الفصل السابع عشر

بين أنقاض الوطن

ديار الحمى حيث القنا والصوارم
تحييك من عيني الدموع السواجمُ
لقد طرقتك الحادثات فجأةً
وأهلُكِ في أمنٍ وبأسُك نائمُ
فبيناك والليلات فيك ولائمٌ
أذابك والأنهار فيك مآتمُ
لك الله لا تنفك عنك نوائحٌ
ألم يبقَ في ذا الدوح إلا الحمائمُ
أدهركِ ذا الوادي من الدم مترع
إذا أمسكت بالوبُل عنه الغمائمُ

•••

حلمنا بشيءٍ وانتبهنا بضده
وما يجتني من كاذب الحلم حالمُ
وكانت لجاجات فلما تيسرت
تزهَّد مشتاق وأقصر هائمُ
أُقيم بناءٌ بالعراء على شفا
ولم تقوَ آساسٌ له ودعائمُ
فما ظُن منه قائمًا فهو مائلٌ
ومُن ظُن منهم بانيًا فهو هادمُ
وهل ينفع الأطلال تجديد عهدها
إذا درست آثارها والمعالمُ

•••

لحا الله قومًا حمَّلوك مغارمًا
وراحوا وفي الأعناق منك مغانمُ
همُ وعدوك العدل كي يظلموا به
أبًا ظالمًا لكن دهتك المظالمُ
ولا خير في مَلكٍ إذا جار شعبه
ولا خير في مُلكٍ إذا جار حاكمُ
وكيف انتقاء الخطب قد جل وقده
إذا بردت تحت الصدور العزائمُ؟

•••

وأربعةٍ مرت ولم تحلُ لامرئٍ
تهادت على الأقطار وهي سمائمُ
سعت بالنيوب العصل تنفث موتها
ولا عجب بعض السنين أراقمٌ
تعوض يأسًا مَن غدا وهو آملٌ
وشام يقينًا مَن سرى وهو واهمُ
ولما أباحوا حرمة الرأي للهوى
أهابت بأطماع الغواة المآثمُ
فهبت هبوب الريح من كل جانبٍ
تدافع عنها بعضها وتزاحمُ
فما تستطيب الحكم فيه مشاركٌ
ولا تستلذ الغنم فيه مقاسمُ
ويمسي لديها طائعٌ وهو خائف
ويضحي لديها آمرٌ وهو واجمُ
وليس بمجدٍ في الغواية ناصح
وليس بمجدٍ في الصبابة لائمُ
وكيف يقر المجد في ظل دولةٍ
وحامدها يحيا بها وهو ناقمُ

•••

تداعوا لنصر والرجا عنك ذاهب
فهلا تداعوا والرجا لك قادم
وبت وبات الداهمون تعاضدوا
فإما تراخى داهم شد داهمُ
فلم أرَ خطبًا مثل خطبك ناهضًا
يدافعه ملك كملكك جاثمُ
ولم أرَ مجدًا مثل مجدك ناصعًا
يظلله حظٌّ كحظك قاتمُ
تطالعك الأقدار وهي عوابسٌ
ويا طالما حيتك وهي بواسمُ
وترثي لبلواك المداين رحمة
وقد حسدت فيك السرور العواصمُ

•••

فيا مَن رأى تلك الفتوح التي خلت
تجرع أسىً قد أعقبتها الهزائمُ
لئن كنت في شكران حالك جارمًا
فما أنت في شكران ماضيك جارمُ
سنبكي لعهدٍ عارُه متجدد
ونأسى بعهدٍ مجده متقادمُ
وفي الدمع والتأسي تخفيف لوعةٍ
إذا أثقلتها الكاربات الكواظمُ

•••

ومعتركٍ للموت أما سماؤه
فنقعٌ، وأما أرضه فجماجمُ
تنازع فيه النصر خصمان أعزلٌ
يدافع عن ملكٍ وشاكٍ يهاجمُ
تأخرت الأعلام عن مستقرها
وفر محاميها وقر المخاصمُ
تفزعت الآجام وهي شواهد
ضراغمها تسطو عليها الضراغمُ
تجاوبها من حولها في زئيرها
رعود لها في الخافقين زمازمُ
مدافع منها قسطل متراكب
بنادق منها عارض متراكمُ
وصائب حتف مستهل فواقع
وراجف روع مستطار فحائمُ
ووجه ردىً في أوجه الكل ضاحك
ووجه رجًا في أوجه البعض ساهمُ
كأن الوغى قد صار في أنفس الورى
هُيامًا فمن يُقتل يمت وهو هائمُ
فمالهم غير الدماء مشارب
وما لهم غير الرمام مطاعمُ
إذا آنسوا ضعفًا فكل محارب
وإن وجدوا بأسًا فكل مسالمُ
وما خير سلم فوقه الشر عاصف
وموج المنايا تحته متلاطمُ
تشير أكف بالسلام خديعة
وتنزو بأخرى للصدور الصوارمُ
وكم كان في هذي النفوس منافس
فلم يبقَ في هذي النفوس مساومُ
ولم تبقَ في الدنيا لنفس فضائل
ولم تبقَ في الدنيا لطبع مكارمُ

•••

هوت «قرق كليسا» عند أول صدمة
ولما يكن في «قرق كليسا» مصادمُ
أناف عليها جحفلٌ متحاملٌ
وطال عليها مأزق متلاحمُ
تقاعس «عبد الله» فيها عن العِدى
ولم يلقَ «عبد الله» جيشًا يقاومُ
وقد كان فيها سلة من ضراغم
فبادت وولت للنجاة النعائمُ
بدت تستغيث الهاربين من الردى
زيانب في أترابها وفواطمُ
سوافر في ذاك الدجى قد تبذلت
ترائب منها روعة ومعاصمُ
فليس لهم عن مورد العار دافع
وليس لها من مصدر البأس عاصمُ
أما كان في القوم المولين راحم
فقد قيل في القوم المغيرين راحمُ
أدرنة لا يبرح دعامك قائمًا
فإن دعام الحرب تحتك قائمُ
عرمت عرام الدهر جاشت صروفه
وهل يستذل الدهر والدهر عارمُ
ألا إن هذا موسم المجد عائدًا
ولا غرو للمجد الأثيل مواسمُ
يظل بنوك الباسلون بعزهم
وآناف أعداهم لديك رواغمُ
تبوأت بين الموت والهون موضعًا
أقرك فيه خطبك المتفاقمُ
فإن تشتهِ موتًا يرُق لك كاسه
وإن تسأمي هونًا فمثلك سائمُ
إذا نحن أعظمنا بلاءك روعة
فذاك بلاءٌ أعظمته العظائمُ
فإن تسلمي تنسي رزيئة هالك
وإن تهلكي لا يهنأ العيش سالمُ
شطلجة لا تنفك عنها خضارم
كذلك لا تنفك عنك خضارمُ
فيا عجبًا للويل منه مشاكل
ويا عجبًا للويل منه ملائمُ

•••

بلادي ما لي لا أرى غير واطئٍ
ثراك ألمًا يبقى في الناس لاثمُ
توالتك تيجان فشادت لك العلى
فلما استتمت هدمتها العمائمُ
لئن كان في الإسلاف بينك غالب
فما كان في الأسلاف بينك حازمُ
لقد بان عنك الرأي مذ بان كاملٌ
وقد مات فيك البأس مذ مات ناظمُ
طغى الشر في بعض النفوس ولم يزل
يرب إلى أن أعلن الشر كاتمُ
ألا جمح الغاوون فيك جماحهم
فهيهات تجدي بعد هذا الشكائمُ
تولوا سراعًا حين سلت بواتر
وعادوا سراعًا حين صلت دراهم
فجاءوا يسوسون الأنام سياسة
«سدًى لم تسسها قبل ذاك البهائمُ»
فكم عالم صاحوا به أنت جاهل
وكم جاهل قالوا له أنت عالمُ
أقاموا وما فيهم عن الزور تائب
وظلوا وما فيهم على الختل نادمُ
عزيز علينا أن ذا الملك زائل
وأن الذي قد أذهب الملك دائمُ

•••

صحا كل شعب فاسترد حقوقه
فيا ليت يصحو شعبك المتناومُ
هو الشعب أفنى دهره وهو خادم
وليس له فيمن تولاه خادمُ
يقلَّب من عهد لعهد على الأذى
إذا زال عنه غاشم جد غاشمُ

•••

أعادينا حكمتمو السيف بيننا
فجار وحكم السيف كالسيف صارمُ
فلا تطمعوا أن تهضمونا بهذه
فليس لحر في البرية هاضمُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤