الفصل السادس

اقتناء الحيوانات الأليفة وحيوانات الحدائق

تعيش جيني — وهي كلبة صيد ذهبية عمرها خمس سنوات — في راحة ودعة. تأكل جيني جيدًا، وتتلقى عناية بيطرية عند الضرورة، ولا تتعرض لأي انتهاك. في المقابل، تقضي جيني وقتًا كثيرًا في ملل، وحدها. تسير جيني مدة خمس عشرة دقيقة مرتين يوميًّا مقيدة إلى مقود. وتوجد باحة خلفية كبيرة في المنزل الذي تعيش فيه، لا يسوِّر الباحة أي سياج، لذا لا تخرج جيني خارج المنزل إلا في أوقات التمشية. يعمل الأبوان طيلة اليوم خارج المنزل، يشعر طفلهما الوحيد بالود تجاه جيني، إلا أنه لا يلاعبها إلا نادرًا، وغالبًا ما يكون بعيدًا عنها معظم فترات اليوم.

لا يوجد سوى أسدان، ليو وليونا، في أحد معارض الوحوش. رُبِّي الأسدان في حديقتين مختلفتين، وفُصلا عن أميهما بعد فطامهما مباشرة، ثم وُضعا معًا في هذه الحديقة، حيث اعتاد أحدهما على الآخر تدريجيًّا. يعيش ليو وليونا في ظروف مريحة في معرض متوسط الحجم يقع معظمه في الفضاء المفتوح. يأكل الأسدان جيدًا ويَلقيان عناية بيطرية جيدة. في المقابل، يشعر الأسدان بالملل والفتور. ولا يلاعب أحدهما الآخر إلا لمامًا. في مقابل الأسود البرية، التي تقضي معظم وقتها تصيد من أجل الحصول الغذاء، لا يصيد ليو وليونا على الإطلاق للحصول على الغذاء كما لا يستخدمان حواسهما، أو عضلاتهما، أو ذكاءهما بصورة كاملة، ولا يلعبان إلا نادرًا.

يعرض السيناريوهان السابقان نماذج حيوانات قُيدت حرية حركتها عن طريق تدخل الإنسان. هل يصح تقييد حرية الحيوانات؟ إذا صح ذلك، فتحت أي ظروف؟ هل يعتبر الأسر ضارًّا بالضرورة للحيوانات أو لا يعبر عن احترام لها؟ يبحث هذا الفصل هذه الموضوعات وغيرها من الموضوعات ذات الصلة.

(١) شروط اقتناء الحيوانات

من وجهة نظري، يجب أن يتوافر شرطان في رفقاء ورعاة الحيوانات لتبرير اقتناء حيوانات معينة؛ أولًا: «يجب تلبية حاجات الحيوان الجسدية والنفسية.» يمكن الدفاع عن هذا الاشتراط القائم على تلبية الحاجات الأساسية من خلال الاحتكام إلى أساسيات العيش اللائق القائمة على فرضية أن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية (والتي دافعنا عنها في الفصل الثاني). يتلقى هذا الافتراض دعمًا إضافيًّا من الفكرة القائلة بافتراض تولي مسئولية سلامة الحيوان عند اقتناء حيوان أليف أو وضعه في حديقة عرض. بناء عليه، لا يمكن الدفاع عن الحكم الأخلاقي القائل بعدم جواز إبراء مَن يدع قطته تموت جوعًا من خلال الإشارة إلى أن مالكها لم يتسبب في إلحاق الضرر المباشر بها. تنبع الالتزامات الإيجابية الخاصة من العلاقات الخاصة التي يتولى فيها المرء دور رعاية.

ثانيًا: «يجب توفير حياة للحيوان تكون على قدر الجودة نفسها من حياته في البرية.» يتلقى اشتراط توفير حياة مشابهة هذا دعمًا من الزعم المنطقي القائل إننا لا يجب أن نجعل الحيوانات أسوأ حالًا عند اقتنائها أو وضعها في حدائق عرض؛ إذ إن جعل حالها أسوأ سيعتبر من قبيل «الضرر الذي لا داعي له».

في المقابل، ربما يتساءل المرء: ألا يعتبر اقتناء الحيوانات «ضروريًّا» في بعض الأحيان، مثل الحفاظ على أحد الأنواع، أو توفير كلب لشخص كفيف ليكون عينه التي يرى بها؟ إذا كان الأمر كذلك، فستعتبر أي أضرار تنجم عن اقتناء الحيوانات في تلك الحالات ضرورية أيضًا. إلا أنه يجب تناول مزاعم الضرورة هذه حالة بحالة. ترتبط «الضرورة» دائمًا بغاية ما، مثل الحفاظ على الأنواع، يجب تقييم أهميتها قبل أن نحدد ما إذا كان السعي إلى تحقيق الغاية يبرر إلحاق الضرر بأي كائن. (من ناحية المبدأ، سترفض رؤى مناصرة حقوق الحيوان القوية إلحاق الضرر ببعض الأشخاص، دون موافقتهم، لتحقيق مصالح أشخاص آخرين.) إذا كانت إحدى حالات إلحاق الضرر بحيوان — مثل تدريب كلب بقسوة على مساعدة الأشخاص الأكفاء — تمثل حالة ضرورية «بجلاء»، فإن ذلك قد يرجع إلى الافتراض الضمني القائل إن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية أقل، ومن ثم تُوضع لسبب وجيه في مرتبة أقل من مرتبة الاحتياجات الإنسانية.

على أي حال، يمكن الدفاع عن اشتراط قيمة حياة الحيوانات المشابهة لحياة البرية بطريقة أخرى. سيكون بالتأكيد من قبيل الخطأ السماح لزوجين بتبني طفل، إذا كنا نعلم أن الطفل سيكون أسوأ حالًا جراء ذلك، مثل أن يكون بيت استضافة الطفل مريحًا لكن يسيء الزوجان معاملة الطفل. يتطلب الاعتبار المتساوي، إذن، تطبيق المعيار نفسه مع الحيوانات بألا نجعلهم أسوأ حالًا عند اقتنائها أو وضعها في حدائق عرض. منطقيًّا، لن يقبل من يرفضون الاعتبار المتساوي لمصلحة نموذج المقياس التراتبي بهذا الطرح الثاني الذي يدعم شرط تساوي حياة الحيوانات مع نظرائها بالبرية. بالنسبة إلى الطرح الأول، الذي يعتمد على الزعم القائل بإلحاق ضرر غير ضروري، ربما ينبغي لمن يؤيدون هذا الطرح (١) النظر في مجموعة أوسع من الحالات التي تندرج تحت فئة الضرر «الضروري»، أو (٢) الرد على الفكرة القائلة إن من الخطأ دائمًا إلحاق الضرر بالحيوانات دون داعٍ. بناء عليه، ربما يقبل من يدعمون نموذج المقياس التراتبي شرط تلبية الحاجات الأساسية فقط باعتباره «اشتراطًا»، جاعلين شرط تساوي حياة الحيوانات مع نظرائها بالبرية «مثالًا» أدبيًّا يعتبر تحقيقه مسألة فردية.

إذا كنتَ صائبًا في أن كلا الشرطين يعتبران اشتراطين حقيقيين، فكيف يرتبط هذان الاشتراطان؟ متى كان أحد الاشتراطين متساهلًا من الناحية الأخلاقية، يعوِّض الاشتراط الآخر هذا التساهل. إذا كان كلبك الأليف سيصبح أسوأ حالًا في البرية، كحيوان شارد، فربما يمكنك تحقيق شرط تساوي حياة الحيوان بنظرائه في البرية دون الوفاء، على سبيل المثال، بحاجة الكلب إلى الحصول على القدر المناسب من التحفيز، والتريض، والتواصل مع الكلاب الأخرى. في المقابل، لا يسمح اشتراط تلبية الحاجات الأساسية بإهمال هذه المتطلبات الطبيعية. إذا جرى تلبية حاجات جرذ الأرض الذي يعيش في إحدى حدائق العرض، في حدودها الدنيا، بينما كان من الممكن التمتع بحياة أفضل حالًا في البرية، فسيتعارض شرط تساوي حياة الحيوان مع نظرائه بالبرية إذن مع الإبقاء على جرذ الأرض في ظل الظروف الحالية.

يسهم قبول هذه الاشتراطات أو اشتراطات متشابهة في تجنُّب المبالغة في تعميمات محددة، مثل افتراض أن حدائق الحيوانات ضارة في حد ذاتها أو تنتهك بالضرورة بعض حقوق الحيوان. لا يميز بعض كبار منتقدي حدائق الحيوان، مثل ديل جاميسون وتوم ريجان، بين «الأسر»، الذي يقيِّد الحرية، و«الحبس» بالمعنى المحدد الذي نقصده المتمثل في تقييد الحرية «بطريقة تتداخل بصورة كبيرة مع قدرة المرء على العيش بصورة جيدة.» يعتبر التمييز بين المصطلحين هنا مهمًّا؛ نظرًا لأن الحبس فقط ينطوي على إلحاق الضرر. في حقيقة الأمر، يعتبر الأسر أو أشكال تقييد الحرية الأخرى، مع اعتبار كافة العوامل الأخرى، مفيدًا. فبينما قد يحظى المرء «بالحرية» — أي غياب القيود الخارجية — قد لا يحظى «بحريات» مهمة معينة، وبينما قد يحظى طفل يستخدم الإنترنت، أو فريسة حيوانية، بالحرية، قد لا يكون حرًّا من إلحاق الآخرين الضرر به.

إذا كان الأسر لا يسبب ضررًا للحيوانات، فهل يحترم الحيوانات؟ في جميع حالات أسر الحيوانات، على الأقل جزئيًّا، «تُستخدم الحيوانات لأغراض بشرية»، مثل الترفيه (حيوانات الحدائق) والصُحبة (الحيوانات الأليفة). ربما يتطلب الاحترام ترك الحيوانات وشأنها في البرية وعدم تربية حيوانات لاستئناسها. يرى بعض النقَّاد أننا يجب أن نتوقف عن تربية الحيوانات الأليفة وحيوانات حدائق الحيوان في الأسر، وأن ندع الحيوانات الموجودة حاليًّا تستكمل حياتها دون استبدالها، وأن ندع الأنواع المستأنسة بالكامل تنقرض تدريجيًّا.

هذه ليست رؤية مقنعة. صحيح أن في حالة البشر الطبيعيين الناضجين نؤكد على مبدأ احترام «الاستقلال» الذي يتطلب الحصول على موافقتهم الواعية على التدخل لاستخدامهم لتحقيق منفعة مجتمعية (مثلما في الأبحاث)، بل وعلى الكثير من التدخلات التي تفيدهم (مثلما في الطب)، غير أن هذا المبدأ ينطبق على كائنات تفهم فهمًا جيدًا مصالحها وقيمها، ولا ينطبق على الأطفال الصغار أو الحيوانات غير البشرية التي — مع وجود بعض الاستثناءات القليلة «جدًّا» مثل القردة المدربة تدريبًا لغويًّا خاصًّا — تفتقر إلى إمكانات التفكير واتخاذ القرار التي تشكل «الاستقلال». بناء عليه، يصبح من الملائم اتخاذ قرارات، نيابة عن الأطفال الصغار والحيوانات، تتماشى مع مصالحها. لم يدافع أحد حتى الآن بصورة مقنعة عن مبدأ احترام يمكن تطبيقه على جميع الحيوانات الحساسة غير البشرية كما يشترط في الوقت نفسه أن نترك هذه الحيوانات وشأنها.

بما أن اقتناء الحيوانات الأليفة ووضع الحيوانات في الحدائق لا يعتبر ضارًّا في حد ذاته ولا هو يعبِّر عن عدم الاحترام بالضرورة، يجب تقييم مدى ملاءمة اقتناء الحيوانات مع الانتباه إلى تفاصيل كل حالة.

(٢) الحيوانات الأليفة

بالعودة إلى كلبة الصيد الذهبية جيني، لم يلبِّ أصحابها من البشر شرطَي اقتناء الحيوانات. لا مجال للشك في أن جيني لو صارت كلبة شريدة، فسيصبح حالها أسوأ. وبينما ستكون حياة جيني أكثر إثارة، إلا أنها ستصبح أكثر جوعًا معظم الوقت، ولن تتلقى رعاية بيطرية، وستتعرض لظروف طقس قاسية، فضلًا عن المخاطر المتنوعة خارج مكان يئويها. لذا، دعنا نفترض تحقيق شرط تساوي حياة الحيوان مع نظرائه بالبرية. بالتأكيد لا تعتبر حياة جيني، مع اعتبار كافة العوامل الأخرى، أقل في جودتها مما لو كانت شريدة. في المقابل، خالَف أصحابها من البشر شرط تحقيق الحاجات الأساسية من خلال عدم تلبية حاجتها إلى القدر الكافي من التريض، والتحفيز، والمرافقة.

بما أن حالة جيني لا تعتبر غير معتادة بالنسبة إلى حيوان أليف، يجدُر السؤال في هذا المقام عن طريقة تلبية أصحاب جيني لشرط تلبية الاحتياجات الأساسية؛ أولًا: يستطيع أصحاب جيني زيادة الوقت المخصص لجيني قضاؤه في الخارج للتنزه. بما أن أصحاب جيني يمتلكون باحة خلفية كبيرة، يستطيعون وضع سياج حولها، ما يسمح لجيني بالاستمتاع بالباحة في الخارج لساعات أكثر. ستتمكن جيني حينها من تحسس الحشائش، وسماع أصوات الحيوانات الأخرى أكثر، وصناعة الحفر، واستخدام حواسها في غير ذلك. يتمثل أحد الطرق الأخرى في إثراء حياة جيني في اقتناء كلب آخر. قد يساعد أيضًا من تحسين حالة جيني قضاء المزيد من الوقت في التفاعل معه.

هذه التحولات ضخمة، وهي تؤثر على أسلوب حياة العائلة، وربما تنطوي على تكاليف كبيرة، مثل وضع سور. هل يعني ذلك أن هذه التغييرات أكثر مما قد نتوقع بكثير ممن يتولون رعاية الحيوانات من البشر؟ لا! تتمثل النقطة الرئيسية هنا في أن «اقتناء الحيوانات الأليفة يشكل مسئولية ضخمة جدًّا.» مثلما هو الحال مع إنجاب الأطفال، يجب على الناس التخطيط جيدًا وفي واقعية قبل اقتناء حيوانات أليفة، ولا يجب اقتناء الحيوانات الأليفة إلا إذا كان في الإمكان تلبية حاجاتها الأساسية، وذلك بافتراض تلبية شرط تساوي حياة الحيوان بنظرائه بالبرية. تحظى الحيوانات على أي حال بمكانة أدبية ولا توجد فقط لتحقيق متعة البشر.

fig8
شكل ٦-١: قرد جيبون صغير معروض للبيع.1

بينما تعتمد مدى ملاءمة اقتناء الحيوانات الأليفة على تفاصيل كل حالة، وهي التفاصيل التي تحدد ما إذا كان شرطَا الاقتناء متحققَيْن أم لا، قد نجرؤ على طرح تعميم شامل: فمن الخطأ اقتناء حيوانات غير مستأنسة أو حيوانات أجنبية — مثل القرود، والفئران، وعصافير الكناريا، والثعابين، والإجوانا — كحيوانات أليفة. فببساطة، من غير الواقعي أن نتوقع رعاية هذه الحيوانات جيدًا وهي التي أُجبرت على الحياة في ظروف تختلف جذريًّا عن الظروف الطبيعية التي تناسبها. يجهل معظم مالكي الحيوانات في معظم الأحوال الاحتياجات الخاصة للحيوانات الأجنبية. بالمثل، لا يتوقع المرء أن يستجيب الأطباء البيطريون بصورة مناسبة للمشكلات الصحية لهذه الحيوانات. إذا لم يمت الحيوان الأجنبي سريعًا — تموت معظم هذه الحيوانات في غضون سنوات قليلة — فربما يصيب الكلل مالكه منه لكنه لا يجد مالكًا آخر يرغب في شرائه. ربما يتمثل أسوأ السيناريوهات على الإطلاق في أن شراء الحيوانات غير المستأنسة يشجع الآخرين على اصطيادها من البرية، ومن ثم تدمير عائلات حيوانية والتسبب في أضرار غير متوقعة تتهدد هذه الحيوانات عند نقلها، ومناولتها، بل تتهدد حياتها ذاتها عند بيعها.

في مقابل الحيوانات الأجنبية، تمثل الأنواع الحيوانية المستأنسة مثل القطط والكلاب انحرافًا جينيًّا جليًّا عن نظيراتها البرية من أسلافها، مثلما في حال الكلاب والذئاب. من خلال تنشئة البشر لها، تصير الحيوانات المستأنسة أكثر ملاءمة للعيش مع البشر من الحيوانات البرية. في المقابل، كيف يحصل المرء على حيوان مستأنس؟ هناك حاليًّا مشكلة في غاية الخطورة تتعلق بزيادة أعداد هذه الحيوانات، وهو ما أدى إلى مآسي التشرد — سواء في الشوارع، أو في المآوي، أو (في بعض الدول) في مختبرات الأبحاث — و«القتل الرحيم» لملايين الحيوانات غير المرغوب فيها سنويًّا. بما أن شراء الحيوانات الأليفة من المتاجر أو مربي الحيوانات يشجع على استمرار هذه المشكلة، إلى جانب إهمال الحيوانات في المتاجر، فسيكون من الأجدر اختيار حيوان أليف عن طريق مآوي إعالة الحيوانات. للسبب نفسه، يتساوى في الأهمية إخصاء الحيوان الأليف أو تعقيمه إذا لم يكن قد أجرى هذه العملية بعد. قد تساعد الحكومات المحلية في ذلك عن طريق إنشاء عيادات تعقيم منخفضة التكلفة.

(٣) وصف حدائق الحيوان

منذ زمن بعيد يعود إلى الدولة المصرية القديمة على الأقل والبشر يقتنون الحيوانات. بدأت حدائق الحيوان — وهي حدائق تعرض الحيوانات، خاصة للأغراض الترفيهية، والتعليمية، والعلمية — في الظهور في قارة أوروبا في القرن الثامن عشر. وظهرت حدائق الحيوانات البريطانية والأمريكية الأولى في القرن التاسع عشر.

لم تكن حدائق الحيوان لتوجد لولا اصطياد البشر للحيوانات من البرية؛ فقد بدأت عملية وضع الحيوانات في حدائق مع اصطياد البشر لحيوانات برية ووضعها في الأسر. عادة، كانت هناك خطوة أخرى في هذه العملية تمثلت في الاتجار في الحيوانات البرية، وهي عملية كانت تنطوي مرارًا وتكرارًا على كثير من الإهمال والقسوة. كان كثير من الحيوانات يموت أثناء هذه العملية؛ بسبب رحلة مهلكة (قد تتضمن إساءة معاملة الحيوانات)، أو العدوى القاتلة، أو عدم القدرة على التكيف مع بيئة الحديقة. يفرط صائدو الحيوانات عقد العائلات والوحدات الاجتماعية الأخرى. إضافة إلى ذلك، قد يقتل الصائدون أعضاء عائلة الحيوانات المُصادة لتيسير عملية اصطيادها. قبل وقت غير بعيد، كانت قردة الشمبانزي من الأمهات تُقتل عادة أثناء اصطياد صغارها.

بمجرد وقوع الحيوانات من أحد الأنواع في الأسر، يتمثل بديل اصطياد المزيد منها في استيلاد الحيوانات الموجودة بالفعل في حدائق الحيوانات. يُعتبر استيلاد الحيوانات المعرضة لخطر الانقراض ضمن الأهداف المعلنة لحدائق الحيوان. في صورتها المثلى، تحافظ برامج الاستيلاد على التنوع الجيني، ومن ثم تجنب المشكلات الصحية الناشئة عن تزاوج الأنواع المتقاربة، وتجنب إنجاب حيوانات بأعداد أكثر مما يمكن العناية بها، وإطلاق بعض الحيوانات في البرية. في المقابل تستولد بعض الحدائق الحيوانات بغرض بيع الفائض منها إلى الصناعات الترفيهية، أو يحدث استيلاد بالمصادفة عندما توجد حيوانات تتميز بالخصوبة في أقفاص مشتركة.

تتباين حدائق الحيوانات كثيرًا من ناحية الجودة. تشمل حدائق الحيوان «حدائق» لا تعتبر في حقيقة الأمر حدائق حيوان؛ لعل أسوأ أنواعها معارض الحيوانات إلى جوانب الطرق التي تعرض حيوانًا وحيدًا أو أكثر في قفص. تضع بعض معارض الحيوانات إلى جوانب الطرق الحيوانات في أقفاص صغيرة خاوية لا تشجع الزائرين بأي حال من الأحوال على احترام الحياة البرية، ولا تسهم في زيادة الوعي، أو تيسير إجراء الأبحاث، أو الحفاظ على الأنواع الحيوانية. في المقابل، تختلف حدائق الحيوان الحقيقية اختلافًا كبيرًا. تتميز بعض هذه الحدائق بالكآبة مثل معارض جوانب الطرق. في المقابل، تشتمل بعض الحدائق الأخرى، مثل حديقة الحيوان القومية في واشنطن العاصمة، على معروضات جيدة وأخرى سيئة. تتضمن أفضل حدائق الحيوان أنواعًا أقل، وتوفر مساحات أكبر، وفي بعض الأحيان تعيد تصميم المواطن الطبيعية للحيوانات، مع غياب معظم المخاطر. يتمثل انطباعي الذي أقر بأنه انطباع مبني على الأدبيات فقط في أن من أفضل أمثلة حدائق الحيوان حديقة أطلانطا، وحديقة حيوان الحفاظ على الحياة البرية في برونكس، وحديقة سان دييجو للحيوانات البرية، وحديقة حيوان إدنبرة، وحديقة حيوان جلاسجو في اسكتلندا. وجزئيًّا في استجابة إلى الانتقادات من قبل المدافعين عن الحيوانات، يميل الاتجاه الحالي في «أفضل الحدائق» بعيدًا عن استخدام الأقفاص وفي اتجاه تصميم بيئات مواطن طبيعية، مما يجعل حدائق الحيوان أقرب إلى حدائق بيولوجية منه إلى سجون.

(٤) هل يجب اصطياد الحيوانات من البرية؟

لا يمكن لأي تقييم أخلاقي لحدائق الحيوان أن ينأى عن مسألة استجلاب الحيوانات. هل يجب على البشر مواصلة اصطياد الحيوانات من البرية؟ في الرد على هذا السؤال، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الأضرار المصاحبة لذلك. بالنظر إلى ما نعرفه عن الحيوات العقلية للحيوانات الفقارية — حيث إن معظم الحيوانات الموجودة في حدائق الحيوان تنتمي إلى الفقاريات — سنفترض أن أسْر الحيوانات يؤدي عمومًا إلى شعورها بالألم، والخوف، والقلق، والمعاناة. في حالة الحيوانات الاجتماعية، يتسبب فرط عقد العائلات أو الجماعات الاجتماعية الأخرى في الحزن أو أشكال الكرب الأخرى. ومرة أخرى، قد يُقتل بعض أعضاء الجماعة لتسهيل عملية الأسر. تتضمن عملية نقل الحيوانات المأسورة حبسها وفق المعنى الذي تبنيناه — لا تحيا الحيوانات حياة جيدة أثناء أسرها — وقد تؤدي عملية النقل إلى الإصابة أو الموت. يؤدي استقدام المخلوقات المنهكة إلى بيئة غريبة عنها إلى المرور بتجارب كريهة، وإلى مشكلات صحية بصورة متكررة، وفي بعض الأحيان إلى وفاتها بعد فترة قصيرة من وصولها. مع أخذ جميع العوامل ذات الصلة في الاعتبار، تتسبب هذه العملية بصورة متوقعة في مشاعر غير سارة والحبس المؤقت، وغالبًا ما تؤدي إلى الوفاة. تلحق بالحيوانات الإصابات والأمراض في بعض الأحيان أيضًا. «بالنظر إلى هذه الأضرار، يوجد افتراض أدبي قوي معارض لأسر الحيوانات من البرية.» هل يمكن أن يبرر أي من أغراض إنشاء الحدائق تجاوز هذا الافتراض في بعض الحالات؟ هل يمكن اعتبار الأضرار الواقعة ضرورية؟

من بين الأهداف الأربعة الرئيسية لإنشاء حدائق حيوان، تتمحور ثلاثة منها — الترفيه، البحث العلمي، والتوعية — حول الإنسان. يستهدف الترفيه البشر بصورة أساسية، ولا يعتبر سببًا وجيهًا للغاية يبرر التسبب في معاناة هائلة وأضرار أخرى. لن يصبح الترفيه سببًا وجيهًا إلا إذا كانت الحيوانات تفتقر إلى المكانة الأدبية، وكانت مجرد أشياء تخدم أغراضنا. بينما تخدم الأبحاث على الحيوان المصالح البشرية، فهي تفيد في بعض الأحيان الحيوانات من خلال تطوير قدرتنا على العناية بها. كما لا تعتمد معظم الأبحاث على الحيوان على الحدائق. في الوقت نفسه، تستهدفنا التوعية بصورة أساسية. يرى بعض مناصري حقوق الحيوان أن حدائق الحيوان تستطيع، بل يجب، أن توفر الوعي للزائرين حول أهمية الحفاظ على الحياة البرية والحفاظ على الأنواع، وهو ما يفيد في النهاية الحيوانات من خلال تغيير المواقف وإلهام الحركات النشطة المؤيدة لحقوقها. في المقابل، لا تزال إمكانية بلوغ هذه المنافع للحيوان مسألة غير مؤكدة. لا يبدو واضحًا أيضًا، في عالم الوسائط المتعددة الذي نحيا فيه، لماذا قد يتطلب هذا النوع من التوعية وجود حدائق حيوان في المقام الأول. على أي حال، إذا كانت بعض الأبحاث على الحيوان أو التوعية تتطلب وجود حدائق حيوان، فيوجد كثير من الحيوانات في الأسر. ويلقي بديل الاستيلاد المخطط للحيوانات بظلال كثيفة من الشك على الضرورة المفترضة لأسر المزيد من الحيوانات من البرية.

fig9
شكل ٦-٢: قرد أورانج أوتان يسير على الحبال.2

هل تبرر غاية الحفاظ على الأنواع أسر المزيد من الحيوانات من البرية؟ حاليًّا، ترسم كثير من حدائق الحيوان صورة لنفسها باعتبارها تدعم بقاء الأنواع المعرضة للانقراض. في حقيقة الأمر، يشير بعض مؤيدي وجود حدائق الحيوان إلى الحفاظ على الأنواع باعتباره «الغاية» الرئيسية لوجود الحدائق في المقام الأول، بالرغم من تخصيص جانب صغير من ميزانيات الحدائق لمصلحة هذا المسعى. تتمثل إحدى مميزات هذه الغاية في أن الجميع تقريبًا يؤيدها. في المقابل، تعتبر أهميتها محل خلاف. إذا انقرض أحد الأنواع، لا يوجد معنى حقيقي في أن يقع ضرر على «النوع». لا تعتبر الأنواع كائنات ذات مصالح، ومن ثم لا يمكن إلحاق الضرر بها. (في حقيقة الأمر، تعتبر الأنواع تصنيفات تحددها الأعراف البشرية قدر ما يحددها الواقع البيولوجي.) تأكيدًا، يؤثر أي تغيير في النظام البيئي، بما في ذلك التغيرات الناشئة عن انقراض بعض الأنواع، على الحيوانات كل على حدة. إلا أن الاختلاف الحادث في نظام بيئي بين انقراض النوع «س» وبقاء بعض أعضاء النوع «ص» ليس اختلافًا ذا بال، خاصة إذا كانت هذه الأنواع تواصل البقاء في حدائق الحيوان! مثلما يشير جاميسون، يعتبر الحفاظ على الأنواع «رغبة بشرية» في الأساس. بينما قد يكون الحفاظ على الأنواع مرغوبًا في غياب أي تعارضات، تصير أهمية الحفاظ على الأنواع مسألة محل خلاف عندما تتعارض مع رفاهة بعض الحيوانات، مثلما تتعرض الحيوانات لأضرار بالغة أثناء عملية اصطيادها، أو نقلها، أو وضعها في حدائق. لا تستفيد الحيوانات المأسورة نفسها من الحفاظ على الأنواع. في حقيقة الأمر، لا يبدو من الواضح استفادة الحيوانات من ذلك، بالنظر إلى واقع جهود حدائق الحيوان في الحفاظ على الأنواع.

في حقيقة الأمر، بذلت حدائق الحيوان جهودًا جادة في حماية عدد صغير فحسب من الأنواع، ونجحت في إعادة عدد محدود فقط من الحيوانات إلى البرية. لم تفلح حتى الآن معظم جهود إعادة الحيوانات إلى البرية. إضافة إلى ذلك، تؤدي عملية استيلاد الحيوانات إلى إنتاج حيوانات إضافية تباع في مزاد أو «قتلها قتلًا رحيمًا». يؤدي استيلاد الحيوانات بأعداد قليلة عادة إلى تزاوج الأنواع المتقاربة، وهو ما يؤدي إلى ولادة حيوانات لا تتحمل الأمراض والضغوط البيئية. بينما تؤدي بعض حدائق الحيوان عملًا جيدًا في الحفاظ على الأنواع، يحدث ذلك عادة في منشآت استيلاد بعيدة لا تستقبل الزائرين. ويلقي ذلك مزيدًا من الشكوك على الحاجة إلى حدائق الحيوان — وخاصة الحاجة إلى أسر المزيد من الحيوانات البرية — للحفاظ على الأنواع. في الوقت نفسه، هنالك وسيلة بديلة لتحقيق هذه الغاية تتسم بفاعلية أكبر بكثير وتتمثل في «الحد من تدمير الإنسان للبيئة».

لجميع هذه الأسباب، يجب أن يتوقف البشر عن أسر الحيوانات البرية لعرضها في معارض الحيوان. هل هناك استثناءات؟ يرى فرد كونتز، أحد المدافعين عن حدائق الحيوان، أن اصطياد الحيوانات يعتبر في بعض الأحيان ضروريًّا لزيادة التنوع الجيني بين الحيوانات المأسورة المعرضة لخطر الانقراض، وهو ما يقلل من مخاطر التزاوج بين الأنواع المتقاربة. تعتمد منطقية هذا الطرح بصورة رئيسية على أهمية الحفاظ على الأنواع وإمكانية تحقيق ذلك من خلال حدائق الحيوان. في المقابل، تُضعف الشكوك المنطقية على أي من جانبَي وجهة النظر من قوة الطرح. مبدئيًّا، يتمثل أحد التبريرات القوية لأسر حيوانات برية في «أنها نفسها» ستستفيد من ذلك. قد يزعم أحدٌ ذلك بالنسبة إلى الحيوانات التي تمثل بيئاتها، التي لا سبيل إلى تطويرها، مخاطر كبيرة. في المقابل، حتى تستفيد الحيوانات في المجمل، يجب أن تكون الحياة في حدائق الحيوان أفضل حالًا من الحياة في البرية بحيث تفوق المنافع المتحققة من الحياة في حدائق الحيوان الأضرار الكثيرة التي تحدث للحيوان أثناء أسره، ونقله، ووضعه في الحديقة. حتى إذا كان هذا هو الحال في بعض الأحيان، فمن الصعوبة بمكان الشعور بالتفاؤل حيال الثقة في ممثلي حدائق الحيوان — الذين يخضعون لمصالح عديدة، بما في ذلك مصالحهم الشخصية — بحيث يكون هذا الحكم موضوعيًّا. إذا كان ثمة استثناءات تستحق أخذها في الاعتبار لقاعدة «لا مزيد من أسر الحيوانات البرية»، فستتضمن هذه الاستثناءات على الأرجح الأنواع «الأدنى»، وهو ما يشير إلى أن الحيوانات ذات القدرات العقلية الأقل ثراء قد تعاني من ضرر أقل عند نقلها من البرية إلى الأسر.

(٥) هل ينبغي وضع الحيوانات في الحدائق؟

فيما يتعلق بالحيوانات المأسورة، هل من الصواب وضعها في حدائق؟ خذ مثلًا الأسدين اللذين ذكرناهما سابقًا، ليو وليونا، في بداية هذا الفصل، فبالرغم من حصولهما على الغذاء الجيد، وخلوهما من الأمراض، وعيشهما في بيئة مريحة، يخلو وضعهما المعيشي من أي مصدر من مصادر الإثراء ومن صحبة الأسود الأخرى بخلاف صحبة بعضهما بعض. يشعر الأسدان بالملل، لا يتريضان كما ينبغي، ولا يستخدمان قدراتهما الجسدية والعقلية كاملة. تعتبر مسألة ما إذا كان حالهما سيصبح أفضل في البرية، حيث تصاحب الحياة الثرية مخاطر كثيرة، مسألة خلافية. في المقابل، إذا لُبي شرط تساوي حياة الحيوان مع نظرائه بالبرية، لا يزال شرط تلبية الاحتياجات الأساسية غير متحقق؛ نظرًا لتجاهل حاجات الأسدين في الصحبة، والتريض، والتحفيز. يعتبر وضع ليو وليونا تحت هذه الظروف إذن غير مبرر.

يشكل الشرطان اللازمان لاقتناء الحيوانات معًا معايير صارمة يبدو أنه لا يحققها سوى عدد قليل من معارض الحيوان. في المقابل، في حالة معظم الأنواع، «تُعتبر» هذه المعايير قابلة للتحقق من خلال توافر قدر كافٍ من الخيال، والمساحة، والنفقات. يمكن تلبية معظم حاجات الحيوانات الأساسية في الأسر إذا كانت الظروف مواتية إلى حدٍّ كافٍ. بالنسبة إلى تحديد ما إذا كانت الحياة في الأسر يمكن أن تكون على القدر نفسه من جودة الحياة في البرية، يجب أن نفكر بواقعية بشأن الحياة البرية وتجنب إغراءات التفكير الخيالي. (بالرغم من صواب أكثر المنتقدين لحدائق الحيوان فيما يتعلق بمعظم الموضوعات، يرتكب هؤلاء عادة خطأين: (١) اعتبار جميع أشكال الأسر ضارة أو لا توفر الاحترام للحيوانات، و(٢) التغاضي عن عيوب الحياة في البرية.) تواجه حيوانات البرية عادة مخاطر الإصابة بأمراض والتعرض لإصابات، والطقس القاسي، ونقص الطعام، والحيوانات المفترسة. توفر حدائق الحيوان المُدارة إدارة جيدة غذاء متوازنًا، والحماية من الطقس القاسي والحيوانات المفترسة، والعناية البيطرية. في حدائق الحيوان، قد تعيش الحيوانات فترة أطول — وهو الشيء الذي يجب اعتباره ميزة بما أن الموت يمثل ضررًا (انظر الفصل الرابع) — وتتجنب العديد من مصادر المعاناة.

ماذا يجعل الحدائق قادرة على تلبية شرطَي اقتناء الحيوانات؟ إضافة إلى الاشتراطات الواضحة المتعلقة بالغذاء المناسب، وتوافر المأوى، والرعاية البيطرية، تشمل السمات الرئيسية الأخرى توافر مساحة مناسبة للتريض، والحفاظ على الجماعات الاجتماعية الطبيعية للأنواع (للأنواع الاجتماعية)، والإثراء الخلاق لمساحات العيش، خاصة من خلال توفير بيئات تشبه كثيرًا مواطن الحيوانات الأصلية. من الممكن أن تجعل المصادر الخلاقة للإثراء حياة الحيوانات أكثر تحفيزًا، وحيوية، وصحة. تشمل وسائل توفير الإثراء لحياة الحيوانات إخفاء الطعام، ووضعه في صناديق أو أي حاويات أخرى غير معتادة، أو وضع الطعام في مكان يجب على الحيوانات القفز أو التسلق للحصول عليه، وذلك بافتراض ألا تكون هذه العملية منهكة تمامًا، وتقديم وجبات أكثر أصغر حجمًا بدلًا من تقديم وجبة أو وجبتين بكميات كبيرة، وتوفير أشياء متنوعة للاستكشاف، واللعب، والاختفاء خلفها. في حديقة الحيوان القومية في واشنطن العاصمة، تتوافر لقردة الأورانج أوتان فرصة المشاركة في تدريب لغوي بسيط، وهو شكل جديد من أشكال إثراء حياة القردة. لا غرو إذن في أن حدائق العرض الأكثر إثراء والأكثر جودة هي تلك الحدائق التي تبدد الخط الفاصل بين حدائق الحيوان والحدائق البيولوجية، وهو ما يوفر للحيوانات بيئة مشابهة لبيئاتها الطبيعية، دون وجود معظم المخاطر.

ربما لا تحقق شروط تلبية الاحتياجات الأساسية وشروط تساوي حياة الحيوان بنظرائه بالبرية سوى حفنة من الحدائق. قد تتطور بعض الحدائق الأخرى بما يكفي لتلبية هذين الشرطين. أما الحدائق التي لا تستطيع، أو لن تتطور بما يكفي لتلبية هذه الشروط، فيجب أن تغلق أبوابها. في حالة الفقاريات «الأدنى»، التي تمتلك قدرة أقل على المعاناة والتي تكون خسارتها جراء الحبس أقل، ربما يدفع المرء بأن غايات التوعية، والأبحاث، والحفاظ على الأنواع تبرر في بعض الأحيان وجود استثناءات لهذه الشروط. على الجانب الآخر، تجعل الاحتياجات الأقل تعقيدًا لهذه الحيوانات من الأسهل تحقيق هذين الشرطين، فيما تبدو الدعوة إلى وجود استثناءات مسألة تحفها مخاطر ارتكاب انتهاكات لتحقيق مصالح شخصية. هناك إذن طرح قوي مناهض لوجود استثناءات. (ربما يتبنى من يرفضون الاعتبار المتساوي مفضلين عليه نموذج المقياس التراتبي شرطَ تلبية الحاجات الأساسية فقط، وبناء على ذلك، ينظرون إلى حدائق الحيوان وحدائق العرض باعتبارها مقبولة أدبيًّا.)

fig10
شكل ٦-٣: وحيد القرن.2

بالنسبة إلى معظم الناس، نظرًا لأن زيارة حدائق الحيوان نشاط غير منتظم لا يكلف كثيرًا، فلن تصبح مقاطعة حدائق الحيوان غير المقبولة مسألة فعالة. ربما يعد التشريع القانوني ضروريًّا لضمان الامتثال لمعايير مثل شرطَي اقتناء الحيوانات اللذين عرضناهما. لا تستوفي معارض الحيوانات معايير كهذه، ومن ثم يجب حظرها. ربما يكون من الأكثر حكمة أيضًا حظر جميع حدائق الحيوان الخاصة. بالنظر إلى التاريخ المحزن لحدائق الحيوان، وميل المدافعين عن حدائق الحيوان إلى إخفاء المصالح الشخصية أو مصالح الإنسان على الأقل تحت عباءة الكلام الطنَّان لرفاهة الحيوان، يتسبب دافع الربح على الأرجح في الإهمال وسوء المعاملة للحيوانات في الحدائق. في النهاية، لن يمكن الدفاع عن وجود حدائق الحيوان إلا ربما عن عدد صغير من أفضل حدائق الحيوانات العامة التي تمتلك مساحات عرض كبيرة وطبيعية يصعب على الحيوانات رؤيتها في مكان آخر. ربما تتمثل إحدى علامات جودة حديقة الحيوان في سياستها لإعارة نظارات مكبرة للزائرين لمشاهدة الحيوانات عن بعد.

نظرًا لأن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية، ولا تعتبر مجرد أشياء للاستخدام الإنساني فقط، تَركَّز النقاش حول حدائق الحيوان على مصالح الحيوانات. في المقابل، يترتب على المكانة الأدبية للحيوانات مسئولية لا يمكن توضيحها تمامًا من خلال مصالح الحيوانات. تتمثل هذه المسئولية في غرس توجه يحترم الحيوانات، بوصفها كائنات تحظى بمكانة أدبية. لا يمثل الاحترام هنا احترامًا للاستقلالية، وهو مفهوم غير مناسب هنا، كما لا يعني الاحترام في هذا السياق عدم اقتناء الحيوانات على الإطلاق، وهي فكرة لا أساس لها؛ بل اعتراف مناسب أن الحيوانات تتمتع بأهمية في حد ذاتها لا كأدوات للاستخدام البشري فقط أو ألعاب لتسليتنا. ولكن للأسف، تشجع حدائق الحيوان بصورة متكررة على أن يعتقد الناس أن الحيوانات توجد «من أجلنا»، من خلال عرضها، لمتعتنا، في ظروف تجعل حياتهم مؤسفة، من خلال عدم توفير أماكن لهم يختبئون فيها من الزائرين المتطفلين، ومن خلال الفشل في تنفيذ تدابير توعوية بناءة لزرع احترام الحيوانات والإعجاب بها في الناس. وفي النهاية، يمكن أن يكون أفضل سبيل لغرس الاتجاهات المناسبة محاكاة مواطن الحيوانات الطبيعية.

(٦) بعض الحالات الخاصة

بينما ينطبق شرطَا تلبية الاحتياجات الأساسية وتساوي حياة الحيوان بنظرائه في البرية على جميع حدائق الحيوان، تستحق بعض الحالات الخاصة تسليط الضوء عليها؛ أولًا: تنطبق هذه الشروط «فعليًّا» على الكائنات التي تمتلك مصالح؛ الحيوانات التي تتمتع بإحساس. لا يمكن إلحاق الضرر بحيوانات لا تمتلك مصالح (على الأقل وفق أي معنى أدبي)، ومن ثم لا يكون من الخطأ إلحاق الضرر بها. لا توجد حاجات لهذه الحيوانات، ومن ثم لا يمكن أن تكون حياتها طيبة أو مؤسفة. بناء عليه، لا توجد حجة متماسكة ضد اقتناء الحيوانات غير الحساسة أو ضد اقتنائها في حالات خاصة، باستثناء أن حدائق الحيوان لا يجب أن تعرض الحيوانات بطريقة لا تشجع على احترامها (من خلال القضاء على الكائنات الحية دون داعٍ على سبيل المثال). تقدم حالة الحيوانات غير الحساسة سببًا آخر لرفض المبدأ الأخلاقي التحرري الداعي لعدم اقتناء أي حيوانات.

على الجانب الآخر من مقياس الحياة غير البشرية تقع القردة العليا والدلافين. يجعل مدى التعقد الإدراكي، والشعوري، والاجتماعي للقردة العليا والدلافين من الصعوبة بمكان الدفاع عن وضعها في حدائق حيوان أو أحواض عرض مائية. في المقابل، تعتبر مصلحتنا في الحفاظ على الأنواع أكبر ما تكون بالنسبة إلى أقرب أبناء عمومتنا، القردة العليا. يجب الالتزام بشرطَي اقتناء الحيوانات عند اقتناء القردة العليا، وهو ما قد يتطلب الحفاظ على أفراد العائلة، وتوفير مساحة كبيرة، وإثراء حياة القردة إثراء كبيرًا مما يشجعها على اللعب، والتسلق، والاستكشاف، وحل المشكلات. على الجانب الآخر، ربما يكون من قبيل المستحيل وضع الدلافين في أحواض عرض مائية مع تلبية شرط تساوي حياة الحيوان بنظرائه بالبرية. يشكل اعتمادها على البحر، وميلها إلى السباحة لمسافات طويلة، وتنظيمها الاجتماعي الثري إحدى صور حياة تتطلب بيئة لا نستطيع نحن الحيوانات الأرضية محاكاتها. ربما يتشكك المرء أيضًا في أن الأسر يتوافق مع تلبية الحاجات الأساسية للدلافين. وللأسف، نستمر في اصطياد الدلافين من البرية، بعيدًا عن عائلاتها، لوضعها في أحواض عرض مائية من أجل تسليتنا. وتعتبر الحجة المؤيدة لحظر أحواض عرض مائية للدلافين في غاية القوة.

هوامش

(1) KSBK.
(2) Jessie Cohen.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤