الفصل الثالث عشر

أهوال تيمورلنك

وهذه بعد مائة سنة من المماليك ثلاث عشرة سنة سوداء (٧٩٠–٨٠٣ﻫ/١٣٨٧–١٤٠١م) من أهوال تيمورلنك المدمِّر المميت، الذي شرف الشرق الأدنى بدعوة من أمرائه. لست مازحًا فيما أقول؛ فإن الأمراء المتنابذين المتخاذلين هم الذين «فتحوا لتيمورلنك السبيل لغزو البلاد غزوة أذلَّت العزيز، وأفقرت الغني، وخرَّبت العامر».

وسيدي صاحب «الخطط» مثل سائر المؤرخين العرب، لا يهمه من الأمة على ما يظهر غير الأعزاء فيها والأغنياء، أما الشعب الذي يدفع الخراج، ويأكل الكرباج، فعليه بهلة المتباهلين.

وكان تيمورلنك هذا صاحب دعوى «إلهية» منكرة، إلا أنه وقد دخل في الإسلام، لَمِن المرسلين المقرَّبين.

«بلغَنَا أمر الهند وما هم عليه من الفساد، فتوجَّهنا إليهم، فأظفرنا الله تعالى بهم، ثم زحفنا إلى الكرخ فأظفرنا الله بهم (تعالى الله عن محالفة مثل هذ الغول المغولي)، ثم بلغَنا قلة أدب هذا الصبي ابن عثمان، فأردنا عرك أذنه، فشغلنا عنه بسيواس وغيرها من بلاده.»

وفتح تيمور، صاحب هذا الكلام، مدينة حلب فتحًا مبينًا، فنهب وسبى وقتل، وطارد الجنودُ النساء فلجأن إلى الجوامع، «وكانت المرأة تطلي وجهها بطينٍ أو بشيءٍ حتى لا تُرى بشرتها من حسنها» — الكلام من كتاب كنوز الذهب — «فيأتي عدو الله إليها ويغسل وجهها ويجامعها في الجامع … وصارت الأبكار تُفتض في المساجد وآباؤهن يشاهدونهن.»

أربعة أيام كاملة من هذه الإباحات، من هذه الفظائع (و) «وأظفرنا الله بحلب وأهلها!»

أما دمشق فدخلها تيمور صلحًا، ولكنه قسَّم البلد بين أمرائه، فنزل كل أمير في حيِّه، وطلب مَن فيه وطالبهم بالأموال، فحلَّ بأهل دمشق من البلاء ما يقف اليراع عنده عاجزًا، وجرى عليهم من أصناف العذاب، وهَتْك الأعراض، ما تقشعر منه الأبدان، ثم سَبَوا النساء بأجمعهن، وساقوا الأولاد والرجال مربَّطين بالحبال. وبعد ذلك طرحوا النار في المساجد والمنازل، وكان يومًا عاصفًا فعمَّ الحريقُ المدينةَ كلها.

•••

وبعد خمسمائة وخمس وعشرين سنة من هذا الحريق، يجيئُكِ يا دمشق من الغرب قوم متمدنون، فيدبُّون في دباباتهم هادمين، ويطيرون في طياراتهم مدمِّرين، ويحرقون قصوركِ، ويمثِّلون بأبنائك المجاهدين في الساحة التي شهدت مئات من الكوارث والنكبات.

•••

أما صاحب «وأظفرَنا الله بهم» فقد اجتاح البلدان السورية الكبيرة كلها، وأعمل فيها — بعد النهب والسبي — السيف والنار.

وجاء بعد تيمورلنك الجراد، وبعد الجراد الطاعون، فهلك في دمشق وحدها خمسون ألف نفس.

•••

وبعد خمسمائة وخمس عشرة سنة عاد تيمورلنك، متجسِّدًا في الحرب العظمى، وغزا الجرادُ لبنان في سنة الحرب الأولى، ثم جاءت المجاعة فهلك في الجبل وحده مائة ألف نفس.

لبنان بلدي.

سورية بلادي.

أمن نكبةٍ إلى نكبة على الدوام؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤