شوقي وحافظ

لَا لِقَوْمٍ وَلَا لِدِينْ
أَنْتَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينْ
أَهلُكَ الْوَحْيُ وَالْهُدَى
دِينُكَ الْحَقُّ وَالْيَقِينْ
سِرْتَ فِي الْأَرْضِ رَافِعًا
مَشْعَلَ الْخُلْدِ فِي الْجَبِينْ
فَكَأَنِّي بِكَ السَّمَا
أُودِعَتْ فِي لَظًى وَطِينْ
أَنتَ لِلْجِيلِ، إِنَّمَا
لِلذَّرَارِيِّ بَعْدَ حِينْ
لِلطُّغَاةِ الْمُهَدِّمِينْ
لِلْبُنَاةِ الْمُشَيِّدِينْ
لِلْمُلُوكِ الْمُخَلَّعِينْ
لِلْعَبِيدِ الْمُتَوَّجِينْ
لِلصَّعَالِيكِ، لِلَّذِينْ
خَدَّرُوا الْأُسْدَ فِي الْعَرِينْ
لِلزُّنَاةِ الْمُسَيْطِرِينْ
لِلْأُبَاةِ الْمُسْتَعْبَدِينْ
أَنْتَ لِلشَّوْكِ، لِلْوُرُودْ
لِلنَّبِيِّينَ فِي الْقُيُودْ
لِلْبُذِيِّينَ، لِلْيَهُودْ
لِلنَّصَارَى، لِلْمُسْلِمِينْ
لَا لِقَوْمٍ وَلَا لِدِينْ
أَنْتَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينْ
مُصْحَفٌ قَصَّتِ السُّوَرْ
فِيهِ أُسْطُورَةَ الْبَشَرْ
كُلَّمَا أَسْمَعَ الْعُلَى
آيَةً شَرَّفَ الْمَدَرْ
حَرَمُ الْوَحْيِ لَوَّنَ الْـ
ـحُبُّ فِي عَدْنِهِ الصُّوَرْ
فَعَلَى كُلِّ صُورَةٍ
مُرْضِعُ الْقَلْبِ وَالْبَصَرْ
صُوَرٌ غِمْنَ بِالرُّؤَى
وَتَجَلَّيْنَ بِالْفِكَرْ
فَكَأَنِّي بِهِنَّ أُحْـ
ـدِرْنَ مِنْ عَبْقَرٍ أَثَرْ
يَا فَخُورًا بِزَفْرَةِ الشِّـ
ـعْرِ وَالْحُبِّ فِي الْوَتَرْ
هَازِئَ الْقَلْبِ بِالطُّرَرْ
ضَارِبًا بِالدُّمَى الْأُخَرْ
نَسَكَ الْفَنُّ حِينَ قِبْـ
ـلَتَهُ فِيكَ وَانْحَصَرْ
أَيُّهَا الْحَارِسُ الْأَمِينْ
هَيْكَلَ الْمَنْطِقِ الْمُبِينْ
يَا أَمِيرَ الْمُشَرَّدِينْ
إِخْوَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرْ
مَا الصِّبَى فِي تَرَنُّمِهْ
فِي هَوَاهُ وَفِي دَمِهْ
وَصَبَاحُ الرَّبِيعِ يَفْـ
ـتَرُّ عَنْ عَاجِ مَبْسِمِهْ
وَالْمَسَاءُ الْوَلْهَانُ يُصْغِي
لِهَمَسَاتِ أَنْجُمِهْ
وَالْأَقَاحُ الْبَرِيءُ يَنْـ
ـفُثُ أَحْلَامَ بُرْعُمِهْ
مِثْلَ سِحْرٍ تُذِيبُهُ
رُوحُ شَوْقِي بِمَرْقَمِهْ
مَا الْهَوَى فِي تَأَلُّمِهْ
وَالدُّجَى فِي تَجَهُّمِهْ
وَالسَّمَا فِي انْتِقَامِهَا
وَاللَّظَى فِي تَضَرُّمِهْ
وَصُرَاخُ الْبَرِيءِ فِي
نَزْوَةٍ مِنْ تَظَلُّمِهْ
وَالْمَعَرِّيُّ عَلَى الْوَرَى
ثَائِرًا فِي تَهَكُّمِهْ
مِثْلَ شَوْقِي تُثِيرُهُ
غَضْبَةٌ مِنْ جَهَنَّمِهْ
مَا عَلَى النُّورِ وَاللَّهَبْ
وَعَلَى الزَّهْرِ فِي الْهَضَبْ
إِنْ أَتَتْ شَاعِرَ الْعَرَبْ
نَائِحَاتٍ بِمَأتَمِهْ

•••

بُلْبُلَ الْأَرْضِ وَالسَّمَا
نَاشِرَ النُّورِ فِيهِمَا
مَالِئَ الْأَرْضِ حِكْمَةً
وَسَمَا الْحُبِّ أَنْجُمَا
يَا أَخَا الْمُعْدَمِينَ مَا
كُنْتَ فِي النَّاسِ مُعْدَمَا
إِنَّمَا الْبُؤْسُ ذُقْتَهُ
فِي فُؤَادٍ تَأَلَّمَا
فِي نُفُوسٍ تَظَلَّمَتْ
وَشُعُورٍ تَظَلَّمَا
عِشْتَ كَالنُّورِ مُلْهَمَا
وَكَعَبَّاسَ مُتْخَمَا
ثَمَنَ الْغَارِ مَا دَفَعْـ
ـتَ دُمُوعًا وَلَا دَمَا
إِيهِ شَوْقي فَحَافِظٌ
كَانَ أَشْقَى … وَأَعْظَمَا
كَانَ يَسْتَلْهِمُ الْبُئُو
سَ وَتَسْتَلْهِمُ الدُّمَى
كُنْتَ تُغْفِي مُتَيَّمًا
حِينَ يُغْفِي مُيَتَّمَا
عَرْشُكَ الشِّعْرُ وَالذَّهَبْ
عَرْشُهُ الشِّعْرُ وَالْخَشَبْ
آهِ! فِي دَوْلَةِ الْأَدَبْ
أَيُّ مَلْكَيْنِ كُنْتُمَا؟!

•••

عِشْتَ فِي النَّفْيِ مِثْلَمَا
عَاشَ فِي الْخَمْرَةِ الْحَبَبْ
بَيْنَ أَسْمَى مِنَ الْجَلَا
لِ وَأَشْهَى مِنَ الطَّرَبْ
عِشْتَ فِيهِ كَبُلْبُلٍ
مَرَّ فِي الْعِيدِ وَاحْتَجَبْ
حَامِلًا مِنْ جَنَاحِهِ
رَعْشَةَ الْحَظِّ فِي الزَّغَبْ
لَسْتُ أَنسَاكَ طَائِفًا
فِي الْيَوَاقِيتِ وَالذَّهَبْ
فِي قُصُورِ الْحَمْرَاءِ تَسْـ
ـتَنْطِقُ الْمَجْدَ فِي الْخِرَبْ
تَسْأَلُ الْفَنَّ، رَافِعَ الرَّ
أْسِ، عَنْ أُسْرَةِ الْعَرَبْ
فَأَرَى مِنْ أُمَيَّةٍ
فِيكَ ظِلًّا مِنَ النَّسَبْ

•••

ثَمَنَ الْغَارِ مَا دَفَعْـ
ـتَ دُمُوعًا وَلَا تَعَبْ
إِيهِ شَوْقِي فَحَافِظٌ
كَانَ فِي بُؤْسِهِ أَحَبّْ
كَانَ يُغْفِي مُيَتَّمًا
حِينَ تُغْفِي مُتَيَّمَا
أَيُّ مَلْكَيْنِ كُنْتُمَا
أَمْسِ فِي دَوْلَةِ الْأَدَبْ؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤