السباحة في الرمال

كان البحر هادئًا، ولكن الشاب الذي يسبح فيه خائر القوى؛ فهو يرفع رأسه يلقف نفسه، ثم تغوص رأسه مرة أخرى فيمد يديه يرفع يديه لا تجدان إلا الفراغ وتهويان مرة أخرى خائرتين إلى المياه، ويعود رأسه يشرئب في يأس ويهوي في عجز إلى الماء.

أنا لا أجيد السباحة، لو حاولت أن أنقذه متُّ أنا وهو لا محالة، نظرت حولي فوجدت شابًّا فتيًّا يجلس في زورق على الرمال ويحرك مجدافَين، فيمسان الرمال في رفق ثم يرتفعان إلى الهواء والفتى ماضٍ في عمله هذا وكأنما يجدف في الماء، وكأنما يفضي إلى مكان يعرفه، فإن نظرت إليه خُيِّل إليك أن الهدف أمامه واضح لا شك فيه.

وارتفع صوت الفتى الذي يغرق في اليم، ارتفع في يأس يطلب النجدة ومزقت صرخته كل نفس، ولكن الفتى في الزورق لم يلتفت إليه وظل يجدِّف وكأنه في عالم آخر.

– ألا ترى هذا الذي يغرق؟

– أراه وأعرفه.

– أتعرفه؟

– إنه أبي.

– أبوك؟!

– وأخي.

– وأخوك؟!

– وأمي.

– وأمك؟!

– وزوجتي.

– وزوجتك؟!

– وابني.

– وابنك؟!

– وابنتي.

– وابنتك؟!

– وكل ماضيَّ وكل مستقبلي.

– فلماذا لا تذهب إليه بالزورق؟

– هذا الزورق لا يسير في الماء.

– إن الزورق لم يخلق إلَّا للماء.

– ولكن هذا الزورق لا يسير في الماء.

– وأنت ألا تستطيع أن تنقذه، ألا تستطيع أن تعوم؟

– أنا أحسن سبَّاح في العالم.

– فلماذا لا تنقذه؟

– أنا لا أسبح إلا في الرمال.

– إن الرمال لم تُخلق للسباحة.

– وهل خُلق الماء للسباحة؟

– إن السباحة هي التي خلقت للماء.

– فأنقذه.

– لا أستطيع.

– لماذا؟

– إن أحدًا لم يدعُني.

– ها أنا ذا أدعوك.

– ومن أنت؟

– بشر.

– ولكن ما شأنك؟

– إنسان يغرق.

– وهل أنت مسئول عن كل إنسان يغرق.

– إنني مسئول عن كل إنسان.

– من الذي ألقى عليك هذه المسئولية؟

– إنسانيتي.

– مغرور.

– إنه وقت النقاش.

– أبوك وأمك وزوجتك وابنك وابنتك وأخوك وماضيك ومستقبلك جميعهم يغرقون وأنت تناقش.

– أنا لا أعرف إلا النقاش.

– فأعطني هذا الزورق.

– قلت لك إنه زورق للرمال فقط.

– أعطنيه ولا شأن لك.

– لا تستطيع الاقتراب منه.

– سأحاول.

– لا تحاول.

– بل لا بُدَّ أن أحاول.

واقتربت من الزورق ولكن شيئًا جعلني أقف ولا أستطيع الاقتراب من الزورق، ورحت أدفع جسمي بكل قوتي ولكن بدون جدوى، والفتى في الزورق يجدف وكأن شيئًا لا يحدث، والفتى في البحر يغرق ويصرخ من حين إلى آخر ولكن بلا جدوى هو الآخر.

– أنا لا أستطيع فعلًا أن أقترب منه ولكنك أنت فيه، فلماذا لا تنزل به إلى البحر؟

– لقد أجبتك.

– حاول.

– لا أستطيع.

– ويغرق هؤلاء جميعًا؟

– أنا أفعل كل ما أستطيع.

– أنت تجدف في الرمال.

– هذا هو كل ما أستطيع أن أصنعه.

– سأصرخ.

– اصرخ.

– لعل أحدًا يسمعني.

– سيسمعك الكثيرون ولكن أحدًا لن يُجيب صراخك.

– لماذا، ماذا يجري للناس؟

– إن إنقاذه في يدي أنا وحدي.

– فلماذا لا تنقذه؟

– أنا أفعل كل ما أستطيع.

– أنت لا تفعل شيئًا.

– هذا هو كل ما أستطيع.

– إنه في البحر وأنت على الشاطئ.

– هذا قدره وقدري.

– لا نتكلم عن القدر.

– إنه قدره وقدري.

– الجبناء وحدهم الذين يرمون أخطاءهم على القدر.

– المنطق العادي يحكم أفكارك.

– وأنت لك منطق؟

– إنني أستخدم منطقي هنا.

– وهل منطقك يجعلك تملك الزورق ولا تنقذ به أحدًا؟

– لأن هذا الزورق خُلق للرمال فقط.

– أهذا منطق؟

– منطق لا تعرفه.

– منطق جديد؟

– جديد أو قديم، لا أدري، وإنما هذا هو المنطق الذي أعرفه.

– ويغرق في البحر.

– لعله يُنقَذ.

– كيف؟

– إذا قُدِّر له أن يُنقَذ فسوف ينقذ.

– كم كنت أرجو أن أكون قادرًا على إنقاذه.

– وما الذي يمنعك؟

– لا أعرف السباحة، أو أنا على الأقل لا أجيدها.

– فحاول.

– وإذا غرقت معه؟

– تكون قد أرضيت ضميرك.

– وضميرك أنت؟

– لا شأن لك بضميري، أرح أنت ضميرك.

وهممت أن أنزل إلى الماء ولكن ثقتي أنني لا أجيد السباحة ردتني ونظرت إلى الفتى يغرق، ونظرت إلى الفتى يجدف في الرمال، وأوليت الجميع ظهري وانصرفت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤