القمر الصناعي
بناء القمر
إن أولى مراحل انتصار الإنسان على الفضاء في الكون هي بناء قمر صناعي للأرض، أي بناء آلة تطير وتدور حول كوكبنا مثل القمر.
بعد أن يستقر الصاروخ ذو المراحل الثلاث أو الأربع في مداره، سيلحق بصاروخ ثانٍ وثالث ورابع، وهكذا، وسوف تضمُّ هذه الصواريخ إلى بعضها بحيث تكون كلًّا واحدًا. كما ستستخدم حجرات وخزانات الوقود، بعد تهيئتها وإعدادها إعدادًا خاصًّا، ستستخدم باعتبارها مساكن ومعامل ومصانع … إلخ.
وستجهز كل هذه الحجرات بالهواء المكيف وأجهزة حبس الهواء؛ كي تحول دون تسرب الهواء إلى الخارج.
وفي الوقت المناسب سترسل كل المعدات اللازمة للمحطة الفضائية. ويمكن استخدام توربينات الغاز، وأجهزة القياس، وآلات تقدير الحرارة وغير ذلك، كما يمكن استخدام الوقود الزائد على الحاجة، والمادة المؤكسدة الموجودة في الصواريخ التي يتكوَّن منها القمر.

لا شكَّ أن اقتراب القمر من الأرض من العوامل التي تسهل الاتصال به، ولكن إذا ما اضطر القمر إلى السير داخل الطبقات الكثيفة للغلاف الغازي المحيط بالأرض، فإن الهواء سيعرقل حركته ويقلل من سرعته؛ وبالتالي سيسقط على الأرض؛ ولهذا يجب أن يوضع بعيدًا عن الطبقات الكثيفة للغلاف الجوي.
ليس من الميسور تحديد الحد الأقصى الذي ينتهي عنده غلاف الأرض الجوي؛ فهو يمتد إلى أعلى مع انخفاض نسبة كثافته كلما ارتفع؛ فكثافة الهواء مثلًا عند قمة أنجلس (٦٫٨ كيلومترات) تقرب من نصف كثافة الهواء الموجود في مستوى سطح البحر. وتصل هذه الكثافة إلى الثلث على ارتفاع عشرة كيلومترات، وهي العُشر فقط على ارتفاع ۱۸ كيلومترًا، ويلاحظ أن الشهب لا تحترق في المستويات التي هي أبعد من ١٥٠ كيلومترًا، على الرغم من أن سرعتها قد تبلغ عشرة أمثال سرعة القمر الجديد. ويندر وجود الهواء بعد ارتفاع ۲۰۰ كيلومتر، حتى يصح لنا القول بأنه غير موجود؛ ولذلك فمن المفضل أن تكون محطة القمر الصناعي على هذا الارتفاع.
والقمر الصناعي لا يختلف عن أي جسم ساقط؛ إذ يمكنه أن يتحرك في مستوًى يمر خلال مركز الأرض، أي عبر خط الزوال مثلًا. ويخضع القمر الصناعي لنفس قوانين الطبيعة تمامًا مثل الأجرام السماوية الأخرى. ومن هنا فإن سرعته ومدة دورانه حول الأرض تتوقفان على ارتفاعه.
ولو حدث أن انخفضت سرعة القمر الصناعي، ولو شيئًا بسيطًا، فإنه سيترك مداره ويسقط على الأرض في مسار على شكل قوس ممتد.
الاستفادة من القمر الصناعي
إن علم الأرصاد الحديث لم يجمع بعدُ معلومات كافية تساعده على التأكد من القوانين الطبيعية التي تخضع لها العمليات الجوية؛ وذلك لأننا الآن لا يمكننا أن نرصد طبقات الجو العليا إلا على فترات قصيرة؛ ولهذا فإن الأقمار الصناعية ستساعدنا جدًّا في هذا المجال؛ وذلك لأنها ستمكننا من عملية الرصد المستمرة.
ولقد بلغت فكرة تصميم القمر الصناعي التابع للأرض مرحلة تسمح لنا بأن نطلق القمر في خلال عامَين أو ثلاثة. ويعمل كلٌّ من الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة وبعض البلاد الأخرى من أجل بلوغ هذا الهدف، وأول قمر صناعي سيكون عبارة عن صاروخ صغير في الحجم ليس به آدميون، ولا يزيد قطره على نصف متر. وسوف تنتقل تسجيلاته التي تسجلها الآلات الموجودة به إلى الأرض بواسطة الراديو.
ستأتي بعد ذلك مرحلة المراصد الطائرة التي يوجد بها آدميون، ولكي تسهل عملية مراقبة سطح الأرض، فلا بد وأن تطلق في مسارات تمر فوق القطبَين، وسوف يكمل المرصد الطائر ست عشرة دورة حول الأرض في خلال أربع وعشرين ساعة، كما يقوم بتصوير سطحها كله أثناء النهار.
وسيكون القمر الصناعي مفيدًا جدًّا في دراسة الطبيعة، وتوزيع السحب في الأرجاء الواسعة المحيطة بكوكبنا. كما سيفيدنا كذلك في تحديد الحدود التي ينتهي عندها كلٌّ من الكتل الدافئة والباردة من الهواء، وتحديد اتجاه الزوابع. وسوف تتمكَّن المحطات الطائرة للأرصاد الجوية من أن تسجل بدقَّة مقاييس الحرارة والضغط، وكثافة الهواء … إلخ، في طبقات الجو العليا. كما أن دراسة الإشعاعات الشمسية ستمكننا من تحديد ما يستنفده كوكبنا من طاقة شمسية بصورة دورية. وتساعدنا هذه الدراسة على التنبؤ الصحيح بالطقس، وشروط المراسلة بالراديو.
ولا شك أن القمر الصناعي سيتعرض دائمًا لكمية ضخمة من الطاقة الشمسية، ورأى تسيولكوفسكي أنه من الممكن الاستفادة بهذه الطاقة في تنمية النباتات داخل بيوت زجاجية خارج الكرة الأرضية. ورأى أن سكان الجزيرة السماوية يستطيعون بذلك أن يجدوا حاجتهم من الطعام النباتي.
ومن الواضح أن معامل الأبحاث النووية التي ستقام هناك، ستجد بين يدَيها قدرًا ضخمًا من الأشعَّة الكونية لدراستها.
ومن مميزات القمر الصناعي أنه سيكون مكانًا ممتازًا للإذاعة على الموجة القصيرة، وغيرها من الموجات فوق القصيرة.
واقترح تسيولكوفسكي اقتراحًا لتسهيل عملية السفر بين الكواكب، ومضمون هذا الاقتراح هو تقسيم الفضاء الموجود بين الكواكب إلى مراحل. ويستخدم القمر الصناعي التابع للأرض باعتباره رصيفًا لتغيير الصواريخ.
وإذا تم صنع هذا الرصيف، فإن خروج الصواريخ إلى الفضاء من فوقه سيكون أسهل بلا شك مما لو بدأ من الأرض. ويكفي في هذه الحالة السير بسرعة ٣٫١ إلى ٣٫٦ كيلومترات في الثانية للوصول إلى القمر أو الزهرة أو المريخ؛ وذلك لأن الرصيف نفسه يتحرَّك هو الآخر بسرعة تقرب من ثمانية كيلومترات في الثانية. بينما نجد أن السرعة اللازمة للإفلات من الأرض هي ۱۱٫۲ كيلومترًا في الثانية.
وثمَّة مشاريع عدة بخصوص السفر عبر الفضاء مع التوقف في محطة سماوية بين الكواكب.
ويرى أحد خبراء المشاريع أن الصاروخ ينطلق من الأرض، ويصل إلى محطة الفضاء. وهنا يزود الصاروخ بكل ما يلزمه من وقود وطعام كي يواصل رحلته.
وثمَّة مشروع آخر. ويرى هذا المشروع أن المسافرين عبر الفضاء يقومون بتغيير الصواريخ التي يستقلونها هناك في المحطة الموجودة بين الكواكب. أما الصاروخ الذي سيواصلون به رحلتهم فإنهم يقومون بتركيبه من مجموعة الأجزاء التي يحضرونها معهم من الأرض، بالإضافة إلى بعض المعدات الموجودة في الصاروخ الأول.
وستعود علينا محطة الفضاء بالفائدة في نواحٍ أخرى كثيرة؛ إذ سيتمكن المسافرون عبر الفضاء من القيام بتجارب معينة عن طريق الطيران في الفضاء، لكشف الظروف التي ستتم فيها رحلات الفضاء في المستقبل. وثمَّة أبحاث تفصيلية شاملة سيقوم بها العلماء لمعرفة أثر فقدان الثقل على الإنسان، وخاصة إذا استمرت هذه الحالة مدة طويلة. كما سيدرسون أثر الجاذبية الصناعية على الإنسان وهكذا. وسوف يكون من المستطاع القيام بأبحاث فوق ظهر جزيرة الفضاء؛ لإعداد الوسائل اللازمة للوقاية من تهديد الشهب. أما من سيكتب لهم بأن يكونوا ضمن المسافرين عبر الفضاء فإنهم سيستخدمون محطة الفضاء باعتبارها قاعدة لإتقان الفن العملي لتوجيه الصاروخ في الفضاء.
وسوف يتمكن العلماء من الحصول على أغلب المعلومات التي هم في حاجة إليها؛ كي يتمكنوا من تنفيذ أفضل الطرق لتصميم سفينة الفضاء والسهم الهابط.
وترى بعض الأوساط العلمية، أنه من المحتمل أن يحل القمر في المستقبل محلَّ محطة الفضاء. إلا أن هذه الفكرة غير صحيحة لأن القمر بعيد جدًّا عن كوكبنا. ويُضاف إلى هذا أن كتلة القمر وبالتالي جاذبيته كبيرة جدًّا؛ ومن ثم فإن هذا من شأنه أن يكلفنا كثيرًا جدًّا من الوقود، حتى تتمكن سفينة الفضاء من أن ترسو على سطحه ثم تنطلق منه مرة أخرى.
ولكن من يدري، فقد يكون للأرض قمر آخر أصغر حجمًا من القمر الطبيعي، أو عدد من التوابع الطبيعية الصغيرة التي لم تُكتشف بعد؟ وبهذا سيكون من السهل جدًّا بناء مرصد طائر أو محطة فضاء فوق هذه الأقمار.
ومع ذلك، فلو فُرض أن مثل هذه التوابع موجودة بالفعل، فإنها صغيرة الحجم للغاية، ومن الصعب جدًّا تحديد موقعها. ويكاد يكون من المستحيل تحديد مسار كوكب دقيق بواسطة التلسكوب، على الرغم من أنه يدور حول الأرض على مسافة قصيرة؛ وذلك لأنه يتحرك بسرعة هائلة؛ ولهذا فإن فكرة بناء محطة فضاء فوق أحد التوابع الطبيعية التابعة للأرض تكاد تكون في عداد المستحيلات.