من فلورنس إلى ميلانو

لما فرغنا من زيارة أهم متاحف فلورنس وآثارها سافرنا إلى مدينة ميلانو، فركبنا من الفندق سيارته في الساعة الواحدة مساء وقصدنا محطة فلورنس، ولما وصلنا إليها ألفيناها فسيحة ضخمة البناء تفوق محطة رومة أبهة وعظمة. ونقدنا سائق السيارة عشر ليرات، كما أعطينا الحمَّال ستًّا. وبعد نصف ساعة من وصولنا إلى المحطة قام بنا القطار ولم يكن مزدحمًا، وسار بنا نحو ساعة ونصف ساعة وسط مروج يانعة خضراء وحدائق غنَّاء وتلال عالية تحف القطار من جانبيه، مكسوة بالأشجار الباسقة. وبعد هذا اخترق القطار بنا جبال الألب العظيمة يتبع في سيره ما ذُلِّل منها، يلتوي التواء الثعبان فتارة ينعطف وأخرى ينثني وطورًا يدخل في نفق تحت جبل شامخ وآخر يعبر قنطرة عظيمة تحتها وادٍ عميق.

ولا أبالغ إذا قلت إنا كنا كل عشر دقائق ندخل في نفق تحت جبل عالٍ حتى ضاقت أنفاسنا وأخذنا الدوار، لكثرة استنشاق دخان الفحم المحصور في الأنفاق، والذي يتسرب إلينا من نوافذ القطار فنضطر إلى إقفالها.

وقد يدرك الإنسان الخوف والفزع لمروره تحت هذه الجبال الشامخة خصوصًا من لم يتعودها، ولو اتصلت هذه الأنفاق بعضها ببعض لكوَّنت نفقًا أطول من نفق سمبلون الذي سنذكره عند سفرنا إلى سويسرا. كل هذا ونحن نشاهد المنازل منتشرة فوق سفوح الجبال وقممها وبطون الوديان، تفصلها بعضها عن بعض مسافات كبيرة، تغمرها جميعها الأشجار والأزهار فمناظرها من أشهى ما رأت العين. ولقد يأخذك العجب وتدركك الحيرة لمشاهدة هذه المنازل لأول مرة، لحسنها وجمالها، وبداعة ترتيبها وتنسيقها، وعظيم موقعها، وكيف يعيش سكان المنازل المنتثرة هنا وهناك في أمان واطمئنان على أنفسهم وأموالهم، ومن أين يحضرون ما تحتاج إليه منازلهم من ضروريات الحياة، وما الذي يساعدهم على الصعود إلى المنازل فوق قمم الجبال والتلال ذهابًا وجيئة! وكل منزل من هذه المنازل يُمهَّد له طريق جميل تحفه الأشجار من الجانبين، يغني السير فيه عن رؤية الحدائق واستنشاق هوائها، ولا يتسنى لكاتب مهما بالغ في الوصف أن يصف تلك المناظر البديعة والمشاهد الجميلة.

ولا ترى في هذه المسافات الكبيرة إلا أجزاء صغيرة من الأرض مدحوَّة لا تكاد تُذكَر بجانب المرتفعات، ولذا كان القطار لا يجد جزءًا سهلًا يسير فيه بل تعترضه الجبال العالية، فلا يتخلص منها ولا يتغلب عليها إلا بمروره تحتها وانحنائه لعظمتها وجبروتها والالتجاء إلى أحضانها وخضوعه لكبريائها، وكلما خرج القطار من نفق أسرعنا إلى فتح النوافذ لنستنشق الهواء النقي ولنرى ما هيأه الله من مناظر الطبيعة وجمالها وحسنها وبهائها الذي يأخذ بالألباب، ولنرى قدرة الله الباهرة القاهرة التي كوَّنت تلك المناظر ورفعت الجبال وخفضت الوديان وأجرت المياه وأنبتت الأشجار الضخمة الباسقة.

في كل ناحية سلكت ومذهب
جبلان من صخر وماء جاري

ولقد كنت أقف أمام عظمة هذه الجبال وانخفاض الوديان وخرير الماء باهتًا خاشعًا متعظًا.

وما زلنا على هذا الحال حتى وصلنا إلى محطة «بلوتي» في الساعة السادسة، وفيها انتظر القطر أربعين دقيقة، وهي محطة كبيرة واسعة ملتقى عدة خطوط، وفيها يغير المسافرون طريقهم فمنهم الذاهب إلى «ميلانو»، والذاهب إلى «فنيسيا»، والذاهب إلى «تورينو».

وبعد أن بارح القطار هذه المحطة سار في سهل لومباردي المشهور، وهنا يعجز القلم عن وصف نظام مزروعاته، وحالة الري فيه، وخصوبة الأرض: ترى المزارع مقسمة تقسيمًا هندسيًّا بديعًا، فترى في نحو كل عشرين مترًا صفين من الأشجار القصيرة التي لا تزيد على أربعة أمتار، في جذع كل شجرة منها كرمة عنب تعلق فروعها بتلك الأشجار فتقوم مقام الحوامل عندنا «التكعيبة» لقرب الأشجار بعضها من بعض، وتمتد فروع العنب من شجرة إلى أخرى فتعلق بها فتكوِّن حبالًا من الخضرة تربط كل الأشجار بعضها ببعض، وتتدلى عناقيد العنب من خلال الأشجار فيحدث لونان من الخضرة؛ خضرة الأشجار وفروعها، وورق العنب وعناقيده، فترى منظرًا تشتهيه النفس وتتمتع به العين وينشرح له الصدر.

فالسائر فيه لا يرى مزارع كما يرى في بلادنا، وإنما يرى حديقة غنَّاء فيحاء لا نهاية لها مشتبكة الأغصان، وحبالًا من الخضرة الجميلة النضرة ممتدة بين الأشجار لا يدرك الطرف آخرها، وهذا كله بفضل المهندسين وعناية أصحاب المزارع بها، والبحث وراء ما يمكن الانتفاع به من حقولهم ومزارعهم. مع أنك لو ضاهيت أرضهم بأرض الدلتا لوجدت أرض الدلتا أخصب منها، ومع ذلك لا ترى فيها شيئًا يلفت نظرك كما ترى في سهل لومباردي، لا ترى فيها ترتيبًا وتنسيقًا ونظامًا واعتناءً. ولو عُنِي بها أهلها كما عُنِي الإيطاليون لأصبحت جنة يانعة قطوفها دانية، وفاقت كل سهول العالم إنباتًا وإنتاجًا. ومن هذا يظهر الفرق بين الأمم المتمدينة التي تخلق من الصحراء جنة خضراء، وبين الأمم الأخرى التي تهمل الأرض الخصبة الجميلة حتى تصبح قاحلة جرداء.

وإنك لترى الفلاحين في أوروبا يزرعون قمم الجبال والتلال، وينقرون صخورها ليبذروا فيها أنواع الحبوب، فيجنون منها ما يقوم بحاجاتهم. وأكثر مزروعاتهم في سفوح الجبال والتلال وعلى قممها، لأنك لا تجد أرضًا سهلة مدحوَّة كما تجد في بلادنا إلا نادرًا. ولم أرَ في سياحتي هذه سهلًا منبسطًا إلا سهل لومباردي وجزءًا من شمالي فرنسا، وأما غير ذلك فكله تلال وجبال ووديان تتخللها أجزاء قليلة جدًّا مدحوَّة، مع أن عندنا كثيرًا من الأرض الواسعة السهلة التي تصبح بعد إصلاح هين من أخصب الأراضي.

وقد قضيت أكثر المسافة بين فلورنس وميلانو واقفًا لأمتع النظر بتلك المشاهد الجميلة والمزارع النضرة، وما فيها من التنسيق والنظام.

وقد يمر على ركاب الدرجة الأولى والثانية خادم معه تذاكر يقدمها لمن يريد تناول الطعام في القطار، فأخذت منه تذكرة فلما حان وقت العشاء دق الجرس في كل حجرة من حجر القطار إذ كانت الساعة السابعة مساء، فذهبنا إلى ردهة الأكل وهناك قُدِّم لنا طعام شهي جميل، يدعو النفس إلى الرغبة في تناول الطعام بشهوة، وفي أثناء ذلك كنا نمتع الطرف بتلك المناظر والمشاهد الجميلة. وقد دفعنا في هذه الأكلة إحدى وعشرين ليرة بما في ذلك زجاجة من ماء «أفيان»، ولم أكن قد تناولت الطعام في قطار في أوروبا قبل ذلك، ولذا كنت مسرورًا جدًّا من هذه الأكلة الشهية ونظامها وجودة الخدمة، وقد استغرقنا فيها نحو ساعة ونصف ساعة. ونظام الأكل هناك أحسن بكثير من نظامنا في قطرنا من حيث الخدمة والطهي والثمن ونظافة الخدم والنشاط والحركة، ولكثرة الراغبين في الأكل لا تسعهم العربة دفعة واحدة ولذا فإنهم يأكلون على دفعتين.

وما زال القطار يجدُّ في السير بسرعة كبيرة حتى وصلنا إلى مدينة ميلانو في الساعة العاشرة والنصف، فيكون القطار قد قطع المسافة بين فلورنس وميلانو في ثماني ساعات. ومحطة ميلانو فخمة وكبيرة جدًّا، وقد يستمر القطار سائرًا في ضواحيها نحو عشر دقائق. وقابلنا مندوبو الفنادق كالعادة فاخترنا النزول في فندق «جراند»، ثم ركبنا سيارته الضخمة التي تناسب ضخامته وفخامته وسارت بنا حتى وصلنا إليه بسلام، وهو يُعَد من أفخم الفنادق في ميلانو. وبالطابق الأول منه ردهة فخمة مفروشة بأفخر الأثاث والرياش تزينها عدة أشجار وأزهار نضرة، ثم أصعدنا الخادم في المصعد إلى الطابق الثاني فألفينا غرفه من أفخم الغرف تحتوي كل غرفة على ما يريح السائح حتى المسرة «التليفون» بجوار السرير بحيث تطلب ما تريد من الفندق أو خارجه وأنت مضطجع على مهدك، حوائطها مزخرفة بأحسن الزخرف حتى يُخيَّل للرائي أنها مكسوَّة بالمخمل المزركش، وعلى الجملة فكل غرفة فيها معدات الراحة مع الأبهة والعظمة. وأجرة مبيت الليلة مع تناول الطعام ثمان وثمانون ليرة عدا ضريبة الترف التي تُضرَب على كل نازل فيه، فإن الحياة فيه تكاد تكون من الطراز الأول، وكذلك غير ضريبتَي الخدم والحكومة التي تختلف ما بين ١٠ و١٥ في كل مائة. وقد استرحنا في هذا الفندق ونمنا نومًا هادئًا ملء جفوننا، وفي البكور تناولنا طعام الإفطار ثم خرجنا لنرى مشاهد المدينة والحركة فيها.

(١) ميلانو

هي قصبة إقليم لومباردي الشهير بالإقليم العالي في إيطاليا، ولها أهمية كبرى لأنها من أكثر مدن إيطاليا سكانًا كما كانت كذلك قديمًا. وقد اشتُهِرت في القرن الخامس عشر بأشياء كثيرة أهمها صناعة التصوير، ولا تزال تلك الشهرة حتى الآن، وقد رأينا كثيرًا من التصاوير في أغلب مدن إيطاليا كُتِب عليها «طُبِعت في مدينة ميلانو»، وقد نبغ فيها في ذلك العهد عدد كبير من المصورين الذين اشتُهِروا في إيطاليا وغيرها، وهي الآن من أهم مدن إيطاليا حركة وتجارة وثروة وصناعة، خصوصًا صناعة الحرير التي فاقت فيها أكثر مدن أوروبا، والذي ساعدها على ذلك كثرة ما يُزرَع من شجر التوت في إقليم لومباردي الذي هو الغذاء الوحيد لدودة القز.

figure
داخل تياترو ألاسكالا في ميلانو.

ولم أرَ في جميع المدن التي زرتها في إيطاليا مدينة أكثر منها معادن وصناعة، حتى إن القُطُر التجارية تدخل مساء في بعض شوارعها العظيمة تنقل كثيرًا من العمال الذين يتهافتون تهافت الفراش على النار فيملئون داخله ويركبون سطوحه ونوافذه إلى محالِّ سكناهم في ضواحي المدينة، وقد يكون المنظر غريبًا خصوصًا لمن لم يرَ بلاد عمال قبل ذلك. وشوارعها كأحسن الشوارع التي رأيتها في مدن نابلي ورومة وفلورنس من حيث الاتساع والنظافة والنظام، وتزدحم ازدحامًا كبيرًا عند الغروب حتى يسير الناس متكاتفين. ويهولك منظر الجلاريا التي هي على مثال جلاريا نابلي، والناس يقصدونها عصرًا للتفرج على دكاكينها وقهواتها وما بها من السلع وأنفس البضائع التي تسر النفس، فيختلط الرجال بالنساء ذهابًا وجيئة، فيكون لاجتماع الناس فيها منظرًا يلفت النظر. والجزء المشيد بها حديثًا من أحسن ما يرى الرائي، لأنه قائم على نظام واحد وترتيب جميل شوارعه متسعة متوازية تسير على اتجاه واحد، تقاطعها عدة شوارع أخرى متوازية أيضًا كأنها قُسِّمت ونُظِّمت ونُسِّقت بيد مهندس بارع واحد وشُيِّدت مبانيها في زمن واحد على طراز واحد على أحدث ما يكون من النظام الحديث الجميل. وقد سُرِرت جدًّا من منظرها، ولم أرَ مثل اتساع هذه الشوارع إلا في مدينتَي باريس ولندن، ولقد ترى حوانيتها غاصَّة بأنواع السلع الجميلة البديعة، ومع أنها مدينة صناعية فإن سلعها أغلى قيمة. وأهم هذه الشوارع شارع «فيكتور عمانويل»، وهو يشطر المدينة شطرين عظيمين ويتصل بشارع «فنيسيا»، وهما يوصلان إلى حديقة المدينة العمومية، وهي واقعة في ميدان فسيح الأرجاء يُسمَّى ميدان «كافور»، يقصدها الناس بياض النهار وهزيعًا من الليل ليستنشقوا هواءً نقيًّا. وقد دخلتها فإذا هي جنة عالية قطوفها دانية ظلال أشجارها وارفة، أفنانها كثيرة ممتدة يشتبك بعضها ببعض فتكوِّن سماء من الخضرة الفاخرة تحوي كثيرًا من الأشجار التي تعبق منها الروائح العطرية، ويحمل نسيمها إلى الأنوف شذا عَرْفها الزكي فينعش النفوس الخامدة. فجذبني جمالها وحُسن منظرها وضخامة أشجارها ونضرة أزهارها إلى الجلوس على أحد مقاعدها التي صُفَّت على جانبي طرقاتها وشوارعها، فأقمت بها ساعة قيدت فيها مذكراتي عما شاهدته في ذلك اليوم. وتمتاز عن حديقتَي رومة ونابلي بأنها منسَّقة مرتبة عامرة، أُقِيمت في ثنايا أشجارها وأزهارها عدة تماثيل مختلفة الأشكال والرموز لكثير من عظماء الرجال في إيطاليا. وقد خرجت منها قاصدًا مشاهدة كنيسة ميلانو الشهيرة، وهي أهم ما يقصده السائح في هذه المدينة القليلة الآثار. وإني وإن كنت قد مللت وصف الكنائس في رومة وغيرها إلا أني أعد نفسي مقصِّرًا إذا تركت وصف هذه الكنيسة التي تُعَد من عجائب الدنيا، والتي لا تزيد عنها سعة إلا كنيسة ماري بطرس برومة، ولأن السائح لا يقصد زيارة ميلانو إلا ليرى كنيستها العظيمة.

(١-١) كنيسة ميلانو

كنيسة ميلانو واقعة في ميدان فسيح وسط المدينة، وهي من كنائس الدرجة الأولى في زخرفتها وجمالها وضخامة بنائها وجمال منظرها وأبهتها وعظمتها وما فيها من تماثيل القديسين من الأحجار والرخام في سقفها وجدرانها داخلًا وخارجًا، لها منظر من الخارج ليس لكنيسة في الأرض مثله، وكل مبانيها داخلة وخارجة مزينة بالتماثيل الجميلة الكثيرة المنوَّعة. ولقد ينظر إليها المرء فتهوله الحراب المصوَّبة إلى كبد السماء بأيدي التماثيل الكثيرة كأنها تتهيأ للطعن والنزال، وهي في نهاية قباب مدرجة تعلو بعضها بعضًا، وفي رءوس مبانٍ كالمسلات المصرية ينتهي أعلاها كتلك التماثيل ويُخيَّل للناظر إليها أنها ليست مباني، بل هي رسوم وأشكال هندسية جميلة كأنها أخشاب مخرمة تُمثَّل فيها تلك الأشكال والرسوم، وقد أحصى بعضهم ما فيها من التماثيل داخلًا وخارجًا فألفاها ستة آلاف. فإذا صعد الإنسان على سلم الكنيسة يرى أمامه خمسة أبواب أكبرها الأوسط، فيدخل منه الزائر فيرى أعمدة ضخمة عريضة كالحنايا (البواكي) تنتهي في أعلاها بتيجان محاطة بالتماثيل، وتنتهي هذه بقباب غاية في الإبداع مخرمة كالتي تُصنَع في نوافذ المساجد عندنا، وفي جوانبها وأركانها عدة مذابح للسيدة مريم حاملة السيد المسيح عليه السلام وهو صغير، وأمام بعضها كاهن يصلي بالناس وهم ركوع يستمعون لما يُتلَى عليهم غاية في الخشوع والتبتل.

figure
كنيسة الديمو بميلانو.

ومما يلفت النظر من هذه المذابح مذبح عظيم موقدة أمامه الشموع الكثيرة فيه تمثال السيدة مريم محلَّاة بالجواهر والأحجار الكريمة يكتظ أمامها الزائرون، وأمام تمثالها صندوق في أعلاه ثقب يقذف فيه الزائرون كثيرًا من النقود. ويرى الداخل أمامه مذبحًا كبيرًا يلتف حوله كثير من الرهبان يتلون شيئًا وهم وقوف، يُسمَع لهم ضجيج كضجيج مرتلي «دلائل الخيرات» في الأضرحة. وكل مسيحي يركع أمام تمثال السيدة مريم قبل مبارحة الكنيسة. وتبلغ مساحة هذه الكنيسة العظيمة أربعة عشر ألف متر وتسع نحو أربعة آلاف نفس، ويبلغ طولها من الداخل اثنين ومائة متر في عرض ستة وتسعين، وعلوُّها نحو مائتين وعشرين قدمًا.

والكنيسة كلها مشيدة من الرخام الجميل، مقامة على اثنين وخمسين عمودًا يبلغ محيط كل منها اثنى عشر قدمًا، سقفها من الرخام المختلف الألوان وبها عدة شبابيك ونوافذ صُنِعت ألواحها الكبيرة من قطع الزجاج المختلف الألوان، ويبلغ ارتفاع بعضها نحو خمسة عشر مترًا في عرض خمسة أمتار، رُسِم عليها عدة أشكال تمثل حوادث الإنجيل والتوراة. ولا يقل عدد هذه القطع في كل نافذة عن خمسين وثلاثمائة، وهي من أثمن ما رُسِم على الزجاج من الصور المتقنة يُخيَّل للناظر إليها أنها حقيقة لولا ما ينقصها من الحركة. ويد الإصلاح والزخرف دائمة العمل فيها من يوم أن أُنشِئت إلى الآن، والعين المجردة لا تتبين ما في سقفها من الزخارف والنقوش، ولذا تجد كثيرًا من السائحين يستعينون بنظاراتهم لرؤية ما بسقفها من دقائق الصناعة والزخرف والنقش. ولهذه الكنيسة برج عالٍ يصل الإنسان إلى أعلاه بعد أن يصعد ثلاثمائة درجة. ولما كانت هذه المدينة قليلة الآثار والمتاحف لم نمكث فيها كثيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤