الفصل الحادي عشر

هول هولاكو

هبَّت هبوب الجحيم من الشرق، من قلب آسية، فغشيت سورية بلادي. جاء هولاكو بجيوشه التتر والمغول (٦٥٨ﻫ/١٢٥٩م)، يحملون السيف والنار، ولا يُحسِنون غير القتل والدمار، فاستولوا على القلاع والحصون، وفتكوا بالناس فتك الضواري، ودخلوا المدن فاتحين ناهبين، محرِّقين، مُفحِشين.

وكان نصارى الشرق والإسماعيلية (وما الصلة بين الاثنين غير تألُّم المستضعفين) من الشامتين لِمَا حلَّ بالشام من هول هولاكو. قال الذهبي: «ورفعوا (نصارى الشرق) الصليب في البلد، وألزموا الناس بالقيام له في الحوانيت، ونقضوا العهد وصاحوا: ظهر الدين الصحيح دين المسيح.»

وما لبث أن انتصر المسلمون على هولاكو في وقعة عين جالوت بين بيسان ونابلس، «فجاء الخبر إلى دمشق في الليل، فوقع النهب والقتل في النصارى، وأُحرقت كنيستهم العظمى …»

وسارت العساكر الإسلامية إلى فتح جبة بشري، فصعدوا في وادي حيرونا، «وحاصروا أهدن حصارًا شديدًا، وبعد أربعين يومًا ملكوها، فنهبوا، وقتلوا، وسَبَوْا، وهدموا القلعة التي في وسط القرية، والحصن الذي على رأس الجبل». ثم فتحوا بقوقا ومثَّلوا بأكابرها، وضربوا الحصون، وأَحرقوا الحدث … وظهر الدين الصحيح، دين المسيح. لله من تاريخ هو سلسلة من النكبات والانتقامات!

أما المغول فقد قصدوا دمشق في سنة ٦٨٣ﻫ/١٢٨٤م، وعفُّوا عنها. إنما الأعمال بالنيات. ثم ذهبوا إلى وادي التيم فأحرقوها، وسَبَوْا أهلها، وقتلوا منهم نحوًا من سبعمائة نفس.

وزحفت عساكر المسلمين إلى طرابلس، حيث كانت بقية من الصليبيين، فحاصروا المدينة، فلجأ أهلها إلى المراكب في البحر، فلحق العسكر بهم إلى الجزيرة قُبالة الميناء. عبروا البحر بخيولهم إليها، فقتلوا جميع مَن كان فيها من الرجال. أما النساء فقد فضَّلن الموت على ما حلَّ بهنَّ. «وأمر السلطان فهُدِمت طرابلس ودُكَّت إلى الأرض.»

ونزل الكسروانيون والجرديون من لبنان لنجدة الفرنج، فقتلوا من عسكر السلطان خلقًا كثيرًا، فصدر الأمر من نائب دمشق إلى القائد العام، أنِ اجمع العساكر الشامية، وازحف بها على الجبل لاستئصال شأفة أهله.

صعد الجنود إلى معاقل اللبنانيين فحاقوا بها ودخلوها، فذبَّحوا بالرجال، وسَبَوا النساء، وجعلوا أعالي الديار أسفلها.

وكان ذلك كله في نهاية القرن الثالث عشر للميلاد.

•••

لبنانَ بلدي، راح الصليبي وبقيت أنت، فهلَّا تعلَّمت؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤