الفصل التاسع

رب الجميع وسيدهم

أثمرت جهود نيوتن لإيجاد وظيفة مناسبة في العاصمة أخيرًا في عام ١٦٩٦، لينهي بذلك رحلته الانتقالية الغريبة من ناسك إلى موظف عمومي كبير. فقد قام زميله السابق بكلية ترينيتي، تشارلز مونتاجو (والذي أصبح بارون هاليفاكس بعد عام ١٧٠٠)، بالتوقيع على خطاب تعيينه كأمين لدار سك العملة في ١٩ مارس ١٦٩٦. وكان مونتاجو آنذاك عضوًا كبيرًا بوزارة المالية ورئيس الجمعية الملكية، وبعدها بقليل أصبح عاشقًا لابنة أخت نيوتن غير الشقيقة (كاثرين بارتون قبل زواجها من كوندويت). وكأمين للدار (أي ممثل العرش في عملية سك العملة)، واجه نيوتن عددًا من التحديات. فقد كانت بريطانيا بحاجة إلى احتياطيات مالية ضخمة لدعم حملتها العسكرية ضد فرنسا، فيما كانت عملية تقليم عملات المملكة قد انتقصت من قيمة النقود وجودة عملية السك بشكل خطير. إضافةً إلى ذلك، لما كانت العملات الجديدة تحتوي على نسبة أعلى من الفضة مقارنةً بالعملات القديمة «المطروقة»، فقد كان بالإمكان صهر العملات المسكوكة الجديدة الأكثر ثقلًا بغرض الربح، وكانت النقود المزيفة تُصنع من مزيج من بقايا تقليم العملات والنحاس. وفي البداية، طُلب من نيوتن إسداء النصح بشأن قضية الفضة، وذهب إلى أن صهر العملة كارثة مؤقتة (نظرًا لأن قيمة المعدن الخام أعلى من القيمة الاسمية للعملة)، ويمكن التخفيف من وطأتها على المدى القصير من خلال السماح بتداول العملات الورقية التي أصدرها بنك إنجلترا الذي تأسس مؤخرًا. كذلك شارك النظرية القديمة القائلة بأن إنفاق الكثير من المال على الرفاهيات الأجنبية يعد إهانة لكل من المبادئ الأخلاقية الشخصية والقوة القومية.

كان العلاج الوحيد طويل المدى لذلك هو سحب جميع النقود «القديمة» وزيادة كمية النقود «الجديدة» التي تقوم دار سك العملة بإنتاجها زيادة هائلة. وأسفرت «حملة إعادة سك العملة الكبرى» عن عملات موحدة إلى حد كبير ذات حواف واضحة، وجميعها كانت من تصنيع أرقى وأحدث مصانع التصفيح. وعلى الرغم من أن المنصب في السابق كان نوعًا ما من الوظائف التي تدر دخلًا دون جهد، فقد كرس نيوتن نفسه لمهمة إعادة سك العملات وإنشاء دور مؤقتة لسك العملة في نورج، ويورك، وتشيستر، وبريستول، وإكسيتر؛ لمواجهة القدر الضخم المطلوب من السبائك. وعلى الرغم من الجهد المكثف لهذه الدور، ظل القليل من العملات الفضية في نطاق التداول بحلول تاريخ وفاة نيوتن في عام ١٧٢٧.

وبصفته أمينًا للدار، كان نيوتن كذلك مسئولًا عن ملاحقة ضاربي ومقلمي العملة ملاحقة قانونية، والتوصية بإعدامهم إذا بررت جرائمهم ذلك. وكانت ملاحقته للمجرمين بنفس القوة ونفس الأساليب التي استخدمها في ملاحقة محرفي الكتاب المقدس. وقد أجرى تحليلًا واسع النطاق لفن وتاريخ تقليم وسك العملة، ودفع الأموال لمن يبلِّغه أي معلومات، وأرسل للشهود المتعاونين أموالًا حتى يستطيعوا الظهور بمظهر لائق في المحكمة. وقد هدد بعض ضاربي العملة المحبوسين بقتله، وفي المقابل أظهر هو قليلًا من التعاطف تجاه المجرمين أمثال ويليام تشالونر، الذي لم يجد أذنًا تسمع استرحاماته في الأيام التي سبقت صعوده على المشنقة. وفي عهد نيوتن، تضاءلت عمليات التقليم والسك، وانخفض عدد من يعدمون عقابًا على هذه الجريمة إلى صفر.

بحلول عام ١٦٩٨، كان قد اضطلع فعليًّا بالمهام المنوط بها عادةً رئيس دار سك العملة، الذي كان في ذلك الوقت توماس نيل، وخلف نيل في منصبه حين توفي في نهاية عام ١٦٩٩. وكان رئيس الدار مسئولًا عن جودة المعادن في السبائك التي كانت تستخدم لصناعة العملة، وكان مسئولًا عن تخطيط الدخل المالي من سك العملة.

كانت معرفته بالعمليات الكيميائية تفيده من آن لآخر في السنوات اللاحقة، خاصةً ما يسمى «تجربة العملات المسكوكة»، والتي كانت تُختبر فيها جودة عينة مختارة عشوائيًّا من العملات في مقابل «قطع تجريبية» من العملات بحوزة مجموعة من الصائغين. وفي بعض الأحيان أيضًا، كان رئيس الدار يشارك في جلب (وفي حالة نيوتن، تصميم) عملات مسكوكة من معادن مختلفة للاحتفال بالتتويجات الملكية، أو الانتصارات العسكرية.

عاش نيوتن حياة موسرة في لندن، ولكنه أظهر قليلًا من الاهتمام بالأدب أو المسرح؛ والواقع أنه أخبر ستوكلي ذات مرة أنه قد شاهد نصف الأوبرا الوحيدة التي حضرها، وإن كان المرء قد يتساءل كيف ظل لهذه الفترة الطويلة في العرض. وظل نيوتن يعمل من وراء الستار كما كان يفعل على مدى عقد مضى، وانتُخب كعضو بالبرلمان في عام ١٧٠١ وخدم في البرلمان الذي استمرت دورته حتى مايو من العام التالي. وفي مايو عام ١٧٠٥، ترشح مرة أخرى للبرلمان، بدعم جديد من هاليفاكس، لكنه تعرض لهزيمة مذلة. وكان في لقب الفروسية الذي حصل عليه في الشهر الماضي من الملكة آن — حين توقفت بكامبريدج في زيارة لسباقات الخيل في نيوماركت — بعض العزاء له.

كتاب «البصريات»

ربما كانت وفاة روبرت هوك في مارس عام ١٧٠٣ هي ما عجَّلت بانتخاب نيوتن رئيسًا للجمعية الملكية — دون إجماع الآراء بالطبع — في نوفمبر التالي. وقد أوقظ ذلك اهتمامه بالفلسفة الطبيعية مجددًا لأول مرة منذ سنوات، واستغل الفرصة لإتاحة نظرياته البصرية لقطاع من الجمهور أكبر كثيرًا من الجمهور الذي استطاع استيعاب كتاب «المبادئ الرياضية». وصدر كتابه «البصريات» في فبراير ١٧٠٤، والذي أرفق بنهايته أطروحة «التربيعات» وتحليلًا «للخطوط من الرتبة الثالثة».

تألف كتاب «البصريات» بصفة أساسية من مادة قديمة، ولكن حقيقة أنه نُشر بالإنجليزية، وتألف في أغلبه من تجارب، وتجنب الرياضيات المبهمة لكتاب «المبادئ الرياضية»، جعلته متاحًا لجمهور عريض. وقد احتوى على كتاب جديد، وإن كان قصيرًا، عن حيود الضوء، وفي نفس الكتاب (الكتاب الثالث) أدخل نيوتن مجموعة من ١٦ «تساؤلًا» قصيرًا ناقشت السمات الأساسية لفلسفته الطبيعية. وصيغت هذه التساؤلات في شكل أسئلة، وصيغت في جزء كبير منها بلغة «التجاذبات» الواردة بكتاب «المبادئ الرياضية»، ومثله، لم يرد فيها مفهوم الأثير. وفي مسودة لمقدمة العمل، ذهب إلى أن المرء عليه أن يشتق ثلاثة أو أربعة «افتراضات عامة مسبقة» من مجموعة كبيرة من الظواهر، ثم يفسر جميع ظواهر العالم في إطار هذه الظواهر. وما لم يبدأ المرء بظواهر ويشتق مبادئ عامة منها، «فقد تصنع منظومة فلسفية معقولة ظاهريًّا لتصنع لنفسك اسمًا، ولكن منظومتك لن تكون أفضل كثيرًا من قصة عاطفية». وكانت العلاقة بين الضوء والأجسام والتي اتضحت في «التساؤلات» المنشورة بالكتاب مصاغة بوضوح في إطار القوى الصغرى التي تعمل عن بعد، وقد هاجم أي محاولات لتفسير الضوء كتغيرات في «ضغط أو قوة الحركة» في شكل «منظومة من الفرضيات».

غير أن نيوتن حين كتب ذلك، كان يعمل بالفعل على مجموعة جديدة ومثيرة من سبعة تساؤلات، ظهرت بعدها بعامين في الترجمة اللاتينية لكتاب «البصريات». وربما تعد هذه التساؤلات — إلى جانب ثمانية أخرى أضيفت في الطبعة الإنجليزية الثانية الصادرة عام ١٧١٧ — أكثر النصوص تأثيرًا بالنسبة للكيمياء والفلسفة الطبيعية في القرن الثامن عشر. وقد تحدث هنا أيضًا علنًا ولأول مرة معيدًا إلى الأذهان التحليل الرائع الوارد في أطروحة «الجاذبية»، عن فهمه للطريقة التي ارتبط بها الله بخلقه. ففي التساؤل رقم ٢٠ (رقم ٢٨ في طبعة ١٧١٧)، أشار إلى أن الفراغ الشاغر كان أشبه ﺑ «مركز الإحساس» لدى الله، وأن الله كان واعيًّا بكل شيء يحدث في الكون بنفس الطريقة التي يعي بها البشر الصور التي تدخل إلى عقولهم. وفي مسودة للتساؤل رقم ٢٣ واسع النطاق (رقم ٣١ في طبعة ١٧١٧)، دوَّن أن أفكار الكائن الأسمى «تؤثر على المادة بشكل أقوى من تأثير خيال أم على جنينها». وباسترجاع الملاحظات التوضيحية الكلاسيكية، أخبر نيوتن ديفيد جريجوري أيضًا في ذلك الوقت أن الله هو السبب المباشر للجاذبية من خلال وجوده القريب. وقد كان الادعاء الوارد في المسودات بأن الفراغ هو مركز الإحساس لدى الله، أو جسد الله، هو في الواقع بدعة مسيحية قديمة، وعلى الرغم من أن هذا الرأي قد شق طريقه في الأمثلة الأولى للترجمة اللاتينية لكتاب «البصريات»، فقد قام نيوتن في الطبعات اللاحقة بتصحيح الفقرة لتنص على أن الفراغ كان «أشبه» بمركز الإحساس لدى الله.

من خلال تطوير تحليل النسخة المحجوبة من «خاتمة» كتاب «المبادئ الرياضية» — وبالتبعية تطوير أعمال سابقة في الفلسفة والخيمياء — وصفت التساؤلات الجديدة مجموعة من الظواهر الكيميائية التي قام بتجميعها تحت عنوان «عناصر نشطة». وقد جمعت هذه النصوص الرائعة معًا الكثير من البرامج البحثية المتفرقة التي عكف عليها على مدى العقود الأربعة الأخيرة. وفي مسودات التساؤل رقم ٢٣ الشامل، أشار إلى أن «التنويع في الحركة (الذي نراه) في العالم في تناقص دائم»، ولا يمكن تعويض ذلك إلا بالعناصر النشطة التي تحدث الجاذبية والظواهر المتعددة المرتبطة بالتخمر والتماسك. كانت هذه العناصر خاضعة لقواعد أو قوانين عامة والتي كانت تمثل «المبادئ الحقيقية للفلسفة الميكانيكية» فادعى نيوتن أننا «نواجه كل حركة بسيطة في العالم، إلى جانب ما يعزو (بشكل جلي) لهذه العناصر النشطة، وقوة الإرادة». وقارن نيوتن في هذه المسودات بين طبيعة الأجسام التي لا تحوي سوى القوة السلبية للقصور الذاتي وبين الطريقة التي يجلب بها «التخمر» والحياة والإرادة، حركة جديدة إلى العالم، مع وصف التخمر بكونه «عنصرًا نشطًا في غاية القوة يؤثر على [الأجسام] فقط حين تقترب أحدها من الآخر». ومضى يقول: «إننا نجد في أنفسنا قوة تحريك أجسادنا من خلال أفكارنا، ولكننا لا نعرف قوانين هذه القوة». وأضاف معقبًا على نحو لافت للنظر «إننا لا نستطيع القول إن كل الطبيعة ليست حية».

ما أن أصبح نيوتن رئيسًا للجمعية الملكية، بدأت الجمعية في دفع مبالغ منتظمة من المال لصانع الأدوات فرانسيس هوكسبي لإجراء تجارب بمضخة هوائية في اجتماعاتهم الأسبوعية. وبدءًا من عام ١٧٠٦ حتى وفاته في عام ١٧١٣، توصل لنتائج استثنائية تتعلق بظاهرتي الخاصة الشعرية والتألق الكهربائي. وترسخ لدى نيوتن، الذي كان على الأرجح مَن يقدم النصح لهوكسبي بشأن محتوى العديد من هذه التجارب، أن وجود هذه القوة قد ثبت من خلال تجارب هوكسبي، وذهب إلى أن الكهرباء كانت قوة أساسية تؤثر في العديد من الظواهر الأخرى. وفي مقاله «ملاحظة توضيحية عامة»، والذي أضيف إلى الطبعة الثانية من كتاب «المبادئ الرياضية» الصادرة عام ١٧١٣، أعلن أن هناك «روحًا كهربائية» «فائقة الدقة ولكنها مادية»، كانت مختبئة داخل «جميع الأجسام الكبيرة»، وهي روح عالية النشاط وتبعث ضوءًا.

وقد أعزى نيوتن العديد من القوى قصيرة المدى، وكذا الظواهر المرتبطة بالضوء لهذه الروح، وذلك في مسودات التساؤلات الثمانية الجديدة في طبعة عام ١٧١٧ من كتاب «البصريات»، معيدًا إلى الأذهان وصفه للكهرباء في أطروحة «الفرضية» قبل أربعة عقود. وفي عودة بالذاكرة إلى اهتمامه بقضية العقل والجسد وأيضًا لأعماله في الخيمياء، ذهب أيضًا إلى أن الروح الكهربائية قد وحدت «الروح المفكرة والجسد غير المفكر»، ويمكن أن تكون ذات نفع كبير في الإنبات «حيث تُراعى ثلاثة أشياء، هي التوليد، والتغذية، والإعداد للتغذية». غير أن نيوتن — في نفس «التساؤلات» — أعاد تقديم نوع من الأثير فسر العلاقة بين الضوء والحرارة. وفسر نوع آخر من الأثير ظاهرة الجاذبية بكونها مؤلفة من جسيمات طاردة، جعلتها «مرنة إلى حد كبير»؛ وهو وصف شبه مطابق لذلك الذي أورده في أطروحة «الفرضية» الصادرة عام ١٦٧٥.

رجل ماكر وفاسد

على الرغم من أن نيوتن قد يكون تجسيدًا للعذوبة في نظر من انحنوا أمامه احترامًا، فقد كان ذا طابع ظن أصدقاؤه أنه نزاع إلى الشك فطريًّا، وكان يمكن أن يثور فجأة حين تتعرض مكانته، أو شرفه، أو كفاءته لتهديد ما. ولم تتعاف علاقات نيوتن بجون فلامستيد قط من البرود والجفاء الذي اعتراها سابقًا. ووصلت الأمور لذروتها في عام ١٧٠٤ حين أهدى نيوتن فلامستيد نسخة من كتاب «البصريات»، وهو ما جعل فلامستيد بناء عليه يختار جيمس هودجسون، الذي كان مساعدًا له يومًا ما، لإلقاء محاضرات في لندن منوهًا إلى «الأخطاء» التي احتواها الكتاب. وعلى إثر لهفته للحصول على بيانات فلامستيد ليكمل نظريته عن القمر، أخبره نيوتن أنه على استعداد لتوصية زوج الملكة آن «الأمير جورج» بتمويل نشر كتالوج لملاحظات فلامستيد. وبحسب قول فلامستيد فيما بعد، «اندهشت من هذا المقترح [بعد] أن وجدته دائمًا ماكرًا، وطموحًا، وبه شره مفرط للثناء والمدح، ولا يتحمل الاختلاف». ومن تلك اللحظة فصاعدًا، راح فلامستيد يحصن نفسه ضد حيل ومكائد نيوتن، غير مستعد لأن يضع نفسه «بالكامل في قبضته وأن يكون تحت رحمته وهو من قد يفسد كل ما يأتي بين يديه».

وكما رأينا، كان فلامستيد في أواخر تسعينيات القرن السابع عشر يعتقد بالفعل أن نيوتن قد تأثر أيما تأثر بمجموعة كاملة من «المتملقين» و«المادحين»، والذين كان يستقبحهم باعتبارهم «بعض الأشخاص المتغطرسين الفضوليين الذين لا يهمهم إلا أنفسهم»، والذين كانوا دائمًا ما يلحون على فلامستيد بشأن إكمال الكتالوج، فيما كانوا يفعلون كل ما بوسعهم لمنعه. وكانت شكوك فلامستيد في محلها، إذ كان نيوتن يعرض عليهم المواد التي طلب منه فلامستيد أن يبقيها سرًّا، وكانوا هم في المقابل يستخدمون هذه البيانات للتقليل من شأن الفلكي الملكي. وعلى الرغم من كل هذا، ورغم ثورة نيوتن العنيفة ضده في شتاء ١٦٩٨-١٦٩٩، أخبر أحد المراسلين في عام ١٧٠٠ أن نيوتن «رجل طيب في الأساس، ولكنه نزاع إلى الشك بطبيعته». غير أنه بعد عام ١٧٠٤، كان دائمًا ما يرى نيوتن شخصًا مستبدًّا مهووسًا بالسلطة، يعمل بكل طاقته «لإفساد» عمله.

وفي خطوة انعكست من خلال تعامله اللاحق مع لايبنتز، كوَّن نيوتن لجنة من الخبراء أو «المحكمين» للإشراف على إنتاج كتالوج النجوم قرب نهاية عام ١٧٠٤. كان فلامستيد يعتقد أن نيوتن يحاول حصد كل الشرف والمجد لعمله، فيما كان يمنع دفعة من تمويل الأمير الذي كان ليتيح لفلامستيد الانتهاء من الأجزاء التي يرغب في استكمالها من عمله، فرفض أعضاء هذه اللجنة باعتبارهم ضعفاء أو مجرد خادمين متزلفين لنيوتن. وبعد أن خُلع على نيوتن لقب فارس في عام ١٧٠٥، كثيرًا ما كان فلامستيد يشير إليه بأنه مجرد آثم، ومع انقضاء السنوات ببطء قارن مرارًا سلوكه «الصادق والأمين» بما أسماه «دهاء» نيوتن، و«ادعاءاته المغيظة»، و«ممارساته الماكرة والخبيثة».

وفي أبريل عام ١٧٠٦، أُجبر فلامستيد على تسليم الجزء الذي أنهاه من الكتالوج حتى ذلك الحين، على الرغم من تأكيداته أنه لم يكتمل بعد، وأنها ستكون حماقة منه أن يسلم مثل هذا العمل المهم لشخص آخر. وكإجراء احترازي، أغلقه هودجسون، على الرغم مما سببه ذلك من ضيق لنيوتن لأنه بدا انعكاسًا مسيئًا لأمانته. وبحسب فلامستيد، بدأ نيوتن آنذاك في اتهامه بالغباء وبتدمير عمله، فيما شكا فلامستيد سرًّا من ضلال وفساد نيوتن المتزايد لعدم دفع مقابل لعمله. وفي مارس عام ١٧٠٨، سلَّم فلامستيد المحكمين نسخة من جميع ملاحظاته التي سجلها فيما بين عامي ١٦٨٩ و١٧٠٥. كذلك وقَّع اتفاقية تلزمه بتسليم ملاحظاته عن القمر وكذا كتالوج منقح للنجوم الثابتة، مضاف إليه «أحجامها». وفي السنوات اللاحقة، استمر فلامستيد في إضافة ملاحظات جديدة إلى كتالوج النجوم الخاص به، وتحرر نسبيًّا من تدخل نيوتن. وكثيرًا ما كان يستنكر سرًّا «دهاء» نيوتن الفاسد، مقحمًا تعليقاته في انتقادات أعمال نيوتن عن الجاذبية والبصريات.

انتهت فترة الهدوء القصيرة التي تخللت معركتهما فجأة في ديسمبر عام ١٧١٠، حين تلقى فلامستيد فرمانًا رسميًّا من الملكة آن تخبره فيه أنه في سبيل تحسين الملاحة، سوف يتولى الإشراف على المرصد الفلكي هيئة مراقبين — برئاسة رئيس الجمعية الملكية — مخول لها المطالبة بجميع ملاحظات الفلكي الملكي عن العام السابق وذلك على فترات سنوية. ومما زاد الأمور سوءًا، سمع فلامستيد في ربيع العام التالي أنه مُطالب الآن بتقديم بعض أحجام الكويكبات التي لم تكن مدرجة في الكتالوج إلى نيوتن، في إشارة إلى حنث نيوتن بوعده وقيامه بفتح الكتالوج. انزعج فلامستيد من تصرفات نيوتن الدنيئة، وهاله أكثر ما وجده من أن عمله (التاريخ السماوي لبريطانيا) جاريةٌ طباعتُه دون إذنه، وهي خطوة اعتبرها «واحدة من أجرأ الأشياء التي أقدم عليها على الإطلاق». وتأكدت مخاوفه في أواخر مارس عام ١٧١١، حين بلَّغه أن هالي «يتولى أمر» كتالوجه. وعلى مدار الشهور التالية، تعرض فلامستيد لمزيد من المهانة بمطالبته بتصحيح صفحات من طبعة هالي، فقرر أن ينتج طبعته الخاصة.

وصلت العلاقات إلى نقطة مشتعلة في أحد الاجتماعات بالمقر الرئيس للجمعية الملكية في أكتوبر عام ١٧١١ حينما عرض نيوتن إصلاح معدات المرصد الفلكي، في إشارة ضمنية إلى أنها ملك للدولة وليست — كما كان فلامستيد يصر — ملكًا له. وتشير رواية فلامستيد الممتعة للموقف إلى فقدان نيوتن السيطرة على نفسه تمامًا، إذ:

انفجر في نوبة انفعال، وأهانني على نحو لم أتعرض له من قبل في حياتي: لم أدل بأي ردود، ولكنني فقط طالبته بأن يتحلى بمزيد من الهدوء، وأن يخفف من حدة انفعالاته، وشكرته على الألقاب المشرفة العديدة التي خلعها عليَّ، وأخبرته أن الله قد بارك مساعيَّ حتى الآن.

وبحسب فلامستيد، كان لفظ «تافه مغرور» أقل الألفاظ التي نعته بها نيوتن إهانةً؛ فقد سأل فلامستيد عما أنجزه خلال العقود الأربعة التي تلقى فيها أموالًا من الدولة، وهو ما دفع الفلكي الملكي الجريء لسؤال نيوتن عما كان يفعله لكي يحصل على ٥٠٠ جنيه استرليني سنويًّا كرئيس لدار سك العملة. والأسوأ من ذلك ما ذكره فلامستيد عن أن هناك من ادعى أن فقرة في كتاب «البصريات» (وكان يقصد على الأرجح الملاحظات غير المصححة عن مركز الإحساس لدى الله) قد جعلت نيوتن عرضة للاتهام بالإلحاد. وفي سياق ادعائه أن نيوتن وأتباعه لصوص، دفع ذلك نيوتن إلى نعته بالغطرسة والصلف. وظهرت طبعة هالي في العام التالي، مصحوبة بهجوم شبه صريح على تلكؤ فلامستيد في نشر ملاحظاته. واستمر البؤس حتى النهاية، إذ عاش فلامستيد عشر سنوات أخرى، ليخلفه في منصب الفلكي الملكي محرر النسخة الزائفة من كتاب «التاريخ السماوي لبريطانيا».

لايبنتز وقلبه المحطَّم

كان الألماني جوتفريد لايبنتز خصمًا فكريًّا أهم وأقوى بكثير، ولعله كان الند الفكري الوحيد لنيوتن في تلك الفترة. زار لايبنتز إنجلترا في عامي ١٦٧٣ و١٦٧٦، وبحلول الزيارة الثانية كان قد ابتكر نسخة مختلفة تمامًا من حساب التفاضل والتكامل الذي كان عمره آنذاك عشر سنوات. في هذه المرحلة، كانت العلاقة بين نيوتن ولايبنتز طيبة، وهو ما ظهر في الخطابين اللذين كتبهما نيوتن للايبنتز في عام ١٦٧٦. وربما لجهله بأسبقية نيوتن في اكتشاف حساب التفاضل والتكامل (رغم أن كولينز قد أطلعه على نسخة من أطروحة «التحليل» خلال زيارته الثانية للندن)، نشر لايبنتز قواعد التفاضل والتكامل في عام ١٦٨٤. وفي أواخر القرن السابع عشر، أشار فاتيو إلى أن تفاضل وتكامل لايبنتز كان أقل شأنًا من تفاضل وتكامل نيوتن ومتأخرًا عنه، مضيفًا أنه من الممكن أن يكون لايبنتز قد «استعاره» من نيوتن. وفي المقابل، كتب لايبنتز مقالات نقدية مجهولة الاسم لكل من أطروحة «التربيع» الصادرة عام ١٧٠٤ وكذلك أطروحة «التحليل» (التي ظهرت لأول مرة في مجموعة حررها ويليام جونز في عام ١٧١١)، والتي ألمح فيها إلى أن حساب التفاضل المتدفق كان مجرد حساب التكامل التفاضلي الذي ابتكره ولكن بتنويت مختلف. وفي السنوات التالية، تفجرت القضية في شكل سلسلة من الحوارات اللاذعة بشأن اللاهوت، والميتافيزيقا، والفلسفة الطبيعية، والرياضيات.

وفيما كانت المشاكل مع لايبنتز على وشك الحدوث، عمل نيوتن مع روجر كوتس، أستاذ الفلك الموهوب وصاحب كرسي الأستاذية في الفلك بجامعة كامبريدج، لإعادة صياغة كتاب «المبادئ الرياضية». فمنذ بداية تسعينيات القرن السابع عشر، عمل نيوتن على نحو دوري على تصحيح رائعته، ولكن بعد أن تعاونا معًا كفريق في عام ١٧٠٩، حثه كوتس على إحداث المزيد من التغييرات الجذرية، خاصةً على الكتاب الثاني. وفي بداية عام ١٧١٣، أنهى نيوتن مقال «ملاحظة توضيحية عامة» لضمه لكتاب «المبادئ الرياضية». وفيها شنَّ هجومًا ضاريًا على «فرضيات» الدوامات، ومضى يؤكد أن الدور المجدد للمذنبات بل والبنية الكلية المنظمة للكون كانت دليلًا على أن العالم قد خلق بيد إله حكيم وقادر على كل شيء. وكتب يقول إن هذا الكيان الروحاني يبسط حكمه على عبيد في أرضه باعتباره «ربًّا للجميع». لقد كان الله حاضرًا في كل مكان وفي جميع الأزمان، وكان له حضور «قوي» دون أن يخضع للظواهر المعتادة التي تؤثر على الأجسام. وكانت هناك أمور يمكن معرفتها عن الله بالقياس، وعاد نيوتن بالذاكرة إلى التحليل الوارد في أطروحة «الجاذبية» بادعاء أن الله كان «بصيرًا وسميعًا ومدبرًا للأمر وجبارًا وعليمًا ومطلعًا وقادرًا». غير أن هذا لم يكن «على نحو بشري على الإطلاق … وليس ماديًّا، بل كان بأسلوب لا نحيط به علمًا على الإطلاق».

وفي اللحظات الأخيرة، أشار نيوتن إلى أن الحديث عن الله «يقع بالتأكيد في إطار الفلسفة التجريبية»، واتسع نطاق هذا التعبير ليغطي جميع أجزاء الفلسفة الطبيعية في طبعة ١٧٢٦ الثالثة والأخيرة. وفي تعظيمه لدور الله لمثل هذا الحد، كان نيوتن كعادته يعبر بحذر عن جانب من معتقداته اللاهوتية الجوهرية. ففي عام ١٧١٣، كانت لا تزال كارثة أن يُذاع عن أحدهم أنه مناهض للعقيدة الثالوثية — مثلما كان ويستون قبل بضعة أعوام فقط — على الرغم من أن عددًا من علماء اللاهوت كانت لديهم شكوك حول صحة مقال «ملاحظة توضيحية عامة» عند نشره.

وفي الفقرتين الختاميتين، عاد نيوتن إلى البندين الرئيسيين لمشروعه العلمي برمته. فأكد أولًا أن لا داعي لاختلاق سبب افتراضي للجاذبية في حين أثبتت الملاحظات والتجربة وجودها. كذلك لفت الانتباه إلى «روح معينة ودقيقة إلى أقصى حد تتخلل جميع الأجسام الكبيرة وتختبئ فيها»، مما أدى لنشوء ظواهر التماسك، والضوء، والكهرباء، والطاقة التي نملكها لتحريك أجسادنا. غير أن هذه الأشياء، حسبما أشار، لم يكن من الممكن شرحها في بضع كلمات، ولم يكن هناك تجارب كافية لتحديد القوانين التي تحكمها. على الجانب الآخر من العمل، كتب كوتس على سبيل المساعدة تمهيدًا في فصل الربيع أطلق من خلاله مصطلح «زاحف بائس» على أي شخص يعتقد أن بإمكان المرء أن يستنتج نظام العالم من خلال التفكير وحده، أو يؤمن بأن الله قد خلق كونًا ليس في طريقة عمله المثالية أي دور للإرادة الحرة أو تدخل من قوة خارقة للطبيعة. ومع تطور المشكلة مع لايبنتز ومؤيديه، أصبح الهدف المجهول واضحًا.

قضايا الأسبقية

أخذ ما يُسمى بنزاع الأسبقية مجراه كما ينبغي حين رد لايبنتز في مارس عام ١٧١١ على بحث أجراه جون كيل أكد فيه أن نيوتن كان أول من اخترع حساب التفاضل. وقد قدَّم نيوتن، الذي كان آنذاك قد اطلع على المقال النقدي «مجهول الاسم» لأطروحة «التربيع» التي امتعض منها كيل، قدَّم المساعدة لكيل لإعداد رد مفحم على ادعاءات أسبقية لايبنتز، ورد لايبنتز ردًّا وافيًا في بداية عام ١٧١٢. بعد ذلك بقليل، تلقى نيوتن نقد لايبنتز السلبي لأطروحة «التحليل»، وعلى الفور شرع في تكوين لجنة من الجمعية الملكية للوقوف على حقيقة الأمر فيما يتعلق بنزاع الأسبقية (بناء على طلب لايبنتز). وكما حدث في حالة فلامستيد، شكَّل نيوتن لجنة تابعة ولكن محايدة ظاهريًّا، لم يكن من المحتمل أن يكون قرارها في صالح لايبنتز. واستخدم مهاراته البحثية الواسعة في استعراض أبحاثه وخطاباته (بما فيها تلك الواردة في مجموعة جون كولينز، والتي استخدمها جونز من أجل طبعته) بحثًا عن الأدلة، وقدم للجنة كل ما كانوا يحتاجون إليه للوصول إلى قرار. وقد جرى تجميع ونشر البيانات والمعلومات ذات الصلة تحت عنوان «مراسلات دكتور جون كولينز وتحليلات متقدمة» والذي ظهر في بداية عام ١٧١٣.

رد لايبنتز الذي تعرض للشجب والاستهجان طوال النص، تحت اسم مجهول من خلال ما أطلق عليه «البيان الطائر». كذلك استعان بشهادة «عالم رياضيات علامة» (هو يوهان برنولي) التي أشارت في معناها العام إلى أن نيوتن يفتقر للخبرة الكافية في التفاضل والتكامل لكي يعتبر مخترعه. وأطلقت الهجمات والهجمات المضادة على صفحات الصحف الأوروبية الكبرى، وحين شعر أن موقفه لم يوضح بالشكل الكافي، نشر نيوتن بيانه عن «المراسلات» الذي أطلق فيه العنان لأهوائه لأقصى درجة وذلك في بداية عام ١٧١٥.

ثمة سياق كان على نفس الدرجة من الأهمية لهذا النزاع هو موقف لايبنتز كمؤرخ رسمي لنظام الأمير جورج في هانوفر. فحين توفيت الملكة آن دون أن يكون لها أبناء في صيف عام ١٧١٤، وأصبح الحاكم الهانوفري ملكًا لبريطانيا بموجب قانون توارث العرش، الصادر عام ١٧٠١، سرعان ما شرع نيوتن وحلفاؤه في إقناع الهانوفريين بحقيقة الفلسفة النيوتنية. ورتب نيوتن لإجراء تجارب بصرية لعرضها على خليلة الملك، فيما بدأ صامويل كلارك، وهو قس ملحق بقصر الملك، في التأثير على الأميرة الموهوبة كارولين، زوجة أمير ويلز. غير أنه في نوفمبر عام ١٧١٥، أشار لايبنتز إلى الأميرة أن أتباع نيوتن حذوا حذو لوك في اعتبار أن الأرواح مادية، وأنهم يعتقدون أن الفراغ هو عضو في جسد الله كان يدرك به ما كان يدور في الكون. وقد كان مثل هذا الاتهام يحتاج إلى رد، فقدَّم كلارك نفسه، وهو أكثر أصدقاء نيوتن الموثوقين في العقدين الأخيرين من حياة نيوتن، بوصفه المدافع عن قضية نيوتن.

لم يكن نيوتن يرغب في أن يستدرج علانية لكل هذه القضايا، ولكن التهديدات كانت في أوجها. وحين زار لندن عدد من العلماء والفلكيين الأجانب في عام ١٧١٥، أطلع هالي ونيوتن مجموعة منتقاة من الضيوف على مخطوطات نيوتن القديمة لإثبات أسبقية نيوتن في نزاع التفاضل والتكامل. كذلك أطلعهم خليفة هوكسبي المتمكن، جان-ثيوفيل ديزاجيولايه، على تجربة نيوتن بالغة الأهمية، ووردت الأنباء إلى الفلاسفة الفرنسيين عن أن عقائد نيوتن بشأن الضوء والألوان كانت صحيحة. وفي السنوات القليلة التالية، انتشرت عقائد نيوتن بشكل كاسح عبر القنال الإنجليزي: فظهرت طبعة ثانية من كتاب «البصريات» في عام ١٧١٩، وتوالى بعدها ظهور طبعات فرنسية في العامين التاليين.

كانت المراسلات المهمة بين كلارك ولايبنتز تتم من خلال خطابات ترسل إلى كارولين. ولاحتوائها على العديد من الموضوعات، فقد غطت كل الفوارق الأساسية بين المعسكرين، وسخر كل طرف من الآخر من أجل إظهار آراء الخصم ساذجة أو مارقة. وقد أولى نيوتن انتباهًا خاصًّا بجانب كلارك في النزاع، وكانت رسائل كلارك متسقة تمامًا مع آرائه الخاصة، على الرغم من أن نيوتن لم يعد مسوداتها. وفي تبادل لعشر رسائل مع كلارك في السنة حتى وفاة لايبنتز في نوفمبر عام ١٧١٦، أطلق لايبنتز عددًا من الاتهامات، من ضمنها الادعاء بأن أتباع نيوتن قد أحدثوا فراغًا في جسد الله؛ وأن الله قد خلق عالمًا معيبًا حتى أنه كان يضطر للتدخل بشكل دوري لإصلاح ماكينته المعيبة؛ وأن باعتقادهم بأن الله قد تصرف بطريقة لم تتقيد بالمنطق، حوَّله أتباع نيوتن إلى حاكم استبدادي (وهو ما يشير ضمنًا إلى العداء الذي يكنه أتباع نيوتن للملك جورج الأول واشتياقهم للحكم الاستبدادي لابن الملك جيمس الثاني). لقد كان مبدأ «الجذب» غير مفهوم، وعاد بالفلسفة إلى عصور الظلام، ودحض كل الأعمال الجيدة للفلسفة الميكانيكية.

كرر كلارك ذلك الاتهام الفج بأن مفهوم لايبنتز للتوافق الموضوع مسبقًا قد أنكر وجود الإرادة الحرة وكرر النقطة التي طرحها كوتس بأن رب لايبنتز «المالك المتغيب» قد صنع خلقًا مثاليًّا أشبه بالآلة في البداية، حتى أنه لم يكن لديه حاجة للقلق بشأنه بعد ذلك. فقد بدا أن لايبنتز قد قيَّد قدرة الله بالإيحاء بأنه قد اضطر للامتثال لقوانين المنطق، بينما في سياق آخر بدا أن لايبنتز كان يعتقد أن بإمكان المرء أن يستنتج من المبادئ المنطقية حقائق بشأن العالم دون الاضطرار لتحمل عناء التجريب. لقد كان الله بالنسبة لنيوتن وكلارك قادرًا على كل شيء، وبإمكانه القيام بالأشياء بحرية بمجرد فرض إرادته لتحقيق غايات ربما لم تكن مفهومة للبشر العاديين (حتى نيوتن). لقد كان الجذب مفهومًا باعتباره «اسمًا» يشير لحقيقة مبنية على الملاحظة، ومفضلة أيما تفضيل عن فلسفة «الجوهر الفردي» الغامضة ذات الطابع الميتافيزيقي المفرط التي عرضها لايبنتز. انتهى النزاع بوفاة لايبنتز في نوفمبر عام ١٧١٦، وهو الوقت الذي ترسخت فيه الآراء. غير أن «تلميذته» الأميرة كارولين يبدو أنها مالت نحو الموقف النيوتني بحلول وفاته، وهو ما كان ليسبب نوعًا من الحرج وخيبة الأمل له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤