الفصل الرابع

أعوان وأنصار

كيف تنشأ الإشاعات في دوائر الحكومة وخارجها؟ وما هي البواعث عليها؟ لست أشك في أن المصادر والبواعث هي واحدة في الحكومات الصغيرة والكبيرة، وفي الدوائر السياسية الدولية والوطنية، الخارجية والداخلية.

وبما أننا الآن نعنى بشئون حكومة من الحكومات الصغيرة، وفيها سُبُل التقصِّي والتمحيص أوضح مما هي في الكبيرة؛ إذ تشف الأسرار التي تكتنف الحقائق، وتقل الصعوبات في إدراكها، فسنحصر البحث إذن فيها، ونجيب على السؤالات المتقدمة بما يرجح فيه اليقين.

كثيرًا ما كنتُ أسمع في الدوائر السياسية بتطوان أن فلانًا الموظف سيُنقَل إلى تلك المراقبات، وفلانًا المستشار سيُعيَّن قنصلًا في مصر أو سوريا، وفلانًا المراقب سيُقلَّد وظيفة عالية في السلك الدبلوماسي، وفلانًا المدير سيغدو مستشارًا لإحدى الوزارات … إلخ. وكل ذلك في الشهر القادم، أو في الشهر الذي يليه، أو في الشهر الآخر بعده. فيمر الشهر الأول، ويتبعه الثاني، ويولي الثالث، ولا يتغير في تلك الدوائر غير الإشاعات.

تلك الإشاعات يختلقها الموظفون أنفسهم في أكثر الأحايين، فيسرون بالحادث المقبل إلى أحد أقاربهم أو أصدقائهم، فينتهي الخبر إلى أحد الصحافيين، ولا ينتهي بعد ذلك في الدوران. وقد يكون الموظف حسن النية، فلا يريد من أولي الأمر غير أن يتنبهوا إلى ما هو ضروري في إصلاح بعض الشئون الإدارية أو السياسية، فيرقوا المستحقين من رجالها، أو يعيِّنوا لها أبناء بجدتها، لا أبناء أصحاب العزة والإقبال والفخامة أو المعالي، أو أبناء عمهم. هي الأمنيات الشخصية، وأخواتها الوطنية، مختلقة الإشاعات، وقد يكون في الخبر غير الصحيح أمل مليح.

وهناك إشاعات أخرى مصدرها الدوائر العالية في الحكومة؛ فعندما يشاع أن الخليفة مثلًا أو الصدر الأعظم قدم على عمل ما إداري أو سياسي، متعلق بشئون الحماية — وهل يجهل الأمر كل الجهل — تكون الإشاعة صادرة من دار المفوضية، تمهيدًا لما ستطلب من صاحب الفخامة أو صاحب السمو، وعندما يشاع أن وزيرًا من الوزراء ينوي الاستقالة — بل قريبًا يستقيل — يكون هناك مشورة في أمره واتفاق على عزله. هذا إذا كانت الإشاعات التي تتردد في المدينة وتصبحه وتمسِّيه كل يوم، لا تحمله على الاستقالة. ذي هي بعض الأمثلة التي يصح القياس عليها.

وفي المغرب الأقصى، كما في سائر البلدان العربية، نزعة سياسية إسلامية ينزعها بعض الأوروبيين لأغراض خاصة، فيتزلفون من الإسلام، ويخطبون ودَّ المسلمين بشتى الأساليب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أما في حكومة هذه المنطقة من المغرب الأقصى فإنك تجد رجالًا غير المفوض السامي، موصوفين بحبهم الخالص للعرب والإسلام، فيتمنون الفُرَص التي تمكِّنهم من الأعمال المحقِّقة لمبادئ التآلُف والتعاون، فإن لم تكن هذه النزعة نزيهة صافية، فإنها — ولا ريب عندي في هذا — أصفى وأنزه مما هي في سواهم من الأوروبيين، إن كانوا في المغرب أم في الشرق العربي.

ومن أولئك الذين عرفتهم، وتيقَّنْتُ أنهم يرغبون في تمكين الصلات القائمة اليوم بين حكومتهم والمنطقة الخليفية، وبين هذه، والمناطق العربية الأخرى شرقًا وغربًا، وفي إنشاء الجديد من الصلات وتعزيزها بأعمال يودُّون لو أُتِيحت لهم في السلك الدبلوماسي أو القنصلي؛ من هؤلاء اثنان امتازَا بما يعملان فوق ما يبتغيان، وهما السنيور إميليو طوباو والسنيور خوسه إرغون.

لقد سبق فذكرت السنيور طوباو Emilis Alvarez Tubau بما لا يجوز الاكتفاء به؛ فهو أقدم الموظفين في الحكومة المغربية، رافَقَها في جميع أطوارها، الملكية والجمهورية والوطنية، وكان في أشد الأزمات واسطة خير، ورسول سلم، بين حكومة بلاده وحكومة البلاد التي أحَبَّها وأحَبَّ أهلها، أو بين رجال الحماية العسكريين ومَن كان يناهضهم من زعماء المغاربة. يكتب للتوفيق والسلام، ويسعى للسلام والتوفيق، تحقيقًا لآمال المحبين من الفريقين، الراغبين في إزالة أسباب الشقاق والنزاع.

وللأخ طوباو مزية في سلوكه السياسي، الرسمي وغير الرسمي، يُغبَط عليها؛ فهو يستطيع أن يمزج شخصيته في شخصية سواه دون أن يفقدها، يمشي مع الملكيين كأنه منهم، ويماشي الجمهوريين فيتخذونه دليلهم، ويسير اليوم مع الوطنيين، ولا يتنازل عن شيء من روحه الملكية، وأخلاقه الديمقراطية. يزين صدره بالأوسمة التي مُنِحها — وما أكثرها — فيعتزُّ بها، ويجالسك وهو عاطل منها جلسة الإخاء الفلسفية، فيحدِّثك في شئون الدول والناس حديث عالم حكيم، بل ناقِد بصير، بعيد مدى العطف والحنان، فلا يدين أحدًا، ولا يريد هو أن يُدَان، إلا في اليوم المحتوم، يوم يُنفَخ في الصور، فوق القبور.

والصديق طوباو محِبٌّ للعرب، ولا غرو، ومُغرَم باللغة العربية وآدابها، فيروي من أشعارها بلهجة تُنسِيك اللحن، بلهجة مفخمة، غير لهجة بيروت؛ حيث تلقى علومه في قديم الزمان كما قدمت، وإن قديم الزمان في اصطلاح زماننا هو ما كان قريبًا من العهد السابق للحرب العظمى. لا أريد أن أقول إذن إن طوباو من الأقدمين، فهو مثلي لا يزال في الستين أو دونها من سن الشباب!

وإن له في الأدب والفنون علمًا ماتعًا، وذوقًا رفيعًا، فيعتصم بالكتاب من تكاليف الحياة السياسية، ولا يُقبِل على الأثر الأدبي أو الفني لمجرد شهرة صاحبه، بل له فيما يقرأ، كما له في الناس، رأي سديد، وضحكة في موضعها مديدة.

سألته مرة: وهل تتمكَّنون على كثرة أشغالكم من المطالعة؟ فأجاب قائلًا: مهما تكن الأشغال فلا بد من الأكل والنوم، وكذلك المطالعة. فلا بد منها بعد الأكل، ولا بد منها للنوم.

أشرت إلى أشغاله الكثيرة، فيجب أن أقول إن وظائفه كثيرة، وقد تكون النسبة بينها وبين أشغاله نسبة سلبية، أي إنه كلما زادت الوظائف قَلَّتِ الأشغال؛ فهو اليوم مستشار سمو الخليفة، ورئيس تشريفاته، والمكلَّف بأشغال القصر الخارجية، وهو مفتش الدروس المغربية، وعضو في المجلس الإداري بطنجة، ومعاون في أعمال المفوضية الإسبانية هناك. فإخال أن هذه الوظائف الجليلة الأسماء، على ما توجبه من التنقُّل الدائم بين طنجة وتطوان، ومن السياسة الدولية الطنجاوية إلى السياسة الخليفية المخزنية إلى أختها الحماوية الإسبانية؛ تفسح المجال للأكل والمطالعة والنوم، فيتمتع صاحبها بما يشتهي منها!

وقد زيدت — أيام كنتُ هناك — وظائفه، وصحَّتِ النسبة فقلَّتْ أشغاله؛ إذ عُيِّنَ رسولي لدى سمو الخليفة، ورفيقي إلى رئيس الجنرال فرنكو ببرغشت. فستلقاه، أيها القارئ الصبور، فيما بعدُ غير مرة، وتزداد معرفة به، وحبًّا له.

أما الإسباني العربي الآخَر في المفوضية فهو السنيور خوسه أرْغون — كما يكتبها هو بالعربية — كانبيثاريس Jose Aragon Canezares زين الشباب، وحقيقته الباهرة الصافية، التي ليس فيها زيف طوباوي أو ريحاني؛ فهو يطل على الحياة من شرفة العقد الثالث، ويرمق العروبة بعين سوداء ناعم نورها؛ لأنه من القلب. فالسيد أرغون مغربي المولد، إسباني المَحْتِد، عربي الروح والوجه واللسان، طويل القامة، أسمر اللون، وقفته عسكرية وخطواته دبلوماسية، وبلغة المقامات هو كالرمح المقتنِّ، وقد جُلي سنانه، والفرس المستنِّ، وقد أحكم عنانه. زين الشباب المتَّئِد المتزن، فلا يروِّج، ولا يعوج.

وُلِد السيد أرغون في الدار البيضاء منذ ثلاثين سنة (١٩٠٩) في الشهر الأخير من الأشهر المثمرة أشهر الصيف، فكان من طيب ثمارها في نظر والديه وآله وصحبهم، ثم في نظر معلميه العرب في المدارس الابتدائية بآسفي والجديدة، ثم في المدارس الثانوية بمدينة مرسية التي كمَّل في جامعتها دروسه العالية، وأحرز من معهد الحقوق فيها شهادة الليسانس.

هو إذن محامٍ، ولكنه غير ممارس. فقد قفز وهو في العقد الثاني قفزة واحدة من مرسية إلى تطوان، في سنة ١٩٢٧، فدخل دار الحكومة وبقي فيها، وهو اليوم رئيس المستشارية المخزنية، ورئيس قسم الدعاية في المنطقة الخليفية والممتلكات الإسبانية عبر البحار. في المكتب الأول يساعد في إدارة الشئون التي تربط الحكومة المخزنية بالحكومة الحامية، وفي المكتب الثاني ينظِّم ومعاونيه الدعاية التي أمست من ضروريات العيش لحكومات هذا الزمان، وخصوصًا منها الإمبريالية الاستعمارية.

ولإسبانيا الجديدة أغراض وطنية تتجاوز ممتلكاتها في البحرين الأطلنتيقي والمتوسط؛ فهي تطمح إلى استعادة نفوذها الاقتصادي، وتجديد سيادتها الروحية والثقافية على الأقل في الجمهوريات الأميركية الجنوبية فمكتب الدعاية بتطوان، وإن كان مخصَّصًا للمنطقة الخليفية وما إليها من الجزر والبلدان، كإفتي وريو ده أورو والمدينتين المستقلتين عن المنطقة، يتعاون ما أمكن والمكتب الأول في إسبانيا على نشر الدعاية في البلدان الإسبانية اللسان والثقافة، التي كانت من ممتلكاتها في سالف الزمان.

على أن اهتمام المكتب أولًا وأصلًا هو في المنطقة الخليفية، وما يتصل بها من الشئون معنويًّا وجغرافيًّا غربًا وجنوبًا، أي في طنجة والمنطقة السلطانية؛ فالفرنسيون هناك أول مَن يشعرون بهذه الدعاية وينفرون منها، فيقاومونها بدعاية تفوقها انتشارًا، وللدعايتين بركانان مشتعلان على الدوام، هما الجريدتان الكبيرتان؛ الإسبانية بطنجة، والفرنسية بالدار البيضاء.

يقول السنيور أرغون إن مكتبه غير مسئول عمَّا تنشره جريدة «إسبانيا» بطنجة، وإن الغرض الأول، والهدف الأقصى، من كل أساليب الدعاية التي يتخذها، هو أن يعرِّف البلدان المجاورة للمنطقة، والدول ذوات المصلحة فيها، بما تقوم به إسبانيا الجديدة من الإنشاءات والإصلاحات في المغرب الخليفي، وما تطمح إليه في انتهاجها سياسة استعمارية غير نفعية.

ثم قال: ويهمنا كذلك أن نكون مطَّلِعين على أعمال الدولة المجاورة لنا وسياستها، فنقتفي أثرها في النافع الصالح منه، الملائم لسياستنا — إن كنَّا في غفلة عنه — ونتَّقِي الأفخاخ والمعاثر التي تقع فيها هناك. ولي في الدعاية مبدأ هو أن تتبارى الدول في الأعمال العمرانية والثقافية، وينتفع بعضها فيما يجهلون ببعضها الآخَر فيما يعلمون. نحن لا نكره الفرنسيين، ولا نحرض على مقاومتهم، ولكننا مطلقون للصحافة والأحزاب السياسية حرية الفكر والنشر، فلا نتعرض لما لا يخل بالنظام والأمن العام، ولكن الفرنسيين، إن كانوا في طنجة أم في المنطقة الجنوبية، يتخيَّلون غير ذلك ويجسمون ما يتخيلون؛ فينظرون إلينا نحن الإسبان نظرهم إلى البدو، بل إلى العدو المتوحش. عندما يمرون بهذه المنطقة مثلًا، في أسفارهم من المنطقة الجنوبية عائدين إلى بلادهم، ويجتازون بعد ذلك بلاد إسبانيا وجبال البرانس، يبرقون إلى أهلهم قائلين: اجتزنا بسلامة. كأن البلاد التي اجتازوها قفر من قفار أفريقيا الوسطى، وكأن الإسبان واقفون في الطرق يسلبون ويذبحون. إني أؤكد لكم أنهم يُعامَلون كسائر المسافرين وأحسن من غيرهم في بعض الأحوال، عندما يجتازون هذه المنطقة في العودة من المغرب الجنوبي إلى بلادهم، أو من بلادهم إلى المغرب الجنوبي، وفي الأعمال خير الدعايات وأسرعها انتشارًا …

لا نكران أن بين الإسبان والفرنسيين عداوات قديمة تتصل بأبناء هذا الزمان، فيصرح مَن ليسوا في الحكومة بما تكنه أفئدتهم ولا يبالون. حضرت مرةً حفلة راقصة في النُّزُل؛ حيث شاهدت شبان المغاربة ببرانسهم البيضاء وجواربهم الحمراء والصفراء، يراقصون الإسبانيات بأدب يدنو من الورع والتقوى، واجتمعت هناك بطبيب إسباني أقام في المغرب الجنوبي معظم حياته، وأشرف على صحة السلاطين؛ من المولى حسن والد السلاطين الثلاثة، إلى المولى محمد السلطان الحالي. فقال: كلما تقرَّبنا من الفرنسيين بعدوا عنا، ولا سبيل إلى التفاهم، أما نحن والعرب فالأمر على خلاف ذلك، نحن إخوان وأنسباء؛ إخوان في البلاد الواحدة، وأنسباء في الثقافة العربية الإسبانية، فيجب أن نتضامن ونتعاون في إنشاء مدينة تجمع بين الهلال والصليب. نحن الوحيدون في أوروبا المدركون أهمية الإسلام، العاملون في تعزيزه ليسير جنبًا إلى جنب وعظمة إسبانيا الجديدة.

قلت: هذه الروح جديدة في إسبانيا.

فقال: بل هي قديمة.

فقلت: كانت إذن في سبات، ولم تستيقظ إلا حديثًا.

فقال: كانت في سبات يوم كانت إسبانيا غريبة عن نفسها، يوم كان النفوذ الفرنسي مسيطرًا على سياستها ومقدراتها. يقول الفرنسيون: إن أفريقيا تبدأ في جبال البرانس؛ أي إننا نحن الإسبان مثل العرب أفريقيون متوحشون برابرة، أما أننا برابرة متوحشون، فهذا قول لا نردُّ عليه، وأما أننا أفريقيون، فلا اعتراض، بل إن في ذلك فخرنا. نفتخر، نعم، إننا والعرب إخوان، وإن عظمة إسبانيا التي نسعى لتجديدها في المغرب والمشرق، حتى في العالم الجديد، هي معقودة بتجديد عظمة العرب والإسلام.

وكان حاضرًا أحد العاملين في دائرة الحكومة الوطنية للترميم والتنظيم، فقال مؤمنًا على كلام الطبيب وشارحًا له: سياسة إسبانيا تختلف عن سياسات الدول الأوروبية كلها؛ لأنها سياسة عقيدة، لا سياسة مصلحة، ونحن في ذلك متطرفون ولا ريب، ولكننا صادقون لما بأنفسنا، عاملون للعقيدة المالكة قلوبنا، دينية كانت أم سياسية، ولذلك نحن دومًا خاسرون ماديًّا، وراضون بما يكون من تعويض معنوي وروحي. سأعطيك المثل: كانت إسبانيا أيام عزها تتقيد في سياستها، أولًا وأخيرًا، بالديانة الكاثوليكية، فتقدِّم مصلحة الكنيسة على مصالحها ولا تبالي بالخسارة، هي سياسة العاطفة، هي سياسة العقيدة الدينية في الماضي. أما اليوم، وإن كنَّا مقيمين على إيماننا الديني الكاثوليكي، فقد أضحت عاطفتنا محض مدنية — وما تجردت من الروحيات. نحن إمبيرياليون، ولسنا مستعمرين، نريد أن نحيي الماضي ونُلبِسه حلة جديدة لا دينية ولا استعمارية، نريد أن نؤسِّس دولة إسبانية قائمة على الثقافة العربية الإسبانية، وإن كنَّا فيها خاسرين. سنخسر لا محالة كما خسرنا في سياستنا الدينية الكاثوليكية.

سألت محدِّثي: وهل كانت فرنسا رابحة ربحًا ماديًّا في سياستها الداخلية والخارجية منذ مائة سنة، يوم نشَرَ جنودُها، جنود الثورة البسَّل، مبادئَ الحرية والإخاء والمساواة في أوروبا، ويوم عاونت بعقيدة صادقة حارة، في تحرير الأمم؟

فأجاب: كانت خاسرة ماديًّا، رابحة معنويًّا وروحيًّا، ولكنها نبذت تلك المبادئ في حروب نابوليون، ونسيتها تمامًا في الحكومات البورجوازية التي تأسَّسَتْ بعده. فالسياسة العاطفية التي نبذتها حكومة فرنسا ونسيها الشعب الفرنسي، هي اليوم سياسة الحكومة الوطنية الإسبانية.

– وهل تدوم هذه السياسة في المغرب؟

– ستدوم يقينًا.

– وإن لم تدم الحكومة الوطنية؟

– ليست سياستنا الجديدة منحصرة في الحكومة، بل هي تنعكس عمَّا يضيء في قلب الأمة الإسبانية.

ثم قال الدكتور: هذا صحيح، ولكني أقول فوق ذلك بصراحة تامة، إن المصالح الإسبانية في هذه المنطقة محفوظة، وهي معزَّزة بإرادة أهل المغرب ورضاهم، وهذا ما يريد الإسبانيون أن يحتفظوا به. الإرادة الواحدة في الشعبين، والرضى المتبادَل بينهما؛ هاك الأساس المتين لحكمنا المتين في هذه المنطقة، وللسيادة الثقافية المشتركة هنا وفي الوطن.

فما هو يا تُرَى حظ السياسة العاطفية في عالم تتنازعه سياسة فرنسا البورجوازية، وسياسة إنكلترا الإمبراطورية، وسياسة ألمانيا النازية؟ هذه السياسة المحررة من قيود المبادئ الإنسانية الشاملة، من قيود المثل الأعلى في الحياة المعتزلة، تسير مبصرة متعمدة على الخطة التي تستوجبها الأحوال السائدة التي يُعبَّر عنها بالحالة الراهنة، كما تستلزمها المصالح الخصوصية الوطنية والحزبية والشخصية.

ولكن السياسة البريطانية تتميَّز عنها في علاقاتها العربية الإسلامية التي لا تخلو من بعض العواطف التقليدية.

وتريد إسبانيا اليوم أن تقيم سياستها على العواطف فقط، وهي لا تخلو من بعض المبادئ الاستعمارية التقليدية.

أما السياسة العاطفية البحت، رويدًا رويدًا، فقد يريد الله بعد أن يعيد الإيمان إلى قلوب الشعوب وقلبك، بواسطة هؤلاء الإسبان، فتكون سياستهم العاطفية بداية عهد جديد في العالم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤