الفصل الأول

عهد الاحتلال الإنكليزي وما بعده

في اليوم الحادي عشر من شهر آذار سنة ١٩١٧ الموافق ١٥ جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ﻫ دخل الجيش الإنكليزي مدينة السلام، ونشر القائد العام بلاغًا جاء فيه ما معناه أن الجيش الإنكليزي لم يدخل العراق غازيًا قاهرًا وإنما جاء مُحرِّرًا، ولا غرض له إلا إبعاد الجيش التركي عن البلاد، وإن الإنكليز يرغبون كل الرغبة في مساعدة العرب على إحياء مجدهم وإنشاء دولتهم. ومنذ ذلك التاريخ صارت بغداد تُدارُ إدارة خاصة، وفي ٣٠ تشرين الأول سنة ١٩١٨ عُقِدَت الهدنة بين الإنكليز والعثمانيين وفي ٣٠ تشرين الثاني سنة ١٩١٨ طلب الإنكليز إلى العراقيين أن يجيبوا عن الأسئلة الثلاثة التالية بواسطة منتدبين اختيروا لهذا الغرض، والأسئلة هي:
  • (١)

    هل ترغبون بحكومة عربية مستقلة تحت الوصاية الإنكليزية يمتد نفوذها من أعالي شمال الموصل إلى خليج فارس؟

  • (٢)

    هل ترغبون أن يرأس هذه الحكومة أمير عربي؟

  • (٣)

    من يكون ذلك الأمير الذي تختارونه؟

فكان الجواب في بغداد والكثير من أصقاع القطر إبداء الرغبة في إنشاء حكومة عربية مستقلة يرأسها أحد أنجال الملك حسين بن علي. وفي أواخر حزيران سنة ١٩٢٠ اندلعت نار الثورة العراقية المعروفة، فعرف الإنكليز حينئذ أن العراق لا يمكن إخضاعه بالقوة، فقرَّروا إنشاء دولة عربية يرأسها رجل عربي يختاره العراقيون.

وفي ٢٥ نيسان سنة ١٩٢٠ انتزع الإنكليز من مجلس عُصبة الأمم صَكَّ الانتداب الذي جاء فيه: «الاعتراف بالعراق دولة مستقلة بشرط قبولها المشورة الإدارية والمساعدة مِنْ قِبَل دولة منتدبة إلى أن تصبح قادرة على القيام بنفسها …» فعُهِدَ إلى السيد عبد الرحمن نقيب الأشراف في بغداد أن يُؤلِّف حكومة مؤقتة لإشراك العراقيين بإدارة المملكة من جهة، وللإشراف على تمهيد الطريق التي يتوصل بها الشعب العراقي إلى إبداء رأيه في شكل الحكومة التي يرغب فيها.

وقد كُتِبَتْ في الثورة كتب خاصة، وأُفْرِد لها فصول في كتب لا يتسع هذا المختصر لشرح تفاصيلها.

ووقع اختيار العراقيين على سمو الأمير فيصل بن الملك حسين بن علي، فكتبوا إلى والده جلالة الملك حسين يطلبون إليه أن يسمح له بالسفر إلى العراق؛ فأجاب رغبتهم وسافر الأمير فيصل فوصل البصرة في ٢٠ حريزان سنة ١٩٢١، ثم قصد بغداد فاستُقبل استقبالًا حافلًا لم تشهد مدينة السلام نظيره منذ أجيال، وجرى استفتاء عام في العراق؛ فأسفرت النتيجة عن اختياره ملكًا دستوريًّا على المملكة العراقية، وأعلن ذلك باحتفال رائع في ٢٣ آب من السنة المذكورة.

وفي ١٠ تشرين الأول سنة ١٩٢٢ تمَّ الاتفاق بين الفريقين على المعاهدة على ألَّا تكون نافذة إلا بعد موافقة المجلس التأسيسي عليها.

ولم تَزَلْ تستقيل وزارة وتتألَّف أخرى إلى أن تمَّ جمع المجلس التأسيسي في ٢٧ آذار سنة ١٩٢٤، فنظر في لائحة القانون الأساسي وفي لائحة قانون الانتخابات فأقرَّهما، كما نظر في المعاهدة العراقية الإنكليزية فأقرَّها بأكثرية ضئيلة، ودخل على القانون الأساسي تعديلان: الأول بعد وضعه موضع العمل بسنة، والثاني سنة ١٩٤٣.

ولم تزل المدة التي تضمنتها المعاهدة المذكورة بين المدِّ والجزر، والعراقيون يلحفون في طلب الاستقلال التام الذي لا تَشُوبه شائبة، حتى تم عقد المعاهدة العراقية الإنكليزية في ٣٠ حزيران سنة ١٩٣٠ التي عليها العمل الآن، والتي خرج العراق بمقتضاها من رِبْقةِ الانتداب الذي لم يعترف به في وقت ما إلى حظيرة الاستقلال، وبمقتضاها دخل العراق عصبة الأمم بعد أن اعترف باستقلاله ست وخمسون دولة.

ومن أهم الأحداث التي اهتزت لها عاصمة الهاشميين وفاة المغفور له فيصل الأول في ٨ أيلول سنة ١٩٣٣، فبُويِع ولي عهده نجله الملك غازي الأول، وكانت وفاة جلالة الملك فيصل الأول في برن من بلاد سويسرة، فنُقِلَ جثمانه إلى بغداد بطيارة خاصة ودُفِن في مقبرة آل البيت، التي كانت قد أُعِدَّتْ مِنْ قَبْلُ، وأهم حادث شهدته المملكة بعد ذلك وفاة الملك الشاب المغفور له غازي الأول بحادث اصطدام سيارته الخاصة سنة ١٩٣٩، فبُويِعَ بالمُلكِ ولي عهده ابنه الفرد فيصل الثاني. ولما كان دون السنِّ القانونية فقد عهد مجلس الأمة بالوصاية عليه إلى سمو الأمير عبد الإله بن الملك علي بن الملك حسين، ولم يزل قائمًا بأعباء مهمته هذه على خير ما يُرام متخذًا من سياسة المغفور له عمه فيصل الأول — عليه الرحمة — منارًا يأتمُّ به.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤