شاعر الليالي

إلى روح إلياس فياض
مُلِّيَ النُّورَ قَبْلَ عَهْدِ الْبُدُورِ
فَهُوَ شَطْرٌ مِنَ الضِّيَاءِ الْكَبِيرِ
أَطْلَعَ اللَّهُ فِي الْحَيَاةِ رِجَالًا
غَمَرُوا لُجَّةَ الظَّلَامِ بِنُورِ
هُمْ بُدُورُ الْأَجْيالِ هُمْ شُعَرَاءُ الْـ
أَرْضِ هُمْ كَهْرُبَاءُ هَذَا الْأَثِيرِ
كُلَّمَا ذَرَّ شَاعِرٌ فِي سَمَاءٍ
شَعَرَ اللَّيْلُ بِانْقِلَابٍ خَطِيرِ
إِنَّمَا الشَّاعِرُ الْحَقِيقِيُّ يَشْقَى
بمُجَاجَاتِ زَيْتِهِ الْمَنْذُورِ
كَالْمَنَارَاتِ تَبْعَثُ النُّورَ فِي اللَّيْـ
ـلِ وَتَشْقَى فِي الشَّاطِىءِ الْمَهْجُورِ
أَوْ دُخَانٍ مِنَ الْمَجَامِرِ يَرْقَى
حَامِلًا لِلنُّفُوسِ عِطْرَ الْبَخُورِ
هُوَ مِنْ نَزْوَةِ النُّبُوغِ أَذَانٌ
أَنْ يُرَى الْبُؤْسُ شُعْلَةً فِي الصُّدُورِ
وَقَضَاءٌ لِلْعَبقَرِيَّةِ أَلَّا
يَبْسِمَ الْمَجْدُ فِي جَنَاحِ النُّسُورِ
هَكَذَا الْحِكْمَةُ الْخَفِيَّةُ شَاءَتْ
فَهْيَ تُخْفِي أَقْبَاسَهَا فِي الضَّمِيرِ
تَمْنَعُ النُّورَ عَنْ عُيُونِ السَّلَاطِيـ
ـنِ وَتُعْطِيهِ لِلْمَعَرِّي الضَّرِيرِ

•••

أَوْحَشَ الرَّوْضُ فِي الْخَرِيفِ فَلَا تَسْـ
ـمَعُ فِيهِ أُغْرُودَةً لِلطُّيُورِ
وَالزُّهُورُ الَّتِي تَنَشَّقْتَ رَيَّا
هَا تَخَلَّتْ عَنْ خِدْرِهَا لِلصُّخُورِ
وَسُقُوطُ الْأَوْرَاقِ يَسْلَخُ فِي الْفَجْـ
ـرِ بَقَايَا الْآمَالِ فِي الْمَصْدُورِ
أَيْنَ تِلْكَ الزُّهُورُ يَنْفَرِطُ الصُّبْـ
ـحُ عَلَيْهَا بِاللُّؤْلُؤِ الْمَنْثُورِ؟!
يَذْبُلُ الزَّهْرُ فِي الْخَرِيفِ وَيُبْقِي
لِبُذُورِ الرَّبِيعِ بَعْضَ عُطُورِ
هَكَذَا الشَّاعِرُ الْمُحَلِّقُ إِذْ يَمْـ
ـضِي وَتَبْقَى آثَارُهُ لِلدُّهُورِ

•••

لَمْ يَمُتْ شَاعِرُ «اللَّيَالِي» فَعَيْنَا
هُ تَشُعَّانِ فِي «الْكِتَابِ الصَّغِيرِ»
رُبَّ سِفْرٍ أَضَاءَ هَيْكَلَ نُورٍ
خَلَدَتْ فِيهِ مُقْلَتَا شِكْسِبِيرِ
رُبَّ سِفْرٍ مَحَا قُصُورَ الدَّهَاقِيـ
ـنِ وَأَعْلَى بِالْمَجْدِ كُوخَ الْفَقِيرِ
لَا يَموتُ «الْفَيَّاضُ» وَالشِّعْرُ حَيٌّ
وَعَلَى الْبُؤْسِ بَسْمَةٌ لِلثُّغُورِ
وَعَلَى مَحْجِرِ الْيَتِيمِ مِنَ الْقَلْـ
ـبِ دِمَاءٌ مَحْمُومَةٌ بِالزَّفِيرِ
وَقُلُوبُ الشَّبَابِ تَنْبِضُ لِلْحُـ
ـبِّ وَتَأْوِي إِلَى عَذَارَى الْخُدُورِ
لَا يَمُوتُ الْفَيَّاضُ مَا دَامَتِ الْأَرْ
وَاحُ تَهْتَزُّ لِاخْتِلَاجِ الصَّرِيرِ
وَجَمَالُ الْأَفْكَارِ مِنْ مُحْرِقَاتِ الْـ
ـقَلْبِ يَمْتَدُّ فِي شُعَاعٍ طَهُورِ
وَالسَّمَاعُ الطَّافِي عَلَى وَتَرِ الشِّعْـ
ـرِ يُشِيرُ الْهَوَى بِمُرْدٍ وَحُورِ
يَا خَيَالًا فِي الصُّبْحِ خَدَّرَ أَجْفَا
نِي وَنُورًا فِي اللَّيْلِ كَانَ سَمِيرِي
قُلْ لَهُمْ: أَسْتَرِيحُ فِي قَصْرِيَ الْمَمْـ
ـلُوكِ مِنْ بُؤْسِ بَيْتِيَ الْمَأْجُورِ
رَبِحَ السَّيْفُ فَانِيَاتِ الْقَضَايَا
وَمَلَكْتُ الْعُلَى بِبَعْضِ سُطُورِ
مَلِكٌ فِي دُجُنَّتِي يَتَمَنَّى
مَبْسِمَ الْفَجْرِ لَوْ يَكُونُ سَفِيرِي
دَوْلَتِي بِالْخُلُودِ نِيطَتْ لِأَنِّي
لَمْ أَشِدْهَا بِالْعَاجِ وَالبِرْفِيرِ
قُلْ لَهُمْ: نِمْتُ فِي الْحَيَاةِ عَلَى الشَّوْ
كِ مِرَارًا وَمَرَّةً فِي سَرِيرِي
إِنَّ مَوْتِي عَلَى الرَّبَابِ رُقَادٌ
يَنْتَهِي بِي إِلَى صَبَاحٍ مُنِيرِ
يَرْقُدُ الشَّاعِرُ الْكَبِيرُ مِرَارًا
إِنَّمَا السِّرُّ فِي الرُّقَادِ الْأَخِيرِ
قُلْ لَهُمْ: تَحْطِمُونَ فِي الْأَرْضِ كَأْسِي
وَبِمَوْتِي تُقَدِّسُونَ خُمُورِي
عَقَّ زَهْرِي الْوَرَى وَقَدْ يَتَمَنَّى
قَطْرَةً لِلنُّفُوسِ مِنْ إِكْسِيرِي
زَهَرُ الْمَجْدِ لَا يُفَتَّحُ لِلشَّا
عِرِ إِلَّا عَلَى ضِفَافِ الْقُبُورِ

•••

نَمْ قَرِيرًا فَسَوْفَ يَأْتِي صَبَاحٌ
يَمْهُدُ الرُّوحَ لِانْقِلَابٍ كَبِيرِ
وَغُصُونُ الْخَرِيفِ لَا بُدَّ أَنْ تُمْـ
ـسِي غُصُونَ الرَّبِيعِ بَعْدَ شُهُورِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤