الفصل الخامس

رحلات الفضاء

رحلة إلى القمر

لا شك أن القمر سيكون أول هدف يقصده الإنسان في سلسلة رحلاته عبر الفضاء. ويبعد القمر عن الأرض بنحو ٣٨٤٠٠٠ كيلومتر، أي ٠٫٠١ من المسافة التي تفصل بين الزهرة والأرض، حينما تكون الزهرة في أقرب نقطة لها من الأرض. وتُعتبر هذه المسافة قصيرة إلى حدٍّ كبير، حتى ولو كانت بالنسبة للمسافات الأرضية؛ إذ إن هناك الكثير من ركاب السكك الحديدية. والبحارة الذين قطعوا نفس المسافة، وهناك كثير من الطيارين الذين قطعوا بطائراتهم مسافات تعادل هذا البعد مرتَين.

والإنسان قادر على تسلق أعلى الجبال، ولكن هل ستكون لديه القوة الكافية التي تساعده على الصعود إلى القمر، لو افترضنا وجود سُلَّم يصل بين الأرض والقمر؟

لقد أثبتت التجارب العديدة أن الإنسان لكي يرتقي ارتفاعًا قدره ١٥٥٠ مترًا، فإنه يحتاج إلى جهد يساوي الجهد الذي يبذله في يوم كامل. وحسب هذا التقدير، فإن الإنسان يحتاج إلى ٦٨٠ عامًا كي يصل إلى القمر. إلا أن هذا التقدير يكون صحيحًا في حالة واحدة فقط؛ وهي أن الرحلة ستتم في نفس الظروف وبنفس السرعة التي كانت عليها في اليوم الأول. ومع ذلك فإنه فرض خاطئ؛ إذ إن جاذبية الأرض تقلُّ كلما زادت المسافة التي تسلقها المسافر، وهذه الظاهرة من شأنها أن تساعده على زيادة سرعته باستمرار، وإتمام رحلته خلال أحد عشر عامًا.

ولكن كيف يكون الحال إذا استخدمنا الصاروخ؟ وكم المدة التي سيستغرقها الصاروخ حتى يصل إلى القمر؟ يمكن للصاروخ أن يصل إلى القمر في مدة ٥١ ساعة، وذلك إذا ما تخلص من الأرض بسرعة قدرها ١١٫٢ كيلومترًا في الثانية.

ولن يتمكَّن الإنسان من توجيه الكواكب الأولى فقط توجيهًا لاسلكيًّا، بل سيوجه كذلك الصواريخ القمرية الأولى، وسيتمكن العلماء من تتبُّع خط طيران هذه الكواكب والصواريخ، عن طريق الإشارات اللاسلكية التي ترسلها.

وسيحمل الصاروخ مسحوقًا متوهجًا، وحينما يرى العلماء وهجًا دلالةً على اشتعال هذا المسحوق، فهذا معناه أن الصاروخ قد سقط على سطح القمر، في نفس اللحظة التي حدث فيها التوهج. وإذا سقط الصاروخ على الجزء المعتم من وجه القمر، فإن هذا سيساعد بالتأكيد على رؤية اشتعال المسحوق المتوهج بوضوح أكثر. ومن الممكن، بالإضافة إلى ذلك، أن يتطاير مسحوق أبيض، ويشغل مساحة واسعة نتيجة سقوط الصاروخ على القمر، وهذا المسحوق يمكن رؤيته من فوق سطح الأرض.

وفي مرحلة ثالثة سيتمكَّن العلماء من إطلاق صواريخ أقوى من هذه الصواريخ، من فوق إحدى محطات الفضاء، ومن المحتمل أن تتحول هذه الصواريخ إلى كواكب صناعية تابعة للقمر، وتدور حوله مدة طويلة من الزمن دون حاجة إلى وقود، ولا شك في أن هذا النوع من الصواريخ سيساعد على دراسة القمر؛ نظرًا لما يمتاز به من ميزات اقتصادية.

وتبيِّن لنا بعض العمليات الحسابية أن صاروخًا زنته عشرة أطنان، وسرعة العادم ٤ كيلومترات في الثانية، لا يحتاج إلى أكثر من اثني عشر طنًّا من الوقود، حتى يتمكن من الدوران حول القمر، وذلك إذا ما انطلق من فوق قمر صناعي تابع للأرض. أما إذا انطلق من فوق الأرض، فإنه سيحتاج إلى ١٥٠ طنًّا من الوقود. وإذا ما كانت سرعة العادم ٢٫٥ كيلومتر في الثانية، فإن تقديراتنا تتغير وتصبح في الحالة الأولى ٢٥ طنًّا من الوقود، و٨٤٠ طنًّا في الحالة الثانية. ونحن نسوق هذا القول على افتراض أن سفينة الفضاء هنا ستنطلق بأقصى سرعتها منذ اللحظة الأولى، ودون استنفاد وقود إضافي للتغلب على مقاومة الهواء.

ونظرًا لأننا لا نرى، ونحن على الأرض، إلا أحد نصفَي القمر، فإن العلم يهتم جدًّا بالفائدة المنتظرة من بحث النصف الثاني. وقد يتم الطيران فوق ذلك النصف في وقت يكون سطحه كلُّه مضاءً بأشعة الشمس، أي تتم مع قمر جديد.

ويمكننا أن نفترض بأن نصف القمر الذي لا نراه من على سطح الأرض لا يختلف أساسًا عن النصف الآخر، ومن المحتمل كذلك أن يكون — مثله — جافًّا تمامًا وليس به ماء، وخاليًا بالتالي من أي نوع من الهواء. وللمسافرين أن يتوقعوا رؤية أشياء كثيرة؛ فقد يرون أماكن سوداء كبيرة حيث توجد وديان، وهي التي تسمَّى ﺑ «البحار». كما سيرون سفوح جبال تقطعها شقوق عميقة، وجبالًا قممها مضيئة ومظلمة تمامًا عند أسفلها. وينتظر أن يروا نتوءات دائرية مسننة، ومنحدرات زلقة من الداخل، ولكنها تنحدر بالتدريج نحو حافتها الخارجية (المدرجات الجبلية)، وسلاسل من فوهات البراكين، وقطعًا من الرماد البركاني ذات لون أبيض كالثلج تبهر الأبصار (الأشعة المضيئة).

ولنتخيل أن سفينة للفضاء بُنيت حسب التصميم الموضَّح في الشكل رقم ٣-١، ولنفترض أنها انطلقت من محطة فضاء بهدف القيام ببحث عن القمر (صورة ١، شكل ٣-١).

ويلاحظ أن سرعة سفينة الفضاء ستتغيَّر أثناء طيرانها بقوة دفع كمية حركتها الذاتية، وعلى الرغم من أن الصاروخ انطلق بسرعة كبيرة، فإنه سيفقد سرعته تمامًا، كما يحدث بالنسبة لقطعة من الحجر يقذفها الإنسان إلى أعلى. ويصل الصاروخ بعد خمسة أيام إلى نقطة يقع فيها تحت تأثير مجال جاذبية القمر، وحالما يحدث ذلك تبدأ سرعته في الازدياد، حتى تصل إلى ٢٫٥ كيلومتر في الثانية، وهو على بعد عشرات الكيلومترات عن سطح القمر.

وإذا كان لا بد أن تتحوَّل سفينة الفضاء إلى كوكب صناعي تابع للقمر، حينما تكون على بعد عشرة كيلومترات من سطحه، فلا بد إذن أن نخفض سرعتها إلى ١٫٧ كيلومتر في الثانية، وهي السرعة الدائرية لهذا الارتفاع (صورة ٢، شكل ٣-١). وستقطع السفينة دورتها حول القمر في مدة ساعة وخمسين دقيقة، وسيكون أفقها المرئي ١٨٦ كيلومترًا، وهنا سيتمكَّن الإنسان من أن يرى بالعين المجردة الأشياء الموجودة على سطح الأرض، والتي يبلغ طولها نحو ثلاثة أمتار أو أكثر.
وسوف تستمر سفينة الفضاء في دورانها حول القمر كما يشاء ركابها دون أن تستنفد قطرة واحدة من الوقود (صورة ٣، شكل ٣-١).
وإذا عزم ركاب السفينة على اتخاذ طريقهم نحو وطنهم، وبدءوا رحلتهم نحو الأرض، فليس عليهم إلا أن يديروا المحركات؛ إذ إن السفينة ستترك الفلك الدائري، بعد أن تزداد سرعتها، بينما ستواصل خزانات الوقود المنزوعة سيرها في طريقها القديم (صورة ٤، شكل ٣-١). وستواصل الآلات الأوتوماتيكية الموجودة بها إرسال إشاراتها اللاسلكية باستمرار إلى الأرض، وتبين فيها النتائج المختلفة التي سجلتها لعمليات القياس.
وسوف تهبط سفينة الفضاء بنفس الطريقة التي سبق لنا وصفها (صورة ٥، شكل ٣-١)، كما أن سهم الفضاء الهابط سيستقر على الأرض بعد أن ينشر جناحَيه بأكملهما (صورة ٦، شكل ٣-١).

وبعد الانتهاء من رحلات الطيران الاستطلاعية حول القمر، تبدأ رحلات بقصد الهبوط على القمر، ولكن هل من الميسور الهبوط على سطح القمر دون استخدام وقود؟ وهل يحيط بالقمر غلاف غازي؟

دلَّت عمليات الرصد أن الغلاف الغازي المحيط بالقمر دقيق جدًّا. وتفيد بعض المعلومات المبدئية أن كتلة الهواء التي تغطي كل سنتيمتر مربع من سطح القمر تُقدَّر ﺑ ٠٫٠٠٢ من الكتلة المقابلة لها على سطح الأرض. وتتساوى كثافة الغلاف الغازي المحيط بسطح القمر مع كثافة الغلاف الغازي المحيط بالأرض، والموجود على ارتفاع ٦٠ كيلومترًا؛ ولذلك فمن المستحيل، أيًّا كانت الاحتمالات، أن يُستخدم الهواء المحيط بالقمر من أجل تهدئة سرعة سفينة الفضاء قبل هبوطها على القمر؛ ولهذا فلا بد من استخدام صاروخ ذي مراحل لتحقيق هذا الغرض.

وسيضطر المسافرون عبر الفضاء إلى أن يمكثوا في حجرات حبس الهواء بعد أن يصلوا فوق سطح القمر، وهو ما يصدق بالنسبة للكواكب التي لا يحيط بها غلاف غازي، أو سيضطرون إلى ارتداء معاطف الفضاء قبل أن يخرجوا من السفينة. وسيتمكن المسافرون، على الرغم من هذه الملابس الثقيلة، من الحركة بسهولة، ويرجع ذلك إلى أن جاذبية القمر تُقدَّر بسدس جاذبية كوكبنا.

ولكي يتخلص المرء من مجال جاذبية القمر، فإنه يحتاج إلى ١ على ٢٠ من الطاقة اللازمة لتحقيق نفس الغرض على الأرض؛ وبالتالي فإن السرعة اللازمة للتخلص من القمر ستكون أقل بكثير من السرعة اللازمة للتخلص من الأرض.

وكي نكون أكثر دقة نقول: إن هذه السرعة ستكون أقل من ٢٫٥ كيلومتر في الثانية، بينما نجد أن الصواريخ الحديثة التي تسير بوقود سائل قادرة على السير بسرعة أكبر من هذه.

رحلة إلى المريخ

السفر إلى المريخ من الموضوعات التي لها أهمية كبرى، ولقد ظلَّ هذا الكوكب، طوال القرون الثلاثة الماضية، موضع اهتمام علماء الفلك وغيرهم من العلماء، لقربه من الأرض وتشابه ظروفه الطبيعية. ولم يعد خبراء الكواكب الآن ليقنعوا بدراسة سطح المريخ من على سطح الصور الفوتوغرافية؛ إذ إنه يبدو صغيرًا حتى ولو استخدمنا أضخم التلسكوبات في النظر إليه.

ومن المحتمل أن تسبق رحلتنا إلى المريخ، التي ننوي الهبوط فيها على سطحه، رحلات استطلاعية حول الكوكب، كما هي الحال في رحلتنا إلى القمر؛ ومن ثم فإن سفن الفضاء ستتحول مؤقتًا إلى كواكب صناعية تابعة للمريخ. والواقع أن عملية الهبوط والانطلاق ستكونان عمليتَين شاقتَين للغاية في المراحل الأولى من سفرنا عبر الفضاء. وأهم هذه العقبات هي أن الوقود اللازم للعودة من الرحلة لا بد وأن يحمله المسافرون معهم من الأرض. ولا شك في أن البحث التفصيلي لسطح المريخ سيساعدنا على اختيار أفضل الأماكن التي تصلح للهبوط، كما سيساعدنا هذا البحث في الحصول على معلومات لا يتيسر لنا التثبت من صحتها، ونحن هنا على الأرض. وهذه المعلومات ضرورية جدًّا بالنسبة لنا قبل أن نبدأ رحلتنا لنغزو المريخ، ونرسو على أرضه.

وأول الأمور التي يجب أن تتوفر على بحثها هي: هل من الممكن الاستفادة من بنية وتركيب الغلاف الغازي المحيط بالمريخ؛ لتهدئة سرعة سفينة الفضاء؟ ومثل هذا البحث سيساعدنا كذلك على اكتشاف مسائل مهمة مثل: هل يستطيع الإنسان أن يحيا على ظهر هذا الكوكب؟ وهل غلافه الغازي يهيئ لنا الوقاية الكافية لحمايتنا من الإشعاعات الضارة، والشهب التي لا تُحصى والتي تتساقط عليه من الفضاء الخارجي؟ ولقد اكتشف العلماء أن الأشعة فوق البنفسجية ستنفذ إلى سطح الكوكب، وتهدد حياة المسافرين عبر الفضاء. وعرف العلماء ذلك لأن الغلاف الغازي المحيط بالمريخ خلوٌ من غاز الأوزون الذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية التي تسقط من الشمس.

وهناك عدة مسارات مختلفة يمكن اتباعها للطيران حول المريخ، وتتوقف المدة التي تستغرقها الرحلة، والسرعة المبدئية التي تنطلق بها سفينة الفضاء، على نوع المسار الذي يقع عليه الاختيار.

ولنفترض أننا سنتبع مسارًا يستلزم عامَين لإتمام الرحلة (شكل ٥-١). يجب أن ينطلق الصاروخ من محطة الفضاء في منتصف الليل حسب التوقيت المحلي، حينما تكون مراكز كلٍّ من الأرض والشمس والمحطة على خط مستقيم؛ إذ إن هذه هي أفضل اللحظات المناسبة؛ لأن اتجاه حركة محطة الفضاء سيتفق مع اتجاه الصاروخ المنطلق. وسوف يستفيد الصاروخ في انطلاقه من السرعة التي تسير بها محطة الفضاء، وينطلق الصاروخ حينئذٍ بأقل سرعة ممكنة وقدرها ٤٫٣ كيلومترات في الثانية.

ولكن إذا كانت الرحلة ستبدأ مباشرة من فوق سطح الأرض، فإن السرعة اللازمة حينئذٍ هي ١٢٫٣ كيلومترًا في الثانية.

fig13
شكل ٥-١: الطيران حول المريخ لمدة عامَين. فوق: صاروخ ينطلق من فوق القمر الصناعي التابع للأرض.

وإذا كان الصاروخ المنطلق يزن عشرة أطنان، وسرعة العادم أربعة كيلومترات في الثانية، فإنه لا بد وأن يحمل ١٩٫٦ طنًّا من الوقود، وذلك إذا كان سيبدأ رحلته من فوق محطة الفضاء. أما إذا كان سيبدأ رحلته من فوق سطح الأرض، فإنه سيحتاج إلى ٢١٦ طنًّا من الوقود.

وتتغير سرعة الصاروخ باستمرار طوال فترة طيرانه عبر الفضاء؛ إذ سيبدأ رحلته وينطلق بأقصى سرعة ممكنة له، ثم تأخذ هذه السرعة في النقصان بالتدريج مع ابتعاد الصاروخ عن مدار الكرة الأرضية.

وبعد أن يقترب الصاروخ من المريخ، يحاول أن يرتد عنه إلى مسافة معينة وينطلق في الفضاء الخارجي.

ونظرًا لأن المريخ يدور حول محوره، فإن المسافرين سيتمكنون من التقاط صور لسطحه أثناء طيرانهم حوله.

وتصل سفينة الفضاء أقصى نقطة في مسارها بعد عام واحد من طيرانها، وبذلك تكون قد قطعت مسافة ٢٫١٧٥ سنة ضوئية بعيدًا عن الأرض، وهنا تبلغ سرعتها أقل مدًى لها.

وبعد أن تتجاوز سفينة الفضاء هذه النقطة تعود مرة أخرى إلى الاقتراب من فلك المريخ بسرعة متزايدة، لكنها لن تلتقي بالكوكب في هذه المرة، وحينئذٍ يُغلق مسار الطيران، وهو على شكل قطع ناقص، وتبدأ سفينة الفضاء بعد ذلك تعود أدراجها إلى الأرض، بنفس السرعة التي انطلقت بها.

وهناك وسيلة أخرى للقيام بدراسة المريخ عن قرب، وتستمر هذه الدراسة فترة طويلة من الزمن، وذلك بأن نطلق صاروخًا قويًّا ليرسو فوق سطح فوبوس، وديموس، وهما قمران تابعان للمريخ. ويتم ديموس دورته حول المريخ في فترة تقل قليلًا عن ٣٠ ساعة، ويبعد عنه بمسافة ٢٣٠٠٠ كيلومتر أي ١ / ١٧ من المسافة التي تفصل بين الأرض والقمر. ويبعد فوبوس بمسافة ٩٠٠٠ كيلومتر عن سطح المريخ، وتستغرق دورته الكاملة حول الكوكب فترة أقل من ثماني ساعات. ويلاحظ أن حجم وكتلة هذه الأجرام السماوية صغيرة جدًّا، كما أن قوة جاذبيتها لا يُؤبه لها؛ ولذلك سيكون أيسر علينا أن نزود هذَين القمرَين عن أن نزود كوكبهما التابعين له.

ويفيدنا علم الطبيعيات الفلكية الحديث بمعلومات توحي إلينا بأن الظروف الطبيعية المحيطة بالقمر مشابهة إلى حدٍّ كبير بتلك التي تحيط بالمريخ عن أي كوكب آخر. ولقد قام مجموعة من علماء الفلك السوفييت وعلى رأسهم ج. تنجوف، بأبحاث طويلة في هذا الصدد. وانتهى هؤلاء العلماء من بحثهم إلى الاعتقاد بوجود نباتات على ظهر المريخ. ويعتقد العلماء أن الغلاف الغازي المحيط بالمريخ يحتوي على غاز الأكسجين، وخلوٌ من الغازات التي تؤذي حياة الإنسان. هذا على الرغم من أن الغلاف الغازي رقيق جدًّا، حتى ولو كان فوق سطح الكوكب مباشرة؛ ومن ثم سيضطر المسافرون عبر الفضاء إلى أن يحيوا داخل حجرات حبس الهواء؛ حيث يتيسر تنظيم الضغط وحرارة الجو بداخلها، كما سيضطرون إلى ارتداء معاطف الفضاء قبل أن يتركوا الصاروخ. ومن المحتمل وجود ماء فوق سطح المريخ، ويُعتبر مناخ المريخ مناخًا قاريًّا أكثر مما هي الحال على الأرض. والسبب في ذلك أن شدة الإشعاعات الشمسية فوق سطح المريخ، تبلغ نصف شدة الإشعاعات الساقطة على الأرض.

ما أفضل المسارات من الناحية الاقتصادية والتي يجدر بنا اتباعها في غزو المريخ؛ بحيث يتيسر لنا الهبوط فوق سطحه؟

إن أقصر خط بين نقطتَين في الفضاء هو الخط المستقيم. وأيًّا كان الأمر فإن سفينة الفضاء لن تتمكَّن من الطيران كما يطير الغراب؛ إذ إن جاذبية الشمس ستجبر الصاروخ على أن يحيد عن طريقه في الفضاء تمامًا، كما تؤثر جاذبية الأرض على مسار حجر قذف في الفضاء إلى أعلى، فيسير بزاوية معينة. حقًّا أن سفينة الفضاء يمكنها أن تسير في مسار مستقيم؛ وذلك إذا ما دارت محركاتها باستمرار. إلا أن ذلك معناه زيادة في استنفاد الوقود بكمية هائلة. والوسيلة الوحيدة التي يمكن بها لسفينة الفضاء أن تتخلص من عملية الانحراف عن مسارها، بتأثير جاذبية الشمس، وتسير في مسار مستقيم هي أن تطير في خط رأسي موازٍ لأشعة الشمس، لكن هذا النوع من الطيران يستلزم كميات هائلة من الوقود؛ لأن سفينة الفضاء ستضطر إلى أن تخمد هذه السرعة الهائلة التي كانت تدور بها هي والأرض حول الشمس. وتقدر هذه السرعة بنحو ٣٠ كيلومترًا في الثانية. وهذه السرعة ستحرف سفينة الفضاء عن طريقها بنفس الطريقة التي يحرف بها التيار قاربًا وضع في النهر؛ ليعبره إلى الشط الآخر ويسير في زاوية قائمة.

ولنفترض، مع هذا كله، أننا بدأنا رحلةً إلى المريخ متبعين أقصر الطرق وأكثرها استقامة. إذا حدث ذلك فإن الرحلة تتم خلال ٨٥ يومًا، ولكن لا بد، لبلوغ هذا الهدف، من السير بسرعة لا تقلُّ عن ٣٩ كيلومترًا في الثانية. ومن الواضح أن مثل هذا الطريق يكلفنا تكاليف باهظةً.

وعلى العكس من ذلك، فلو بدأت سفينة الفضاء تحلق في مسار شبه القطع الناقص، فإنها ستضطر إلى أن تنطلق من الأرض بأقل سرعةٍ ممكنةٍ لها. وسوف تسير السفينة بأقل سرعةٍ لها كذلك، حينما تبدأ في عملية الهبوط فوق المريخ (شكل ٥-٢).

وسبق أن أشرنا إلى أن سفينة الفضاء يستحيل عليها أن تنطلق من فوق سطح الأرض في أي لحظةٍ من اللحظات، إن لم تتبع في سيرها خطًّا مستقيمًا؛ إذ لا بد وأن يكون المريخ في وضعٍ معيَّن بالنسبة للأرض، إذا كان لا بد للصاروخ من أن يلتقي به حينما يبلغ مداره. ويلاحظ أن المريخ لا يتخذ هذا الوضع المحدد إلا مرةً واحدةً كل ٧٨٠ يومًا في المتوسط.

وتستغرق الرحلة إلى المريخ مدة ٢٥٩ يومًا، ذلك إذا كان مسارها شبه قطعٍ ناقصٍ. وسيضطر المسافرون عبر الفضاء إلى الانتظار مدة ٤٥٤ يومًا، قبل أن يعودوا أدراجهم متخذين نفس المسار، حتى يعود الكوكبان إلى وضعهما الصحيح بالنسبة لبعضهما.

وإذا اتبعت سفينة الفضاء مثل هذا المسار في رحلتها إلى المريخ، فلا بد لها وأن تنطلق بسرعة ١١٫٦ كيلومترًا في الثانية، ولكن من المشكوك فيه أن يرضى إنسان، من الموعودين بالسفر عبر الفضاء، بالقيام بهذه الرحلة التي يقطع فيها مثل هذا الطريق الطويل، ويمكن للمسافرين أن يختصروا زمن العبور، وذلك إذا زادت سرعة الانطلاق، وسافروا في مسارٍ على شكل القطع المتكافئ. وتستغرق رحلتهم في هذه الحالة ٧٠ يومًا، وذلك على افتراض أن سفينة الفضاء بدأت رحلتها وكانت سرعتها المبدئية لانطلاقها هي ١٦٫٧ كيلومترًا في الثانية؛ وبالتالي فإذا زادت السرعة المبدئية للانطلاق إلى ١٫٤ مرة، ستنخفض المدة التي تستغرقها رحلتهم بواقع ٣٫٧، وتلك هي إحدى السمات المميزة للملاحة عبر الفضاء.

fig14
شكل ٥-٢: الطيران إلى المريخ في مسارٍ على شكل شبه القطع الناقص.

كان الاعتقاد الشائع في نهاية القرن الماضي أن المريخ تسكنه حيواناتٌ راقية. وكتب الكثيرون رواياتٍ وقصصًا تناولت هذا الموضوع، ولكن لم يحاول مؤلفو هذه الروايات أن يكلفوا أبطالها عناء التفكير في توقيت طيرانهم، أو تحديد المسار الذي يجب عليهم أن يتبعوه. ومع هذا فلو فكروا في هذا الموضوع فإنه سيزداد صعوبةً وتعقيدًا. إن رحلةً بين كوكبَين يمكن أن تتم فقط عبر عددٍ من الطرق «المعقولة»، ولا بد وأن يوضع موضع الاعتبار، مواضع الكواكب بالنسبة إلى بعضها؛ ومن ثم فلا بد وأن تحدد بدقةٍ مواعيد انطلاق سفن الفضاء ومواعيد وصولها إلى أهدافها.

ولو قُدِّر لنا أن نرسم جدولًا يبين مواعيد الطيران إلى المريخ أو الزهرة، فإننا سنجد فيه كثيرًا من الخانات البيضاء، أو «الفصول العاطلة». وتتراوح مدة هذه الفصول من بضعة أشهر إلى العام ونصف العام، أو ما يقارب ذلك. ولن تتمكَّن سفينة الفضاء في هذه الفترة من الانطلاق من فوق سطح الأرض، أو الهبوط فوق هدفها؛ نظرًا لأن الكواكب لم تتخذ الوضع الملائم للقيام بالرحلة.

رحلة إلى الزهرة

لو نظرت إلى الأفق المعتم بعد الغروب مباشرة، فإنك ترى نجمًا شديد اللمعان. هذا هو كوكب الزهرة. وقد تبدو الزهرة للعيان قبل الفجر بفترةٍ قصيرة، بل قد تُرى في وضح النهار. ويرجع شدة لمعان الزهرة إلى قربها من الشمس وقدرتها على عكس الضوء.

وتعتبر الزهرة أقرب جيران الأرض. وهي أكثر كواكب المجموعة الشمسية شبهًا بالأرض، وتقل أبعادها وكتلتها عن أبعاد وكتلة كوكبنا بنسبةٍ ضئيلة؛ ومن ثم فإن مكتشفي الفضاء في المستقبل لن يندهشوا لوزنهم حينما يستقرُّون على سطحها.

وفي عام ١٧٦١م، اكتشف العالم ميخائيل لومندسوف، بواسطة أحد التلسكوبات، حافةً مضيئةً حول الزهرة حينما تقترب من قرص الشمس. وأرجع هذه الظاهرة إلى وجود غلافٍ غازي حول الزهرة. وأثبتت بعض عمليات الرصد التالية لذلك، أن الهالة المضيئة هي بالفعل الغلاف الغازي المحيط بالكوكب، وأنها مضاءة بواسطة الشمس. وقد تم رصد هذه الظاهرة عام ١٨٨٢م، وهو ما لم يتمكَّن الإنسان من رصده مرةً أخرى سوى عام ٢٠٠٤م، ولكن ستختلف الحال بالنسبة للعلماء الذين يستقلُّون سفينة الفضاء؛ إذ إنهم سيتمكنون من رؤية هذه الظاهرة عدة مرات في العام الواحد.

وكانت هناك فكرةٌ شائعةٌ، وظلت سائدة مدةً طويلةً دون أن تتزعزع، يرى أصحابها أن السحب المحيطة بالزهرة إنما تكونت بفعل بخار الماء، وأن هذه السحب تعكس أشعة الشمس بكميةٍ كبيرةٍ، ولكن أثبتت الأبحاث التي أُجريت بعد ذلك أن طبقات الجو العليا لا تحتوي على بخار ماء ولا أكسجين، ولكنها تحتوي بدلًا من ذلك على حامض كربونيك بنسبةٍ كبيرة، ولذلك فمن المحتمل أن يكون الهواء الذي يغطي سطح الكوكب مباشرةً غير صالحٍ للتنفس؛ ولهذا فلا بد وأن يحمل المسافرون معهم خزاناتٍ للأكسجين.

ويسود الاعتقاد بين بعض علماء الفلك بأن بنية الغلاف الغازي المحيط بالزهرة مشابهةٌ للغلاف الغازي المحيط بالأرض، ولكنَّ هناك علماء آخرين يعتقدون بأن غلاف الزهرة إلى ارتفاع الزهرة يمتد إلى ارتفاع شاهقٍ أكثر من مثيله على الأرض. وقد كشفت بعض عمليات الرصد التي تمَّت وقت الشفق لكوكب الزهرة، أن الضغط الجوي فوق سطح الزهرة يزيد على الضغط الجوي فوق سطح الأرض، بما يعادل مرتَين أو ثلاث مرات.

وهذا من شأنه أن يساعد على تهدئة سرعة سفينة الفضاء، حينما تدخل هذا النطاق بقصد الهبوط على سطح الزهرة.

لم يتثبَّت العلماء بعدُ بصورةٍ نهائيةٍ من المدة التي يستغرقها كوكب الزهرة في الدورة الواحدة حول محوره (الزمن الذي يقضيه في دورةٍ كاملةٍ حول نفسه). ويعتقد بعض المشتغلين بعلم الفلك أنها ٦٨ ساعة، بينما يرى البعض الآخر أنها مساويةٌ للفترة التي تستغرقها الأرض في دورتها حول محورها، ويرى فريقٌ ثالثٌ أنها هي نفس المدة التي تقضيها الزهرة في دورتها حول الشمس، أي ٢٢٥ يومًا. ولم يستطع العلماء بعدُ تحديد الزاوية بين خط الاستواء لكوكب الزهرة وبين فلكه. وهذه الزاوية هي التي تحدد المدة التي يستغرقها الليل والنهار طول العام. ولا يُحتمل أن نهتدي إلى الإجابة عن هذه المسائل، حتى يحلق المسافرون عبر الفضاء حول الزهرة.

ولا يمكننا بهذه المعلومات التي بين أيدينا أن نقدِّر الارتفاع والاتجاه اللذين يجب أن تسير فيهما سفن الفضاء؛ لكي تغوص داخل الغلاف الغازي المحيط بالزهرة، وتضمن لنفسها هبوطًا مأمون العواقب. وكلما قلَّت سرعة سفينة الفضاء بالنسبة للغلاف الغازي المحيط بالكوكب، كان ذلك مدعاةً للسهولة والأمن في الهبوط، وتعتمد سرعة الصاروخ إلى حدٍّ كبيرٍ على توافق اتجاه طيرانه مع دورة الكوكب حول نفسه.

إن عمليات الاستطلاع الأولية ستساعدنا على القيام بدراسةٍ شاملة لبنية القشرة السطحية للزهرة، ومعرفة إذا كانت هناك نباتاتٌ وحيواناتٌ أم لا. إلا أن ستار السحب، المحيطة بالكوكب، سيحول دون رصد سطحه مباشرة، ولكن، ورغم هذا الستار من السحب، هناك طرقٌ حديثةٌ للتصوير تستخدم فيها الأشعة تحت الحمراء. وهذه الطرق تيسر لنا تصوير سطح الزهرة من داخل سفينة الفضاء.

لنتخيَّل أننا في طريقنا إلى الزهرة داخل سفينة الفضاء (شكل ٥-٣). تنطلق السفينة بنا أولًا من فوق الأرض بسرعةٍ مقدارها ١١٫٥ كيلومترًا في الثانية. ويوقف الملاح المحركات بعد ذلك، وحينئذٍ يشق الصاروخ عباب الفضاء مثل الحجر بعد قذفه بمقلاع. ولن يشعر الركاب بعد ذلك بأي ثقلٍ وسيكون بمستطاعهم أن يروا كوكبنا من خلال النوافذ، على مسافةٍ قصيرةٍ وكأنه كرةٌ لونها ضاربٌ للزرقة والاخضرار، وتدور على مهلٍ في فضاءٍ أسود فاحم. ويمكن رؤية حواف القارات التي تُضيئها الشمس بوضوح، من خلال فجوات السحب. وبعد أن تخرج السفينة من نطاق الجاذبية الأرضية تخلف الأرض وراءها بمسافاتٍ تتباعد باستمرار.

لقد مضت علينا الآن بضعةُ شهورٍ، وأصبحت الأرض أمامنا على هيئة كرة صغيرة لامعة ضاربة إلى الزرقة. وها هو عالمٌ آخرُ جديدٌ لا نعرف عنه شيئًا، يقترب منا سريعًا، ويتلألأ لونه الذي يجمع بين الزرقة والبياض. إنه الزهرة. وها هو ذا الكوكب يكبر حجمه ويُخفي عن نظرنا نجومًا كثيرةً يزداد عددها مع مرور الوقت. والآن لا بد من تهدئة سرعة الفضاء حتى نَحول دون اصطدامها بسطح الزهرة، كما يصطدم شهابٌ جبَّار. ولو قُدِّر لهذا الحادث أن يقع فإن طاقة الحركة ستتحول كلُّها إلى طاقةٍ حراريةٍ على شكل انفجار شديد يتبخَّر من جرَّائه كلُّ محتويات السفينة، ولن يُخلِّف وراءه أيَّ أثر لها سوى فوهة ضخمة.

لقد بذل الملاح كل ما في وسعه كي يتجنَّب الاصطدام بسطح الكوكب. وها هو ذا يدخل نطاق الغلاف الغازي المحيط بالزهرة، ويسير موازيًا تقريبًا لسطحها، ويهدئ من سرعة الصاروخ، وذلك بالاستعانة بمقاومة الهواء. والآن يُطلِق الصواريخ المعطلة الموجودة في مقدمة السفينة، ويوقف سفينة الفضاء بالفعل. وبعد لحظاتٍ قليلةٍ تتمكَّن السفينة من أن ترسو على الأرض في أمنٍ وسلامٍ.

وها هم العلماء يمضون أوقاتهم في عمليات الرصد وإجراء التجارب، وجمع عيناتٍ أثارت اهتمامهم، ويقومون ببعض الأبحاث الأخرى. وأخيرًا حان موعد الرحيل، وتنطلق سفينة الفضاء في سرعةٍ مقدارُها ۱۰٫۷ كيلومترات في الثانية، وتطير في مسار شبه القطع الناقص في منطقة تماس مدارَي الزهرة والأرض. وستدخل السفينة الغلاف الغازي المحيط بالأرض بسرعةٍ مقدارُها ١١٫٥ كيلومترًا في الثانية. ولكي يخمد الملاح سرعة السفينة، قبل أن تستقر على الأرض، فإنه سينزلق بها أولًا في طبقات الجو العليا للأرض، ثم ينتقل إلى الطبقات السُّفلى التي تزداد كثافتُها بالتدريج.

تستغرق مثل هذه الرحلة ١٤٦ يومًا. ويمكن مع ذلك اختصار زمن العبور من ٨١ إلى ٦٠ يومًا، إن لم يكن إلى ما هو أقلُّ من ذلك (انظر شكل ٥-٣).

ولكي نتمكَّن من بلوغ هذا الهدف «اختصار زمن العبور» رغم الظروف المحيطة بالسفر عبر السماء، لا بد لنا وأن نزيد السرعة، كما يحدث تمامًا بالنسبة لقطعة الحجر. فكلما زادت السرعة التي تنطلق بها قطعة الحجر عبر الهواء، كانت أسرعَ في إصابة الهدف. وبالنسبة للحالة التي سبق لنا وصفها، فكلما زادت السرعة المبدئية التي تنطلق بها سفينةُ الفضاء بالنسبة للأرض، قلَّت سرعتُها بالنسبة للشمس؛ وذلك لأنها ستنطلق في اتجاهٍ مضادٍّ لحركة الأرض. ويوضح المثال التالي ما ذهبنا إليه: كلما زادت السرعة التي يسير بها إنسانٌ داخل قطارٍ، في اتجاهٍ مضادٍّ لسير القطار، كانت سرعته أبطأ بالنسبة للأرض.

fig15
شكل ٥-٣: الطيران إلى الزهرة في مساراتٍ على شكل شبه القطع الناقص.

السفر إلى الكواكب الأخرى

لقد وصفنا حتى الآن ظروف السفر إلى أقرب جيران الأرض؛ وهم القمر والمريخ والزهرة. أما عن السفر إلى الكواكب الأخرى من المجموعة الشمسية، فإنه سيكون أكثر صعوبة.

رأينا أن السرعة المبدئية للانطلاق من الأرض إلى الكواكب الأخرى تتوقَّف على الطريق الذي نتخذه في سفرنا، ورأينا كذلك أن المسار شبه القطع الناقص هو أفضلُ المسارات من الناحية الاقتصادية. إذن ما هو الحد الأدنى للسرعة المطلوبة كي نصل إلى الكواكب الأخرى من المجموعة الشمسية؟ وكم تستغرق منا هذه الرحلة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة مُبيَّنة بالجدول الآتي:

اسم الكوكب الذي تقصده سفينة الفضاء الحد الأدنى للسرعة مقدرًا بالكيلومتر في الثانية زمن العبور في اتجاه واحد
يوم سنة
عطارد ١٣٫٥ ١٫٥
الزهرة ١١٫٥ ١٤٦
المريخ ١١٫٦ ٢٥٩
المشتري ١٤٫٢ ٢٦٧ ٢
زحل ١٥٫٢ ١٨ ٦
أورانوس ١٥٫٩ ١٤ ١٦
نبتون ١٦٫٢ ٢٢٥ ٣٠
بلوتو ١٦٫٣ ١٤٩ ٤٥
يبين لنا هذا الجدول أن السفر إلى عطارد في طريق شبه القطع الناقص، يستغرق وقتًا أقل من السفر إلى الزهرة، على الرغم من أن الزهرة تقترب من الأرض. وقد يبدو من أول وهلةٍ أن تفسير هذه الظاهرة من الأمور المعضلة، لكن هذا التفسير موجودٌ في الشكل ٥-٤، يبين لنا هذا الشكل أن الطريق بين الأرض وعطارد أقصرُ من الطريق بين الأرض والزهرة.
fig16
شكل ٥-٤: السفر إلى الزهرة في طريق على شكل قطع ناقص يستغرق وقتًا أطول من السفر إلى عطارد، وهو أبعد كواكب المجموعة الشمسية.

وتفصل بين الأرض والمشتري مسافة أطول عدة مرات من المسافة التي تفصل بين الأرض والمريخ، ويوجد بين المريخ والمشتري حزام من الكويكبات الصغيرة التي لا تُحصى، والتي تمثل خطرًا على سفينة الفضاء. وتصل إلى هذا الكوكب كمية قليلة جدًّا من أشعة الشمس. وزيادة على ذلك، فإن السرعة التي تسير في خط على شكل القطع المتكافئ تزيد بما هو أكثر من خمس مرات عن مثيلتها على الأرض. كما أن قوة الجاذبية تعادل جاذبية الأرض ثلاث مرات، وهذا كله يمثل عقبةً كبرى أمام المسافرين عبر الفضاء، مما قد يجعل أمر البقاء على ظهر الكوكب مستحيلًا استحالةً مطلقة. وثمة عقبات أخرى مثل وجود بعض الغازات السامة وبرودة الجو. ومع هذا كله فمن الممكن بحث المشتري من داخل سفينة فضاء تدور حوله بوصفه قمرًا صناعيًّا.

ونرى من الضروري، قبل أن نرحل إلى عطارد، أن نصرح بحقيقةٍ واقعةٍ وهي أن الفترة التي يستغرقها عطارد في دورته حول محوره دورةً كاملةً هي «٨٨ يومًا». ويترتب على ذلك أن أحد نصفَي الكوكب هو الذي يتعرض لأشعة الشمس، بينما يسود النصف الآخر ظلامٌ دائم؛ ومن ثم فإن درجة حرارة هذا النصف منخفضةٌ جدًّا. ويفصل بين النصفَين حزامٌ ضيقٌ وضَّاء، معتدل المناخ. ويجب ألَّا ننسى، مع ذلك كله، أننا لا يمكن أن نتكلم عن مناخ عطارد إلا بأسلوب الأرقام؛ ما دام هذا الكوكب، كما يبدو لنا، لا يحيط به غلافٌ غازي.

وتبلغ قوة أشعة الشمس فوق عطارد ما يعادل قوتها فوق الأرض بسبع مرات في المتوسط. وتُقدَّر درجة حرارة سطح النصف المعرض للشمس بما يبلغ ٤٠٠ درجة سنتيجراد؛ ومن ثم فلا بد وأن يوضع تصميمٌ خاصٌّ لهيكل سفينة الفضاء التي تسافر إلى هذا الكوكب؛ بحيث تعكس أغلب أشعة الشمس الساقطة عليه.

ويستحيل أن يتحقق الهبوط فوق سطح عطارد إلا باستخدام صواريخ ذات فرامل. وصناعة هذا النوع من الصواريخ تمثل عقبةً كبيرةً في سبيل تحقيق ذلك الهدف الآن.

أما عن السفر إلى زحل وأورانوس، ونبتون، وبلوتو، فإن الرحلة إليهم تستغرق وقتًا أطول بكثير في الطرق التي تستلزم الحد الأدنى من السرعة المبدئية؛ ولذلك فلا بد من بناء صواريخ سريعة (إكسبريس) ذات قوة تحمُّل هائلة كي تصل إلى هذه الكواكب. فمثلًا لو زادت سرعة قذف الصاروخ المتجه إلى بلوتو بمقدار ٥٪ من السرعة الكلية، ومقدارها ١٦٫٧ كيلومترًا في الثانية، فإن مدة الرحلة تنقص إلى ما هو أقل من نصف المدة العادية.

وعلى الرغم من أن قوة الجاذبية فوق سطح هذا الكوكب، تعادل مثيلتها على الأرض تقريبًا، فإن ظروفها الطبيعية غير ملائمةٍ لحياة الإنسان. وقد ثبت أن غلافها الغازي يحتوي أساسًا على غاز الميثان، كما أن درجات حرارتها منخفضةٌ جدًّا.

وماذا عن الرحلات إلى أقرب النجوم إلينا؟

إننا لو دققنا النظر في صفحة السماء بالعين المجردة، فلن نتمكن من إدراك الفارق بين الكواكب والنجوم، ولكن على الرغم من أن كلا الاثنَين يبدوان وكأنهما على بُعدٍ واحد من الأرض، فإن المسافة التي تفصل بين الكواكب والنجوم هائلةٌ جدًّا في الواقع. وتصل أشعة الضوء من بلوتو، وهو أبعد كواكب المجموعة الشمسية، إلى الأرض في أقل من سبع ساعات (سرعة الضوء ۳۰۰۰۰۰ كيلومتر في الثانية). بينما نجد أن الضوء يقطع المسافة بين أقرب النجوم، التي يمكن رؤيتها على الأرض، حتى يصل إلينا في أكثر من أربع سنوات؛ ومن ثم فإن مسألة السفر إلى النجوم متروكةٌ للمستقبل البعيد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥