مقدمة

بقلم  سلامة موسى

وهذه الفصول التالية هي بحث للوسط المصري من ناحية ملاءمته للمسنين، كما هي إرشادات عملية للمسنين كي يجدوا لذة العيش والمنفعة الاجتماعية بعد الستين والسبعين. وهذا الكتاب هو محاولة أولى لموضع بكر لم يسبق أن بحثه مؤلف عربي. ولهذا يرجو المؤلف جميع المسنين الذين يقرءونه أن يدلوا بآرائهم واختباراتهم لعل فيها ما ينفع غيرهم.

قبل نحو ثلاث أو أربع سنوات نشرت في مجلة الشئون الاجتماعية مقالًا لي عن الموظف المصري في المعاش شرحت فيه الحال الأسيفة التي يعانيها كثير من موظفينا حين يبلغون الستين فيجدون حياتهم خواء ليس لهم هم أو اهتمام، ولا يجدون في مستقبلهم سوى الشيخوخة فالموت. وقد أدليت ببعض النصائح التي تتيح لمن جاوز الخمسين أن يستغل حياته وأن يتهيأ للشيخوخة بنشاط لا ينقص بل يزداد على مدى السنين.

ورأيت من الأسئلة التي وجهت إلي — عقب نشر المقال — أن هذا الموضوع يثير كثيرًا من الاستطلاع والاهتمام بين جميع الكهول، وأن الشيخوخة في مصر مشكلة اجتماعية تحتاج إلى الحل. وذلك لأسباب كثيرة ليس أقلها ذلك المطبخ المصري الذي لا يزال يقدم لنا ألوانا من الطعام تثقلنا بالشحم فتعرقل نشاطنا وتعجل تهدمنا، ولكن هناك أسبابًا كثيرة أخرى نفسية وذهنية واجتماعية.

ففي بلادنا كثير من المسنين الذين بلغوا الستين أو السبعين نستطيع أن نقول إنهم بما يبدو من سلوكهم، لا يستمتعون بالحياة بل يقاسونها، فهم يعانون أمراض الجسم وخواء الذهن وضمور النفس. قد فقدوا أهدافهم، وانقطعت الصلة بينهم وبين عصرهم. فهم في ألم أو تذمر. وإنك لتنظر إلى أحد هؤلاء وهو في الستين فتحس أنه من حيث الحيوية يعد ميتًا قد تأخر دفنه، وأن شيخوخته قفر بلقع لا تحتوي نضرة ولا زهرة.

ومشكلة الشيخوخة هي مجموعة من المشكلات الصحية والنفسية والذهنية، وسوف نمسها جميعًا، ولكنا نعتقد أنها قبل كل شيء مشكلة نفسية. ولذلك سيكون التفاتنا إليها هنا كثيرًا، لأن كثيرًا من المسنين يهرمون بالوهم قبل أن يهرموا بالشيخوخة. وهم يعانون خواء ويكافحون سأمًا. ويحسون احتقارًا، كان يمكن ألا تكون لو أنهم وجدوا الإرشاد وعالجوا صعوباتهم وأصروا على أن يعيشوا دون استسلام للهزيمة.

وليست غايتي من هذا الكتاب أن نزيد حياتنا سنين فقط بل أن نزيد سنيننا حياة. حتى لا يحس المسن بين الخمسين والسبعين أنه قد شاخ وهرم وصار عقيمًا زائدًا على الدنيا، بل على العكس يشعر أنه قد نضج وأينع، وأنه في هذا الإيناع جدير بأن يستمتع بالحياة وينشط لجني ثمرات السنين الماضية في رقيه الشخصي والروحي ورقي المجتمع. بل إني أعتقد أن سن الثمانين لن تكون نهاية العمر، لأن بلوغ المئة — بل أكثر من هذه السن — سوف يكون مألوفًا في معظم المعمرين، بل هو في الوقت الحاضر ليس قليل الوقوع، كما يستطيع أي إنسان أن يعرف بمجرد السؤال عن بعض أقاربه ومعارفه. وكل ما يحتاج إليه المسنون أن يقفوا على المعارف ثم يجعلوا سلوكهم مطابقًا لهذه المعارف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤