنزل في العمل أو أثناء نومه ليلًا. خلال ذلك الوقت، وخلال نقل الفأر إلى أحد الحقول، لا شك في أن الفأر سيمر ببعض المشاعر غير السارة مثل الخوف، والقلق، والإحباط. وعند إطلاق سراحه في الحقل، ربما يشعر الفأر بالحزن أيضًا لافتراقه عن أسرته أو عن أعضاء جماعة اجتماعية أخرى ينتمي إليها، هذا في حال ما إذا كان الحزن يقع ضمن مخزون المشاعر التي يمر بها الفأر. ولما كان الشرك «الرحيم» قد يتسبب في إيقاع ضرر بالفأر، فسيعتبر لا شك أسوأ من الشرك الذي يقتله على الفور، إلا إذا كان الموت يسبب الضرر للفأر. في تلك الحالة، سيحظى الشرك «الرحيم» بميزة تفادي التسبب في حدوث ضرر عند الموت.

عاش كانجارو في الأسر في مكان مريح بإحدى حدائق الحيوانات لسنوات. انقضى شعوره بالكرب لافتراقه عن عشيرته (عند وقت أسره) منذ زمن طويل، ولم يعد الكانجارو يأمل في الهروب من الحديقة. إجمالًا، أدت التوقعات المحبطة إلى وجود رغبات متواضعة — مثل الرغبة في الطعام، والحاجة إلى الراحة، والاستثارة من وقت لآخر، وما إلى ذلك — التي يسهُل إشباعها. إذا أعيد الكانجارو إلى الحياة البرية، بينما سيتوافر له المزيد من الحرية، فسيواجه العديد من المصاعب أيضًا، نظرًا لتغير الطقس، ووجود خطر الإصابة بالأمراض (حيث لا يوجد أطباء بيطريون)، ووجود حيوانات مفترسة. يثير وضع هذا الكانجارو أسئلة حول قيمة الحرية للحيوان. تتسبب القيود المفروضة، خاصة القيود الشديدة منها، على حرية الحيوان — والبشر — عادة في إيقاع الضرر بها من خلال التسبب في إنزال «الكرب» و«المعاناة» بها. في المقابل، لا يعتبر أسر الكانجارو ضارًّا حاليًّا على هذا النحو. دعنا نفترض أن الكانجارو ستتوافر له جودة حياة أقل، أو سيمر بخبرات تهدد سلامته — وربما سيقل عمره المتوقع — في حال عودته إلى الحياة البرية. هل سيصبح حاله أفضل؟ في البرِّيَّة، سيستعيد الكانجارو فرصة ممارسة «إمكاناته الطبيعية» — قدراته الحسية وعضلاته و«ذكائه» — بصورة أكثر اكتمالًا، سيستعيد الكانجارو درجة عالية من «أداء وظائف النوع الطبيعية»؛ إذ سيعيش بصورة أكثر حيوية الحياة الفريدة للكانجارو. هل يشير ذلك إلى شيء، بخلاف آثار الانتقال إلى البرية على سلامة الكانجارو؟

بصورة عامة، ما الذي يشكل ضررًا وما الذي يشكل منفعة فيما يخص الحيوانات؟ ما المصالح الكبرى للحيوانات؟ بالمثل، ما طبيعة سلامة الحيوانات؟ قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، كنا في حاجة إلى دراسة عقول الحيوانات بغرض التعرف على أنواع الخبرات التي تمر بها الحيوانات؛ إذ تعتبر السلامة «العملية» للحيوانات مكوِّنًا رئيسيًّا في سلامة الحيوانات بصورة عامة. قبل الانتقال إلى موضوعات أخلاقية محددة تتعلق بالحيوانات، نحتاج إلى معرفة المزيد عن كيفية تأثير أفعالنا على سلامة الحيوانات.

(١) ضرر المعاناة

مع افتراض تساوي جميع الأشياء الأخرى، يعتبر البشر والحيوانات أفضل حالًا نظرًا لتمتعهم بمستوى عالٍ من السلامة العملية. فالخبرات السارة، أو الممتعة، أو الجذابة بالنظر إلى الطريقة التي يجري الشعور بها، تميل إلى جعل الأفراد أفضل حالًا. بصورة أساسية، تنبع قيمة هذه الخبرات إما من تأثيرها علينا «داخليًّا» أو منها في حد ذاتها. يتملكنا شعور طيب حيال هذه الخبرات ونحبها جراء ذلك. في المقابل، تمتلك هذه الخبرات قيمة «وظيفية»، حيث إن من يمر بخبرات سارة شعوريًّا يستطيع بصورة أفضل تحقيق أهداف أو غايات بنجاح. يشعر الأفراد الذي يمرون بخبرات شعورية سيئة بالتشتت كثيرًا — عن طريق الألم، الخوف، الإحباط، إلخ — عن تحقيق أهدافهم المعتادة. في بعض الأحيان تؤدي هذه الحالات الكريهة إلى حالة من التشوش، حتى إن المرء لا يريد سوى وضع نهاية لها. (بطبيعة الحال، يعتبر السرور «الشديد» مشوِّشًا أيضًا. ربما، إذن، هناك أساس تطوري يفسر سبب قصر فترته.)

إذن تمثل الحالات العقلية الكريهة أضرارًا. للتبسيط، قد نضطر إلى التخلي عن شيء من الدقة والإشارة إلى هذه الحالات العقلية إجمالًا — الألم، الكرب، الخوف، القلق، المعاناة، إلخ — بمسمى «المعاناة»، وهو ما سيسمح لنا بتحديد نوع معين من الضرر باستخدام كلمة واحدة. تعتبر المعاناة شيئًا ضارًّا، ويعتبر التسبب في معاناة شخص آخر بمثابة إلحاق ضرر بهذا الشخص. وأكثر الطرق التي يُلحق بها البشر الضرر بالحيوانات وضوحًا هو التسبب في معاناتها.

مثلما أن الحالات العقلية السارة تعتبر مفيدة في حد ذاتها، فإن المعاناة تعتبر ضارة في حد ذاتها. تتعارض هذه النقطة مع الطرح القائل إن من مصلحة الإنسان في بعض الأحيان أن يمر بخبرة المعاناة. قد يحتاج شخص مدان بارتكاب جرائم مروعة إلى الشعور بالمعاناة من أجل الشعور بالندم الحقيقي في طريقه لأن يصبح شخصًا أفضل. قد يفيد المرء قطة من خلال الذهاب بها، أثناء ركلها وموائها، إلى الطبيب البيطري بغرض استعادة وظائف قدمها، حتى وإن كانت هذه العملية في مجملها تنطوي على معاناة. إضافة إلى ذلك، يتضمن كل شكل معين من أشكال المعاناة (مثل الخوف والقلق) وظيفة بيولوجية، ومن ثم ينطوي على قيمة تكيفية، مثلما رأينا في الفصل الثالث. بناء عليه، بينما لا تعتبر المعاناة ضررًا دائمًا — «مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل ذات الصلة» — تعتبر المعاناة ضارة بدرجة ما في حد ذاتها. فلا يصبح المرء أفضل حالًا بسبب المعاناة. مرة أخرى، تعتبر المعاناة ضارة من الناحية الوظيفية متى تداخلت مع مساعي تحقيق الغايات، والأهداف، والخطط. يمتلك البشر غايات معقدة للغاية في الحياة بصورة متفردة، وهي الغايات التي يعتبر تحقيقها مسألة في غاية الأهمية بالنسبة إليهم. تمتلك الحيوانات أهدافًا أقل تطورًا. في المقابل، يعتبر من المنطق بمكان افتراض أن الأسماك على سبيل المثال تمتلك بعض الرغبات — مثل الحصول على الغذاء — وأن المعاناة قد تتداخل مع تحقيق هذه المساعي.

ليس الطرح القائل إن المعاناة ضارة خلافيًّا؛ ففي حقيقة الأمر، يفترض الكثيرون — بما في ذلك الباحثون المتخصصون في دراسة الحيوانات، وصانعو السياسات، والفلاسفة — أن الطريقة «الوحيدة» التي نستطيع من خلالها إلحاق الضرر بالحيوانات هي التسبب في معاناتها. بناء عليه، من الشائع أن قتل حيوانات التجارب دون التسبب في إيلامها لا يعتبر مسألة مشكلة أخلاقيًّا؛ نظرًا لأنها لا تتسبب في إلحاق الضرر بهذه الحيوانات. سنرى لاحقًا أن هذا الافتراض افتراض ساذج.

(٢) ضرر الحبس

على عكس النباتات، تتحرك الحيوانات وتقوم بأفعال. ويسمح النشاط الحركي هذا، على أقل تقدير، بتوفير وسائل البقاء لها. تمر الحيوانات «الحساسة» بخبرات شعورية، مثل المتعة والألم، في إطار ممارستها أنشطتها. بافتراض أن الحيوانات الحساسة تتمتع برغبات (مثلما أشرت في موضع آخر)، يصبح من قبيل المنطقي أن الحيوانات «ترغب» في الحراك والقيام بأشياء محددة. إضافة إلى ذلك، عندما تستطيع الحيوانات القيام بما تريده، تمر الحيوانات بخبرة المتعة أو الرضاء، وعندما لا تستطيع الحيوانات القيام بما تريده، تمر بخبرة الإحباط أو غيره من المشاعر غير السارة. بناء عليه، تعتبر الحرية — غياب القيود الخارجية على الحركة — بصورة عامة «ميزة» بالنسبة إلى الحيوانات الحساسة، وهي ميزة تسمح لها بتحقيق مساعيها وتلبية حاجاتها. لا غرو أن بعض القيود على الحرية تعتبر في مصلحة الأفراد — مثل أسرَّة الأطفال — بينما تتوافق على الأقل بعض القيود الأخرى مع مصالح الفرد، مثلما هو الحال مع سياج الجيران، الذي يحد قليلًا من حركتك.

في المقابل، خذ على سبيل المثال ما قد نطلق عليه «الحبس»، وهو ما يشير في معناه الضيق إلى «القيود الخارجية المفروضة على الحركة والتي تتداخل بصورة كبيرة مع قدرة المرء على العيش بصورة جيدة.» فالحبس بهذا المعنى ضار؛ فنظرًا لأن السجن يتداخل بصورة كبيرة مع قدرة الأشخاص على العيش جيدًا، لذا يعتبر السجن أحد أشكال العقاب.

fig5
شكل ٤-١: فهد في معرض وحوش إلى جانب أحد الطرق.1

يتمثل أحد الأمثلة الأخرى على الحبس في إجبار قرد على العيش وحيدًا في قفص صغير موحش؛ فالقرود تحب التجوال، واستكشاف الأشياء، واللعب، وقضاء الوقت مع القرود الأخرى. تتسبب القيود الشديدة على الحركة في كثير من الأحيان في الألم وعدم الراحة الجسدية — عندما تكون الظروف المعيشية غير طبيعية وتحول دون ممارسة الحياة بصورة طبيعية — كما تتسبب بصورة شبه دائمة في الكرب والخبرات الشعورية غير السارة ذات الصلة. باختصار، تؤدي هذه القيود الخارجية عادة إلى حدوث المعاناة.

لكن هل تعتبر هذه الخبرات الشعورية ضارة دون أن تتسبب في وقوع معاناة؟ خذ مثلًا بالكانجارو في حديقة الحيوانات الذي يشعر بالراحة والذي ستقل سلامته العملية إذا ما أُطلق سراحه في البرية. هل يتسبب الأسر في إلحاق الضرر به؟ وإلى أي درجة؟ تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على سؤال نظري لم يُتوصل إلى إجابة شافية له، وهو سؤال يتعلق بما إذا كان استخدام الكائن لإمكاناته الطبيعية — أو أداء وظائف النوع الطبيعية — يعتبر أمرًا ذا قيمة في حد ذاته (يؤدي إلى تحقق السلامة العامة بصورة مستقلة عن الآثار المترتبة على السلامة العملية). إذا كان الأمر كذلك، فسيعتبر الكانجارو الذي يتمتع بالراحة معرَّضًا للضرر من خلال بقائه في حديقة الحيوانات، التي تحدُّ بصورة كبيرة من قدرته على استخدام إمكاناته الطبيعية. في المقابل، قد يكون الكانجارو أفضل حالًا إذا عاد إلى البرية بالرغم من معاناته بصورة أكبر. على الجانب الآخر، إذا كانت الحرية لا تمثل قيمة إلا بقدر ما تدعم السلامة العملية للكانجارو، فسيعتبر الكانجارو أفضل حالًا في أسره المريح. بينما لن نستطيع وضع القيمة الكاملة لسلامة الحيوان في نصابها الصحيح دون التوصل إلى حل شافٍ لهذا الموضوع حول قيمة الحرية، لا يجب أن تنتظر مناقشة معظم المواقف العملية التي تنطوي على مسائل تتعلق بالأسر نتيجة حل هذه المسألة. عادة، يتسبب أيضًا الأسر الذي يتداخل بصورة كبيرة مع قدرة الحيوان على استخدام إمكاناته في معاناة الحيوان، وهو ما ينطوي على إلحاق ضرر به لا مراء فيه.

(٣) هل يعتبر الموت ضررًا؟

يختلف الموت عن الاحتضار. ينطوي الاحتضار — وهو عملية تشمل فردًا لا يزال حيًّا — على معاناة، خاصة إذا كانت عملية الاحتضار ممتدة. تعتبر المعاناة التي قد تحدث أثناء عملية الاحتضار سببًا في أن نخاف من هلاكنا. في المقابل، لا يتضمن الموت نفسه معاناة أو أي خبرات شعورية أخرى. لا يؤثر الموت على السلامة العملية للكائنات اللهم إلا بإنهائها. فهل يعتبر الموت ضررًا؟

تشير أحكامنا الفطرية إلى أن الموت يضر عادة بالبشر (على الأقل بالنسبة إلى البشر بعد الميلاد. أما حالة الأجنة فهي خلافية). ربما لا يلحق الموت الضرر بشخص قضى حياته كما ينبغي طوال خمسة وتسعين عامًا. وتأكيدًا، لا يُلحق الموت الضرر بأولئك الذين يعانون من ألم لا يتحملونه، وبلا أمل في تحسن جودة الحياة. في المقابل، «عادةً»، يسبب الموت الضرر للبشر الذين يموتون، وهو ما يساعد على تفسير السبب في أن القتل يعتبر جريمة نكراء. «لماذا» يعتبر الموت ضررًا في حالة البشر؟ وعلامَ تنطوي الإجابة عن هذا السؤال بالنسبة للحيوانات؟

يرى بعض الفلاسفة أن الموت يعتبر ضررًا بقدر ما لا يلبي «رغبة» مركزية: البقاء على قيد الحياة. في الظروف الطبيعية، يعتز المرء بحياته، على الأقل «من الناحية الوظيفية»، «باعتبارها وسيلة ضرورية في إطار مساعي تحقيق أهداف ومشروعات معينة بنجاح»، مثل تنشئة الأطفال أو الانتهاء من كتابة كتاب. يضفي الكثيرون أيضًا قيمة على حيواتهم «داخليًّا». في كلتا الحالتين، يريد هؤلاء — أو يرغبون في — العيش.

وفق هذه الرؤية، إذن، يسبب الموت الضرر فقط لأولئك الأفراد الذين يرغبون في البقاء أحياء. ينطوي هذا الزعم على تداعيات بعيدة المدى بالنسبة إلى الحيوانات؛ إذ لا تمتلك سوى حفنة قليلة من الحيوانات «مفهوم» البقاء على قيد الحياة، وبدرجة أقل كثيرًا الرغبة في البقاء على قيد الحياة. هب أن منزلًا اشتعلت فيه النيران، وكان يوجد كلب بداخله. يشعر الكلب بالخوف الهائل، وهو خوف ناجم لا شك عن شعوره بأنه سيصاب عما قريب بسوء أو سيقع عليه ضرر. بينما قد تساعد محاولات الكلب على تفادي الموت، لا يبدو من المؤكد أن الكلب تتوافر لديه مفاهيم الحياة والموت، والرغبة في البقاء على قيد الحياة. وفق الرؤية الراهنة، إذن، سيلحق الضرر بالكلب عمليًّا من خلال احتراقه لكنه لن يُضار من الموت نفسه.

قد يدفع أحد المدافعين عن الرؤية القائمة على الرغبة قائلًا إن بعض الأشخاص الذين يفتقرون إلى الرغبة في البقاء على قيد الحياة يلحقهم الضرر إذا كان الموت يمنعهم من تلبية رغبات مركزية لديهم. هب أن ذئبًا يريد أن يصبح العضو المسيطر في القطيع. شكَّل الذئب تحالفات مهمة، وخاض في أوقات مناسبة بضع معارك مع ذئاب أخرى تعلوه في المرتبة لكنها ضعيفة، ويواصل الذئب صعوده إلى القمة. فإذا مات الذئب قبل بلوغ مرماه، يتسبب الموت في إلحاق الضرر بالذئب عن طريق الحيلولة دون رغبته في أن يصبح الذئب المهيمن في جماعته، حتى لو كان يفتقر إلى مفهوم الموت. ستوسِّع هذه النظرة الجديدة إلى الموت في إطار الرؤية القائمة على الرغبة كثيرًا من مجموعة الحيوانات التي يلحقها الضرر جراء الموت. ولكن لن تشمل هذه الرؤية سوى تلك الحيوانات التي لديها: (١) مفهوم الحياة والرغبة في البقاء على قيد الحياة، أو (٢) مشاريع مستقبلية.

يناقض المثال التالي جميع صور الرؤية القائمة على الرغبة للضرر المتحقق جراء الموت. يولد الطفل الرضيع في صحة جيدة في كنف أبوين محبين على أتم استعداد للعناية به. عند بلوغ الرضيع أسبوعًا، لا مراء يمتلك الطفل إحساسًا كما يحظى بإمكانية اكتساب حياة إدراكية متقدمة لإنسان طبيعي. حتى الآن، لا يمتلك الرضيع أي خطط أو مشروعات، فضلًا عن أي مفهوم للحياة. هب، عن طريق حادث غير متوقع، أن الرضيع يموت بلا ألم أثناء نومه. سيكون حكم التفسيرات القائمة على الرغبة أن الطفل مات دون أن يلحق به الضرر. في المقابل، عند سماع هذه القصة، سيعتبرها كثيرون مأساة، لا فقط لأسرة الطفل مفطورة القلب، بل أيضًا بالنسبة إلى الطفل نفسه. يتطلب الحكم بأن الموت يُلحق الضرر بالطفل تقديم تفسير بديل للضرر المترتب على الموت.

يطرح هذا البديل الرؤية — التي يدافع عنها توم ريجان، وستيف سابونتزس، وأنا — القائلة إن «الموت يسبب ضررًا وظيفيًّا بقدر ما يُحبط الفرص القيِّمة التي يوفرها استمرار الحياة.» تمر الكائنات الحساسة بخبرات قيِّمة، بما في ذلك تلك الخبرات التي تدعم السلامة العملية لها، مثل المتعة والرضا، وربما أيضًا — بناء على النظرية التي يتبناها المرء حول السلامة — أي خبرات تتضمن ممارسة المرء إمكاناته الطبيعية. سيحرم الموت القطة، أو الطفل الوليد، من الحياة المتاحة لهذا الفرد، «حتى لو كان ذلك الشخص لا يمتلك أي دراية بالفرص المتاحة.» وفق هذه الرؤية، إذن، لا يحتاج المرء إلى أن يمتلك قدرات مفاهيمية معقدة أو خططًا مستقبلية ليقع ضرر عليه جراء الموت. سينطوي الإحساس وحده إذن على أن بإمكان المرء المرور بخبرات قيِّمة، وأن الموت سيوقف تواصل المرور بهذه الخبرات. (تعتبر مسألة ما إذا كان مجرد وجود «إمكانية» الإحساس يكفي لجعل الموت ضارًّا مسألة خلافية مهمة، خاصة في سياق الإجهاض.) على الجانب الآخر، إذا لم تكن لدى الكائن الحي رغبة في الحياة أو لم تكن لديه مشروعات مستقبلية، وكان مستقبله يؤذن بخبرات سلبية في مجملها — أي خبرات ملآنة بالمعاناة — فسينفي التفسير الحالي أن الموت يسبب الضرر لذلك الشخص.

الآن تتذكر رايتشل التي وجدت فأرًا في منزلها الجديد. بمعرفتها طريقتين للتفكير في الموت، تفكِّر رايتشل كالتالي: «تشير الرؤية القائمة على الرغبة إلى أن الموت بلا ألم لن يسبب الضرر للفأر، بينما تشير الرؤية القائمة على توافر الفرص إلى منظور آخر: إذا أُطلق الفأر في الحقل، فستتاح أمام الفأر الفرص المتوافرة في حياة أي فأر، وسيؤدي الموت إلى الحيلولة دون توافر هذه الفرص.» وحسب الرؤية القائمة على توافر الفرص، فحكم رايتشل يفيد بأن الشَّرَك الرحيم — الذي مع أنه ينطوي على بعض المعاناة فإنه سيحافظ على الحياة في الوقت نفسه — يستحق «أخذه في الاعتبار». في النهاية، تعتمد مسألة استخدامها الشرك الرحيم على الحكم الأكثر خلافية الذي يقول إن الموت المبكر للفأر سيتسبب في ضرر أكبر من المعاناة التي ينطوي عليها استخدام الشرك، متمثلة في بعض مشاعر الخوف، والإحباط، وربما الحزن. في المقابل، رايتشل متأكدة تمامًا من أن الموت يشكل ضررًا.

تُمعن رايتشل في التفكير. هب أن سيارة صدمت كلبها الأليف مما أدى إلى كسر قدمه. تمتلك رايتشل خيار قتل الكلب دون ألم تحت تأثير المخدر أو وضع قدمه في دعامة مع وجود فرصة جيدة للشفاء الكامل. سيتضمن الخيار الثاني قدرًا عظيمًا من الألم، والإحباط، وربما الخوف أثناء وجود الدعامة في قدم الكلب مدة شهر تقريبًا. في المقابل، بداهة، تظن رايتشل أنها وكلبها سيخسران شيئًا إذا قُتل الكلب بلا ألم. ترى رايتشل أن هذا الحكم والأحكام المشابهة يمكن تفسيرها بصورة أفضل إذا افترضنا أن ضرر الموت مرتبط بالفرص التي يحول دون توافرها.

(٤) هل يمكن مقارنة هذه الأضرار عبر الأنواع؟

على غرار البشر، قد يقع الضرر على الحيوانات. لا شك في أن الضرر يلحق بالحيوانات من خلال التسبب في معاناتها. يقع الضرر على الحيوانات أيضًا من خلال الحبس؛ أي القيود المفروضة على الحرية التي تتداخل بصورة كبيرة مع قدرتها على العيش جيدًا. لكن مسألة ما إذا كانت القيود المفروضة على الحرية التي تتداخل مع أداء وظائف النوع الطبيعية تعتبر حبسًا وفق هذا المعنى — ومن ثم تتسبب في الضرر — حتى لو لم يترتب على ذلك أي معاناة، تُعتبر مسألة خلافية. وهكذا ينطبق الأمر نفسه على أي الحيوانات قد تتعرض للضرر عن طريق الموت: هل هي الحيوانات التي ترغب في الحياة فقط، أم الحيوانات التي تتمتع بمشاريع مستقبلية أيضًا، أم جميع الحيوانات الحساسة؟ بينما يدعم الطرح السابق الرؤية الأكثر شمولًا، لا يزال الأمر غير مُتفق عليه بصورة نهائية بعد. على أي حال، يبرز سؤال فيما يتعلق بالأنواع الرئيسية للضرر التي تناولناها حتى الآن. إذا جرى إلحاق الضرر بإنسان وحيوان بطريقة ما، هل يجب أن نعتبر «حجم» الضرر الواقع على كليهما متشابهًا — متساويًا تقريبًا — أم نعتبره مختلفًا اختلافًا جذريًّا؟ مثلما سنرى لاحقًا، تعتبر الإجابات عن هذه الأسئلة مهمة بغرض فهم التزاماتنا الأدبية تجاه الحيوانات.

بما أن المعاناة تعتبر ضررًا عمليًّا بصورة أساسية، فمن المنطق بمكان إذن القول إن في حال ما إذا مر إنسان وحيوان بخبرات معاناة متساوية تقريبًا في مقاديرها — مهما كانت صعوبة تحديد ذلك في بعض الحالات — فإن الضرر الواقع عليهما يكون متشابهًا. بطبيعة الحال، المعاناة ضارة أيضًا وظيفيًّا؛ نظرًا لتداخلها مع قدرة المرء على تحقيق مراميه. لكن من خلال تثبيط تحقيق المرامي، تميل المعاناة إلى توليد المزيد من المعاناة، وهي مسألة تنطبق على البشر والحيوانات على حد سواء. إضافة إلى ذلك، إذا كان أداء وظائف النوع الطبيعية يحظى بقيمة منفصلة عن السلامة العملية، يجب الإشارة إلى أن المعاناة قد تتداخل مع أداء هذه الأدوار الوظيفية، بالنسبة إلى أي حيوان. إجمالًا، هناك حجة قوية تدعم الطرح القائل إن وجود قدر معين من المعاناة هو من قبيل الضرر المتشابه، بقطع النظر عن نوع المخلوقات التي تتعرض له.

هل يمكن مقارنة ضرر الحبس عبر الأنواع؟ نعم، بقدر ما نفهم هذا الضرر في ضوء التسبب في المعاناة، حيث إننا وجدنا الضرر الناتج عن المعاناة متشابهًا. في المقابل، إذا كانت القيود المفروضة على الحرية تتسبب في الضرر من خلال التداخل مع أداء وظائف النوع الطبيعية — حتى دون التسبب في حدوث معاناة — فإن ضرر الحبس إذن يشمل هذا النوع الفريد من الضرر. بينما ينطبق هذا الأمر على جميع الحيوانات الحساسة، قد يكون من الممكن تبرير الزعم القائل إن الحبس قد يتسبب في إلحاق الضرر بالمخلوقات بدرجات متفاوتة، وإن كانت الطريقة المُثلى لتفسير هذا التعقيد في درجة الضرر ستتجلى من خلال مناقشة ضرر الموت، وهو ما ننتقل إليه الآن.

مثلما أشرنا سابقًا، ينظر البعض إلى استمرار بقائهم باعتباره مسألة قيمة في حد ذاتها، ومن ثم ينظرون إلى الموت باعتباره ضررًا في حد ذاته. ومسألة كون هذه الأحكام صحيحة أم لا خلافية إلى حد بعيد. في المقابل، يتفق الجميع على أن الموت، في الحالات العادية، يعتبر ضارًّا «وظيفيًّا» في حالة البشر. بناء عليه، لنركز على الضرر الوظيفي للموت. هل الموت متشابه عبر الأنواع؟

أجاب الكثير من الفلاسفة عن هذا السؤال، بما في ذلك العديد من كبار المدافعين عن حقوق الحيوان، بالنفي. تسير حجة أنصار الرؤية القائمة على الرغبة للضرر الناتج عن الموت كالتالي: لما كانت معظم الحيوانات الحساسة ليس لديها رغبة في الحياة — أو، مثلما تضيف الرؤية المعدلة، ليس لديها مشاريع مستقبلية — لا يُلحق الموت ضررًا بتلك الحيوانات «على الإطلاق». بناء عليه، يتضح أن الموت يتسبب في إلحاق ضرر بتلك الحيوانات أقل مما يلحق الضرر بالبشر العاديين أو أي حيوانات تستوفي معيار الرغبة في الحياة. أما المدافعون عن الرؤية القائمة على توافر الفرص في الحياة، وهي الرؤية التي تبدو أقوى في حجتها، فسيردون قائلين: بينما يحرم الموت الكائنات الحساسة من الفرص المتاحة لها، تعتبر الفرص المتاحة للبشر أكثر قيمة من تلك الفرص المتاحة للكائنات الأقل تعقيدًا، بما في ذلك معظم أو جميع الحيوانات. (لدعم هذا الزعم يحتكم بعض الفلاسفة إلى إمكانات الشعور بالمتعة والرضا البشرية الأكثر تفوقًا، فيما يحتكم آخرون إلى الأنشطة وأنواع الوظائف الأكثر قيمة للبشر وتميزهم عما سواهم.) بالمثل، تعتبر الفرص المتاحة للقردة أكثر قيمة من تلك المتاحة للقطط، التي بدورها أكثر قيمة من تلك المتاحة لطائر النورس، وهكذا دواليك، مع وجود اختلافات في درجة التعقد الإدراكي، والشعوري، والاجتماعي التي تعتمد عليها هذه المقارنات. وإجمالًا، تختلف قيمة البقاء على قيد الحياة «بالنسبة إلى الفرد الذي يحيا الحياة» عبر الأنواع، ومن ثم يختلف حجم الضرر الناتج عن الموت.

fig6
شكل ٤-٢: مزرعة دواجن.2

يتطلب الخوض في موضوعات القيمة المقارنة هذه الغوص في غمار مجموعة من الموضوعات النظرية غير المحسومة (التي بحثتها في موضع آخر). لا يوجد إجماع هنا حول هذه الموضوعات. في المقابل، يقبل كل المعلقين تقريبًا، بمن فيهم أنا، هذا الزعم الحذر: في الأحوال العادية، يُلحق الموت الضرر بالبشر أكثر مما يُلحق بمجموعة كبيرة من الحيوانات الحساسة، وهذه المجموعة تشمل على الأقل الحيوانات التي تقع في مرتبة «أدنى» من الثدييات. بالمثل، يمكن أن يذهب المرء إلى أن الحبس يحول دون ممارسة الأنشطة وأداء الوظائف ذات القيمة الأعلى، أو يحول دون تحقق إمكانات أكبر للاستمتاع والرضا، في حالة البشر أكثر مما في حالة بعض الحيوانات على الأقل، وهو بذلك يؤدي إلى إلحاق ضرر أكبر بالبشر. لكن لا بد من تذكُّر أن حالات الحرمان الكبير من الحرية تؤدي بصورة شبه دائمة إلى المعاناة، وهو ضرر متشابه عبر الأنواع. (مبدئيًّا، قد ينطبق الأمر نفسه على المعاناة «عند اعتبارها من وجهة النظر الوظيفية فقط»: تختلف أنواع الوظائف، أو مصادر الرضا، التي تحول المعاناة دون تحقيقها في القيمة عبر الأنواع. سأتجاهل هذه النقطة نظرًا لأن المعاناة تعتبر بصورة أساسية ضررًا عمليًّا.)

(٥) خلاصات

أسفرت مناقشتنا عن عدد من الخلاصات؛ أولًا: تعتبر درجة محددة من المعاناة ضررًا قابلًا للمقارنة، بغض النظر عن هوية من يعاني. ثانيًا: عند مقارنة البشر مع بعض الحيوانات — على الأقل الحيوانات التي تقع في مرتبة «أدنى» من الثدييات — لا يعتبر الموت سببًا في الضرر بالنسبة إلى الحيوانات. في الحالات العادية، يتسبب الموت في إلحاق ضرر أكبر بالبشر. ثالثًا: يسبب الحبس ضررًا مشابهًا عبر الأنواع بالنظر إلى تسببه في قدر معين من المعاناة، إلا إنه لا يكون قابلًا للمقارنة بين البشر والحيوانات — عند مقارنة البشر وعلى الأقل بعض الحيوانات — بالنظر إلى تداخله مع الأنشطة أو الإمكانات المهمة في سبيل تحقيق الرضا. لننتقل الآن إلى التداعيات الأخلاقية المحتملة من خلال مراجعة أطر العمل الأخلاقية التي عُرضت في إيجاز في الفصل الثاني.

إذا جرى قبول إطار عمل الاعتبار المتساوي، فإن على المرء قبول منح وزن أدبي متساوٍ لمصالح البشر ومصالح الحيوانات المتشابهة. بناء عليه، ينطوي الاعتبار المتساوي على أن التسبب في معاناة الحيوانات يعتبر إشكالية أخلاقية بقدر ما هو إشكالية أخلاقية بالنسبة إلى البشر. وكما سيتضح في الفصول اللاحقة، يفشل الكثير من المؤسسات التي تستخدم الحيوانات فشلًا ذريعًا في الوفاء بهذا المعيار. على الجانب الآخر، يعتبر من قبيل الاتساق مع مبدأ الاعتبار المتساوي القول إن المعتقد الأخلاقي المناهض لقتل البشر يعتبر أقوى من المعتقد الأخلاقي المناهض لقتل تلك الحيوانات، وذلك بالنسبة إلى مجموعة كبيرة من الحيوانات. (يتلقى هذا الزعم دعمًا أكبر من الاعتبارات الأخرى، بما في ذلك الضرر العاطفي الأكبر الذي يشعر به الأشخاص عند موت أحد المقربين.) وفي حالة هذه الحيوانات، يعتبر المعتقد الأخلاقي المناهض لحبسهم أضعف «إلى حد ما» من المعتقد المناهض لحبس البشر.

برفض الاعتبار المتساوي، سيعير الشخص المناهض للاعتبار المتساوي انتباهًا أقل للفروق الدقيقة في المزاعم القائلة بإمكانية المقارنة والمزاعم القائلة بعدم إمكانية المقارنة بين الأضرار الواقعة على البشر والحيوانات. يصدر هذا الشخص حكمًا أخلاقيًّا مفاده أن مصالح البشر تتمتع بوزن أدبي أكبر من مصالح الحيوان «عمومًا». بصورة عامة، كلما زاد التعقيد الإدراكي، والشعوري، والاجتماعي للحيوانات، زاد وزن مصالح الحيوانات، وهو ما يبرر وجود تراتبية أو مقياس تراتبي للاعتبار المتساوي عبر الأنواع. والمزاعم القائلة بعدم قابلية المقارنة فيما يتعلق — على سبيل المثال — بالضرر الناشئ عن الموت قد تقود الشخص المناهض للاعتبار المتساوي بين البشر والحيوانات إلى إصدار حكم بوجود معتقد أخلاقي ضعيف للغاية، وذلك في حالة الكثير من الحيوانات، يعارض قتل الحيوانات دون ألم، مثلما هو الحال في الأبحاث الطبية-الحيوية. ربما أكثر أهمية من ذلك كله هو أن الشخص المناهض للاعتبار المتساوي ينفي أن التسبب في المعاناة يمثل إشكالية أخلاقية متساوية في حالة الضفادع، وطائر السُّمنة المغرد، والفئران، والبشر، حتى لو لم يكن علينا أبدًا أن نُظهر شهامة حيال مسألة التسبب في معاناة أي شخص.

بعد تناول المكانة الأدبية، والحياة العقلية للحيوانات، والطرق الرئيسية التي قد يجري بها إلحاق الضرر بالحيوانات، ننتقل إلى الموضوعات الأخلاقية العملية التي تتعلق باستخدام البشر للحيوانات.

هوامش

(1) Jessica Eshler/Brull Coleman Inc.
(2) PETA.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤