صحة الجسم

لا نحب أن نسأم من الإصرار على القول إن تهدم المسنين، وانهيار الشيخوخة، هما مسألة نفسية ذهنية قبل أن يكونا مسألة جسمية. وحكومتنا، بإقالتها الذين بلغوا الستين إلى المعاش من موظفيها، تؤيد الاعتقاد بأن المسنين يجب أن يكفوا عن العمل والجهد، كما أن المجتمع يزيد هذا الاعتقاد بالوقار الزائف الذي يضفيه على المسنين، فيحرمهم من العمل واللعب والتذاذ المسرات، ويحملهم على الزهد والركود.

ولشركات التأمين، بإلحاحها على خطر الشيخوخة وتوقع الموت، نصيب أيضًا في زيادة هذا الاعتقاد. والنتيجة أن المسن نفسه، بتواتر هذا الإيحاء له من جميع النواحي؛ يعتقد أيضًا أنه لم تعد له قيمة في الدنيا، فتخور نفسه ويتهدم جسمه ويعيش سائر سنيه في انتظار الموت.

ولكن مع التفاتنا الكبير إلى الناحية النفسية، لا يجب أيضًا أن نهمل الجسم. وقبل أن نتحدث عن صحة الجسم نذكر بعض النصائح التي ينصح بها الدكتور مارتن جومبرت للمسنين. فإنه طبيب خاص بالأجسام، ولكنه يرى أن الشيخوخة ليست فقط ضعفًا جسميًّا. ولذلك يقول للمسن:
  • (١)

    لا تبال ما يقال ضد الخمر أو الدخان أو الهموم، فإن تناول الخمر أو الدخان في اعتدال مفيد في الغالب. والهموم، التي نبني بها ولا نهدم، توقظ الإنسان. وعلينا أن نذكر أن الحياة هي مهمة هجومية.

  • (٢)

    لا تتقاعد، لأن المسن يحتاج إلى تحدي العمل له، ولكن في غير إرهاق. والركود هو تذكرة الموت.

  • (٣)

    يمكن الاستمتاع بحياة جنسية نشيطة (ولكن ليست مسرفة في النشاط) إلى سن متقدمة تزيد على ما يعتقده الناس. ويجب ألا تنتهي هذه الحياة الجنسية عقب الانتقال الطوري. ولكن يجب ألا يتزوج المسن فتاة في الشباب، لأن هذا الزواج يقتله في الغالب.

  • (٤)

    أقلل من الأطعمة المغذية، وأكثر من الفيتامينات والعناصر. وخير الأطعمة للمسنين هو: الجبن الخفيف، أي الذي لا يكثر دسمه، واللبن، واللحم الخالي من الذهن، والبيض النمبرشت، والخضراوات والفواكه المطبوخة، والموز النيء. وتجنب الخضراوات النيئة واللحم المملح والجبن الدسم.

  • (٥)

    تجنب الحمام البارد والحمام الساخن، وكذلك البقاء طويلًا بالحمام.

•••

ويرى القارئ هنا، أن هذا الطبيب يلتفت إلى الناحية النفسية كثيرًا وينصح للمسنين بالاستمتاع. وهذا هو ما نراه أيضًا، ونلح عليه في فصول هذا الكتاب. لأن غرضنا ألا يطول العمر بالسنين، بل تطول الحياة بالاستمتاع. ويجب أن تكون غايتنا الحياة العريضة التي كان ينشدها الرازي.

ولكني أنتقد هذا الطبيب في تسامحه بشأن التدخين؛ فقد ثبت ثبوتًا لا شك فيه أن هذه العادة تضعف القلب وتعجل الموت بما تحدثه من تضييق للشرايين، وهذا زيادة على إحداث السرطان في الرئة.

وقد أشرنا في الفصل الماضي إلى أن مطبخنا في وضعه الحالي سيئ. لأن ألوان الطعام التي يهيئها لنا كثيرة الدسم، تؤدي إلى تفشي البول السكري بيننا. وقد كان المطبخ الإنجليزي قبل أربعين سنة يؤدي إلى تفشي النقرس، حتى كانت لا تخلو عائلة من هذا المرض في إنجلترا كما لا تخلو الآن عائلة في مصر من الطبقة المتوسطة من البول السكري. ولكن الإنجليز أصلحوا غذاءهم، وحضوا على الرياضة، حتى أوشك النقرس أن يزول. أما نحن فلم نصلح غذاءنا إلى الآن.

والأمراض الفاشية في مصر — من ناحية الشيخوخة — هي الترهل الذي ينشأ من التضخم، لكثرة الطعام الدسم، أو للنهم في الطعام وإن لم يكن دسمًا. وحسب القارئ أن يعرف ضرر هذا الترهل من رفض شركات التأمين أن يؤمنوا أحدًا على حياته إذا كان ضخمًا. حتى ولو كان شابًّا. وإذن يجب الإقلال من الأطعمة، وخاصة الأطعمة الدسمة والنشوية في الشيخوخة.

والبول السكري هو — كما قلنا — إحدى الثمرات التي نجنيها من هذه الأطعمة الدسمة والنشوية. كما أن الأحماض تتكون أيضًا من عجز الجسم عن التخلص من فائض الطعام فيه. وهذه الأحماض تعود فتؤثر في الشرايين بالتصلب، أي التيبس.

وخير ما نتبع بعد الخمسين والستين أن نؤثر الخضراوات المطبوخة على اللحوم، مع الإكثار من اللبن ومشتقاته. فإذا لم نستطع هذا فلنؤثر اللحم الأبيض (كالسمك والدجاج) على اللحم الأحمر. ويجب أن نقاطع الأعضاء الداخلية، كالكبد والكليتين والقلب. أما الالتفات إلى الفيتامينات فنستطيع أن نطمئن إذا كنا نتناول مقدار كوب واحد من اللبن النيئ في اليوم. وبدهي أن المسن الذي ينشط إلى الحركة والرياضة يستطيع تناول اللحوم والأطعمة الحمضية أكثر من ذلك الذي يؤثر الدعة والراحة.

ويجب أن نجعل القناعة مزاجًا وعادة، فلا ننهم إلى الطعام الدسم، ولا نكثر من الوجبات. ولنحرص على الدوام إلى بقاء الجسم على وزنه لا يزيد إذا كنا نحافًا، وأن ننقصه إذا كنا سمانًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤