خاتمة

حاولنا في هذا الكتيب أن نقدم للقارئ لمحةً عن مستقبل علم السفر عبر الفضاء.

ولكي نحقق السفر عبر الفضاء، فلا بد وأن نصل إلى سرعةٍ تزيد عدة مرات على السرعة الممكنة الآن؛ ومن ثم فلكي تصل إلى القمر والكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية، لا بد وأن تتراوح سرعة الصاروخ ما بين ۱۱٫۱ و١٦٫۳ كيلومترًا في الثانية.

ولا شكَّ في أن بناء محطة في الفضاء ييسر عملية السفر عبر الفضاء إلى حدٍّ كبير. وذلك لأن هذه المحطة تُهيئ الفرصة للسفينة كي تبلغ سرعتها اللازمة على مرحلتَين؛ إذ تنطلق السفينة من على الأرض في سرعةٍ دائريةٍ مقدارها ۷٫۹ كيلومترات في الثانية، وتنطلق من فوق المحطة بسرعةٍ إضافيةٍ تزيد على السرعة الأولى من ٣-٤ كيلومترات في الثانية.

ولا بد من إدخال التحسينات على الخصائص الفنية التي يتميز بها الصاروخ، حتى يقوى على بلوغ السرعة الكونية. وأول هذه التحسينات هي زيادة سرعة العادم. وتخرج الغازات من الصواريخ الحديثة، التي تسير بالوقود السائل، بسرعةٍ مقدارها ٢٫٥ كيلومتر في الثانية. وثمة اعتقاد بإمكانية زيادة هذه السرعة إلى أربعة كيلومترات في الثانية. وهناك خاصية أخرى مهمة هي الثقل النسبي للوقود الذي يحمله الصاروخ.

يبلغ ثقل الوقود الذي يحمله الصاروخ الحديث، الذي يسير بالوقود السائل، قرابة خمسة أمثال وزن الصاروخ. ويأمل العلماء، مع هذا كله، أن تتضاعف هذه النسبة في المستقبل باستخدام مواد جديدة، وإدخال تحسينات على التصميم الموضوع للصاروخ.

وتتجه صناعة الصواريخ الآن إلى زيادة قوة المحرك وعدد مراحل الصاروخ.

ونظرًا لأن قوة جذب الجاذبية الأرضية تقل سريعًا مع زيادة البعد عن الأرض، فإن زيادة طفيفة في السرعة المبدئية التي ينطلق بها الصاروخ كفيلة بأن تدفع الصاروخ إلى مسافة أبعد بكثير من مدى ارتفاعه المحدد أولًا؛ ومن ثم فإن كل ارتفاع جديد يسجله الصاروخ، إنما هو مكسب ضخم وتقدُّم كبير على سابقه.

إن الصواريخ ذات الوقود الحراري الكيميائي قد تكون أول الصواريخ التي تغامر باختراق الفضاء، ولكن ليس ثمة شكٌّ في أنها ستتبع بسفن فضاء تسير بالذرة.

وهذه السفن ستكون أفضل بكثير من تلك، فالطاقة الذرية تُهيِّئ لعلم السفر عبر الفضاء إمكانات جبارة.

إذ إن الصاروخ الذري ييسر لنا السفر إلى القمر والكواكب الأخرى من غير حاجة إلى التوقُّف في محطة الفضاء من أجل التزود بالوقود. وإذا استخدمنا صواريخ ذات فرامل، فإن سفينة الفضاء الذرية ستتمكن من الهبوط على سطح الكواكب أو توابعها التي لا يحيط بها غلاف غازي. كما أن هذه السفن ستتمكَّن من العودة إلى الأرض من أي كوكب من كواكب المجموعة الشمسية. وأخيرًا وليس آخرًا، فإنها ستتمكَّن من الانطلاق دون حاجة إلى انتظار الفرصة المناسبة حتى تأخذ الكواكب الوضع الملائم.

وبعد أن تحصل سفينة الفضاء على السرعة اللازمة، فإنها تطير بقوة دفع كمية حركتها الذاتية، وتوفر الوقود. ولن تتبع السفينة، لنفس السبب، خطًّا مستقيمًا في سفرها عبر الفضاء، فمسارها سيكون على شكل قطع ناقص، وأخيرًا سيكون على شكل قطع متكافئ أو قطع زائد.

وسوف تُطلق صواريخ موجهة باللاسلكي ولا تحمل ركابًا، وذلك بقصد استكشاف الفضاء قبل أن يتهيأ الإنسان لاقتفاء أثرها. كما أن هذه الصواريخ ستجمع لنا المعلومات اللازمة لبناء سفينة الفضاء، وتختبر ظروف السفر عبر الفضاء، وأثرها على الحيوانات.

وأول مرحلة من مراحل السفر بين الكواكب هي: بناء قمر صناعي يدور حول الأرض، وتتبع هذه المرحلة رحلة إلى القمر والكواكب الأخرى.

ولن تستغرق فترة التحليق حول الأرض، في دورة واحدة، أكثر من ساعة ونصف ساعة. أما مدة الطيران إلى القمر والعودة إلى الأرض، فإنها تستغرق عشرة أيام. وإذا اتجهت الرحلة في مسار قطع ناقص، وعبرت مدارَي الزهرة والمريخ، فإنها تستغرق مدة لا تقل عن سنة، وذلك بما فيها العودة. أما الأسفار إلى العوالم البعيدة، فإنها تستغرق عدة سنوات.

ونتوقع أن تقدم لنا هندسة الراديو الحديثة تسهيلات تساعد على الاتصال بالسفن، وذلك بواسطة أمواج لاسلكية موجهة. وسيكون من السهل تحديد أماكن الصواريخ الطائرة عبر الفضاء في أي وقت من الأوقات، وذلك لأن الصواريخ تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها الأجرام السماوية.

وبوسعنا أن نقرر، على قدر معلوماتنا، أن ليس ثمة عقبة، من وجهة نظر علم وظائف الأعضاء، تحول دون السفر بين الكواكب. وأيًّا كانت الاحتمالات المتوقعة، فإن الإنسان يقوى على تحمل ضغط يعادل وزن جسمه من أربع إلى خمس مرات، أثناء الدقائق القليلة التي ستواصل فيها المحركات دورانها. ومعنى هذا أن سفينة الفضاء ستتمكن من أن تكتسب سرعة تعادل السرعة الكونية، في الوقت الذي تدور فيه محركات صواريخها، مع أقل التكاليف.

ولم يثبُت بالتحديد حتى الآن، أن انعدام الثقل لن يترتب عليه أي أذًى للجهاز العضوي الإنساني، إذا ما استمر على هذه الحالة مدة طويلة إلى حدٍّ ما، على أية حال فمن الممكن أن نقوم بإجراء مضاد، حالة انعدام الثقل، إذا ما ثبت أن لها آثارها الضارة؛ إذ من الممكن من الناحية الفنية العملية أن ننشئ جاذبية صناعية، وذلك بأن نجعل السفينة تدور حول نفسها.

ويمكن تنظيم حرارة الجو داخل سفينة الفضاء عن طريق الألواح التي تغطي السفينة؛ إذ إن هذه الألواح ستمتصُّ الطاقة الشمسية حسب الشدة المقدَّرة لها.

وليست هناك صعوبة خاصة، في مرحلة التقدم الفني الحالية، تحول دون خلق غلاف غازي صغير داخل سفينة الفضاء. ويتميَّز هذا الغلاف بتركيب ورطوبة تلائمان الإنسان. ويمكن كذلك أن نمد المسافرين عبر الفضاء بالطعام، ونحميهم من الأشعة فوق البنفسجية الساقطة من الشمس. ولقد تمت دراسة آثار الأشعة الكونية على جسم الإنسان. ولن ننسى حقيقة مهمة، وهي أن الشهب والكويكبات مصدر خطر كبير على سفن الفضاء.

وتوحي لنا أحدث المكاسب العلمية بأن السفر بين الكواكب ممكنٌ تحقيقُه في القرن الحالي. وهكذا تحول الحلم العظيم الذي ظل يداعب الإنسان، حتى عهدٍ ليس ببعيد، إلى حقيقة بعد أن كان في عداد الرؤى الخيالية.

والسفر بين الكواكب سيلقي ضوءًا على مشكلة ظلَّت حتى الآن دون إجابة، وهي: هل توجد حياة على ظهر كواكب مجموعتنا الشمسية؟ وإذا كان كذلك فما مدى تطورها؟

وفضلًا عن الأهمية العلمية البحتة للسفر بين الكواكب، فمن المحتمل أن تكون له قيمة عملية، على الرغم من استحالة تحديد صورة هذه القيمة العملية في المرحلة الحالية. ويمكننا أن نشير إلى حقيقة واقعة، على سبيل التمثيل لهذه القيمة العملية. فمن المعروف أن الكواكب وأقمارها تمثل مصدرًا لا ينفد للثروة المعدنية؛ ومن ثم فلا بد من دراساتها والاستفادة بها من أجل خير الإنسانية.

إن الشعب السوفييتي سيبني محطات في الفضاء بين الكواكب، كما سيبني سفن الفضاء، من أجل اكتشاف أسرار الكون، ولكي يوسع من نطاق سيطرة العقل البشري على العناصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥