الفصل السابع

عمارة الخضر غيلان

إن الأولياء في المغرب لمثل القديسين عند النصارى، عددهم كثير، والغرض في تقديسهم واحد، هو الزلفى إلى الله بواسطتهم، اتقاءً لجحيمه، وطمعًا بنعيمه، وفي العقيدة نظر كما في العبادة والتوسُّل.

وإن الطرق في المغرب لمثل الرهبنات في لبنان مثلًا، اللهم إذا استثنينا التبتُّل الذي أمسى من مجمل حاله تقليدًا من التقاليد غير المرعية، ومدعاة للرياء والفساد. أما الروح في هذه الجمعيات المغربية واللبنانية فهي أصلًا دينية، وفصلًا مادية دنيوية، فيقل فيها ما يشفع بحالها، ويبرِّر كل أعمالها.

وأما التصوف، إن كان في الدين الإسلامي أو المسيحي، فهو اجتهاد شخصي قلَّمَا يتمثَّل في الجماعات تمثيلًا يليق في الأقل باسمه؛ ذلك لأن الهدف الأعلى من هذا الاجتهاد إنما هو معرفة الله، والاتصال به اتصالًا كليًّا، تضيع عنده الطبيعتان الإلهية والإنسانية، فيحلُّ محلهما، عند بعض كبار الصوفيين، الرموز الشعرية، وعند الآخرين صورة الجمع الكلية، مهما تكن غامضة أو مشوشة، وكل ما سوى ذلك في «تصوُّف» أو «ترهُّب» الجماعات هو تقليد وتقييد، بل هو تشويه لما تقدَّمَ من أغراض التصوف والطرق.

وكما تندر الرهبنة الصافية عقيدة وعبادة، روحًا وعملًا، تندر كذلك الطريقة التي تتمثَّل فيها حياة صاحبها الطاهرة، ظاهرة وباطنة، عبادة وروحًا؛ فهي تحمل الاسم، وتمجِّد الذكر، وتقيم المهرجانات، الأعياد والعمارات، لما فيها من التفريج، ومن المنافع المادية.

ليست هذه التوطئة للبحث في الموضوع بحثًا مستوفيًا، فلسفيًّا واجتماعيًّا؛ فالمجال ها هنا لا يتسع لذلك، إنما هي شمعة نضيئها عند الباب، باب هذا الفصل المخصص بزيارة ولي بني غُرْفُط يوم عيده في محله بالجبل، وعيد الولي في اصطلاح أهل المغرب يُدعَى عمارة — بكسر العين — فيقولون: عِمارة القطب عبد السلام، عِمارة سيدي هدِّي، عِمارة الخضر غيلان، وهم يريدون، على ما أظن، العُمْرة أي الزيارة،١ فقد جاء في القاموس أن العمارة، بضم العين، طول العُمر، وبكسرها تعمير المنزل، وبفتحها كل شيء على الرأس من عمامة أو قلنسوة أو تاج أو غيره. عِمارة، عَمارة، عُمارة، هي اللغة العربية، لغتنا، بما فيها من مرونة، ومن غموض لغير العارفين — ولكثير من هؤلاء أيضًا.

وقد يراد من العِمارة بكسر العين، معناها في حاضر حالها، فالولي — قدَّسَ الله سره — يجلب الناس من كل حدب وصوب يوم عيده، فيقام حول ضريحه سوق ومهرجان فيهما الخير والبركة لبلده وأهله وأشياعه؛ فيهما التعمير، وفيهما للسائح جاذب قوي.

فقد كنت أتأهَّب للرحيل من العرائش بعد انتهاء عملي فيها؛ إذ علمت أن في قبيلة بني غُرفُط، إحدى القبائل الكبيرة في هذه الناحية، عيدًا في اليوم التالي لوليها الخضر غيلان، وأن المراقب العام للإيالة، السنيور توماس غرسيا فغويرا  Sr. Tomas Garcia Figuera يريد أن أرافقه وجماعته لنشهد ذلك العيد.
تلقيت الدعوة فَرِحًا، وكنتُ في صباح اليوم التالي أول المتأهبين للسفر، وها هو ذا الرفيق البستاني يجيء مبطئًا معتذرًا على عادته، وها هو ذا الشيخ عبد السلام الأزطوطي المبطئ غير المعتذر، ثم السنيور كرستوبال بيريز فيرا Sr. Cristobal Perez Vera الذي كان الرفيق والدليل في جولاتنا بالعرائش، وبعده المراقب العام يصحبه ضابطان من موظفي المراقبة.

قبل أن نركب السيارات إلى قرية سوق السبت، على نصف ساعة من العرائش، حيث ينتهي الطريق المعبَّد، أو أثناء سيرنا إليها، أزيدك علمًا بالرفقاء؛ فالمقيم العام السنيور توماس غرسيَّا هو الكاتب الإسباني الأديب المخصِّص أبحاثه وتآليفه في الآثار العربية الأندلسية، وهو عضو في معهد فرنكو المؤسَّس لنشر المخطوطات العربية في إسبانيا، تجديدًا للثقافة العربية، وتوطيدًا للصلات الودية بين الأمتين. يحب العرب، ويقرن الإحساس بالعقل في تقدير فضلهم على الفلسفة الإغريقية التي أحيوها في الماضي، وجعلوها من أركان المدنية الأوروبية، والسنيور كريستوبال بيريز مستشار أملاك الدولة في الإيالة المغربية يشارك زميله في الحكومة وفي معهد فرنكو حبَّ العرب والإعجاب بهم، وهو يُحسِن العربية ويساعد في إخراج باكورتها في مستهل سنة ١٩٤٠.

أما الرفيق الآخَر — والآخَرون أولون — فهو العلامة الشيخ عبد السلام الأزطوطي — آل أزطوط من الأقدمين في العرائش — كان قاضي الناحية، وهو اليوم مدير المعهد الديني الذي تقدَّمَ ذكره، والشيخ عبد السلام محدِّث كثير العلم والرواية، خفيف الظل ظريف، يرصع أحاديثه بالشعر على الدوام، فيرويه بلهجته المغربية، الشبيهة بزقزقة الحساسين، فتطرب لها ولا تفهم معناها. فهو يقول عن الزَّارع: الزُّرع، وعن عبد السلام: عبد سلَم، وعن حطه السيل من علِ: حطَّه سْيلِ مْنِ عْلِ. فهل يُفهَم معنى المد والتسكين والتخفيف والتفخيم في زقزقة الحسون؟ وهل ينبغي أن تفهم في لهجة صنوه الأزطوطي؟ — وفي الاثنتين من الكر والفر، والإقبال والإدبار، التوكيد والخفض، ما يدهش حتى جواد امرئ القيس — ولكني أسارع إلى اطمئنانك، فلا تخشى جلاميد الصخور، إنما ها هنا ثمار تتساقط من شجرة العرفان، وها هنا الدرر الشعرية من كل ديوان.

سألت الشيخ عبد السلام عن قرية في الطريق فقال هي سوق الثلاثاء، ولكل يوم سوق في مكان معين أو في قرية تُدعَى باسمه، هي الوسيلة الوحيدة للمتاجرة بين القبائل.

– وذلك الجبل عن الأفق الشرقي؟

– هو جبل بني غرفط محجتنا، وبنو غرفط — تُكتَب أيضًا بالجيم وتُلفَظ كما تُلفَظ بمصر — من صفوة العرب، يصح فيهم ما قاله امرؤ القيس في بني عوف:

ثياب بني عوف طهارى نقية
وأوجههم بيض المسافر غُرَّان

وهم مثل كل القبائل مزارعون. قبيلة غنية؟ لا غنى في هذه المنطقة، الثروة والخير في الجنوب، ولكن التملُّك عندنا، في هذه المنطقة الشمالية، عام شامل؛ كل عائلة من أهل الأرياف والجبال تملك بيتها، وإن كان كوخًا، وتملك بعض الأرض تستغلها بالحراثة والزراعة. مع ذلك هم في ظاهر حالهم فقراء، ولكنهم أُبَاة بُسْل، لا يستسلمون للظلم ولا ينامون على ضيم:

لا زينة المرء تعليه ولا المال
ولا يشرفه عمٌّ ولا خالُ
وإنما يتسامى للعلا رجل
ماضي العزيمة لا تثنيه أهوالُ

كنَّا نمر بغابات من شجر الفلين، ولم أكن أعرف لها اسمًا غيره، فقال: هو الدلم واحدته دلمة.

وهذا شجر التين في سياج من الصبير، فقال: يُسمَّى التين عندنا كرموس، والصبير التين الهندي.

سألت الشيخ العلَّامة: وما أصل لفظة كرموس؟ هل هي عربية مُبَرْبَرَة؟ فأجاب: قد تكون محرَّفة من القرموط، فقُلِبت القاف كافًا والطاء سينًا، والقُرموط هو الأحمر من ثمر الغضا شبيه بالتين.

وبينا نحن سائرون في سهل تتخلَّل زرعه بقع بيضاء، قال مشيرًا إليها: وهذه صفحات كتاب بهامشها بياض الأقحوان. اسمه واحد عندنا وعندكم، قال الشاعر متغزلًا بمبسم الحبيب:

بالله يا أقحوان مبسمه
على قضيب الأراك مَن نظمك؟

وهذه شقائق النعمان، يقال الشقائق للمفرد والجمع، وقيل مفرده شقيق، وعليه قول الشاعر:

وكأن محمَّر الشقيـ
ـق إذا تصوَّب أو تصعَّد
أعلام ياقوتٍ نشر
ن على رماحٍ من زبرجد

وقال أيضًا:

لا تعجبوا من خاله في خده
كل الشقيق بنقطة سوداء

كان الشيخ يروي الشعر ونحن في السيارة، فتزكي هزهزتها لهجته المغربية، فتخفى عليَّ معانيها، فاستكتبته الأبيات عندما وصلنا إلى مركز المراقبة المحلية بقرية سوق السبت.

وقد لزمته أو لزمني ونحن نطوف بالمركز مع المراقب المحلي، وهو يزيدني من بحر علمه وأدبه، فكان أول ما نبَّهَني إليه مشهد الجبال من رواق الدار.

– تلك الجبال بعضها فوق بعض تُسمَّى بالعربية الفصحى النطُق، ومنها المنتطق أي العزيز الرفيع الشأن. قال الشاعر:

وأبرح ما أدام الله قومي
على الأعداء منتطقًا مجيدًا

وعندما كان المراقب يحدِّثنا عمَّا يُربَّى في المركز من الدواجن، وقفنا أمام بيت الحمام فحاولت مجاراته في رواية الشعر، فذكرت بيتًا للمعري من قصيدته التي مطلعها: «غير مجد في ملتي واعتقادي»:

أبَكت تلكم الحمامة أم غنَّت
على فرع غصنها المياد

فقال على الفور: لا بكت ولا غنت، الحمام لا يبكي يا أستاذ ولا يغني، الحمام يقرقر. يقال: قرقرت الحمامة، أي صاتت، والقرقرير صوت الحمام. قال الشاعر:

وما ذات طوق فوق عود أراكة
إذا قرقرت هاج الهوى قرْقريرها

وبعد أن طفنا بالمركز فشاهدنا المختبر الزراعي، ونماذج من محصولات تلك الناحية — من الحبوب والصوف والفلين — ووقفنا أمام بيت الأرانب المبني بالخشب والشريط على الطريقة الفنية الحديثة، وهو مثل بيت الحمام بنظافته الأوروبية، واستعرضنا الخيل العربية وغير العربية، الإسبانية المغربية اللقاح؛ دخلنا ملجأ الأيتام ومدرسته التي يتعلَّم فيها نحو أربعين ولدًا اللغتين العربية والإسبانية، فحيَّاهم الشيخ العلامة ببيت الشعر المعروف:

ليس اليتيم الذي قد مات والده
إن اليتيم يتيم العلم والأدب

وكل ما في هذا الميتم من الغرف، غرف الدرس والأكل والنوم، تنبئ بحسن الإدارة والاعتناء، فقلت لرفيقي العلَّامة: هذا مثال يجب أن تتخذوه في معهدكم الديني — الإدارة، النظافة، الثقافة — فهزَّ رأسه مبتسمًا، وقال:

يدق على الأفكار ما أنت فاعل
فيترك ما يخفى ويؤخذ ما بَدَا

قلت: وهل للتصوف يد في نسيج العنكبوت على جدران المعاهد الدينية، وعلى عقول الطلبة وأرواحهم؟

فقال: التصوف هو الحياة، يا أستاذ، والحياة هي التصوف، ولقد أحسن الشاعر في قوله:

خُذْ بنصل السيف واترك غمده
واعتبر فصل الفتى دون الحللْ

•••

مرقب سوق السبت هو واحد من ستة مراقب محلية في هذه الإيالة الغربية، أما الخمسة الأخرى فهي: أصيلة، وسيدي علي، والقصر الكبير، وتطَّاف، ومسراح. وفي كل ناحية من هذه النواحي قبيلة معروفة بعلو منزلتها، وشدة بأسها بين القبائل، كالخلوط في القصر الكبير، وأهل سريف في تطَّاف، وبني عروس في سيدي علي، وبني غرفط في سوق السبت هذه، ولها كلها قوَّاد، أي حكَّام مخزنيون، يرقب أعمالهم المراقبون المحليون المرتبطون جميعًا بالمراقبة العامة بالعرائش، التي تتلقى الأوامر العليا من نائب الأمور الوطنية بتطوان، وهو الموظف الأول، بعد المقيم العام، في حكومة الحماية. هذا التنظيم الإداري يشمل الإيالات الأخرى في المنطقة.٢

ومما هو جدير بالذكر أن للمراقب العام حق التصرف بكل ما في إيالته من قوات التنفيذ والأمن والنظام، أي الشرطة والقوة المخزنية المؤلَّفَة من عدد يتراوح بين الخمسين والمائة «مخازني»، ثم «الحملة الخليفية» أي جند تلك الناحية، لإخماد نيران الاضطرابات والفتن إذا اقتضى الأمر.

ولا خوف اليوم — ولا غدًا إن صدقت العهود الوطنية، وهي إن شاء الله صادقة — لا خوف، أقول، من الفتن والاضطرابات. إذن، وقبل أن نستأنف السير إلى السُّدَّةِ القدسية في الجبل، يجب أن أسجل هذه الكلمة: إن الحكومة الوطنية المخزنية لتتضاءل إزاء الحكومة الإسبانية الحامية، وإن هذه المراقبات بأصولها وفروعها هي فوق ما تقتضيه أحوال المغرب الحاضرة، الممتازة بالصلات المغربية الإسبانية الطيبة، وبعقلية أهل المغرب السلمية الولائية في عهد الجنرال فرنكو.

أما بعدُ — وما بعدَ ذلك غير الرحيل — فها هو ذا السائس جاء يقول: الخيل حاضرة. وها هي ذي الشمس تكاد تتكبد السماء، ولكنها في جميع أطوارها لا تنفذ إلى الساحة التي يشملها — وقُلْ يذلُّها — الزيتون البري العتيق بالفيء الدائم.

نزلنا إلى هذه الساحة أمام دار المراقبة، وامتطينا الجياد جميعًا إلا شيخنا الأزطوطي الذي شاء أن يحافظ على العادة القديمة؛ عادة العلماء أصحاب التَّجِلَّةِ والكرامة، فاختار لنفسه الحمار الوحيد بين الخيل، وراح يسوقه برفق، فلا يبعد عن الموكب، ولا يتعدَّى الوسط منه، وخير الأمور الوسط. فكنت أراه غالبًا أمامنا، وراء الطليعة من الفرسان المغاربة شاهري البنادق.

الوسط للعالم الحكيم، ونحن نحمي المؤخرة كما تحمي الطليعة المقدمة، فنسير سيره تصعيدًا في الجبل، ونطلق العنان للخيل اقتداءً به، هو المقتدي بالفرسان، عندما يبلغون سهلًا يحلو فيه العدو رملًا أو خببًا. هَرَأ قصدنا وأنت السبيل!

وعندما دنونا من هرأ، رأينا جماعة تمشي إلينا ومعها نوبة بطبلين وزمرين. هو وفد من أهل هرأ جاء يرحِّب بنا، فشرعت النوبة «تموسق» بحماسة حربية. رقصت لها الخيول طربًا، ورفعنا لها الأيدي شكرًا وإعجابًا، فزادها ذلك عنفًا وتفنُّنًا، فضاق الفضاء بزخر أنغامها، وأنَّتِ الأصوات التي تتموَّج فيه من إذاعات العالم، فرأينا أن نقف قليلًا رفقًا بهم وبها، لعَلَّها تقتدي بنا فيستريحون ونستريح!

ثم استأنفنا السير مخبِّين، فهرول «المموْسقون» مع وفد الترحيب وراءنا، إلا واحدًا منهم راح يبارينا في العدو وهو مستمر — لله درُّ أبيه وأمه — في التزمير، وقد سمعت الشيخ الأزطوطي يثني عليه ببيت من الشعر، فهمت منه كلمتين «صفير البلبل» لا غير.

وبينا نحن في هذه البهجة من الفرار، لاح عند سفح الجبل بياض كالثلج مديد، غطَّى الاخضرار على صدره وفي جنباته، وكلما دنونا منه بَدَا متموجًا متدافعًا. فما عتمنا أن تبيَّنا الحقيقة المجسمة في ذلك اليوم، حقيقة العمارة والمعتمرين بثيابهم البيضاء. هناك ألوف منهم، رجال ونساء وصبيان وبنات، هناك كبار القبيلة وصغارها، حتى الأطفال تُحمَل على ظهور الأمهات، خرجوا من القرية وجاءوا من المشادر المجاورة لها، ومن القبائل الموالية، يشاركون في عمارة الخضر غيلان.

بلغنا بعد التصعيد الساحة الكبرى، وفيها الجموع تزدحم وتتدافع، وقد فسح بوسطها لجوقة أخرى من «المموْسقين»، وشُقَّت السُّبُل لخيلنا، فوقفنا في حلقة هناك كحرس للساحة ومَن فيها. قدَّسَ الله سرك يا ولي الله! فها هم أولاء رسل البركة وأركان المجد، بل أرباب الطرب في إحياء المجد ونشر البركات. ها هي ذي الطليعة من أقمارك وأنوارك؛ ستة من الزنوج بأثواب مسرحية، مطرزة بالرقع والخرق، مزدانة بالودع والعظام، ستة من ظرفاء السودان، بخلاخيلهم وأساورهم والقلادات والتيجان والأجراس تتقلقل على الرءوس، وتتجلجل على الأرداف، ستة من مؤمني السودان، وفيهم الشيخ الملتحي، والشاب المستحي، والمريد، ومرقِّص العبيد. كلٌّ يحمل بكلتا يديه شُقيقات من حديد، في حجم النعل الكبيرة، بحلقات من جلد يدخل بها الإبهام والسبابة، ستة باثنتين. اثنتي عشرة آلة من آلات الطرب، اثني عشر صنجًا من النحاس بل الحديد، لها صوت من مجموع فنها يفعل بالجلمود فعل الديناميت، فكيف به إن أُطلِق على بني آدم؟ ولكن الجلادة في بني آدم جلاميد، تكونت والإحساس في العهد الآدمي الأول منذ الآلاف من السنين. فهات ما عندك يا سودان!

والغريب العجيب أن هذه النوبة السودانية هي ذات وتر واحد، ووزن واحد، ونغم واحد: ترا تاتاتا، تراتا تُمْ — بتسكين الميم في تم وتشديدها — ولا تنسَ أن الديباجة في الصوت حديدية، لا حرف لها ولا ظل، لا هالة ولا صدى. تراتا تم! ولا دونها دون. تراتا تا تا! ولا سر مكنون، ولا حذلقة في الجنون!

ربع ساعة منها، رافَقَها الرقص الأفريقي المتولد من مطاردة الحيوانات الضواري والفوز والإخفاق فيها، فيشب من الحلقة إلى وسطها ذلك الذي بلغ منه التهيج أقصاه، ويدور دورات على محوره ثم يقفز قفزات لولبية، ثم يمشي على رءوس أصابعه، ويثب بعدها وثبات عنيفة، ثم يجثو على ركبته ويغطي الأرض بصدره ومنكبيه، فتظنه لصق بها وسكن وارتاح، وما هو غير مخادع، فيفاجئ الناس بوثبة نمريَّة، ثم بفتلة درويشية، يجعلها الخاتمة، ويعود إلى شقيقاته «تارا تا تا» فيستأنف غيره الرقص، ولا تغيير في البرنامج ولا تبديل.

وبعد انتهاء دور السودانيين يتقدَّم إلى وسط الساحة شيخ القرية وخطيبها، وهو شيخ جليل بصوت جلاجل، ويبدأ بسم الله الرحمن الرحيم … إلى آخِر الفاتحة، ثم يُلقِي خطبة تنسينا ما قاسينا، والمصائب سحائب ينسخ المتأخر المتقدم منها. فمن ذِكْر نِعَم الله على عباده، وبركات المولى في شعبه وبلاده، يستطرد، ولكن قبل الاستطراد يذبح ثلاثين دقيقة من الزمان — ضحايا العيد — وهو يذكر ويردِّد ويعدِّد نِعَم الله وبركات المولى؛ ثم يستطرد إلى الأدعية، الأدعية الخالصة الحارة، الأدعية المضمخة بطيب القلوب أولًا للزعيم الأكبر — الجننار — الجنرال فرنكو، ثم للأمة الإسبانية، ثم للخليفة مولاي الحسن، ثم للمسلمين، ثم لمجادة المقيم العام، فالمراقب العام، فالمراقب المحلي. وكلما انتهى الدعاء، وهو خطبة بنفسه، يمسح الخطيب وجهه بيديه مسبِّحًا متوسِّلًا، فيهتف الناس مرددين كلماته الأخيرة — ويمنُّ الله عليه بالخير الغزير آمين، وبالهناء الكثير آمين، وبالنعمة والتعمير آمين، بالتوفيق في حسن العمل والتدبير آمين، آمين.

سكوت تحل فيه البركات، سكون يعيد النسمات المنعشات، فيتقدم المراقب العام من الخطيب، ويقدِّم له هدية من المال، فيتبعه المقيم المحلي بهدية مثلها، وبعد ذلك نستأنف السير راكبين — ما ترجلنا أثناء النوبة والخطبة — إلى أعلى بيت في القرية، بيت أنسباء الولي، وهو صغير حقير أمامه تينة كبيرة جليلة فُرِشت تحتها السجاجيد.

وكانت نساء المراقبة المحلية، الإسبانيات زوجات الموظفين وبناتهم، قد تقدَّمننا إلى ذلك المكان، فاحتللن ساحة الاستقبال منه، وتركن لنا البيت الصغير ذا السقف القائم والباب الضيق، الشبيه ببيوت اليمن القرويين، فجلسنا للغداء في زاوية منه، وجلس وجهاء القبيلة في الزاوية الأخرى.

كنتُ أظن أن قبائل المغرب، مثل عرب البادية في مآكلهم، يقتصرون على البسيط منها، فلا تتعدَّد الألوان ولا تتجاوز في الإسراف اللحم المسلوق مع البرغل أو الأرز؛ فأخطأت الظن، وقد دهشت بما شاهدت من تفنين المغاربة، بدوهم وحضرهم، في طبخ اللحوم، وهم قلَّمَا يعنون بغيرها للضيافة، فالكسكس مثلًا، طبختهم الوطنية المشهورة، لا تُقدَّم للضيف؛ لأنها طبخة بيتية.

على أنهم في طبخ اللحوم، وتعدُّد أنواعها، من أمهر الشعوب المتحضرة علمًا وفنًّا، لا ينقصهم غير ذوق الغربيين في التهيئة والتقديم، وقد يبزُّ المغاربة حتى أمهر طهاة الفرنسيين في أنواع طبخ اللحوم. البرهان والدليل؟ ليس عندي غير هذه المأدبة المغربية الغرفطية؛ فبعد المعلاق المشوي على الشياش، والقوزة التي لا تمتاز عن أخواتها في اليمن والحجاز، جيء باللحم — بأقسام كبيرة من الخرفان ضحايا العيد — المشوي منه بالفرن، والمسلوق، ثم المحمَّر، يتلوه المخمَّر فالمجمَّر فالمعمَّر.

ليمسك القاري. فإني شارح موضِّح؛ فاللحم المجمَّر هو المشوي على الحجر، والمخمَّر ليس بالخمر، بل شيء أفعل من الخمر في دغدغة اللهات، بالإدام الكثير الأبازير، والمعمَّر هو الخروف المحشو، والسر في الحشو، كل الصيد في جوف الفرا.

وهاكم البرهان يقدِّمه الشيخ الأزطوطي؛ إذ يشمِّر عن ساعده، ويمد يده إلى جوف الخروف، وهو يقول: كنت مفتشًا بالجمرك … ثم يُخرِج بيضة، ويرفعها بين أنامله، كأنه ساحر على مسرح عمله، ويشقها ليرينا أنها هي أيضًا محشوة، وفيها الجوز واللوز والزبيب واللحم المقطع المغموس في الأبازير.

شغل مفتش الجمرك: وهل البيض من المهرَّبات؟ فمد يده ثانية، وأجالها جولات كاشفات، فعاد بها إلى أنظار الضيوف، وهي تحمل كليتين، قدَّمَ الواحدة للسنيور غرسيَّا والأخرى لي، ثم أعاد التفتيش وأخرج كليتين أخريين، فسأل البستاني ضاحكًا: ألهذا الحيوان أربع كلى؟ فأجاب الأزطوطي دون أن يضحك أو يبتسم: وأكثر من أربع؛ كليتان اثنتان حلال من الله، والباقي حرام — مهرَّب — مثل البيض.

ولا يفوتني أن أخبرك أنهم يتفننون بطبخ الدجاج تفنُّنهم بطبخ الغنم والبقر، ومن عاداتهم في المآدب أنهم يقدِّمون دائمًا أربع دجاجات — محمرة أو مجمَّرة أو مخمَّرة أو مبخَّرة — في جفنة واحدة. أربع دجاجات أقل ما يكون، وقد تتعدَّد الجفنات، وفي كل منها أربعة طيور — ما عرفت السر في هذا العدد، ولا أحد ممَّن سألت أزال جهلي أو بعضه، فالمعلوم هو أنها عادة القوم.

وهناك بعد كل ما تقدَّمَ، وفوق كل ما أذكر، هناك اللحم المشرْمل، أي المغموس بعد القلي بإدام كثيف يخالطه السعتر. هذا الإدام يُدعَى شرمولة، يغمس بها فخذ اللحم مثلًا أو الدجاجة أو السمكة حتى تصير كالغشاء الخارجي أو الدثار اللاصق بجسم الحيوان المطبوخ.

بقي أن أقول إن اللحم المبخر هو أفخر اللحوم وألذُّها، وهو يطبخ بقدور ثلاث، قِدْر للماء فوق الموقد، وقِدْر يتصل بها للبخار، فيخرج من ثقوب فيها إلى القدر الثالثة المحتوية على اللحم أو الدجاج.

أما الشراب، فليس منه غير الماء القراح. أفلا يشعر المغربي يا تُرَى بشعور الأوروبي بوجوب الخمر لتعديل الأدهان في هذه الوفرة من اللحوم؟ اغسل الورك بكأس من النبيذ أو بكوب من الجعة — كذلك يقول الفرنسي أو الإنكليزي. فيقول العربي الذي لا يرى في الحرمان غير البركة: القهوة المرة خير من النبيذ. ويقول أخوه المغربي: الشاي خير من القهوة المرة. وقول أخيهما العربي المسيحي: الحق كله في الكلمتين، وفيما قاله السيد المسيح. فيشرب الخمر قليلًا أو كثيرًا، ويشرب الشاي والقهوة، ولا يبالي.

نقلنا من البيت المظلم إلى نور الحرم تحت التينة، فجاء شيخ من مشايخ القبيلة يرفل ببرنسه الأبيض الفضفاض، وقد طيَّبَ لحيته السوداء بعطر الورد إكرامًا للولي وعيده. جاء يقوم بالعمل الذي يختص عند الإنكليز بربة البيت، فجلس وظهره إلى جذع الشجرة أمام أواني الشاي — العفو الأتاي — ثم جاء الخادم بالأتاي الأخضر وبطاقة من النعنع، فاختار منها الأطراف الطرية، وتناول حفنة من الأتاي وضعها في الإبريق مع النعنع، ثم أضاف السكر، وصَبَّ الماء الحامي من السموقار أمامه.

انتهى القسم الأول من الرتبة — وهي تكاد تكون دينية — فوضع راحتيه على ركبتيه، أحنى رأسه احترامًا لما أودعه الله في هذا الخلط الكريم، ثم صَبَّ قليلًا منه في كأس الزجاج فذاقه، وشرع يصب للضيوف.

وبينا نحن نشرب الأتاي طلع علينا أولئك السودانيون، وعادوا إلى تطريبنا — وزان تعذيبنا — بآلات الحديد «ذيالهم»، فسارعنا إليهم بشيء من المال، قدَّمناه مع دعاء من أدعية خطيب القبيلة — دعاء واحد بآمين مكررة.

ثم عدنا إلى الساحة الكبرى عبر الوادي، حيث تتزاحم الأشجار والأدغال مثل جموع المعتمرين، وقد ملئوا كل درب بين الربى، وكل بقعة منها غير مزروعة.

وكان أشد الزحام في الساحة الكبرى، فاخترقنا الصفوف إلى وسطها، فإذا هناك الراقصون والراقصات، وحلقات الذكر، وغير الحلقات. لقد شاهدت في البلاد العربية حلقات ذكر كثيرة، شعرية ودينية وبهلوانية، في نور القمر ونور الزيت ونور الكهرباء، وهي كلها للرجال، لا نساء بين الراقصين، ولا بين المتفرجين.

وهاكم في المغرب النساء والرجال في الحلقات وخارجها، اليد باليد ها هنا، فيثبون جميعًا ويحجلون، والصدور للصدور، فيهزون الرءوس إلى الأمام وإلى الوراء هزات عنيفة ويقعسون، وهناك الحلقات غير المختلطة، حلقات الرجال وحلقات النساء.

وهاكم من النساء المتفردات كل واحدة حلقة بنفسها ولنفسها، وبينهن الصبايا الحسان، وقد احمرت خدودهن، وانحلت شعورهن، وذبلت عيونهن من الاهتزاز العنيف المستمر، فهن يهززن الرءوس والصدور والأرداف، والعيون منهن شاخصة إلى أعلى، أو إلى لا شيء أمامهن؛ فتراهن غائبات ذاهلات هائجات مشغوفات بما لا يعلمه غير الله، أو بمَن لا يعرفه بعدَ الله إلا هن.

هي عمارة الخضر غيلان بمظاهرها الدرويشية، وبما يضطرم في صدور النساء والرجال والفتيات والفتيان، من التشوقات الروحية والجسمانية.

وبعد قليل تغرب الشمس على هذا المشهد الغريب — وسيغدو الإسلام غريبًا في دياره — فلا يرى، حتى العمارة القادمة في العام التالي، من أثر القداسة غير ضريح الولي في رأس الجبل، ولا يرى في ساحة المهرجان غير أثر الجنرال فرنكو التذكاري — حوض الماء والمسجد والمدرسة — لتعزيز «الصداقة» الإسبانية المغربية.

الولي – المدرسة – الصداقة الإسبانية المغربية؛ لمَن البقاء؟

•••

منذ عهد الكهان والكواهن في بابل وآشور ومصر، وفي بلاد اليونان والرومان والفينيقيين، كانت نساء البربر في المغرب يتعاطين السحر والتكهُّن.

وكانت لغمارة، التي لا تزال من أكبر قبائل البربر، نبي اسمه حاميم بن منن الله، تنبَّأ سنة ٣١٣ﻫ بجبل حاميم القريب من تطوان، فشرع الشرائع وقلد القرآن، فكان يتلو من كتابه ذاك على الناس بلسانه العربي البربري، وكانت عمة حاميم كاهنة ساحرة، وأخته كذلك، فتستغيث القبيلة بهما في الحرب والقحط.

قال ابن خلدون: وظهر فيهم نبي آخَر هو عاصم بن جميل، له أخبار مأثورة، وما زالوا يفعلون السحر إلى هذا العهد. أي عهد ابن خلدون.

وما زالوا يرقصون رقصة السحر والكهانة، رقصة الأسرار الروحية وقد اختلطت بالأسرار الجنسية — الشقية المكبوتة بلغة علم زماننا — ليس في غمارة فقط، بل في غرفط وغيرها من القبائل.

على أن الأولياء حلوا محلَّ الأنبياء، وحلَّت السواحر محل الكواهن، أما السحر فإن أكثر منتحليه «النساء العواتق» كما يقول ابن خلدون، ولهم كما للرجال — في زماننا كما فيما مضى — «علم استجلاب روحانية ما يشاءونه من الكواكب، فإذا استولوا عليه وتكنفوا بتلك الروحانية، تصرَّفوا منها في الأكوان بما شاءوا، والله أعلم.»

ويجب أن أقول فيما يختص بسواحر المغرب الحاضر إنهن لسن كلهن من «العواتق»؛ فقد شاهدت بين نسوة بني غرفط الراقصات الذاكرات «المستجلبات روحانية الكواكب»، عددًا غير قليل من الصبيات الجميلات الوجوه والعيون والقدود.

هي الطرق وشعابها الجنسية، المكنونة والمكشوفة. هم الأولياء وأشياعهم، وفيهم الطالب والطالبة لوجه الله، والساحر والساحرة لوجه الحبيب في الحياة الدنيا، ولهم الزوايا التي لا تُحصَى.

أما الطرق نفسها فهي ستٌّ في المغرب، أذكرها بحسب أهميتها وانتشارها، وهي: القادرية،٣ والدرقاوية، والتيجانية، والناصرية، والكتانية، والعيسوية، نسبةً إلى محمد بن عيسى المولود في مكناس.

وأما الأولياء فإني أعيد القول: ما أكثرهم في هذا المغرب! وإنهم لفي ازدياد على عقم الزمان في القداسة؛ فأصغرهم سنًّا — في الولاية — هو سيدي محمد بن صديق أخَمْليش، المتوفى منذ اثنى عشر عامًا، والمدفون بقبر ذي قبة في قبيلة بُونصار.

إن قبور الأولياء جميعًا بقباب، عدا قبر القطب الأكبر عبد السلام بن المشيش، فقد كان عبد السلام يقول: إن جسده ليس أحسن من التراب، وأراد أن يكون قبره من التراب بمستواه، لا قبة فوقه ولا بناء، فكأنه وهابي في هذا يقول قول الوهابيين: خير القبور الدوارس.

ومما هو جدير بالذكر أيضًا أن أكثر أولئك الأولياء كانوا في حياتهم أصحاب كرامات، ولا يزالون في مماتهم يصنعون العجائب، فيشفون المرضى والعواقر والمجانين، مثل إخوانهم قديسي لبنان.

قيل لي إن سيدي هِدِّي في بني عروس يشفي المجانين، ولكن طريقته غير طريقة الرهبان في دير قزحيا بلبنان، طريقة سيدي هدي علمية عصرية تختص بتربيته؛ فهو مدفون في مكان قريب من تزروت يتفشَّى فيه نوع من الحمى التي تصعد سريعًا إلى الدماغ، فتتغلب على ما به من مرض أو اختلال، فإذا جيء بالمجنون إلى ذلك المزار لا يلبث أن يصاب بتلك الحمى، فتصعد توًّا إلى رأسه، وتطرد الشيطان منه — تشفيه من الجنون. إنها لعجيبة العجائب، فالمعروف أن الحمى، إذا ما تصاعدت إلى الرأس تجنِّن صاحبها! وبجوار سيدي هدي تفعل عكس ذلك؛ تعقل المجانين.

أما الخضر غيلان، فقد كُتِب اسمه في سفر المجاهدين قبل أن كتب في سفر الأولياء الأبرار. هناك بطنجة، في السهل القريب من وادي اليهود، كان معسكره، يوم كان البرتغاليون محتلين تلك المدينة، فجاهَدَهم سبع سنوات (١٦٥١–١٦٥٨) حتى يئست البرتغال من طنجة، فأهدتها إلى الإنكليز.

وأما قبيلته فإنها تهتم، مثل أكثر القبائل، بالزراعة قبل كل شيء، وهي تمتاز عن سائر قبائل هذه الإيالة بما تنتجه من الجلبان — البازلة — كما تمتاز بأحباسها الغنية التي يبلغ ريعها السنوي عشرين ألف بسيطة، رجل في الأرض ورجل في السماء. شأن بني عروس، أكثر القبائل وجاهة، وأشدها بأسًا، وأغناها بالمساجد والجوامع والزوايا. قيل لي إن فيها أكثر من مائة ولي، مهما يكن في القول من المبالغة، فالعدد الصافي المحقق يظل كثيرًا. إن الأولياء بروحانيتهم — أو بعجائبهم — لا بعددهم، وإن منهم في بني عروس: عبد الرحمن شريف، وسيدي يندر، وسيدي علي الريسوني، وسيدي محمد الريسوني. هذه العائلة هي من أوجه عائلات القبيلة، وقد بسطت نفوذَها على أكثر القبائل في أيام زعيمها الأكبر الشريف أحمد الريسوني.

وفي هذه الإيالة، في ديار بني عروس، أشهر جبال المغرب، هو جبل العلم، محجة المؤمنين والوطنيين، حيث تحفظ عظام القطب الأكبر، والولي الأشهر، عبد السلام بن المشيش، وحيث تجلس روحه الطاهرة لتستريح، ثم تستأنف حراسة المغرب.

من قمة ذلك الجبل ترى كل مدن هذه الناحية من المغرب الشمالي: أصيلة والقصر الكبير وطنجة وتطوان وشفشاون، ومن تلك القمة، من ذلك الجوار القدسي الوطني، نظر أحمد الريسوني إلى هذه البلاد ولسان حاله يقول: هي بلادي، وسأخلصها من حكم الأجانب.

figure
مسجد القادرية.
١  العمرة: الحج الأصغر، والقصد إلى مكان عامر، والزيارة التي فيها عمارة الود (القاموس).
٢  وهي:
  • الإيالة الجبيلية: المرقب العام بتطوان تتبعه ستة مراقب محلية.
  • الإيالة الغمارية: المرقب العام بشفشاون تتبعه ثمانية مراقب محلية.
  • الإيالة الريفية: المرقب العام بسان خورخو يتبعه اثنا عشر مرقبًا محليًّا.
  • الإيالة الشرقية: المرقب العام بالناضور تتبعه ثمانية مراقب محلية.
٣  والقادرية أغنى الطرق في أوقافها؛ فإن لها من المساجد والجوامع والزوايا ما يزيد على المائة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤