حول سفينة الفضاء
الرحيل
تستمر السيارة، أو القطار، أو المركب الشراعي، في حركته ما دام هناك آلة أو ريح تستمر في دفعه، ولكن إذا ما توقفت الآلة، أو طُوي الشراع، فلن تكون هناك حركة.
حقًّا أنها تقف مرة واحدة، ولكنها ستواصل الحركة بدافع كمية حركتها الذاتية لفترة من الوقت، لكنها مع ذلك لا يمكنها أن تسير مسافة طويلة، ما دامت كمية الطاقة المتجمعة ستتعادل في الحال بفعل الاحتكاك ومقاومة الهواء.
لكن الموقف يختلف تمامًا بالنسبة لسفينة الفضاء؛ إذ إن محركاتها ستزودها في دقائق معدودة بسرعة ضخمة، كما أن الصاروخ سيتكفل بدفعها الجزء الباقي لتكملة رحلتها بدافع كمية حركته الذاتية. ويساعد على ذلك أن الفضاء لا يكون به احتكاك أو مقاومة للهواء حتى يعوقها.
وإذا تمكن الصاروخ من بلوغ السرعة اللازمة لمواصلة رحلته في الحال، فيمكن حينئذٍ توفير قدر ضخم من الوقود. وسيتمكَّن الصاروخ من مواصلة السير في طريقه بقوة دفع كمية حركته الذاتية. إلا أن هذه العملية تُعتبر من الأمور المستحيلة من الناحية التطبيقية؛ وذلك لأن الصاروخ لا يكتسب سرعته إلا بالتدريج مع احتراق الوقود. يضاف إلى هذا أن السرعة المبدئية يجب ألا تكون أكبر مما يمكن أن يتحمله الجهاز العضوي الإنساني.
غالبًا ما نرى على أغلفة الكتب، التي تعالج مسألة السفر بين الكواكب، صورة لسفينة الفضاء، وهي تطير في خطٍّ مستقيم بين الأرض والقمر، وتبين الصورة السفينة وكأنها قطعت نصف المسافة، أو قد تصورها وكأنها اقتربت من هدفها وما زالت محركاتها تدور. هذا المفهوم خاطئ من أساسه؛ إذ إن مسار سفينة الفضاء لن يكون عبارة عن خط مستقيم على الإطلاق، كما أن محركاتها لا بد وأن تتوقف بعد رحيلها ببضع دقائق، أي بعد أن تترك الأرض بمسافة قصيرة، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لسفينة الفضاء أن تقتصد قدرًا كافيًا من الوقود؛ كي تعتمد عليه في العودة من رحلتها.

وسوف يتوقف نجاح الطيران إلى حدٍّ كبير على اختيار المسار الصحيح، ويلاحظ أن المسارات التي تحتاج إلى استنفاد أقل قدر ممكن من الوقود معقدة جدًّا؛ إذ لا بد أن يغير الصاروخ اتجاهه وعجلته على الدوام، ولو اخترنا مسارًا مبسطًا (ليكن مسارًا رأسيًّا مثلًا)، فإن الوقود المستهلك سيتضاعف قدره عدة مرات.
ومن الأمور المهمة للغاية، لضمان نجاح الرحلة، توقيت الرحيل. وسبب ذلك أن الأرض، أو الجرم السماوي الذي ستسافر إليه سفينة الفضاء، ليسا في حالة توقف وسط الفضاء.
الطيران
حينما تتوقف المحركات عن الدوران ستتكفل سفينة الفضاء بقطع المسافة الباقية بين الكوكبَين (وهي تعادل أكثر من ٩٩٪ من المسافة الكلية)، فالصواريخ التي تنطلق من الأرض إلى الأجرام السماوية المجاورة، ستستفيد من حركاتها لقطع المسافة الأولى من رحلتها، وهي نحو ٢٠٠٠ كيلومتر أو ما يقرب من ذلك، هذا بينما تقدر المسافة بين الأرض والقمر بمئات الآلاف من الكيلومترات، كما أن المسافة بين الأرض والكواكب تقدر بملايين الكيلومترات.
إن الشيء الوحيد الذي يتحرك في خط مستقيم على الأرض هو القطار فقط، أما بالنسبة لوسائل المواصلات الأخرى، فإنها تنحرف دومًا عن الخط الهندسي لطريقها. ويرجع ذلك، إما إلى عيوب في الطريق، أو لتأثير الهواء، أو تيارات مائية، كما قد يرجع إلى أن المحركات في حركتها لا تسير على معدل واحد، أو لأسباب أخرى.
الأمر على العكس من ذلك بالنسبة للأشياء التي تتحرَّك في الفضاء؛ إذ إن سفينة الفضاء لن تتأثر طوال مسافة سيرها، إلا بجاذبية الشمس فقط، كما أنها ستسير على خط محدد تمامًا، وكأنها تسير على طريق غير مرئي من طرق السكك الحديدية.
قد يبدو أن سفينة الفضاء، إذا ما انحرفت انحرافًا بسيطًا عن مسارها المحدد لها، فلن يكون ذلك مصدر خطر كبيرًا، ما دام لديها متسع من المكان لتجنب الاصطدام بسفن الفضاء الأخرى، ولكن الأمر على العكس من ذلك، فالملاحة في الفضاء لا بد أن تتم بدقة كبيرة، كما لا بد وأن تتوفر اليقظة والحذر أكثر مما هي الحال بالنسبة للملاحة في البحر أو الجو؛ إذ إن أقل انحراف في السرعة أو اتجاه سفينة الفضاء قد تنجم عنه نتائج خطيرة، كما يتضح لنا من الأمثلة التالية:
لنفترض أن سفينة الفضاء متجهة إلى القمر، وانطلقت من الأرض بأقل سرعة لها، فإن هذه السفينة ستتوقف عن السير قبل الوصول إلى هدفها بأربعة آلاف كيلومتر، وذلك إذا ما نقصت سرعتها بما يساوي مترًا واحدًا في الثانية. وبهذا يمكننا أن نتصور مدى الصعوبة التي سيواجهها الملاح لتسيير سفينة فضاء، إذا كانت عجلتها نحو ٤ أو ٥ أمتارٍ في كل ١ من ١٠ من الثانية.
وسوف يزداد الموقف خطورةً بصدد السفر إلى الكواكب؛ إذ لو نقصت سرعة سفينة الفضاء بما يساوي مترًا واحدًا في الثانية، فإن هذا معناه نقص مدى الصاروخ بما يقدر بعشرات، إن لم يكن مئات الآلاف من الكيلومترات.
ولنفترض أننا بسبيل الرحيل من الأرض إلى المشتري، في مسار يقتضي أن تكون أقل سرعة للانطلاق هي ١٤٢٢٦ مترًا في الثانية. لو فرض أن هذه السرعة نقصت بمقدار متر واحد في الثانية، فمعنى هذا أن سفينة الفضاء ستقف بعيدًا عن هدفها بمقدار ٤٠٠٠٠٠ كيلومتر، وإذا انحرفت السفينة بمقدار ٠٫١ في المائة عن هدفها، فمعنى هذا أنها انحرفت بما يزيد على خمسة ملايين كيلومتر.
وقد يبتعد الصاروخ عن هدفه بمقدار مليون كيلومتر، إذا ما انحرف عن زاوية انطلاقه بما يعادل ٠٫١ درجة.
لذلك يجب على الملاحين أن يكونوا يقظين دائمًا، حتى يتجنبوا الوقوع في مثل هذه الأخطاء، كما يجب عليهم أن يعدلوا مسار الصاروخ عن طريق إدارة أو وقف المحرك الموجه ذي القوة الضعيفة.
وكيف يتسنَّى للمسافرين عبر الفضاء أن يقدِّروا المسافة التي قطعوها؟
إذا كانت الرحلة إلى القمر، فيمكن تقدير المسافة عن طريق التحقُّق من زاوية رؤية القمر أو الشمس؛ إذ كلما قلَّت الزاوية، زادت المسافة. ويمكن تقدير البعد عن الشمس حسب تغير درجة الحرارة؛ إذ تستطيع العدادات الحرارية الكهربائية الحديثة أن تسجل ذبذبات حرارية بمعدل ۰٫۰۰۰۰۰۱ درجة سنتيجراد. وتساعد هذه الآلات على تقدير البعد عن الشمس في حدود كيلومترَين أو ثلاثة.
الحياة داخل سفينة الفضاء
منذ أكثر من مائة عام مضَت، دخلت إحدى المجلات الإنجليزية في جدال عنيف مع المخترع الإنجليزي المشهور جورج ستيفنسون. زعمت هذه المجلة بأنه ليس ثمة شيء أكثر بطلانًا من الادعاء بأن في الإمكان بناء قاطرة تسير بسرعة تقدر بضعف سرعة عربة البريد؛ واستمرَّت المجلة تقول: ومن الغباء الاعتقاد بأن سكان وولويتش سيأمنون على حياتهم ويثقون في هذه الآلة؛ إذ إن هذا معناه أنهم سيلقون بأنفسهم للاحتراق داخل صاروخ.
ومن الطريف أن ستيفنسون أطلق على أول قاطرة اسم «صاروخ»، ولقد تحرك «الصاروخ» في السباق الذي تم بعد ذلك بسرعة تعادل أضعاف سرعة عربة البريد، ووصل ركابه إلى هدفهم في أمن وسلام.
ولا شك في أن ستيفنسون نفسه كان سيدهش، إذا ما نما إلى علمه أن الإنسان سيتمكن من السفر داخل صاروخ حقيقي يسير بسرعة كونية، ويتم رحلته في أمن وسلام، وأن ذلك سيتحقَّق بعد أن تتهيَّأ بعض الشروط الضرورية.
ويلاحظ أن كلًّا من الإنسان وسفينة الفضاء سيتأثَّران بحالات من الجذب، نتيجة تزايد السرعة، عند انطلاق الصاروخ.
لهذا فإن مدى تحمل الجهاز العضوي للإنسان هو الذي سيحدد شدة الجذب التي يمكن أن نتجاوز عنها، كما أنه سيحدد بالتالي المدى الذي تزيد السرعة وفقًا له. ويمكن بلوغ السرعات الكونية بعد بضع دقائق، إذا ما زادت عجلة التثاقل إلى أربعة أو خمسة أمثالها.
وتفيدنا الخبرة العملية أن الإنسان قادر على تحمل حالات من الجذب والضغط الكبيرة. ويتبين لنا ذلك مثلًا إذا ما ركب الإنسان عربة تتحرك بسرعة هائلة ثم تقف فجأة، أو حينما يغطس تحت الماء من فوق ارتفاع معين. كما أن الطيار يواجه حالات من الضغط الشديد، إذا ما أُطلقت مركبته الهوائية من فوق قاعدة لإطلاق القذائف والصواريخ، أو حينما يقوم ببعض الألعاب البهلوانية في الهواء.
ولقد أُجريت تجارب خاصة، بهدف زيادة معلوماتنا في هذا الصدد. وهاك مثالًا من تلك التجارب: وُضع رجل لمدة ست دقائق داخل مركب يسير في حركة دورانية. وكان هذا المركب دائري الشكل، ونصف قطره خمسة أمتار، كما كان يتحرك بسرعة تساوي ١٤ مترًا في الثانية، ورُوعِي أن تكون الظروف الملابسة للتجربة مماثلةً لتلك التي سيواجهها الإنسان أثناء السفر بين الكواكب. ولقد نجحت التجربة، ولم يترتَّب عليها أي أذًى للإنسان.
وتبيَّن أن قدرة الجهاز العضوي على التحمل تتوقَّف، إلى حدٍّ كبير، على وضع الجسم أثناء الطيران بسرعة متزايدة. وأثبتت التجارب أن الإنسان في الوضع الانبطاحي أقدر على تحمُّل حالات الضغط الشديد، مما لو كان متخذًا وضع الوقوف أو الجلوس.
ولقد جُهزت الصواريخ الآن بوسائد خاصة تتعدل بنفسها، حسب هيئة الجسم حينما تعتريه حالة من الضغط المفرط. والهدف المقصود من ذلك هو زيادة مقاومة الكائن العضوي.
ويجب أن نضع في اعتبارنا التدريب البدني؛ فقد ثبت أن مَن تدرَّبوا تدريبًا بدنيًّا جيدًا يتحمَّلون ضغطًا يزيد على وزنهم بمقدار خمس عشرة مرة، وأنهم يستمرون في ذلك لمدة دقيقتَين أو ثلاث دقائق. وتبين، حسب وجهة نظر علم وظائف الأعضاء، أن هذه القدرة من التحمل، لا تكفي فقط للسير عبر الفضاء الموجود بين الكواكب، بل إلى ما هو أبعد من ذلك.
ومن الطبيعي جدًّا أن الناس الذين يسافرون في صاروخ يتحرك عبر الفضاء، بقوة دفع كمية حركته الذاتية، لن يشعروا بأن لهم ثقلًا بالمرة؛ إذ إن الإحساس بالثقل ناجم عن الضغط الذي يقع على جسم الإنسان، من حامل يحمله (مثل ضغط الأرض، أو السرير أو الكرسي … إلخ). كما أنه نتيجة للضغط المتبادل بين أجزاء الجسم وبعضها بعضًا، ولو فرض أننا انتزعنا هذا الحامل الذي يركن إليه الإنسان، فإن الإحساس بالثقل سينتهي أيضًا.
لنفترض، مثلًا أننا بداخل مصعد صُمِّم بطريقة خاصة. وأن هذا المصعد يهبط بنا الآن دون أن يعوقه أي شيء. حينئذٍ ستهبط كل الأشياء الموجودة بداخل المصعد، بنفس السرعة؛ ولهذا فلن يكون لأحدنا أي ضغط على الآخر. ولو افترضنا أن شيئًا ما، في يدك، ثم تركته يسقط، فإنه لن يسقط على أرضية المصعد. والسبب في ذلك، هو أن هذا الشيء قد فقد ثقله، تمامًا كما فقدت كل الأشياء الأخرى الموجودة داخل المصعد ثقلها بما فيها أنت نفسك.
وهاك مثالًا آخر. إذا وضعنا ثلاثة قوالب من الطوب فوق بعضها؛ فإن القالب الأول سيكون له ضغط معين على القالب الموضوع في الوسط، بينما سيكون ضغط القالب الثاني على القالب الثالث ضعف ضغط القالب الأول. ولو تصوَّرنا أننا ألقينا بهذه القوالب الثلاثة، وهي في نفس الوضع، من النافذة، فإنها لن تضغط على بعضها؛ إذ لن يكون أيٌّ منها حاملًا للآخر.
ونحن على سبيل المثال نشعر بفقدان الثقل على الأرض، حينما نترك الحامل الذي يمسكنا ونغطس في الماء، أو حينما نهبط من الطائرة وننزل على مهل. وإذا قفزت من على ارتفاع وأنت تحمل في جيبك شيئًا له ثقل، فإنك لن تشعر بهذا الثقل إذا كنت تهبط في مجال ليست فيه مقاومة. ويلاحظ أن الشخص الذي ينزلق على الجليد من فوق جبل مثلًا، يشعر بفقدان جزئي للثقل، وهذه هي الحال بالنسبة للشخص الذي يترنح، وخاصة بعد أن يصل إلى أعلى جزء. ومن المعروف كذلك أن الهابطين بالمظلات، والأشخاص الذين يقومون بالألعاب البهلوانية، يحسون بفقدان الثقل، دون أن يفقدوا توازنهم، أو تنظيم حركاتهم.
ويقصد بلفظة «ثقل» بوجه عام في علم الأسفار عبر الفضاء، القوة التي تحفظ الناس والأجهزة فوق أرضية سفينة الفضاء. وإذا حدث أن انعدمت هذه القوة، فلن يكون هناك أي ضغط متبادل بين الناس والأشياء وبين بعضها بعضًا، وستصبح غير ذات ثقل.
ويقول بعض أولي الشأن بأن ثقل الإنسان، أو الشيء فوق سطح الصاروخ يبدو وكأنه ينخفض ويزداد أثناء الطيران. إلا أننا على أية حال لا نقرُّ هذا الرأي، ما دام الفارق الفعلي في الثقل يمكن تسجيله بواسطة آلات خاصة بذلك.
ما زال أمامنا كثيرٌ من الجهود الشاقة المضنية، التي يجب علينا أن نبذلها لحل مسألة تموين المسافرين عبر الفضاء بكميات كافية من الأكسجين والماء والطعام، وذلك في أولى رحلاتهم إلى المريخ والزهرة؛ إذ إن هذه الرحلة ستستغرق أكثر من عامَين. وما زلنا كذلك في حاجة إلى القيام بدراسة تفصيلية أكثر مما هو الآن لحل مشكلة تنقية الماء والهواء على ظهر سفينة الفضاء، لكن أهم شيء الآن هو أن حل هذه المشكلة كلها أصبح من الأمور الممكنة عمليًّا.

مخاطر الطيران عبر الفضاء
تتعرض الأرض دائمًا إلى الاصطدام بالشهب؛ إذ يقع في خلال العام الواحد عدة مئات من الشهب على سطح كوكبنا. وهذه الشهب عبارة عن أجسام معدنية أو حجرية، ذات أحجام مختلفة، ويبلغ قُطر بعض هذه الشهب عدة أمتار، قبل دخولها نطاق الغلاف الغازي المحيط بالأرض. ومع أن هذه الجزيئات النيزكية بعيدة بُعدًا شاهقًا، فإن معدل سرعة سقوطها على الأرض ما بين عشرة ومائة ألف جزءٍ من الثانية. ويبلغ الوزن الكلي لمجموع الأجسام النيزكية التي تصل إلى سطح الأرض في اليوم الواحد من عشرة إلى عشرين طنًّا. وتصل سرعتها خارج الغلاف الغازي المحيط بالأرض بين عشرة وسبعين كيلومترًا في الثانية.
وتزداد درجة حرارة النيازك داخل الغلاف الغازي، ويرجع ذلك لاحتكاكها بالهواء، وتتوهج في بعض الأحيان مثل الشمس، إن لم يكن أكثر. وقد يحدث نتيجة اصطدام أحد النيازك بسطح الأرض أن تتكوَّن فجوة يبلغ قطرها عدة كيلومترات. ومن المحتمل جدًّا أن تتحطَّم سفينة الفضاء إذا ما اصطدم بها نيزك كبير الحجم. ومن الخطورة بمكان أن يحدث أي ثقب، ولو كان صغيرًا جدًّا، في هيكل السفينة الخارجي؛ إذ سيتسرَّب الهواء منها في سرعة كبيرة تعادل سرعة الصوت. ولقد أثبتت التجارب مع ذلك أن الإنسان سيظلُّ محتفظًا بوعيه لمدة تقرب من خمس عشرة ثانية، بعد الاصطدام بالجسم الخارجي، وهي مدة كافية لكي يتمكَّن الإنسان من ارتداء قناع الأكسجين المثبت ببدلة الفضاء.
ومن الممكن جدًّا أن تحطم الشهب المجهرية هيكل السفينة، إذا ما ظلت ترتطم بها مدة تكفي لكي تؤثر فيها. ويمثل هذا النوع من الشهب خطرًا أساسيًّا على الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض لمدة طويلة من الزمن. كما يقول المثل القديم: «قطرات الماء تبلي الحجر مع مرور الزمن.»
ولقد أُجريت تجربة في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٥٣م، كانت هذه التجربة على ارتفاع ما بين ٤٠ و١٤٠ كيلومترًا. وحدثت في أثنائها ٦٦ صدمة في فترة مدتها ١٤٤ ثانية، أي بمعدل ٤٫٩ صدمات في الثانية في مساحة قدرها متر مربع. وقد أُجريت تجارب أخرى على ألواح معدنية مصقولة؛ إذ عُرضت هذه الألواح على ارتفاع عالٍ جدًّا، ثم اختبرت بالمجهر بعد إعادتها، فتبين أنه قد تكونت بها سنون دقيقة جدًّا، وهي آثار صدمات شهب مجهرية.
ولم يتمكن العلماء بعد من معرفة الطرق الفاعلة التي يمكن بها حماية سفينة الفضاء من تهديد الشهب. ولكنهم على أية حال أحرزوا بعض التقدم في هذا المجال. ونحن نعرف مثلًا أن الشهب ليست موزعة توزيعًا متعادلًا في المكان والزمان. ولقد قام العلماء بدراسة شظايا النيازك ووقت سقوطها. وهناك بحث مفصل عن مدارات أسراب الشهب المختلفة، والمعلومات التي تحصل عليها ستعين المسافرين عبر الفضاء على اختيار المسار الصحيح؛ لكي يبدءوا رحلتهم في اللحظة المناسبة، كما أنهم سيتمكنون من الوصول إلى القمر في فترة «الهدوء النيزكي»، ثم يعودون إلى وطنهم دون أن يخاطروا بأنفسهم ويتعرضوا للاصطدام بشهب كبيرة الحجم، أثناء رحلتهم. وسوف تُجهز سفينة الفضاء بلوحة معدنية خارجية، تكفي لحمايتها من الغبار النيزكي، هذا، بينما سيحميها الغلاف الداخلي من الشهب الصغيرة.
وحينما تجاوز سفينة الفضاء مدار المريخ، فإنها ستواجه حينئذٍ خطرًا آخر، ألا وهو خطر الاصطدام بأحد الكواكب الصغرى، أو الكُوَيكبات؛ إذ تدور هذه الكويكبات بين مدار المريخ والمشتري. ولقد حدد علماء الفلك الطرق التي يسير فيها ما يقرب من ١٦٠٠ كوكب من هذه الكواكب، كما تمكنوا من رسمها.
وتُقدر الكتلة الكلية للكواكب الصغرى، بما يقرب من كتلة المادة النيزكية بأكملها الموجودة ضمن المجموعة الشمسية (وهي نحو واحد على ألف من كتلة الأرض) وواضح تمامًا أن أي اصطدام بأيٍّ من هذه الأجرام، معناه نهاية سفينة الفضاء. ويبلغ قطر أصغر هذه الأجرام نحو كيلومتر.
ولكي نتجنَّب الاصطدام بهذه الشهب والكُوَيكبات، تُجهز السفينة بجهاز رادار، ويُستخدم هذا الجهاز لإعطاء تحذير في الوقت المناسب وتحويل الصاروخ تلقائيًّا عن طريقه. إلا أن هذه مشكلة صعبة. ويرجع ذلك إلى السرعة الهائلة التي تتحرك بها الأجسام النيزكية في الفضاء.
وتعبر الفراغ الموجود بين الكواكب، الأشعة البنفسجية التي تصدر عن الشمس، والأشعة المسماة بالأشعة الكونية. أما عن الأشعة فوق البنفسجية، فيمكن الحيلولة دون نفاذها بواسطة اللوح المعدني المركب حول سفينة الفضاء. أما الأشعة الكونية فإنها ستنفذ لا محالة، من خلال هذا اللوح في غاية السهولة؛ إذ إنها أقدر أنواع الأشعة على النفاذ في الأجسام. وما زلنا في حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة طرق الوقاية الكافية.
وأجرى العالم السويسري إيوجستر الاختبار التالي للتأكد من تأثير الأشعة الكونية على الجسم الإنساني؛ فقد وضع قطعة صغيرة من الجلد الإنساني المحفوظ داخل صاروخ بعيد المدى، ورفعها إلى طبقات الجو العليا وعرضها للأشعة الكونية على هذا الارتفاع الشاهق، وبعد أن عاد الصاروخ لحم العالم قطعة الجلد بجسم إنسان ونجحت العملية. وبهذا ثبت من البحث الذي استخدم فيه الصاروخ البعيد المدى، أن التعرُّض للأشعة فوق البنفسجية، والأشعة الكونية لمدة قصيرة من الزمن، لن ينجم عنه أي أذًى. ولا يتوقف هذا الأمر على الحيوانات الدنيا فقط، بل يصدق كذلك على القرود، لكن التجارب التي ذكرت هنا لا يمكن اعتبارها تجارب قطعية.
وسوف تتعرض كذلك حياة المسافرين في صاروخ ذري لخطر الإشعاع الذري الذي يشعُّ من الوقود النووي؛ إذ إن النشاط الإشعاعي قد يمتد ويصل إلى بعض أجزاء سفينة الفضاء، وهذا من شأنه أن يعرض الركاب للأذى؛ ولذلك فلا بد من إعداد دروع خاصة لوقاية الركاب من خطر النشاط الإشعاعي.
الهبوط
كيف تتم عملية هبوط سفينة الفضاء العائدة؟
لو عالجنا المشكلة نظريًّا، سنقول باستخدام محرك صاروخي لتحقيق هذا الغرض، ولكي تدور السفينة لتتجه نحو الأرض، ستضطر إلى خفض سرعة الصاروخ، وذلك باستخدام الغازات العادمة التي تدفع الصاروخ في الاتجاه المضاد. إلا أن هذه العملية تستلزم قدرًا هائلًا من الوقود، وليس هناك الصاروخ الذي يسع هذا القدر من الوقود.
وهناك طريقة أخرى لتهدئة سرعة سفينة الفضاء، وذلك عن طريق الاستفادة بمقاومة الهواء. ومع ذلك فإن الحرارة الناتجة عن الاحتكاك ستجعل من المستحيل علينا استخدام المظلات لأنها ستحترق في الحال. ويصدق هذا الكلام أيضًا على سفينة الفضاء التي تُطلق من فوق كوكب صناعي. ولن يلائم هذا كله عملية الهبوط على الأرض؛ لأن السفينة بناء ضخم جدرانه رقيقة وخالية من الخطوط الانسيابية التي تُحفر على الهيكل الخارجي. ويكفي أن تصل إلى الغلاف الغازي حتى تبيض من شدة الحرارة. وحينما تقترب السفينة من طبقات الجو العليا، سيتخذ البحارة حينئذٍ أماكنهم في سهم فضائي له غلاف خارجي مخطط بخطوط انسيابية. وسوف تتحول سفينة الفضاء في هذا المكان السحيق الذي توجد به، إما إلى قمر صناعي تابع للأرض وذلك إذا كانت لا تزال بها بقية من الوقود يكفيها لتتخذ لنفسها مدارًا دائريًّا، وإما أن تحترق داخل الغلاف الغازي.
سيدخل السهم الفضائي طبقات الجو العليا، وهو يتحرَّك بسرعة تزيد على أحد عشر كيلومترًا في الثانية، لكنه سيظهر ثانية في الفضاء بعد أن يلاقي قدرًا معينًا من الممانعة بسبب مقاومة الهواء. وبعد سلسلة من المناورات بهذه الطريقة يكون السهم الفضائي قد استنفد أغلب سرعته الزائدة على الحاجة، ويتجنب بذلك السخونة الشديدة أثناء نزوله.
ونظرًا لانخفاض سرعة السهم الفضائي المنزلق، فإن سطح أجنحته «الأصلية» سيصبح غير كافٍ ليساعده على الانزلاق، وفي هذه المرحلة الحرجة ستبدأ الأجنحة المنكمشة في القيام بدورها، وبعد أن تتعادل بعد انقضاء بضع ساعات في الهبوط.
وهذا هو نفس الإجراء الذي سيتبع مع المسافرين العائدين إلى الأرض من محطة فضائية. وفي هذه الحالة سيقذف السهم المنزلق من المحطة بواسطة محرك صاروخي له قوة دفع ضعيفة؛ إذ سيدفعه هذا الصاروخ دفعة بسيطة في الاتجاه المضاد لحركة المحطة، وبعد أن يفقد جزءًا من سرعته السابقة، يبدأ السهم المنزلق في الدخول تدريجيًّا داخل نطاق الغلاف الغازي.