الفصل الثامن

المنطقة الخليفية

هذه المنطقة هي جزء طبيعي جغرافي تاريخي أثنولوجي من المغرب الأقصى، بل من سائر المغرب الذي يشتمل على تونس والجزائر وطرابلس الغرب، وليس لها حدود طبيعية غير البحرية. ذكرت منها، في فصل سابق، الحد الشمالي، الذي يمتد من بحر الأطلنتيق إلى النهر الفاصل بينها وبين الجزائر أي نهر مُلويه، وعلى هذا الشاطئ الأفريقي من البحر المتوسط المدن الثلاث بمرافئها ومراكزها المهمة، أي طنجة وسبتة ومليلة  Malilla — وتُلفَظ بالإسبانية مليًّا — وهي كلها خارجة من حكم المنطقة الخليفية الإسبانية اليوم.
وليس للمنطقة على البحر المتوسط من البلدان غير بلدة وادْ مرتين التي تقدَّمَ ذكرها، وواد لَو Uad Lou على خمسة وعشرين كيلومترًا منها، وبورتو كباص Puerto Capaz،١ أو الجبهة على أربعين كيلومترًا من واد لو، وسنْخُرخُو البلدة الجديدة التي أُسِّسَتْ عند رأس جون الحُسيماس  Al hucimas بين ميناء كباص ومليلة، وسُمِّيَتْ باسم القائد سنخرخو Sanjurjo الذي نزل بعساكره هناك في ثورة عبد الكريم على الحكومة الإسبانية المحتلة البلاد. هذه البلدة هي الوحيدة التي تصلح أن تكون مرفأ للسفن التجارية، أما واد لَو وواد مرتين وبورتو كباص فيتعسر الوصول إليها في غير المراكب الشراعية أو التجارية التي ترسو بعيدًا من الشاطئ.
ومما هو جدير بالذكر أن أكثر الأسماء لهذه الأماكن — الرءوس البرية والخلجان والفراض — هي إسبانية أطلقها عليها الإسبان الذين احتلوها أو نزلوا فيها صائلين أو محتلين في الماضي، كما فعلوا حديثًا في بورتو كباص وسنخرخو، وليس بينها اسم عربي غير اسم واحد بربري هو «لَوْ» — واد لَوْ — اسم قبيلة من قبائل البربر القديمة. هذا في حدِّ المنطقة الشمالي، أما حدها البحري الغربي فهو يمتد من طنجة، والأصح من رأس سبارتِل في خط مستقيم جنوبًا إلى أصيلة فالعرائش، فنحو خمسة عشر كيلومترًا دونها ليس على هذا الشاطئ من الفِراض المهمة غير هاتين الفرضتين، وقد تغلَّب اسماهما العربيان على الأسماء القديمة، وما تغيَّرَ في الحروب والغزوات والاحتلالات المختلفة التي تخلَّلَتِ السيادة العربية فيهما.٢
هذا الحدان الشمالي والغربي ثابتان ما ثبتت البحار، ولا خلاف ولا جدال فيهما، وهناك الحد الشرقي بين هذه المنطقة والجزائر. من مصب نهر ملُويه، وراء جبل كبْدانة، إلى نحو سبعين كيلومترًا غربًا بجنوب، وفي الناحية الشمالية منه الجسر الدولي الواصل إلى الطريق بين مليلة ووَجْدة هذا الحد الشرقي، أي سبعون كيلومترًا من مصب ملُويه إلى أمشيرا كليلة Mexera Kalila، مثل الحدين الآخَرين، ثابت ما ثبت النهر، ولا خلاف فيه ولا جدال، ولا يُخشَى عليه — حتى لو كان اصطناعيًّا سياسيًّا — من تغيير أو تعديل، إلا إذا استفحل في هذا الصقع الأفريقي أمر المستعمرين، المخلدين اليوم إلى السكينة، أو اشتد ساعد الحكومة السلطانية الناهضة من كبوتها، فتحاول إحدى السلطات الثلاث أن تحقِّق — إذا استطاعت — حلمها بتوحيد البلاد، توحيدًا استعماريًّا، أو توحيدًا سلطانيًّا مغربيًّا علويًّا؛ عندئذٍ تشرب السياسة الوطنية — أو الاستعمارية — النهرَ، وتأكل الجبل!

بقيت الحدود الجنوبية بين المنطقتين الخليفية والسلطانية، وقَلَّ بين الحكومتين الإسبانية والفرنسية، وهي حدود اصطناعية دولية سياسية بكل ما في هذه الكلمات الثلاث من معاني الاستيلاء والاستعمار، والطمع والنزاع، والمناورات والمشادَّات، هي حدود متعقدة متعوجة متغيرة متنكرة متراجعة متقدمة، عملًا بما يطرأ من طوارئ الزمان على سياسة الدولتين المتجاورتين — المتحابتين! — من الإقدام والإحجام، لحفظ مصلحة، أو لتعزيز مراكز.

ومما يجب ذكره هو أن الحكومتين الفرنسية والإسبانية غير متساويتين في القسمة، وما كانت المساواة في الماضي — القريب لا البعيد — تستقيم بينهما، لا في قوة الأساطيل البحرية والجيوش، ولا في أسباب الاستعمار الأخرى، السياسية والاقتصادية؛ لذلك كانت هذه الحدود تتغير كل مرة يُعاد النظر فيها. تغيَّرَتْ ثلاث مرات بموجب المعاهدات الثلاث المعقودة بين الدولتين في سنوات ١٩٠٤ و١٩١٢ و١٩٢٥ التي تقدَّمَ ذكرها.

فقد كانت الحدود الأولى تمتد من نهر ملُويه إلى المهدية على شاطئ الأطلنتيق عند مصب نهر الصبو، أي مائة كيلومتر من العرائش، ثم تغيَّرَتْ في المعاهدة الثانية فنُقِلت غربًا إلى قرب العرائش — شربت جنِّية الاستعمار النهر! — فالتقت بالنهر الآخَر لوكوس شرقي القصر الكبير، وماشته شرقًا إلى مكان في الأخماس يبعد نحو خمسة وعشرين كيلومترًا من شفشاون، ثم جنحت جنوبًا إلى باب زيتونة، فجنوبًا بشرق إلى نهر الوطا على نحو أربعين كيلومترًا من كتامة، فشرقًا بشمال إلى جزناية، فأكلت نصف الجبل، وراحت تتعرج وتتبختر إلى أمشيرا على نهر ملويه.

وفي معاهدة سنة ١٩٢٥ انتقلت الحدود للمرة الثانية والثالثة من المنطقة السلطانية إلى المنطقة الخليفية نحو كيلومترين من الناحيتين الغربية والشرقية، ومن خمسة إلى عشرة كيلومترات في الوسط، فدنت من كتامة وجاورت ترغوستْ.

أما الحدود الحاضرة فقد راحت تغزو المنطقة الخليفية، فتقدَّمَتْ من العشرة إلى العشرين كيلومترًا في الوسط، بين قبائل بني أحمد وبني خالد، وعشرة كيلومترات في جزناية، وعشرة أخَر في الناحية الشرقية، في أراضي بني بويحي.

هذا ما ربحه الفرنسيون في تعديل الحدود وما خسره الإسبان، ولولا الاثنان الموكلان بحماية المغرب لما كان أهل المنطقة الصغيرة يشكون تجاوز أهل المنطقة الكبيرة، ولما كان هناك من كسب أو خسارة، ولما كان هناك من حدود، ولما انقسمت بسبب هذه الحدود بعض القبائل، فأمسى نصفها في المنطقة الشمالية والنصف الآخَر في المنطقة الجنوبية، وفي ذلك ما فيه من حوافز النزاع والتعدِّي والقتال على الحدود، كما نعلم من عرب البادية على حدود العراق ونجد، واتصال أسباب النزاع والقتال بالدولتين المسئولتين عن الأمن والسلام في المنطقتين.

لست أدري، ولا رغبة لي في كشف الستار — لو كان ذلك ممكنًا — ما كان يتلوَّن بين المتفاوضين الفرنسيين والإسبان بشأن هذه الحدود. فبأي شيء وبأية مصلحة كان يتذرع الفرنسيون فيطلبون التغيير والتعديل، وأي شيء، أو أي خوف، أو أية سياسة داخلية أو خارجية كانت تحمل الإسبان على القبول؟ قد تكون المسألة محض شخصية في المتفاوضين — أصحاب السعادة الفرنسية والإسبانية — فيتغلَّب الفرنسيون بذكائهم أو بكياستهم أو بالاثنين معًا على الإسبان، أو تكون ناشئة عن تفاوت في قوى الحكومتين ونشاط سياستهما، فتفرض الواحدة إرادتها على الأخرى.

– لا علم لي بأسرار سياسة المفاوضات، إنما أنقل كلمةً لموظف إسباني كبير في المغرب. قالها وهو يطلعني على الخارطة الشاهدة في خطوطها على التعديلات الثلاثة: مثلنا مع الفرنسيين مثل الجبنة والقط، ففي كل معاهدة يأكل القط قطعة من الجبنة، فصرنا نخشى المعاهدات، ولكننا اليوم — وإن تأخرنا — على حذر.

سألت: كيف يحمون الحدود الجنوبية؟ فقال: إنهم بنوا الحصون على طول الخط، وإذا الجيش المرابط هناك لا يقل عن الأربعين ألف جندي، وللفرنسيين ولا ريب مثلُ هذا الخط على حدودهم، وأكثر من هذا العدد من الجنود.

خط ماجينو، وخط سيغفريد، في المغرب الأقصى.

ومَن ذا الذي يقوم بدفع النفقات؟ المغرب، يا بني، المغرب!

هذه المنطقة، في خطها البحري وبعض جبالها وسهولها، كما في مساحتها وعدد سكانها، هي شبيهة بلبنان، طولها ثلاثمائة وعشرون كيلومترًا، ومعدل عرضها سبعون،٣ فتبلغ مساحتها اثنين وعشرين ألف كيلومتر مربع، يتوطنها نحو تسعمائة ألف نفس،٤ ربعهم من الحضر بما فيهم من الإسبان،٥ وغيرهم من الأجانب، والباقي من القبائل غير الرحَّل — القبائل المزارعة.

وفي هذه المنطقة من الأنهر الكبيرة هي نهر مرتيل المجاور لتطوان، ونهر لوْ النابع من جبل شفشاون، الجاري بين جبال بني حسن وبني سعيد إلى واد لوْ فالبحر، ونهرا النكور والغيس إلى شرق وغرب بني وِرْياغِلْ إلى جون الحُسيماس شرقًا من سنخرخو، ونهر إيجان الذي يجتمع بنهر الكِرْت في الناحية الشرقية، ويجري في أرض بوغفر إلى المتوسط، ثم أكبرها وأطولها نهر ملويه، وهو ينبع من جبال الأطلس على نحو أربعمائة كيلومتر من البحر.

أما في الناحية الغربية، فأكبر الأنهر نهر لوكوس النابع من الجبال جنوبي شفشاون، الجاري غربًا إلى القصر الكبير، فالعرائش، فالأقيانوس. وهناك أنهر صغيرة تجف في الصيف مثل أنهر لبنان الشتوية.

في الوجهة البحرية إذن مصب الأنهار الكبيرة، وفيها حول تلك الأنهار أرض طيبة التربة، يُزرَع أكثرها، ويمكن زرعها كلها بعمليات هندسية لرفع مياه للري. إن قلب المنطقة المثمر لفي هذه الأودية والسهول — في واد مرتين وواد لوْ وفي الساحل الذي تقطنه قبائل مسطاسة وبني بو فراخ وبني يطْفِت وبقُوية شرقي الجبهة، ثم في وادي النكور في وسط المنطقة، وأراضي بني سعيد بين هذا الوادي ورأس البر الذي تقطنه بنو شيكر، ثم السهل الكبير بين مليلة ونهر ملويه. على أن أخصب أراضي المنطقة هي في الناحية الغربية بين أصيلة والقصر الكبير، من شاطئ الأقيانوس إلى الجبال التي تتراجع عنه نحو خمسين كيلومترًا، وتوازنها في الخصب سهول جبال الريف في الناحية الشرقية، هي كسهل البقاع في علوها عن البحر وفي شمول زرعها.

ولكنها كلها لا تبلغ ربع مساحة المنطقة، والثلاثة الأرباع الأخرى جبلية تتنوع تربتها، فتصلح في الروابي والأودية للزرع والغرس، وتتباين جدبًا وخصبًا في أعالي الجبال، حيث تكثر الأحراج في أماكن منها — سنمر بها — وتقل في غيرها لأسباب غير مجهولة، ستذكر في محلها. تلك الجبال يبلغ علوها الألفين والألفين والخمسمائة متر. رأينا الثلج على رأس جبل كتامة في يوليو، واجتزنا قبل أن نصل إلى البلدة المسماة باسمه، غابة من الأرز الشبيه بأرز لبنان، إلا في قدمه وضخامة أشجاره.

وهذه الجبال تتصل جنوبًا بسلسلة الأطلس الشهيرة الممتدة بفروعها الثلاثة من المغرب الجنوبي إلى الشرق الشمالي، فتدخل في أرض الجزائر عند وهران. إن أعلى القنن هي في السلسلة الوسطى، وإلى جنوبها وشمالها السلسلتان الأخريان المنخفضتان عنها، تفصل بينها جميعًا سهول وأودية وأنهار، وهي تدفع عن المنطقة الشمالية رياح الصحراء الجافة الحارة، أي السموم التي تُسمَّى خطأ في المغرب «سيروكو»، وهي تحريف شرقي «الشرقيات» في لبنان، وما هي في المغرب كذلك؛ لأنها تهب من صحراء الجنوب الكبرى، وتصل في جبهة الجزائر إلى البحر. أما في لبنان فالاسم ينطبق على حقيقتها؛ لأنها تهب من الصحراء السورية الشرقية.

ولا تشبه سلسلات الأطلس الثلاثة لبنان الشرقي والغربي، إلا إذا افترضنا سلسلة ثالثة في البحر قبالة صنين وضهر القضيب، فيكون لبنان من جبل الريحان إلى عكار شبيهًا بالأطلس الأعلى، وإلى جانبيه الغربي والشرقي السلسلتان الشبيهتان بالأطلس الجنوبي وصنوه الشمالي.

وفي هذه المنطقة سهول مرتفعة، كما قدَّمْتُ، شبيهة بسهل البقاع، أهمها وادي ملويه الكائنة في زاوية من الأطلس الأوسط وصنوه الشمالي، في امتدادهما إلى الجزائر واتصالهما بسهول وهران العالية. أما سهل ملويه فهو يرتفع من ألف وخمسمائة إلى ألف وسبعمائة متر عن البحر، فيكون أعلى من سهل البقاع، وفي خصبه إن لم يكن أخصب منه.

تُقسَّم هذه المنطقة إداريًّا، حذوًا لتقسيمها الجغرافي، إلى خمس إيالات، الجبلية (جبالا) حول تطوان، والغربية على البحر الأطلنتيق، والغماريَّة في الوسط، والريفية في الريف الغربي، والشرقية أي الناحية الشرقية من جبال الريف.

وهي تختلف في تربتها كما تختلف في شكلها الجغرافي، فيكثر زرع الحبوب في الإيالتين الغربية والشرقية، وتكثر الأغراس، وتختلف المزروعات في الإيالات الأخرى.

قد أسهبت في الوصف الجغرافي الذي تجف عنده صفحات الكتاب، ولكنه واجب لإتمام البحث والفائدة، وسأقدِّم الآن بعض الأمثلة لغلَّات المنطقة في إيالاتها الخمس، إثباتًا لما قلت في الأراضي التي تصلح، والتي لا تصلح للزرع. فالقمح والشعير — الحبوب على أنواعها — تكثر في الإيالة الغربية مثلًا، ويقل فيها غرس الأشجار المثمرة.

أمامي الآن تقرير الحكومة لسنة ١٩٣٤، وفيه أن الأشجار المغروسة في هذه الإيالة تبلغ مائتين وأربعة وثلاثين ألف شجرة، والأرض المزروعة قمحًا وشعيرًا تبلغ ثلاثة وستين ألف هكتار، أكثرها لقبائل بني عروس وبني غُرفُط وأهل سريف. ومما هو جدير بالذكر أن بني غرفط، القبيلة الجبلية في هذه الإيالة، تُكثِر من زرع الحبوب، وخصوصًا الحمص والجلبان — البسلَّة — فقد زرعت منها، بموجب إحصاء هذه السنة، ألفين وخمسمائة هكتار.

أما إيالة غمارة، فهي جبلية في مجملها، وتزيد فيها القرى على الزرع، وقد بلغ عدد أشجارها مليونًا ونصف مليون شجرة، وما تجاوَزَ زرعها الثمانية عشر ألف هكتار.

هذا التبايُن في القرى والزرع كائن أيضًا في إيالة الريف؛ فالأرض المزروعة فيها أربعون ألف هكتار، وتدنو الغراس في عددها من غراس الغمارة. أَضِفْ إلى ذلك أن فيها من القبائل الواسعة الأملاك أكثر من سواها، منها: بوفراخ، وورياغل، وبنو جميل، ويطفت، وبقُوية.

وفي هذه الولاية يزرع الحشيش، وهو غير محظور، الحشيش الذي يُسمَّى عندهم الكيف، تزرعه قبيلة واحدة فقط هي بنو سدَّات. فقد جاء في تقرير الحكومة أن بني سدَّات زرعوا في تلك السنة سبعة هكتارات من الكيف. قيل لي إن هذا الكيف المغربي لا يكف مثل الأفيون عند الهنود أو القنب عندنا؛ لضعف في مادته السحرية.

أعود إلى الإيالات وغلاتها، فالشرقية في بلاد الريف كثيرة الزرع أو الغرس، بلغت أرضها المزروعة تسعين ألف هكتار، وغراسها مائة وعشرين ألفًا، أكثرها لقبائل كبدانة وبني بويحيى وأولاد ستُوت وبني سِيدَل.

وأما إيالة جبالا — تطوان والساحل والجبال المجاورة — فهي في الوسط بين الإيالات في المزروع والمغروس من أرضها. إنما يكثر فيها التين والعنب، وأغنى قبائلها بنو حسان وبنو حرم وأنْجره والحوْر.

قد يستنتج القارئ من هذه الإحصاءات أن المنطقة غنية، وذلك خطأ؛ فهي زراعية، نعم، وأكثر سكانها من القبائل المزارعة، ولكن مجموع ما يُزرَع من الأرض ٢٢٥ ألف هكتار، منها ٢٠٠ ألف تُزرَع قمحًا وذرة وشعيرًا، والباقي يُزرَع بقولًا — الفول والحمص والجلبان والعدس. أما غلة المائتي ألف هكتار، فهي ٢٠٠ ألف قنطار من القمح، و٦٠٠ ألف من الشعير، و٢٧٠ ألفًا من الذرة.

يمكنني أن أقارن — وكتاب الأستاذ حمادة في اقتصاديات سوريا أمامي — بين غلة القمح في هذه المنطقة وفي سوريا مثلًا. ففي سنة ١٩٣٣ زُرِع من الأرض في سوريا ٤٨٥ ألف هكتار كانت غلتها ٣٢٧ ألف طن، أي أقل من ثلاثة أرباع الطن لكل هكتار.٦

وقد بلغت غلة الخمسة والأربعين ألف هكتار من القمح في المغرب سنة ١٩٣٤ مائتين وستة عشر ألف قنطار، أي أربعة قناطير وثلاثة أرباع القنطار لكل هكتار، ولكن المساحة في سوريا تزيد كثيرًا على المساحة المزروعة في المغرب، فضلًا عن أن الأرض التي تصلح للزرع في سوريا تبلغ أربعة ملايين هكتار، لا يُزرَع منها اليوم أكثر من نصفها.

أما الأشجار، فأكثر ما يُغرَس منها في المغرب الخليفي التين والكرم، ثم الزيتون واللوز، ثم المشمش والسفرجل والرمان والبرقوق والتفاح والقراصية التي يسمونها حب الملوك.

وأما عدد الأكثرية، أي التين والعنب، فهو ١٠١٣٥٠٠٠ شجرة، و٣٢٥٠٠٠٠ عريشة. يجيء بعدها الزيتون، وفي المنطقة منه مائتا ألف شجرة، ثم اللوز أربع وثمانون ألفًا، ثم الرمان والليمون وليس من كلاهما أكثر من أربعين ألف شجرة.

فأين هذه كلها مما في لبنان منها؟ أو من الزيتون في الأقل والليمون. فإن كانت تحلو لك المقارنة، فهذه الأرقام، مع كتاب الأستاذ حمادة، تمكنك منها. أكتفي أنا بالإشارة إلى الزيتون؛ فإن عندنا في لبنان من أشجاره ثلاثة ملايين، معدل غلتها السنوية ستة عشر ألف طن، أي أربعة وستين ألف قنطار، وفي هذه الإشارة تنتهي المقارنات والإحصاءات، إلا واحدًا منها.

فسأختم هذا الفصل بالشمع والعسل، أو بما يدعونه تقرير الحكومة الخليفية الإسبانية للصناعة العسلية، وهذه الصناعة قائمة عامرة في الإيالات الخمس كلها؛ فتبلغ في الإيالة الغربية الرقم الأعلى في الإنتاج، أي إن عدد خلاياها ستة عشر ألفًا، وتجيء الإيالة الشرقية أخيرًا بخلاياها الأربعة الآلاف.

أما مجموع ما تنتجه الإيالات كلها من العسل، فتبلغ قيمته ٣٨٠٧٨٤ بسيطة، وقيمة ما تنتجه من الشمع ٨٥٠٠٠ بسيطة. فإذا حوَّلناها إلى ليرات سورية لبنانية، بحسب قيمة البسيطة التي يريد أن يجمدها الجنرال فرنكو على الخمسين بالليرة الإنكليزية، والست بالليرات الفرنسية، تبلغ ٩٢٦٣٠ ليرة من ليراتنا الجديدة التي تشبه المرأة الجميلة الوجه المتقلبة الطِّبَاع.

١  نسبةً إلى الجنرال كباص، وسيُذكَر فيما بعدُ.
٢  هي في الخارطات الأوروبية Larache, Arcila.
٣  في طرفها الغربي ١٢٥ كيلومترًا، وفي طرفها الشرقي ٢٥، وفي الوسط يتراوح بين الخمسين والسبعين.
٤  بموجب إحصاء الحكومة الأخير (سنة ١٩٣٨) مجموع سكان المدن ١٥٠٠٩٧، ومجموع القبائل ٦٦٠٣٢١.
٥  الإسبان المقيمون، غير الجنود، هم بموجب إحصاء سنة ١٩٣٥: في القبائل ٤١٤٠، وفي المدن ٤٠٢٣٨، يضاف إليهم زيادة السنوات الأربع، أي من ١٩٣٥ إلى ١٩٣٩ نحو ٥٠٠٠، فيكون المجموع ٥٠ ألفًا.
٦  الطن أربعة قناطير، وأقل محصول الهكتار من القمح ١٤٠٠ كيلو، أي نحو ثلاثة قناطير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤