مؤامرة رجيمين

في ذلك المساء كان فهد المهند في منزل الدكتور صديق هيزلي، وهما يتحدثان فقال صديق: أظنك نجحت يا فهد.

– إن صاحبنا فيلسوف لا يتكلم إلا بالروحانيات.

فضحك الدكتور صديق قائلًا: لقد عرفته كذلك فماذا جرى من الحديث بينكما؟

– كانت النتيجة عكس ما رغبنا.

– تعني؟

– أعني أنه عوضًا من أن ينفر من ليلى برَّرها، وجعلها طاهرة من كل عيب، بل برَّر أمها أيضًا.

– يلوح لي أنه لم يقتنع بصحة الخبر.

– بل اعتقد بصحته، ولكنه لا يحسب ذلك عارًا، ولو شاع وملأ الأسماع.

– إذن هو مصرٌّ على التزوج منها.

– أنكر ذلك أولًا ولكن كلامه الأخير أثبت أنه يحبها، ولا ينفِّره منها عار ولا شنار.

ففكر صديق هنيهة، ثم قال: لقد قلت حيلتي، فلا أدري كيف أفصل هذا الثقيل عن تلك العنيدة.

– يجب أن تعرف كيف تُؤكل الكتف.

– فكرت كثيرًا فلم أعرف، فهل تعرف كيف تؤكل الكتف؟

– أنت أعرف مني؛ لأنك درست أخلاق الفتاة.

– إن ما درسته وعرفته يدلني على أن ذلك الثقيل لاعب في دماغ الفتاة بعلمه وفلسفته؛ لأنها تحب الفلسفة والعلم.

– ولكن الفتاة لا تخرج عن كونها مرأة، فهي كسائر النساء تغتر بالمال والسعة.

– نعم، وقد خطر لي ذلك؛ ولهذا صارت المسألة أصعب من قبل؛ لأن يوسف صار ذا مال وتجارة، فلم تبق من حاجة في نفس ليلى يعجز ذاك عن سدها، ولا أدري كيف حصل ذلك الشقي على رأس المال، وآخر عهدي به أنه كان خادمًا في حانوت دخاخني؛ لضيق ذات يده.

– إن أمره محير، وأظن أن معظم رأس ماله ثقة، والمال الذي بين يديه ليس له بل لتجار أكبر منه، هذا إذا لم يكن المحل كله لشخص آخر يتاجر باسمه والله أعلم، أقيسه على نفسي، فإن معظم رأس مالي لمداينين فإذا كان هو كذلك فموقفه حرج دائمًا.

فبقي صديق صامتًا مفكرًا، وأخيرًا قال له فهد: إننا صديقان يا صديق، والثقة متبادلة؛ ولهذا لا أجد أحدًا غيرك أشكو له أزمتي لعل لك فيها رأيًا.

– ثقتك في محلها يا فهد فهل أنت في أزمة؟

– إني فيها وقد أصبحت على وشك الإفلاس، وإذا لم يكن في يدي الآن شيء من المال أسد به أفواه المداينين ضايقوني، وعرَّضوا تجارتي لخطر الإفلاس لا محالة، فهل في إمكانك أن تدبر لي دائنًا آخر يقرضني قرضًا لمدة ستة أشهر إلى أن يحين الموسم، وتتوافر الأموال فأجمع الديون التي لي وأنجو من الخطر؟

ففكر صديق هنيهة، ثم قال: لقد دبرت لك دائنًا.

– من هو؟

– جارك يوسف نفسه.

– ولكنه تاجر مثلي لا يستغني عن جنيه واحد.

– ليس ضروريًّا أن يدفع من صندوقه بارة واحدة.

– إذن كيف؟

– أنتم التجار تتبادلون الصكوك.

– نعم.

– فأعطه صكًّا بقيمة ألف أو ألفي جنيه مثلًا، وهو يعطيك صكًّا بمثل المبلغ «تقطعه» في أحد البنوك.

– ولكن هناك عقبتين، الأولى: أن يوسف قد لا يعطيني صكًّا، والثانية: أن البنك قد لا يقطع الصك على يوسف.

– هل يعلم يوسف بأزمتك؟

– لا يعلم بها أحد غيرك.

– إذن، إذا احتلت عليه فلا يبخل عليك بصكٍّ منه إذا رأى بيده صكًّا مثله منك؛ لأنه رجل طيب القلب وسليم النية جدًّا، أما البنك فلا يتردد على ما أظن في قطع صك لتاجر جديد يعرف البنك أنه يحرص على سمعته والثقة به، جرب هذه الطريقة فقد تنجح، وإن لم تنجح فلا تخسر شيئًا وبعدها نفكر بطريقة أخرى.

– إنها لفكرة حسنة جدًّا، فإن نجحت أبشرك بنيل متمناك يا صديق.

فضحك صديق، وقال: إني أسر بذكائك يا فهد، لقد تفاهمنا بلا كلام، وإذا صح هذا الحلم فلك مني جائزة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤