مقدمة الطبعة الأولى
يتميَّز النصف الأخير من القرن الحالي، بحدثَين مهمَّين، خطا كلٌّ منهما بالإنسانية خطواتٍ جبَّارة إلى الأمام، ووسَّعا من آفاق إدراك الإنسان، وفتح كلٌّ منهما أمامه عصرًا تاريخيًّا جديدًا، وحضارة عريضة. ولقد كان كلٌّ منهما دلالة واضحة على مدى ما بلغه العقل الإنساني من تقدم في سُلَّم التطور، وبيانًا جليًّا عن مدى سيطرة هذا العقل على الطبيعة، وتحكمه فيها، وفهمه لقوانينها.
أما الحدث الأول، فهو تحطيم الذرة، ويعني هذا أن الإنسان وضع يده على مصدر لا ينفد من الطاقة المحرِّكة، وهي طاقة كفيلة بأن يسيِّر الإنسان بها السحب، وأن يحوِّل عناصر الطبيعة، ويقضي على كثير من الأمراض، ويشق بها الجبال، ويزرع الصحراء، ويحرِّك بها الآلات والسيارات، ويزيد الإنتاج، ويخلق بيئة صالحة، وتكون بذلك مصدر سعادة ورفاهية.
ولكن كيف عرف الإنسان هذا الحدث؟
لقد عرفه عام ١٩٤٥م، مع دقَّات أجراس الحِداد، بعد أن أُلقيَت أول قنبلة ذرية فوق هيروشيما. عرفه مع ضحايا هذه القنبلة، من قتلى، ومشوهين، ومشرَّدين.
وهنا وجلت القلوب، وخفَتت الأصوات، وجمدت الأبصار، ونظر الإنسان إلى حياته، ومستقبله، في يأس آمل، عسى أن يُكتَب للبشرية السلام، وتبدأ عصرًا جديدًا، بعد انتهاء الحرب العالمية، والانتصار على الفاشية.
والحدث الثاني الذي دفع بالبشرية إلى الأمام، وانتقل بها من عصر إلى عصر، هو إطلاق الاتحاد السوفييتي لأول قمر صناعي يدور حول الأرض.
وكم كان التباين واضحًا في استقبال الشعوب لكِلا الحدثَين، فإن كانت البشرية قابلت الحدث الأول، والوجوم يخيِّم عليها، واستمعَت إلى نبئه مع صرخات الأطفال، وبكاء النساء، وصيحات الكهول، أبناء قتلى هيروشيما وضحاياها، فإنها استقبلت القمر الصناعي بالفرح والبهجة، وتحوَّل اليأس الآمل إلى أمل بسَّام.
فإن كانت البشرية قد دقَّت أجراس الحِداد مع إلقاء أول قنبلة ذرِّية، فقد حقَّ لها أن تدقَّ أجراس البِشر والأمل، مع إطلاق أول قمر صناعي يعلن سيطرة الإنسان على الطبيعة وخرقه لحُجُب الفضاء.
إنه انتصار في ميدان التنافس العلمي، في المعركة الخالدة التي بدأها الإنسان الأول مع الطبيعة، كي يبني حياة سعيدة جميلة.
۲۰ / ۱۰ / ١٩٥٧م