الفصل الحادي والعشرون

فرنسا في القرن التاسع عشر

جريكول. دولا كروا. كورو. روسو. ميليه

ذكرنا في فصل سابق أن الثورة الفرنسية أحدثت بين الرسامين انقلابًا جعلهم يلتفتون إلى درس الإغريق والرومان، ولكن في القرن التاسع عشر حدث ارتداد عن هذه النزعة إلى القدماء، وخصوصًا بين الشباب الجديد الذي كانت صيحته العالية: «هل من خلاص من الإغريق والرومان؟».

ومن هؤلاء الداعين إلى ترك القدماء نجد «جريكول» في المقدمة. وقد ولد سنة ١٧٩١ ومات سنة ١٨٢٤.

ويُحكى عنه أن «دافيد» طلب إليه أن يهجر الرسم لأنه لم يعد له. ولكن الفتى عرف نفسه وقدرها، وأقام على الرسم كما تهديه إليه سليقته. ومما يذكر عنه أنه رأى ذات يوم جوادًا جامحًا، فأخرج دفتره ودون ما يذكره من هيئته، وأخذ بعد ذلك يدرس حركات الخيول. ورسم لوحة كبيرة بها ضابط على جواده في هيئة النشاط والحركة على غير المألوف، إذ كانت الجياد ترسم قبلًا جامدة لا تتحرك. ففتح بهذه الصورة عهدًا جديدًا للرسامين في فرنسا.

ورحل «جريكول» إلى إيطاليا لكي يعبد «ميخائيل أنجلو» المثَّال الرسام العظيم. وحكى عن نفسه أنه كان يقصد إلى رسومه وتماثيله «فيرتجف».

ولما عاد إلى فرنسا سمع عن غرق السفينة «ميدوزا» فقصد إلى النجارين الذين كانوا قد اشتركوا في صنعها وجعلهم يصنعون له أنموذجًا منها، ثم قصد إلى اثنين من الذين نجوا من الغرق ورسم السفينة في حالة نزول الكارثة بها وعليها ملاحوها ومنهم هذان الاثنان اللذان نجوا من الغرق، وذاعت شهرته بهذه اللوحة، وصارت لطريقته الحرمة التي كانت قبلًا لطريقة الداعين إلى الرومان والإغريق.

ومن عظماء الرسامين أيضًا في القرن التاسع عشر «دولا كروا» الذي ولد سنة ١٧٩٨ ومات سنة ١٨٦٣. وهو رسام الخيال الذي كان ينتزع موضوعاته من شكسبير وبيرون ودانتي. ومن أحسن رسومه «المتاريس» أو «الحرية تقود الشعب». وهي صورة قد امتزجت فيها الحقيقة بالخيال، فقد رسم الثائرين والقتلى رسمًا تقريريًّا، وفي وسط اللوحة رسم خيالي لفتاة جميلة تحمل بإحدى يديها العلم المثلث وبالأخرى البندقية. ولما عرضت خشي مدير الفنون الجميلة في فرنسا ما فيها من إغراء بالثورة، ولكنه في الوقت نفسه لم يستطع إنكار البراعة بل العبقرية في رسمها. وأخيرًا عمد إلى حل طريف، وهو أنه اشترى الصورة وقلب وجهها إلى الحائط. وهي الآن تزين متحف اللوفر.

وقد سافر «دولا كروا» إلى مراكش حبًّا في الألوان الزاهية المتلألئة التي لم يجدها في شمس فرنسا، وأكب على رسم المناظر المراكشية حتى شاعت بعده الرغبة في الرسوم الشرقية.

ومن الرسامين في هذه النهضة أيضًا «كورو» الذي ولد سنة ١٧٩٦ ومات سنة ١٨٧٥. وكان مغرمًا بالطبيعة والريف لا يسأم رسمهما في مختلف الأضواء والألوان. ولكنه كان سيئ الحظ قال إنه بقي ثلاثين سنة وهو لا يجد من يشتري شيئًا من رسومه، لأن الجمهور الفرنسي كان مثل الجمهور الإنجليزي في جموده نحو المناظر الطبيعية والريفية. ولكن رجال الفن وعظماء الأدب مثل الفرد دو موسيه التفتوا إليه وأعجبوا به. ومن أحسن رسومه «الربيع» و«المشرع».

ومن أشهر الرسامين في القرن التاسع عشر في فرنسا «روسو» الذي ولد سنة ١٨١٢ ومات سنة ١٨٦٧، ورسومه أيضًا تتعلق بالريف والطبيعة، ومنها «نزول البقر».

ولكن أعظم هؤلاء جميعًا هو «ميليه» الذي ولد سنة ١٨١٤ ومات سنة ١٨٧٥. وقد قصد بمساعدة المجلس البلدي في شيربورج إلى باريس حيث بقي يدرس ويرسم على الطريقة المألوفة. ولكنه في سنة ١٨٤٩ نزع إلى الطبيعة في معيشته وفنه، فترك باريس وقصد إلى باربيزون حيث كان هناك الرسامان الشهيران: «روسو»، و«دياز». وهناك رسم صورته الخالدة «الباذر» وهو فلاح يبذر الحب في الحقل ثم صورة «الجامعات» أو «اللاقطات» وهي لوحة بها ثلاث نساء يجمعن ما تخلف في الحقل من الحصيد.

وكان سيئ الحظ في بيع رسومه، يتهم بالاشتراكية، حتى إن «روسو» اشترى سرًّا أحد رسومه بمبلغ ١٦٠ جنيهًا. وذلك لكي لا يحرج كبرياءه، وادعى أن أحد الأميركيين الأغنياء يطلبها.

ولما أعلنت الحرب الفرنسية الألمانية سنة ١٨٧٠ غادر باربيزون إلى شيربورج وبقي بها إلى جلاء الألمان عن باريس. واستدعته الحكومة الجمهورية الجديدة إلى باريس لكي يرسم جدار البانثيون ولكن صحته ساءت فمات سنة ١٨٧٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤