مقدمة

لقد ظُلِمَت هذه القصةُ (البيضاء) ظُلمًا كبيرًا، وللأسف فإن السببَ في ظلْمها هو أنها كانت فعلًا متقدمةً على التفكير السائد بين المثقفين اليساريين آنذاك، وبين تفكيرهم عالميًّا ومحليًّا اليوم؛ فقد كُتِبَت في عام ٥٦–٥٨ ونُشِرَت بضع طبعات، وها أنا ذا أعيد نشْرَها في طبعةٍ خاصةٍ لروايات الهلال الآن، الفرق إذنْ هو أربعة وثلاثون عامًا.

اليوم لم تَعُد البيضاءُ اكتشافًا مبكرًا جِدًّا لأحداثٍ ومفهوماتٍ أصبحت هي القاعدة، ولكنها إذا وُضعت في منظورها الزمني ممكن أن يعودَ لها بعضُ الإنصاف.

هي قصةُ حب، ليس أي حب، وقصةُ عصرٍ ليس أي عصر، وقصةُ سياسةٍ ليست أي سياسة، وقصةُ أطول عمل أفخر به كتبْتُه، هي درةٌ ثمينةٌ بين إنتاجي أعتزُّ بها.

إني أُهْدِي هذه القصةَ للماركسيين في العالم العربي اليوم؛ فضربهم باستمرار من قوى الحكم الغاشم حال بيني وبين أن أهتم اهتمامًا خاصًّا بنشرها وإذاعتها مخافةَ أن تكون ضربةً أخرى للماركسيين المصلوبين دومًا.

وأعتقد أن نشْرَها الآن ليس أمرًا واجبًا فقط، ولكن التذكير بأنَّ ثمَّةَ أناسًا كانوا منذ زمنٍ بعيدٍ يفكِّرون أسبقَ من زمنهم قبْل خروشوف وقبْل البريسترويكا، بالضبط من أيامِ كان ستالين حيًّا ويحكم بضراوة، هذا التذكيرُ أصبح الاعترافُ به — أخيرًا — أمرًا واجبًا.

وأملي أن يستمتع القارئ بعملٍ أصبح الآن معتقًا كالنبيذ المعتق، أي أصبح أكثرَ قيمةً وأغلى ثمنًا؛ فقد دفعتُ فيه — أنا الكاتب — ثمنًا هو أجملُ سِني عمري، وإلى الآن لم أندم.

يوسف إدريس

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤