سفن الفضاء
مشكلة الإفلات من الأرض
وينتهي الفضاء الموجود بين الكواكب عند مدار بلوتو، وبلوتو هذا هو الكوكب الأخير في المجموعة الشمسية، وتفصل بينه وبين الشمس مسافة تُقدَّر بنحو ٦٠٠٠٠٠٠٠٠٠ك.م، وهذا هو الفراغ اللامحدود الذي ستضطر سفن الفضاء إلى عبوره. وسوف تستفيد هذه السفن في حركتها من جاذبية الشمس، أو ستضطر إلى مقاومتها، كما ستضطر إلى تجنب الاصطدام بالشهب وأسراب الكويكبات السابحة في الفضاء.

لكن ما الذي يمنعنا من البدء بإطلاق صاروخ في الفضاء؟
إن العقبة الكبرى هي قوة الجاذبية؛ فكل شيء موجود على سطح الأرض مجذوب إلى مركزها، وليست هذه هي حال الأرض وحدها، بل إن كل الأجسام، من حبة الرمل الصغيرة إلى النجم الهائل، لها قوة الجاذبية هذه. فكل الأشياء التي تحيط بنا يجذب بعضها بعضًا. ونحن لا نشعر بذلك؛ لأن قوة الجذب فيها ضعيفة جدًّا، ونحن نشعر من ناحية أخرى بالجاذبية الأرضية على الدوام.
ولولا الجاذبية هذه، لما بقي شيء على سطح الأرض؛ إذ بدونها لطار كل شيء وانطلق في الفضاء، كما أن الأرض ستنطلق بعيدًا عن الشمس، ويبتعد القمر عن الأرض. ونظرًا لأن هذه القوة حقيقة لها وجودها الفعلي، فإنها تعقِّد مشكلة السفر بين الكواكب.

هل من الممكن أن يترك صاروخ الأرض ولا يعود إليها أبدًا؟
نعم، من الممكن ذلك. ولنتخيل أن هناك قاعدة بُنيت فوق جبل عالٍ، حيث لن يُعدَّ الهواء عقبة تحول دون طيران الصاروخ، وإذا افترضنا أن صاروخًا أُطلق من هذه القاعدة بسرعة معينة، فإنه سيتبع مسارًا منحدرًا، ويسقط على بُعد معين من الجبل، وإذا افترضنا أن قوة الوقود التي تدفع الصاروخ وسرعته قد ضُوعِفَتا، فإنه سيطير إلى مسافة أبعد، كما أن مساره سيكون بالتالي أقل انحدارًا. وهكذا يمكن زيادة سرعة الصاروخ حتى تصبح درجة انحدار مساره هي نفس درجة انحدار سطح الأرض. وإذا ما بلغ الصاروخ هذه الدرجة فإنه يستطيع حينئذٍ أن يدور حول الأرض، ويطوف حولها مرة بعد أخرى. وبهذه الطريقة يصبح الصاروخ تابعًا للأرض، وسيكون مثل القمر، ولن يسقط أبدًا على سطحها.

وإن أقل سرعة يمكن بها لجسم من الأجسام أن يدور حول الأرض دون أن يسقط؛ تُسمَّى بالسرعة الأولى للسفر عبر الفضاء، أو السرعة الدائرية.
ولكن لماذا لا يسقط جسمٌ يتحرَّك بمثل هذه السرعة على الأرض؟ لنفترض أن طائرةً تطير حول الأرض على طول خط الاستواء أو خط الزوال، فإن هذه الطائرة تقع تحت تأثير قوة طرد مركزية، وتزداد هذه القوة بزيادة سرعة الطائرة، وتقاوم هذه القوة جذب الجاذبية، وتحاول رفع الطائرة بعيدًا عن الأرض، ولا يمكن ملاحظة هذه القوة بوضوح في السرعات البطيئة.
ولكن حينما تصل السرعة إلى ٧٫٩ ك.م في الثانية، فإن قوة الطرد المركزية تساوي حينئذٍ قوة الجاذبية وتفقدها غلبتها. وهذه هي ما نسمِّيها بالسرعة الأولى للسفر عبر الفضاء. ولولا مقاومة الهواء لتمكنت الطائرة التي تطير بمثل هذه السرعة أن تدور حول الأرض لمدة غير محدودة، ويكون لها نفس كمية الحركة. وبهذا تصبح الطائرة كوكبًا صناعيًّا تابعًا للأرض.
وما السرعة التي يجب أن يسير بها جسم من الأجسام حتى يتغلب على جاذبية الأرض، وينطلق في الفضاء؟
لكي نجيب عن هذا السؤال لا بد لنا أن نعرف شيئًا ما عن الجاذبية.
تقل قوة جذب الجاذبية الأرضية كلما ابتعد الإنسان عن مركزها، وهذه هي الحال بالنسبة للأجرام السماوية الأخرى. وتقل هذه القوة بنفس النسبة التي يخفُّ بها لمعان جسم من الأجسام، كلما ابتعد عن مصدر الضوء الذي يسقط عليه، أي يتناسب تناسبًا عكسيًّا مع الجذر التربيعي للمسافة. أو بعبارة أخرى تخف نسبة قوة جذب الجاذبية بمقدار يساوي عامل العدد ٤، إذا كان الجسم على بُعد ضعف هذا العدد، أو تخف بنسبة عامل العدد ٩، إذا كان الجسم على بُعدٍ يساوي هذا العدد ثلاث مرات.

وكي نخلِّص جسمًا من الأجسام من مجال جاذبية أحد الكواكب، فلا بد من أن نبذل نفس كمية الجهد التي يجب بذلها إذا أردنا أن نرفع الجسم إلى ارتفاع مساوٍ لنصف قطر الكوكب.

ولقد افترضت في حديثي أن الجسم خاضع فقط للجاذبية الأرضية، وهدفي من ذلك هو تبسيط عملية حساب حركة الجسم، بينما يقع الجسم في واقع الأمر تحت تأثير مجال جاذبية الشمس كذلك، وتبين لنا بعض العمليات الحسابية أن الجسم لكي يتحرر من مجال جاذبية الشمس والأرض، فلا بد وأن يتحرَّك في سرعة لا تقل عن ١٦٫٧ كيلومترًا في الثانية. وهذه هي السرعة التي تُسمَّى بالسرعة الثالثة للسفر عبر الفضاء.
ومهمة علم السفر عبر الفضاء هي أن يهيئ لنا الفرصة لتحقيق السرعة الأولى والثانية والثالثة للسفر عبر الفضاء.
الصاروخ باعتباره مثالًا لسفينة الفضاء
من الأمور المتفق عليها بوجهٍ عام، أن أي سفينة من سفن الفضاء التي سنبنيها في المستقبل، ستعتمد على الصواريخ لدفعها؛ إذ ستندفع هذه السفينة إلى الفضاء بقوة دفع الغازات التي تنطلق من الصاروخ. ويعتبر السفر بالصاروخ من الوسائل المأمونة العواقب للغاية؛ وذلك لأن الصاروخ يكتسب كمية حركته بالتدريج. وهذا ما يميزه عن قذيفة المدفع. ويفسر لنا ذلك لماذا ستكون عملية الجذب التي يشعر بها الإنسان وقت الانطلاق ضعيفة لدرجة كبيرة؛ بحيث إنها لن تسبب أي أذًى لركابها المسافرين عبر الفضاء.
ويلاحظ أن سفينة الفضاء لن تعترضها مقاومة عنيفة من الهواء، كما أن الحرارة الناتجة عن الاحتكاك ستكون ضعيفةً لدرجة لا يُؤبَه لها. والسبب في ذلك هو أن سرعة سفينة الفضاء المندفعة بقوة دفع الصاروخ، داخل الغلاف الغازي ستكون بطيئة نسبيًّا.
وسوف يتمكن كذلك ركاب سفينة الفضاء من استخدام محرك الصاروخ للتحكم في حركة سفينة الفضاء، وذلك بأن يزيدوا من سرعتها في الفضاء، أو يقللوا منها، أو يغيروا من اتجاه الطيران إذا اقتضت الضرورة.
ولكن ما الفكرة الأساسية التي تقوم عليها حركة الصاروخ؟
من المعروف أن حامل البندقية حينما يطلق بندقيته، فإنه يرتد إلى الوراء. ويرجع ذلك إلى ضغط الغازات المتولدة عن احتراق المادة المتفجرة؛ فالغازات تضغط في اتجاهَين متضادَّين بقوة متساوية، تجاه القذيفة وتجاه البندقية. إلا أن البندقية ترتدُّ إلى الوراء قليلًا؛ لأن كتلتها أكبر بكثير من كتلة القذيفة. ويحدث هذا وفقًا لأحد القوانين الرئيسية في الميكانيكا، وهو القانون الآتي: «لكل فعل لا بد وأن يكون له رد فعل مضاد ومساوٍ له.» وتُعرف الحركة الناتجة عن الفعل باسم الحركة الإرجاعية.
والصاروخ الذي يُستخدم باعتباره محركًا لسفينة الفضاء، لا بد وأن يكون من نوع خاص؛ إذ إنه لن يكون من نوع الصاروخ المعبأ بالبارود، والذي يُطلق عادة في الأعياد؛ وذلك لأن عملية احتراق الغازات تولِّد بداخله ضغطًا عاليًا جدًّا، ولا بد وأن يكون الصاروخ قويَّ البنيان، حتى يتحمَّل مثل هذا الضغط؛ وبالتالي سيكون وزنه كبيرًا جدًّا. وزيادة على ذلك، فإنه من المستحيل تنظيم عملية استنفاد البارود أثناء الطيران، تمامًا كما يستحيل علينا أن ننظم احتراق لهيب الشمعة، فمن المستحيل مثلًا أن يوقف الإنسان عملية احتراق البارود، حتى يتمكَّن من أن يوقف المحرك إذا لزم الأمر.
وتُستخدم الآن على نطاق واسع الصواريخ التي تُزوَّد بوقود سائل، وهذا النوع من الصواريخ يُفضَّل تمامًا عن الصواريخ المعبَّأة بالبارود في هذا الغرض بالذات.
وتوجد بالصاروخ مضخَّتان يتحكَّم فيهما توربين. وينتقل كلٌّ من الوقود السائل، والسائل المؤكسد من المضختَين، ويلتقيان في غرفة خاصة، وتحدث حينئذٍ بداخل الغرفة عملية تفاعل كيميائية (أي احتراق الوقود السائل). وتخرج الغازات المتولِّدة عن عملية الاحتراق من غرفة الاحتراق، وتتسبَّب هذه العملية في حدوث ارتداد من شأنه أن يدفع الصاروخ إلى الأمام.

وتستخدم كلٌّ من الصواريخ المعبَّأة بالمواد المتفجرة أو بالوقود السائل زعانف هوائية، ومنظمات للغاز والهواء، وتعتمد الصواريخ على هذه الزعانف والمنظمات، لضمان انتظام وثبات طيرانها.
إلا أن هذه الزعانف والمنظمات تصبح عديمة الفائدة، حالما يخرج الصاروخ عن نطاق الغلاف الغازي المحيط بالكرة الأرضية وينتقل إلى الفضاء، ولكن ماذا على ركاب سفينة الفضاء أن يفعلوا لو انحرف الصاروخ عن طريقه؟ هذه هي المشكلة التي قام العالم ك. أ. تسيولكوفسكي بحلها؛ إذ اقترح وضع منظمات في طريق انطلاق الغاز من فتحته، وبذلك يتيسر تغيُّر اتجاه طيران الصاروخ في الفضاء.
وما العوامل التي تتوقف عليها سرعة الصاروخ في سفره؟
تتوقف السرعة التي يمكن أن يسير بها الصاروخ في الفضاء، بعد أن يترك مجالات تأثير الجاذبية، على السرعة التي تخرج بها الغازات من فتحتها، كما تتوقف على كمية الوقود المستهلكة. وتُستخدم لهذا الغرض أنواع معينة من الوقود الذي يولد أعظم قدر ممكن لسرعة العادم، ومن بين هذه الأنواع الأكسجين والهيدروجين مثلًا. ويلاحظ مع ذلك أن الهيدروجين خفيف الوزن جدًّا، حتى ولو كان مكثفًا على شكل سائل، كما يستلزم خزانات واسعة على عكس المواد الدافعة الأخرى. وزيادة على ذلك، فإن درجة غليانه هي ٢٥٣ سنتيجراد، ويُستخدم كذلك حامض النتريك والهيدرازين (وهو مركب كيميائي من الآزوت والهيدروجين)، لميزاتهما الاقتصادية عن غيرهما. كما أن هذَين السائلَين من السهل تحضيرهما، ويمكن حفظهما في خزانات صغيرة، وهناك أنواع أخرى من المواد الدافعة للصواريخ التي تسير بالوقود السائل، ومن هذه الأنواع الكيروسين والبنزين وزيت التربنتينة وزيت البرافين وغيرها، وتُستخدم معها مواد مؤكسدة مثل حامض البيروكلوريد والهيدروجين والبيروكسين.
وتولد المواد الدافعة الكيميائية الحرارية، أو المواد الدافعة العادية، عادِمًا يخرج بسرعة تقرب من ٢٫٥ ك.م في الثانية، وهناك بوادر تدعو إلى الاعتقاد بإمكانية زيادة هذه السرعة إلى ٤ ك.م في الثانية. وإذا تمكنا من الوصول إلى هذه السرعة، فإن ذلك من شأنه أن يُبسط مشكلة بناء سفينة الفضاء.

وقد أُجريت في السنين القليلة الماضية تجارب أثبتت أن الصاروخ المضاعف، المعبَّأ بالمواد المتفجرة، يمتاز بأنه اقتصادي لحد كبير؛ وذلك لأن دَفْعَة هذا الصاروخ هائلة جدًّا، إذا ما قورنت بوزنه، ومن المحتمل أن يُستخدم هذا النوع من الصواريخ في عملية القذف الأولية لسفينة الفضاء.
ولزيادة سرعة العادم أكثر من ذلك، يُستحسن استخدام مواد دافعة نووية، بدلًا من المواد الدافعة العادية.
ولكن ما المادة الدافعة النووية؟ ولماذا تُفضَّل على المواد الدافعة العادية؟
لقد نجحت العلوم الطبيعية في تحويل عدد من العناصر الكيميائية إلى عناصر أخرى. ولقد صاحب هذه العملية، في حالة معينة، انطلاق طاقة ذرية. وتُعرف كل مادة تولد مثل هذه الطاقة باسم مادة دافعة نووية. وتحتوي كمية صغيرة من هذه المادة على قدر هائل جدًّا من الطاقة.
وتتميز عملية انطلاق الطاقة الذرية بسرعتها الهائلة، ولكن ليس معنى هذا أنه من الصعب التحكم فيها.
ويمكن استخدام الطاقة الذرية لتحويل سوائل معينة (مثل سائل الهيدروجين أو الهليوم)، إلى غاز، ثم تُطرد خارج الصاروخ.
وتسمى المادة الدافعة النووية التي هي على هيئة غاز أو سائل، باسم «الوقود الذري».
وجدير بنا أن نذكر أن الاصطلاحَين: المادة الدافعة النووية، والوقود الذري، إنما نستخدمهما هنا فقط حسب الاصطلاح المتبع، وذلك لأنه ليس هناك أي تشابه بين عملية انطلاق الطاقة الذرية وتحولها إلى جسم خامد، وبين عملية الاحتراق كما هي معروفة لنا.
وسوف تخرج الغازات، في الصاروخ الذري، من فتحة الغاز بسرعة تُقدَّر بعشرات الكيلومترات في الثانية. وكلما زادت سرعة العادم، قلَّت كمية الوقود اللازمة للسفر بين الكواكب. وهذه ميزة ضخمة يتميز بها الصاروخ الذري.
والطريقة التي يعمل بها الصاروخ الذري كالآتي: ينتقل الهيدروجين السائل، أو أي سائل آخر، إلى غرفة صغيرة تشبه غرفة الاحتراق في الصاروخ الذي يسير بالوقود السائل. وحينما تنطلق الطاقة الذرية، فإنها ترفع في الحال من درجة حرارة الهيدروجين إلى درجة عالية للغاية.
وفي هذه الحالة يتحوَّل الهيدروجين إلى غاز، وينطلق من غرفة الاحتراق تحت ضغط هائل.
وعلى الرغم من أن الصاروخ الذي لا يختلف في فكرته الأساسية عن الأنواع العادية من الصواريخ، فإن هناك عددًا من المصاعب الفنية التي تحول دون بنائه. وأولى هذه المصاعب هي الحاجة إلى تخفيض درجات الحرارة العالية جدًّا، ودرجات الضغوط المرتفعة للغاية، التي تتولد داخل الصاروخ الذري، وذلك لأن ليس ثمة معدن يمكنه تحمل هذه الدرجات. وثانية هذه المصاعب، أنه لا بد من اتخاذ إجراءات لحماية المسافرين إلى الفضاء من الإشعاعات الذرية التي تنطلق في نفس الوقت على صورة طاقة ذرية. ولعلاج هذه المشكلة بنجاح، لا بد من اختراع مادة تمتصُّ مثل هذه الإشعاعات، ولا بد كذلك أن تكون هذه المادة خفيفة الوزن؛ لأن الوزن الزائد على الحد سيتسبب في خفض مدى الصاروخ لدرجة كبيرة.
تصميم سفينة الفضاء
يتوقف تصميم سفينة الفضاء إلى حد كبير على الغرض المقصود من ورائها؛ فالصاروخ الذي يُوضع تصميمه بحيث يستقرُّ على القمر، سيختلف في نواحٍ كثيرة عن الصاروخ الذي يُعد لكي يحلِّق حول القمر دون أن يهبط عليه، كما أن سفينة الفضاء التي تُعد للسفر من الأرض إلى المريخ، ستختلف عن السفينة التي يُوضع تصميمها بحيث تطير وتصل إلى الزهرة، وكذلك سيكون هناك فارق كبير بين صاروخ يستخدم وقودًا حراريًّا كيميائيًّا، وسفينة فضاء تسير بالذرة.
وهناك أوجه شبه كبيرة بين سفينة الفضاء والغواصة؛ من حيث إن بحارة كلٍّ منهما سيكونون معزولين تمامًا عن العالم الخارجي. كما أن تركيب الهواء وضغطه ودرجة الحرارة والرطوبة داخل الصاروخ سيتحكم فيها جهاز خاص، ولكن هناك ميزة كبرى ستتميز بها سفينة الفضاء؛ إذ إن نسبة الفرق بين الضغط الخارجي والداخلي لسفينة الفضاء ستكون أقل منها بالنسبة للغواصة، وكلما كان هذا الفارق أقل، ساعَد على أن يكون غلافها أرقَّ.
وسوف تتمكَّن سفينة الفضاء من استخدام أشعة الشمس في أغراض خاصة بالإضاءة والتسخين. كما أن غلافها الخارجي سيكون بمثابة درع تحول دون نفاذ أشعة الشمس فوق البنفسجية، التي تؤذي الجهاز العضوي الإنساني.
وسوف يكون لسفينة الفضاء غلاف مزدوج، وذلك لضمان حمايتها من أثر الاصطدامات مع الشهب.
وسفينة الفضاء التي سيُوضع تصميمها كي تسافر إلى قمر صناعي تابع للأرض، وتستخدم وقودًا من النوع الحراري الكيميائي، هذه السفينة ستُصنع على نفس النمط الذي يُصنع به الصاروخ ذو المراحل، كما ستكون في حجم الطائرة.
ويُقدَّر وزن سفينة الفضاء قبل انطلاقها بعدة مئات من الأطنان، وسيكون وزن القناع الأمامي فيها ١٪ من وزنها الكلي، وستُصنع المراحل بحيث يمكن تركيبها على بعضها تركيبًا محكمًا. كما سيُصنع هيكل مخطط بخطوط انسيابية، وتُغلف به المراحل. وفائدة هذه الخطوط تقليل مقاومة الهواء في أثناء طيران السفينة داخل الغلاف الغازي. وقد تُجهز في مقدمة السفينة غرفة صغيرة نسبيًّا للبحارة، وغرفة لبقية القناع الأمامي.
ونظرًا لأن ملاحي هذه السفينة لن يمكثوا فيها سوى فترة قصيرة (أقل من نصف ساعة)، فلا داعي لتجهيزها بأثاث معقد.
سينطلق الصاروخ في الوقت المحدد له بواسطة طارق أوتوماتيكي، ولا بد من تجهيز الصاروخ ببعض الأجهزة الأوتوماتيكية، التي تُستخدم لتوجيهه في الطيران، أو لاتخاذ أي إجراءات أخرى تقتضيها الضرورة. أما عن المراحل الزائدة (الصواريخ الزائدة المركبة لمضاعفة الحركة)، فتعود إلى الأرض بعد أن تستنفد غرضها، وترجع هذه الزوائد إلى الأرض، إما بواسطة مظلة، أو بواسطة أجنحة قابلة للانكماش، وتمتد وقت النزول، وتحوِّل الصواريخ إلى نوعٍ من الأسهم التي تسير بدون محرك.
والغرض الذي أُعدت من أجله هذه السفينة، هو القيام بدراسة مطوَّلة لسطح القمر، دون الحاجة إلى الهبوط عليه. وبعد أن تنتهي سفينة الفضاء من رحلتها، فإنها تعود مباشرة إلى الأرض. ويتضح من الرسم أن أجزاءها الرئيسية عبارة عن صاروخَين مزدوجَين، وثلاثة أزواج من الخزانات الأسطوانية، تحتوي على مادة دافعة ومادة مؤكسدة. ومن بين الأجزاء الرئيسية كذلك سهمان من الأسهم التي تنساب في الهواء، ولهما أجنحة قابلة للانكماش، تساعدها على الهبوط على الأرض. وليس من الضروري أن تُخطط سفينة الفضاء بخطوط انسيابية؛ وذلك لأنها ستنطلق من فوق قاعدة بعيدة عن طبقات الجو العليا.
ويتم إعداد السفينة على المراحل الآتية:
تُبنى السفينة أولًا، وتُختبر على سطح الأرض. تُنقل بعد ذلك إلى محطة موجودة في الفضاء بين الكواكب، ويُرسل الوقود والأجهزة والطعام والأكسجين إليها، كلٌّ على حدة.
وبعد أن يتم إعداد وتجهيز السفينة في محطة الفضاء، تبدأ رحلتها إلى الفضاء. وفي أثناء انطلاقها، ستستمر عملية تزويد المادة الدافعة والمؤكسدة الموجودتَين في المحرك عن طريق الخزانات الأسطوانية الرئيسية. وهذه الخزانات في الواقع هي الغرف الرئيسية في سفينة الفضاء التي ستُملأ مؤقتًا بالوقود؛ ولذلك سيعاني بحارة السفينة بعض الضيق من جراء انتظارهم في غرفة السهم المعدَّ للهبوط، حتى يتم تفريغ الغرف الرئيسية، أي بعد بضع دقائق بعد انطلاق الصاروخ.
أما عن الوقود الباقي، فإنه سيتبخَّر في الحال، بعد أن يفتح صمام صغير يصل بين الخزانات والفضاء. وهنا يدفع الهواء إلى داخل الخزانات بواسطة مضخات، ويمكث فيها المسافرون عبر الفضاء حتى نهاية رحلتهم.
وحينما تصل سفينة الفضاء إلى بُعد معين بالنسبة للقمر، فإنها ستتحول إلى تابع له. وهنا تستخدم السفينة المادة الدافعة والمادة المؤكسدة، الموجودتَين في الخزانات الجانبية بمؤخرة السفينة فتساعدها على الدوران حول القمر. وبعد أن يستنفد الوقود، تنفصل الخزانات عن السفينة.
ولن يحاول المسافرون تشغيل المحركات مرة أخرى، حتى يأتي الوقت المحدد للعودة من رحلتهم. وستُزود المحركات بوقود من الخزانات الجانبية الموجودة في المقدمة.
وقبل أن تدخل السفينة الفراغ الغازي المحيط بالأرض، سينتقل البحارة إلى الخلف، حيث يوجد سهم فراغي، وفي هذا الوقت سينفصل هذا السهم عن السفينة ويدور حول الأرض.

وسوف يستخدم المسافرون الأجنحة القابلة للانكماش المثبتة في السهم، لضمان سلامة الهبوط على الأرض.
وحينما تتوقَّف المحركات عن الدوران، سيفقد الناس والأجنحة الداخلية الموجودون داخل الصاروخ، سيفقدون جميعًا ثقلهم. وتمثل هذه الحالة عقبة كبيرة تحول دون الهبوط؛ لهذا يجب على واضعي تصميم السفينة أن يُنشئوا جاذبية صناعية على ظهر السفينة للتغلب على هذه العقبة.
وبعد أن يبلغ هذان القطاعان السرعة اللازمة لدورانهما حول بعضهما، ستنفصل المحركات، ويستمر الدوران حسب كمية حركاتهما الذاتية. ويرى تسيولكوفسكي أن قوة الطرد المركزية ستحل محل قوة الجاذبية.