الحجر الحي
أمام تمثال فوزي المعلوف
            
         أَطْبِقْ جَنَاحَيْكَ مَعْقُودًا لَكَ الظَّفَرُ
               
               فَقَدْ وَصَلْتَ وَشَوْطُ الْمَجْدِ مُخْتَصَرُ
               
            مَا ضَرَّ وَكْرَكَ أَنْ تَأْتِيهِ مُنْطَفِئًا
               
               مَا دَامَ قَلْبُكَ فِي جَنْبَيْهِ يَسْتَعِرُ
               
            أَلَيْسَ مِنْ رِيشِكَ الْمَحْبُورِ مُطْرَفُهُ
               
               هَذِي الْفِرَاخُ عَلَيْهَا الْأَبْرُدُ الْحُبُرُ
               
            تَرَكْتَهَا وَعَلَى أَكْتَافِهَا زَغَبٌ
               
               وَجِئْتَهَا وَعَلَى أَبْدَانِهَا أُزُرُ
               
            هَذِي الْبَوَاكِيرُ مَا أَوْرَدْتَ سُحْرَتَهَا
               
               إِلَّا لِيُخْصِبَ فِي آصَالِهَا الصَّدَرُ
               
            قَذَائِفٌ لَنْ يُرَى فَجْرُ النُّسُورِ عَلَى
               
               أَحْلَامِهَا الْبِيضِ إِلَّا حِينَ تَنْفَجِرُ
               
            أَتَيْتَهُ فِي النُّحَاسِ الْحَيِّ طَيِّبَةً
               
               عَلَيْهِ مِنْ رُوحِكَ الْأَعْرَاقُ وَالسُّرُرُ
               
            عَيْنَاكَ فِي الْحَجَرِ الْمَصْبُوبِ سَاهِرَةٌ
               
               يَقْظَانَةٌ فِيهِمَا أَحْلَامُكَ الْغُرَرُ
               
            تُوَاجِهُ اللَّيْلَ هَوْلَ الرِّيحِ صَاخِبَةً
               
               مَا ضَرَّكَ الذِّئْبُ جَوْعَانًا أَوِ النَّمِرُ
               
            نِيرَانُ عَبْقَرَ فِي عَيْنَيْكَ إِنْ مَرَدَتْ
               
               هَوْجُ الدُّجَى فَعَلَى عَيْنَيْكَ تَنْصَهِرُ
               
            مَهْمَا طَغَى اللَّيْلُ لَا تُشْقِيكَ زَوْبَعَةٌ
               
               وَلَا يُجَهَّمُ فِي أَجْفَانِكَ الْحَوَرُ
               
            صُلْبٌ عَلَى الدَّهْرِ لَا تَهْوِي صَوَاعِقُهُ
               
               إِلَّا عَلَى جَانِبَيْ وَقْبَيْكَ تَنْتَحِرُ
               
            يَقْظَانُ وَالنَّاسُ عُمْيٌ فِي مَرَاقِدِهِمْ
               
               سِيَّانِ نَامُوا عَلَى ذُلٍّ أَمِ احْتُضِرُوا
               
            عَارٌ عَلَيْنَا نَنَامُ اللَّيْلَ هَانِئَةٌ
               
               عُيُونُنَا وَعُبَابُ اللَّيْلِ مُعْتَكِرُ
               
            لَمْ يَبْقَ مِنْ رُومَةٍ إِلَّا صَغَائِرُهَا
               
               وَمِنْ قَيَاصِرِهَا إِلَّا دُمًى كِسَرُ
               
            وَتَشْهَدُ الصُّبْحَ عُرْسَ الصُّبْحِ مُنْعَقِدًا
               
               عَلَى جَبِينِكَ نُورٌ مِنْهُ يَنْضَفِرُ
               
            وَلَائِمٌ لَكَ تُزْجَى، مِنْ مَوَائِدِهَا
               
               الْعِطْرُ وَالنُّورُ وَالْأَلْحَانُ وَالصُّوَرُ
               
            وَالشَّمْسُ بِالْجَفْنَةِ الْخَضْرَاءِ عَاشِقَةٌ
               
               مِنْ مِرْشَفَيْهَا دَمُ الْعُنْقُودِ يَخْتَمِرُ
               
            وَالدُّلْبُ — كِنَّارَةُ الْأَنْسَامِ — مُرْتَعِشٌ
               
               فِيهِ لِكُلِّ نَسِيمٍ عَابِرٍ وَتَرُ
               
            تَشُدُّ جَفْنَيْكَ رُؤْيَا لَا قَرَارَ لَهَا
               
               كَأَنَّمَا الْغَيْبُ فِي عَيْنَيْكَ مُنْحَصِرُ
               
            عَيْنُ الْعَظِيمِ ضِيَاءُ الْأَنْبِيَاءِ بِهَا
               
               مَرَّ الْجَحِيمُ وَلَمْ يُطْرَفْ لَها بَصَرُ
               
            رَفَعْتَ عَنْكَ سِتَارَ النَّاسِ مُنْتَفِضًا
               
               أَيَحْجُبُ الْخُلْدُ مَنْ يَبْلَى وَيَنْدَثِرُ؟!
               
            هَذِي السِّتَارَةُ كَانَتْ فِي تَشَدُّدِهَا
               
               عَلَيْكَ آخِرَ قَيْدٍ شَدَّهُ الْبَشَرُ
               
            كَأَنَّهَا وَهِيَ تُنْضَى خِلْعَةٌ كَذَبَتْ
               
               مِنَ الْفَنَاءِ لِحَاءٌ عَنْكَ يُقْتَتَرُ
               
            مُنْذُ ابْنِ مَرْيمَ وَالْأَكْفَانُ هَاوِيَةٌ
               
               عَنِ النُّبُوغِ وَصَخْرُ الْقَبْرِ مُنْحَدِرُ
               
            كَمْ فِي بِلَادِكَ مِنْ نَفْسٍ تَوَدُّ عَلَى
               
               وَقَاحِ عَوْرَتِهَا أَنْ تُسْدَلَ السُّتُرُ
               
            جَاءَتْ عَرُوسُكَ فِي حُلْمِي تُخَاطِبُنِي
               
               يَصُونُهَا الْمَلَكَانِ: الْحُبُّ وَالْخَفَرُ
               
            شَبَابُهَا قُبَلُ الْأَجْيَالِ فِي دَمِهِ
               
               كَأَنَّهُ بِجَمَالِ اللَّهِ مُؤْتَزِرُ
               
            فِي مُقْلَتَيْهَا نُجُومٌ لِلْهَوَى جُدُدٌ
               
               وَفِي يَدَيْهَا نُجُومٌ لِلْعُلَى أُخَرُ
               
            مِنْ جَنَّةِ الْحُبِّ غَرْسُ الْخَيْرِ مَا نَبَتَتْ
               
               لَوْ ذَاقَتِ الْأَرْضُ مِنْ أَثْمَارِهِ سَقَرُ
               
            قالَتْ: ثِمَارِيَ لَمْ تُبْذَلْ لِغَيْرِ فَتًى
               
               جَرَتْ بِهِ الدَّعَةُ الْخَضْرَاءُ وَالْكِبَرُ
               
            كَمْ شَاعِرٍ نَوَّرَتْ فِي رُوحِهِ قُبَلِي
               
               فَكُلُّ قُبْلَةِ حُبٍّ مِنْ فَمِي قَمَرُ
               
            وَلَمْ أَطَأْ قَلْبَهُ إِلَّا عَلَى زَهَرٍ
               
               وِسَادَتِي وَفِرَاشِي قَلْبُهُ الْعَطِرُ
               
            وَكَمْ فَتًى بَطِرَ الْإِلْهَامُ فِي دَمِهِ
               
               فَقَامَ يُغْصِبُنِي فِي شِعْرِهِ الْبَطَرُ
               
            أَطعَمْتُهُ شَفَتَيْ حِينًا فَسَاوَمَ بِي
               
               كَأَنَّنِي سِلْعَةٌ تُشْرَى وَتُحْتَكَرُ
               
            لَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ مِعْطَفِي خَجَلًا
               
               صَارَ الْحُطَيْئَةَ فِي أَحْقَادِهِ عُمَرُ
               
            •••
أَبَا النُّسُورِ، سَقَيْتَ الْمَوْتَ خَمْرَتَهُ
               
               فَصُلْبُكَ الْمُصْطَفَى لِلْخُلْدِ مُدَّخَرُ
               
            مَا ضَرَّ نَسْرَكَ لَمْ يُعْقِبْ وَقَدْ نُسِلَتْ
               
               مِنْهُ النُّجُومُ، فَفَوْزِي وَحْدَهُ أُسَرُ
               
            لَرُبَّ حَيٍّ غَدَا فِي قَوْمِهِ حَجَرًا
               
               وَرُبَّ مَيْتٍ غَدَا حَيًّا بِهِ الْحَجَرُ