الفصل السابع عشر

يوم التتويج

خيم الحزن على حياة توم في القصر. فكانت المملكة لا تزال تبكي الملك هنري، كما أن الأسى الذي كانت تشعر به إليزابيث وجين أزعج توم أيضًا. لكن مع كل هذا، كان توم يتعلم كيف يستمتع بحياته كملك قادم. فكان يقرأ الكتب متى يشاء، ويطلب رؤية إليزابيث وجين متى يشاء أيضًا. كان بإمكانه تناول جميع أنواع الطعام التي يشتهيها. وحتى مراسم ارتداء الملابس وخلعها كان يستمتع بها. لقد أحب ملابسه الثمينة وطلب المزيد منها. وكان مولعًا بوجه خاص بسماع النداء: «افسحوا الطريق أمام الملك.» كلما دخل أي غرفة.

هل فكر توم في الملك الشرعي؟ ذلك الصبي الذي لا يزال مفقودًا في مكان ما بهذا العالم؟ في الأيام القليلة الأولى، أضناه الشعور بالذنب والقلق. لكن سرعان ما تلاشت هذه المشاعر، بل وتلاشى كذلك قلقه على والدته وأختيه. وعندما كان يفكر فيهن — بملابسهن الرثة وشعرهن الأشعث — كان يشعر بقشعريرة في جسده. وفي النهاية أصبح بالكاد يفكر فيهن.

في صباح يوم التتويج استيقظ توم على صوت موسيقى. كانت هذه الموسيقى تُعزف خصيصًا من أجله؛ فهذا هو اليوم الذي سيصبح فيه ملكًا متوجًا. كان الفرح والابتهاج يعمَّان أرجاء البلاد. وشعر توم بفرحة عارمة بلا شك.

وعند وصول توم إلى الكنيسة، أُرشد إلى واجهتها. نظر توم إلى الناس المجتمعين حوله، وكانوا جميعهم سعداء ومتحمسين. هللوا لحضوره وصاحوا: «الملك إدوارد.» وامتلأ قلب توم بالفخر، وشعر أنه ما من شيء أكثر أهمية من أن يكون المرء ملك إنجلترا.

وفجأة وقعت عينا توم على والدته، فصعقته الصدمة، ووضع يده أمام وجهه، مع توجيه راحتها للخارج، ليحجب رؤيته. تذكرت والدته هذه الإيماءة، فعلمت على الفور أنه ابنها!

اندفعت الأم تشق طريقها لتصل إلى مقدمة الجمع وأمسكت بذراعه، وقد بدأت تبكي. قالت منتحبة: «آه، يا بني! حمدًا لله على سلامتك! لقد صليت من أجلك كل ليلة وكل صباح.» ونظرت إليه والسعادة تملأ وجهها.

كان توم على وشك أن يقول: «أنا لا أعرفك» عندما سحبها أحد الحراس من أمام توم، وألقى بها على الأرض موجهًا إليها تهديدًا صارمًا. وعندما رأى توم أمه وهي تقع، كاد قلبه ينفطر، وانمحى شعوره بالفخر سريعًا. ولأول مرة منذ أسابيع، لم يرغب توم في أن يكون ملكًا.

استمر الجمع في الهتاف باسم الملك إدوارد، لكن توم لم يستطع سماعهم. فقد عاوده الشعور بأنه محاصر، وكان الشيء الوحيد الذي يمكنه سماعه هو صوته، فأخذت كلمات «أنا لا أعرفك» تتكرر مرارًا وتكرارًا في رأسه.

لاحظ لورد هيرتفورد أن توم مخفوض العينين وترتسم على وجهه نظرة حزينة، فهمس له: «جلالتك، سيلاحظ الناس أنك غير سعيد، وهذا لا يصح اليوم. يجب أن تبتهج حتى يبتهجوا هم أيضًا.»

نظر توم إلى هيرتفورد، وكان خائفًا من الانخراط في البكاء. وقال بهدوء: «لكن هذه السيدة أمي.»

شهق لورد هيرتفورد. لقد عاد الملك إلى جنونه من جديد! لقد ظنوا جميعًا أن الصبي قد أخذ يتعافى. لا بد أن السبب هو الإثارة التي يحملها اليوم. وفكر هيرتفورد: «لا بد أن نراقبه جيدًا تحسبًا لأن يقول أكثر مما يجب قوله.»

قاد هيرتفورد توم إلى العرش، الذي كان موجودًا على منصة خاصة بحيث يتمكن كل من في الكنيسة من رؤيته. جلس توم ببطء شديد، ونظر حوله. كان الجمع هادئًا أثناء انتظارهم لوضع التاج على رأسه. وكان الصوت الوحيد الذي تمكن توم من سماعه هو صوت أنفاسه، حيث كانت عالية للغاية.

حمل رئيس أساقفة مدينة «كانتربري» التاج الملكي، وسار باتجاه توم. وأمسك بالتاج فوق رأس الصبي، وتلى صلاة قصيرة. وفي اللحظة التي كان رئيس الأساقفة على وشك وضع التاج على رأسه، صاح صوت ما قائلًا: «أمنعك من وضع تاج إنجلترا على رأس هذا المدعي. أنا الملك الحقيقي!»

أحاطت على الفور مجموعة من الحراس بإدوارد. وبينما كانوا يحاولون سحبه من الكنيسة، سمعوا صوتًا آخر.

قال توم: «توقفوا! اتركوه. إنه الملك!»

بدأ الجمع في التمتمة والاهتياج. ما هذا الذي يحدث؟ لم يشهد أحد شيئًا كهذا من قبل.

خطا هيرتفورد إلى مقدمة المذبح، وصاح: «لا تفزعوا! يعاني الملك فقط من إحدى نوباته. لا تعيروه انتباهًا.» وأشار هيرتفورد إلى إدوارد، الذي لا يزال محاطًا بالحراس. «أخرجوا هذا المتسول من هنا على الفور.»

قال توم: «لا تلمسوه. آمركم أن تتركوه.» فحرر الحراس إدوارد من قبضتهم. «أنا أخبركم أنه ملك إنجلترا الحقيقي.»

سار إدوارد إلى المذبح وصعد الدرجات، وركض توم للقائه، وعانقه بحرارة.

قال توم: «أنا سعيد للغاية لأنك عدت أخيرًا.» واندهش توم لمدى الراحة التي شعر بها الآن بعد انتهاء الأمر.

شهق كل من في القاعة عندما وقف الصبيان جنبًا إلى جنب. فكانا متطابقين. هل يُعقل أن ملك إنجلترا كان يعيش حياة الفقراء؟ وهل كادوا يتوجون أحد الفقراء ملكًا على إنجلترا؟

قال هيرتفورد: «هذا مربك للغاية. لست متأكدًا مما يجب فعله.»

قال إدوارد: «اطرح عليَّ سؤالًا، أي سؤال له علاقة بالبلاط الملكي.»

وهكذا سأل هيرتفورد وبعض اللوردات الآخرين إدوارد بعض الأسئلة، التي أجاب عن جميعها إجابات صحيحة. وشعر توم بالإثارة، فيبدو أنه سيتمكن من العودة للمنزل قريبًا.

وأخيرًا قال هيرتفورد: «أعترف أن هذا مثير للغاية، لكن ملكنا الصغير يمكنه فعل الأمر نفسه، وهذا ليس إثباتًا على أن المتسول هو الملك.»

خطا اللورد الوصي إلى الأمام، وقال: «لديَّ سؤال، إذا كنت الملك الحقيقي، فسوف تعرف الإجابة عنه. أين الختم الملكي؟ إنه مفقود منذ عدة أيام.»

بدا إدوارد مدهوشًا، فهو لا يتذكر أين رأى الختم الملكي آخر مرة.

حاول توم، ملاحظًا ارتباك إدوارد، مساعدته. «أرجوك أن تمعن التفكير، جلالتك، وأنا موقن أنك ستتذكر. ماذا فعلت آخر يوم لك في القصر؟»

نظر إدوارد إلى توم. إنه يقدر مساعدة هذا الفتى، ربما لا يكون سيئًا كما اعتقد. «حسنًا، كنت أعمل مع لورد هيرتفورد في غرفتي، وكان الختم الملكي معنا آنذاك!» بدا إدوارد راضيًا عن نفسه. «وقد تركت أوراق عملي على المكتب وخرجت لأتريض في الفناء، حيث رأيتك عند البوابة.» وأومأ إدوارد برأسه لتوم.

«وعدنا إلى غرفتي لنتناول الطعام، وتبادلنا ملابسنا، ثم ركضت أنا خارجًا لأتحدث مع الحراس …» صمت إدوارد لحظة، ثم صاح: «انتظر، أتذكر الآن. قبل أن أترك الغرفة، خبأت أوراق عملي والختم الملكي.» وأخبر إدوارد اللورد الوصي أن يبحث في درج سري بالجزء الخلفي من مكتبه، وسيعثر على الختم الملكي هناك.

انتظر جميع من في الكنيسة، والهدوء يخيم عليهم، بينما فتش اللورد الوصي وبعض الحراس المكتب. حدق توم وإدوارد أحدهما في الآخر بعينين متسعتين. لا يصدق أي منهما أن هذا الأمر قد أوشك على الانتهاء. وتلا كلاهما صلوات في صمت داعين الرب أن يعثر الحراس على الختم الملكي.

ركض اللورد الوصي عائدًا إلى الكنيسة، وقد أمسك الختم الملكي رافعًا إياه عاليًا في الهواء، وبدأ الجميع في التهليل.

– «عاش الملك الحقيقي! عاش الملك إدوارد الحقيقي!»

سار توم بعيدًا عن العرش، وخلع رداءه وقدمه لإدوارد.

أشار اللورد الوصي إلى توم. «أيها الحراس! خذوا هذا المحتال إلى السجن!»

قال إدوارد بحزم: «كلا! فلولاه ما تمكنت من استعادة مُلكي. لا يؤذي أحد هذا الصبي، إنه صديق مخلص.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤