عودة جبران
خَلَعْتَ عَنِ الرُّوحِ ثَوْبَ الْمَدَرْ
               
               فَخَفَّ الْعَذَابُ وَطَابَ السَّفَرْ
               
            وَأَقْبَلْتَ، فَالْقَمَرُ الْمُسْتَهَامُ
               
               أَخُوكَ يُنَاجِيكَ خَلْفَ الشَّجَرْ
               
            وَهَذِي بِلَادُكَ مَهْدُ الزَّمَانِ
               
               يَهُزُّ بِهَا الشَّوْقُ حَتَّى الْحَجَرْ
               
            وَهَذَا النَّسِيمُ كَمَا كَانَ أَمْسِ
               
               وَهَذِي الْجِبَالُ، وَهَذَا الْحَوَرْ
               
            وَهَذِي الْكُهُوفُ بِصُلْبِ الصُّخُورِ
               
               جَلَالُ الْقُرُونِ عَلَيْهَا انْتَشَرْ
               
            وَهَذِي عَذَارَاكَ يَا ابْنَ الرَّبِيعِ
               
               تُنَادِيكَ مِنْ شُرُفَاتِ الْقَمَرْ
               
            وَصِنِّينُ مَا زَالَ جَارَ السَّمَاءِ
               
               وَمَا زَالَتِ الْهَضَبَاتُ الْأُخَرْ
               
            وَإِنْ تَكُ تُبْصِرُ فِي سَفْحِهَا
               
               سَوَاعِدَ دَقَّتْ وَخُلْقًا ضَمَرْ
               
            فَرُوحُ بِلَادِكَ لَمَّا يَزَلْ
               
               وَإِنْ رَاغَ مِنْهُ صِبَاغُ الطُرَرْ
               
            تَبَدَّلَ مِنْهُ الْإِطَارُ الْهَزِيلُ
               
               وَهَلْ يَتَبَدَّلُ إِلَّا الْخَبَرْ؟!
               
            حَكِيمَ الزَّمَانِ وَقِيثَارَهُ
               
               وَمَهْدَ الْهَوَى وَالْحَنَانِ الْأَبَرّْ
               
            هُنَا الْحُورُ فَارْقُدْ قَرِيرًا فَمَا
               
               أَحَبَّ وَأَقْدَسَ هَذَا الْمَقَرّْ
               
            هُنَا الْأَنْبِيَاءُ الْأُلَى قَبَّلُوكَ
               
               فَنَبَّأْتَ بِالْأَدَبِ الْمُبْتَكَرْ
               
            هُنَا طَهُرَ الشِّعْرُ فِي شَفَتَيْكَ
               
               بِنَارِ الْأُلُوهَةِ يَا ابْنَ الْبَشَرْ
               
            سَمِعْتُ عَرُوسَكَ مُنْذُ لَيَالٍ
               
               تُنَبِّئُ بِالْحَدَثِ الْمُنْتَظَرْ
               
            وَفِي يَدِهَا خَشَبَاتُ رَبَابٍ
               
               تَشَظَّى عَلَيْهِ الْأَسَى فَانْكَسَرْ
               
            وَأَبْصَرْتُ وَجْهَكَ هَذَا الصَّبَاحَ
               
               يَطْفُو عَلَيْهِ صَبَاحٌ أَغَرّْ
               
            فَيَغْمُرُهُ بِبُخُورِ الْحَنَانِ
               
               وَيَمْسَحُهُ بِزُيُوتِ الكِبَرْ
               
            وَيَعْقِدُ فِي شَفَرَاتِ جُفُونِكَ
               
               ذَرَّاتِ نُورٍ كَرُؤْيَا ظَهَرْ
               
            كَأَنَّ عَرَائِسَكَ الْخَالِدَاتِ
               
               وَقَدْ كُسِيَتْ مِنْ رُؤَاكَ الْحِبَرْ
               
            أَتَتْكَ تُوَدِّعُ هَذَا الْجَمَالَ
               
               فَذَابَتْ عَلَى وَجْهِكَ الْمُحْتَضَرْ
               
            •••
عَرُوسُكَ عَذْرَاءُ مِنْ عَبْقَرٍ
               
               أَتَتْكَ مُصَبَّغَةً بِالْخَفَرْ
               
            تُذِيبُ عَلَيْكَ رُؤَى الْأَنْبِيَاءِ
               
               مُعَرَّفَةً بِرُمُوزِ السُّوَرْ
               
            مِنَ السِّحْرِ فِي مُقْلَتَيْهَا رَشَاشٌ
               
               وَلِلْحُبِّ فِي شَفَتَيْهَا ثَمَرْ
               
            فَدَغْدَغْتَهَا فِي خُدُورِ الرَّبِيعِ
               
               وَعَانَقْتَهَا فِي خُدُودِ الزَّهَرْ
               
            غَزَلْتَ لَهَا حُوَّةً فِي الْجُفُونِ
               
               تُخَدِّرُها عِفَّةٌ فِي النَّظَرْ
               
            وَغَمَّسْتَ رِيشَةَ وَحْيِكَ فِي
               
               شَفَتَيْهَا وَلَوَّنْتَ تِلْكَ الصُّوَرْ
               
            مَشَاهِدُ أَدْمَيْتَ قَلْبَكَ فِيهَا
               
               وَمَا زِلْتَ تُدْمِيهِ حَتَّى انْفَجَرْ
               
            تَبَارَكَ قَلْبٌ تَفِيضُ رُسُومـُ
               
               ـكَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ لَوْحٍ أَثَرْ
               
            وَجِئْتَ الْوَرَى بِأَنَاشِيدِ حُبٍّ
               
               نَقِيٍّ كَوَجْهِكَ أَوْ كَالسَّحَرْ
               
            أَنَاشِيدَ مَا صَعِدَتْ قَبْلَ عَهْدِ
               
               كَ مِنْ حَلْقِ إِنْسٍ وَلَا مِنْ وَتَرْ
               
            أَنَاشِيدَ كَانَتْ عَلَى شَفَتَيْكَ
               
               رِضَاعَ الْهَوَى مُنْذُ كَانَ الصِّغَرْ
               
            حَلَمْتَ بِأَنْغَامِهَا فِي الصِّبَى
               
               وَعَلَّمْتَ أَوْضَاعَهَا فِي الْكِبَرْ