الفصل الأول

الخلفية التاريخية

figure

في هذه الأيام التي كثُر فيها السفر حول العالم، يشاهِد الناس من مختلف مناحي الحياة — التجارية والمهنية والعملية، بل حتى السياح العاديون — فنونَ العصور القديمة، التي تتباين ما بين رسوم الكهوف وكذلك البقايا الأثرية في مصر وكلدو والهند والصين واليونان وأمريكا الوسطى. يشاهدونها ولسان حالهم: كم كان الإنسان القديم يتمتع بذوقٍ رائعٍ في الألوان! ويفترضون على نحو خاطئ أن الإنسان القديم كان في حاجة بطريقة أو بأخرى إلى الجمال في حياته، ودفعه هذا إلى إحاطة نفسه بألوان ساحرة في شتى أنواع الفنون من العمارة والرسم والزخرفة والنحت والنسيج والخزف. وعلى الرغم من أن الإنسان القديم ربما كان لديه حس قوي تجاه الألوان، فإن اختياره للألوان لم يكن قائمًا على الأساس الجمالي وحده كما يحاول أن يوضح لنا هذا الفصل.

حتى عصر النهضة تقريبًا، كان الإنسان يولي اهتمامًا للرمزية والغموض والسحر، وكان استخدامه للألوان يمليه عليه الصوفيون والفلاسفة والكهنة. لم يكن يطلق العِنان لخياله على الإطلاق. ميزت مستحضرات التجميل الأعراق البشرية بعضها عن بعض، وكانت الحُلي تتكون من تمائم ذات أغراض معينة، وكانت زخارف المقابر والمعابد تروي القصص، بل حتى الزخارف التجريدية كان لها معنًى مرتبط بالآلهة والحياة والموت والمطر والحصاد والانتصار في الحروب.

أما الواضح والمميز، فهو أن لوحةَ الألوان التي استخدمها الإنسان القديم كانت بسيطة ومباشرة، ولا يكاد يوجد اختلاف في درجة اللون المستخدم في أي مكان في العالم القديم. تمثلت الألوان المستخدمة في الأحمر والذهبي والأصفر والأخضر والأزرق والأرجواني والأبيض والأسود. كانت علبة الألوان المصرية — التي توجد في المتاحف — مقسمة لثمانية ألوان، ونادرًا ما كانت تزيد عن ذلك. أما بالنسبة لألوان الإغريق، فقد يندهش القارئ من هذا القول المقتبس عن الرسام البريطاني البارز السير ويليام بيتشي (١٧٥٣–١٨٣٩) تعليقًا على الزخارف الإغريقية المتعددة الألوان؛ إذ يقول: «نلاحظ أن الاستخدام المشار إليه [استخدام ألوان متشابهة في عناصر متشابهة في الزخرفة والنحت] لا يبدو نتيجة أي نزوة عارضة أو خيال طارئ، لكنه نتيجة نظام راسخ في العموم؛ لأن ألوان الأجزاء المتعددة لا تبدو متنوعة من ناحية المواد المستخدمة في أيٍّ من المثالين المعروفين بالنسبة لنا … ويصعب أن نشك في أنهم خصصوا لونًا معينًا لتلوين كل جزء من الأجزاء المختلفة للمباني وفقًا للإجماع العام، أو تبعًا لأصول الحرفة المتفق عليها.»

(١) الألوان والإنسان نفسه

لا أبالغ إذا قلت إن الإنسان القديم أحاط نفسه بالألوان من كل جانب. كل الحضارات منذ بداية وجود الإنسان عبدت الشمس، ومن الشمس جاء الضوء واللون. وفي كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية التي تعود إلى قرونٍ قبل الميلاد، يوصف الإنسان على النحو التالي: «يوجد في جسم الإنسان أوردة يطلق عليها هيتا، وهي صغيرة في مثل حجم شعرة مقسمة آلاف المرات، تمتلئ باللون الأبيض والأزرق والأصفر والأخضر والأحمر.» وتقول أيضًا: «إن تماثل الشكل، وجمال اللون، وقوة وصلابة الماس تشكل معًا الكمال الجسدي.» ونصح والد شفيتاكيتو ولده بخفة ظلٍّ فقال: «الإنسان يشبه غطاء الوسادة. قد يكون لون غطاء إحدى الوسادات أحمر، ولون غطاء الثانية أزرق، ولون غطاء الثالثة أسود، لكنها كلها تحتوي على القطن نفسه. وكذلك الحال مع البشر، فأحدهم جميل، والآخر أسود، والثالث قديس، والرابع شرير، لكن الإله موجود بداخلهم جميعًا.» (كثير من المقتطفات المقتبسة من كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية وغيرها من الأديان الشرقية القديمة مأخوذ من الكتاب الرائع «الكتاب المقدس للعالم» للكاتب فريدريك سبيجيلبيرج.)

وفي كتاب «أصل الإنسان» كتب داروين يقول: «نعلم أن … لون البشرة يعتبر لدى البشر على اختلاف أجناسهم عنصرًا بالغ الأهمية لجمالهم.» وربما لأسباب واضحة اعتبر المصريون أنفسهم من أعضاء العِرق الأحمر، واستخدموا مساحيق زينة حمراء، وبالغوا في استخدام اللون الأحمر في تصوير أنفسهم. وكان اللون الأصفر لون الآسيويين، وكان اللون الأبيض لون شعوب الشمال، وكان اللون الأسود لون الزنوج.

في كتاب «الليالي العربية» للسير ريتشارد بيرتون (المترجم عن «ألف ليلة وليلة») توجد «حكاية الأمير المسحور»، وفيها تسحر زوجة الأمير سكان الجزر السوداء، فيقول: «والمواطنون الذين كانوا ينتمون لأربع ديانات مختلفة؛ حيث كانوا مسلمين ونصارى ويهودًا ومجوسًا، حوَّلتهم بسحرها إلى أسماك، فتحول المسلمون إلى أسماك بيضاء، والمجوس إلى أسماك حمراء، والمسيحيون إلى أسماك زرقاء، واليهود إلى أسماك صفراء.»

(٢) عناصر العالم

كان الإنسان البدائي يرى الكون في صورة عناصر، واستمرت تلك الفكرة حتى العصور الحديثة، وسأقتبس مرة أخرى من كتابات «الأوبانيشاد» الهندوسية تلك الإشارات المثيرة عن أهمية اللون الأحمر واللون الأبيض واللون الأسود؛ حيث تقول: «لكل الكائنات الحية يوجد حقًّا ثلاثة أصول فقط؛ فمنها منبثق من البيضة، ومنها منبثق من كائن حي، ومنها منبثق من جرثومة …

اللون الأحمر للنار المتأججة هو لون النار، واللون الأبيض للنار هو لون الماء، واللون الأسود للنار هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه نارًا؛ إذ هي مجرد نوع، مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للشمس هو لون النار، ولونها الأبيض هو لون الماء، ولونها الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه الشمس؛ لأنها مجرد نوع، ولأنها مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للقمر هو لون النار، ولونه الأبيض هو لون الماء، ولونه الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه القمر؛ لأنه مجرد نوع، ولأنه مجرد اسم ناشئ من الكلام، والأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة. اللون الأحمر للبرق هو لون النار، ولونه الأبيض هو لون الماء، ولونه الأسود هو لون الأرض. وعلى هذا النحو يختفي ما نطلق عليه البرق؛ لأنه مجرد نوع، ولأنه مجرد اسم ناشئ من الكلام. الأمر الحقيقي هو الألوان الثلاثة …

أعلن عِليةُ القوم من المؤمنين ورجال الدين الكبار الذين عاشوا في الأزمنة السابقة وعلموا هذه الحقيقة الأمرَ نفسه قائلين: «من الآن فصاعدًا، لا يمكن لأي أحد أن يقول لنا أي شيء لم نسمع عنه أو ندركه أو نعلمه.» من خلال هذه الألوان الثلاثة علموا كل شيء؛ فكل ما اعتقدوا أنه يبدو أحمر علموا أنه لون النار، وكل ما اعتقدوا أنه يبدو أبيض علموا أنه لون الماء، وكل ما اعتقدوا أنه يبدو أسود علموا أنه لون الأرض، وكل ما اعتقدوا أنه غير معروف تمامًا علموا أنه خليط من تلك الثلاثة.»

بالنسبة للإغريق القدماء كانت توجد أربعة عناصر، وما زالت تلك العناصر معترفًا بها من قِبل الصوفيين المعاصرين، واعترف بها ليوناردو دافينشي خلال عصر النهضة، وتمثلت تلك العناصر في الأرض والنار والماء والهواء. وقد قال أرسطو في كتاب «الألوان» (الذي ربما كتبه تلميذه ثيوفراستوس): «الألوان البسيطة هي الألوان الحقيقية للعناصر؛ أي ألوان النار والهواء والماء والأرض. الهواء والماء في حالة النقاء يكون لونهما الطبيعي هو الأبيض، والنار (والشمس) لونها أصفر، والأرض لونها الطبيعي أبيض، وبقية الدرجات اللونية المختلفة التي تكتسبها الأرض تكون ناتجة عن التلون بفعل الخضاب، كما نراه في حقيقة تحول الرماد إلى اللون الأبيض عند احتراق الرطوبة التي لونته. صحيح أن الرماد لا يتحول إلى الأبيض الناصع، لكن هذا يرجع إلى أنه يتلون من جديد، أثناء عملية الاحتراق، بفعل الدخان؛ ذلك الدخان أسود اللون … والأسود هو اللون الحقيقي للعناصر أثناء عملية التحول. وقد يكون من السهل رؤية أن بقية الألوان تنشأ عن المزج، من خلال خلط هذه الألوان الأساسية.»

ظلَّت وجهة النظر تلك مقبولة لقرون عديدة. أما الصينيون فقد اعترفوا بوجود خمسة عناصر هي: الأرض ذات اللون الأصفر، والنار ذات اللون الأحمر، والماء ذو اللون الأسود، والخشب ذو اللون الأخضر، والمعدن ذو اللون الأبيض، وحذفوا عنصر الهواء. وعلق تشارلز ألفريد سبيد ويليامز في كتابه «أطر الرمزية الصينية» قائلًا: «قام نظام الفلسفة الصينية بأكمله على هذه العناصر الخمسة، أو مكونات الطبيعة النشطة دائمًا.»

وفي القرن الأول الميلادي، ربط المؤرخ اليهودي يوسيفوس اللون الأبيض بالأرض، والأحمر بالنار، والأرجواني بالماء، والأصفر بالهواء. وبعد ذلك بخمسة عشر قرنًا، قال الرائع ليوناردو دافينشي في كتابه «دراسة عن الرسم»: «أول الألوان البسيطة كلها هو اللون الأبيض، ورغم ذلك لن يعتبر الفلاسفة أن أيًّا من اللونين الأبيض أو الأسود يعتبر من الألوان؛ لأن اللون الأول هو المسبب أو المستقبِل للألوان، بينما اللون الآخر محروم من الألوان. لكن نظرًا لأن الرسامين لا يمكنهم الاستغناء عن أيٍّ منهما، فإننا سوف نضعهما بين الألوان الأخرى. ووفقًا لترتيب هذه الأمور، فسوف يأتي الأبيض في المرتبة الأولى، والأصفر في المرتبة الثانية، والأخضر في المرتبة الثالثة، والأزرق في المرتبة الرابعة، والأحمر في المرتبة الخامسة، والأسود في المرتبة السادسة. لنعتبر أن اللون الأبيض هو ممثل الضوء الذي من دونه لا يمكن رؤية أي لون من الألوان، وسنعتبر الأصفر لون الأرض، والأخضر لون الماء، والأزرق لون الهواء، والأحمر لون النار، والأسود لون الظلام التام.»

(٣) جهات العالم الأربع

على صعيد استجابة البشر للألوان، من الغريب ملاحظة أن الإنسان تصور أن للأرض جهات أو اتجاهات أربعة لكلٍّ منها لون رمزي. ومرة أخرى لا يتعلق الأمر بصورة جوهرية بالجمال، لكنه يتعلق بالمعنى السحري والرمزي. لقد ارتدى الفرعون المصري تاجًا أبيض اللون رمزًا لسيطرته على مصر العليا، وتاجًا أحمر اللون رمزًا لسيطرته على مصر السفلى.

كانت شعوب التبت تتصور العالم جبلًا شاهق الارتفاع، وأطلق المغول على هذا الجبل اسم سومور. كانوا يعتقدون أنه في بداية الزمان نمت الأرض وارتفعت قمتها عاليًا على نحو لا يمكن للإنسان بلوغه، وهكذا وفَّرت مكانَ إقامةٍ مناسبًا للآلهة. وتقول إحدى الأساطير القديمة إنه: «في البداية، لم يكن يوجد سوى الماء وضفدع، ونظر ذلك الضفدع إلى الماء، وحوَّل الرب ذلك الحيوان وخلق العالم على بطنه، وجعل على كل قدم من أقدامه قارة، لكنه أنشأ على سُرَّة ذلك الضفدع جبل سومور. وعلى قمة هذا الجبل يوجد النجم القطبي.»

كان جبل عالم التبت يشبه في شكله الهرم المكسور القمة، وكانت الجوانب المواجهة للجهات الأربع للبوصلة مصبوغة وتلمع مثل الجواهر. إلى الشمال كان اللون الأصفر، وإلى الجنوب كان اللون الأزرق، وإلى الشرق كان اللون الأبيض، وإلى الغرب كان اللون الأحمر. وفي كل اتجاهٍ من هذه الاتجاهات كانت توجد قارة على بحر مالح. وكانت القارات والجزر الطافية على تلك البحار تشبه في أشكالها وجوه الشعوب التي تقطنها. كانت شعوب الجنوب، في الهند والصين ومنغوليا، وجوههم بيضاوية، وشعوب الشمال وجوههم مربعة، وشعوب الغرب وجوههم مدورة، ووجوه سكان الشرق هلالية الشكل.

على القدر نفسه من الإثارة، كان تصور الصين القائل بوجود ملوك السماء الأربعة. كان مو لي شو حارس الشمال ذا وجه أسود، وكان داخل حقيبته مخلوق اتخذ شكل ثعبان أو فيل أبيض الجناحين يلتهم الرجال، وكان مو لي هونج حارس الجنوب ذا وجه أحمر، ويحمل مظلة الفوضى، عندما يرفع تلك المظلة يحل الظلام الشامل والرعد والزلازل، وكان مو لي تشينج حارس الشرق ذا وجه أخضر، وكانت ترتسم على وجهه الشراسة، وكانت لحيته تشبه السلك النحاسي، وبسيفه المسحور الذي يسمى السحابة الزرقاء أتى برياح سوداء أنتجت عشرات الآلاف من الرماح التي مزقت ودمرت أجساد الرجال، وكان مو لي هاي حارس الغرب ذا وجه أبيض، وكان صوت قيثارته يستمع إليه العالم أجمع، ويشعل النار في معسكرات أعدائه.

لا شك أن الجهات الأربع للأرض تشير إلى حركة الشمس من الصباح إلى الظهيرة إلى المساء، على أن تكون الجهة الرابعة هي التي تشير إلى تلك المنطقة من العالم التي لا تصل إليها الشمس. ومن مصر إلى التبت إلى الصين، ومن ثم حول أنحاء العالم، تتكرر الرموز الدالة على جهات البوصلة. وقد خصَّص قدماء الأيرلنديين اللون الأسود للشمال، والأبيض للجنوب، والأرجواني للشرق، والبني الرمادي للغرب، واختارت شعوب المايا التي سكنت شبه جزيرة يوكاتان اللون الأبيض للإشارة إلى الشمال، والأصفر للإشارة إلى الجنوب، والأحمر للإشارة إلى الشرق، والأسود للإشارة إلى الغرب. وبين قبائل الهنود الحمر الأمريكيين (قبيلة أباتشي، وقبيلة شيروكي، وقبيلة تشيبوا، وقبيلة كريك، وقبيلة زوني) خصصوا الألوان للإشارة إلى الجهات الأربع، وكانت تلك الألوان المخصصة من الممكن أن تختلف من قبيلة لأخرى.

تبعًا لإحدى القصص الخرافية، فقد تجوَّلت قبيلة نافاهو منذ آلاف السنوات في أرض محاطة بجبال شاهقة. شكَّلت مرتفعات ومنخفضات تلك الجبال الليل والنهار. كانت الجبال الشرقية بيضاء وأتت بالنهار، وكانت الجبال الغربية صفراء وأتت بالشفق، وكانت الجبال الشمالية سوداء وغطت الأرض بالظلمة. أما الجبال الزرقاء الجنوبية فخلقت الفجر.

خصص الهنود الحمر الألوان أيضًا للعالم السفلي، الذي كان أسود في العموم، وللعالم العلوي الذي كانت لديه ألوان كثيرة. كل هذه الرمزية كانت جزءًا من فنونهم. وكانت الوشوم الموجودة على وجوههم والألوان المستخدمة في الأقنعة والتماثيل والقبعات تحفل بالمعاني، وليست مجرد نتاج مزاج فني. وطبقوا هذه الألوان — الدالة على اتجاهات البوصلة — على أغانيهم ومراسمهم وصلواتهم وألعابهم. وحتى في اليوم الحاضر، عندما ينفذ أحد أفراد قبيلة هوبي أحد الرسوم باستخدام مساحيق الألوان الجافة، فإنه يكون صوفيًّا قبل أن يكون فنانًا. واتباعًا للتقاليد الدينية يضع اللون الأصفر أولًا، ذلك اللون الذي يمثل الشمال. وبعد ذلك، يضع على الترتيب كلًّا من الأخضر أو الأزرق إلى الغرب، والأحمر إلى الجنوب، وأخيرًا الأبيض إلى الشرق.

ما قد ينظر إليه كثير من الناس في وقتنا المعاصر باعتباره ساحرًا ورومانسيًّا في حضارة الهنود الحمر له جذور — على الأرجح — في الصوفية والرمزية؛ فالهندي الأحمر لم يكن «مسحورًا» فحسب بجمال الألوان، بل كان يعزو إليها سحرًا محددًا. وبالنسبة إليه، كان اللون الأحمر يرمز إلى النهار، والأسود يرمز إلى الليل دائمًا، وكان الأحمر والأصفر والأسود تمثل ألوانًا ذكورية، بينما الأبيض والأزرق والأخضر تمثل ألوانًا أنثوية. وربطت بعض القبائل الألوان بالعناصر الهندية الأربعة التي تمثلت في النار والرياح والماء والأرض. وبالنسبة لقبيلة شيروكي، مثَّل الأحمر النجاح والنصر، ومثل الأزرق المحنة والهزيمة، بينما مثل الأبيض السلام والسعادة، ومثل الأسود الموت، وكانت العِصيٌّ المستخدمة في الصلوات خضراء فاقعة اللون لاستحضار المطر، وحمراء باهتة اللون قبل الحرب.

(٤) الآلهة

كل الأديان، البدائية أو غيرها، كانت تتصور آلهتها ذات ألوان براقة؛ لأن الآلهة تسكن دائمًا في السماء التي منها تسطع الشمس والقمر والنجوم وقوس قزح (وعادةً كانت آلهة الأرض فانية أو شريرة). كان الإله هو الشمس نفسها في أغلب الأحيان. ودعوني أعرض بعض الأمثلة المختصرة المأخوذة في مجملها من كتابي «قصة الألوان».

في مصر، كانت الشمس نفسها هي رع وأوزوريس (كانت إيزيس هي القمر)، وقد يكون رمزها هو الذهبي أو الأصفر أو الأحمر. وفي أجزاء من الهند يقال إن لون الشمس كان هو الأزرق. ويقال إن اسم «سولومون» هو اسم الشمس في ثلاث لغات.

وفي اليونان القديمة، كان الأصفر أو الذهبي مخصصًا للإلهة أثينا، وكان معبدها البارثينون في مدينة أثينا، وكان اللون الأحمر مخصصًا للإلهة سيريس؛ إلهة الحصاد، وكان ديونيسوس؛ إله الخمر، ذا وجه أحمر، وكان لون إيريس هو لونَ قوس قزح.

وفي الهند، كان لون بوذا هو الأصفر أو الذهبي. ووفقًا للنصوص المقدسة البوذية فإنه: «لم يكد يطأ بقدمه اليمنى بوابة المدينة حتى انبعثت من جسده أشعة لستَّة ألوان مختلفة، وانتشرت في كل حدب وصوب فوق القصور وأبراج الباجودا، وزينتها بما يشبه بريق الذهب الأصفر، أو بما يشبه ألوان إحدى اللوحات.» أما إذا تفكر البوذا في خطايا البشر، فإنه حينئذٍ يرتدي اللون الأحمر. وتقول المصادر البوذية: «كان الرجل المبارك الذي يرتدي رداءً من قماش أحمر مزدوج، ويربط نطاقه على خصره، ويلقي بردائه العلوي على كتفه اليمنى؛ يذهب إلى هناك ويجلس، ويظل وحيدًا لبرهة، ويبدأ في التأمل.»

وفي الكتاب المقدس، في العهدين القديم والجديد، توجد إشارات كثيرة إلى الألوان، وتوصف الألوان عند ذكر خيمة البرية ذات الستائر الكتانية ذات اللون الأزرق والأرجواني والقرمزي؛ فلقد أمر الرب موسى أن: «كلِّمْ بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة؛ مِن كلِّ من يحثه قلبه السموح تأخذون تقدمتي، وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس، وإسمانجوني (أزرق) وأرجوان وقرمز وبوص (كتان)، وشعر مِعزَى، وجلود كباش محمرة، وجلود تخس، وخشب سنط، وزيت للمنارة، وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر، وحجارة جزع، وحجارة ترصيع للرداء والصدرة.»

كان لون الله الأب أزرق وفقًا لسِفر الخروج، «ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شِبْه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف تبدو كذات السماء في النقاوة.» وتقول الأسطورة إن الوصايا العشر كانت مكتوبة على حجر عقيق أزرق، وإن العقيق الأحمر كان على مقدمة سفينة نوح.

ويشبِّه حزقيالُ الربَّ بقوس قزح فيقول: «ومثل منظر قوس قزح في الغيم في يوم ماطر، هكذا كان منظر النور من حوله. كان هذا هو مظهر ما يشبه مجد الرب.» ويستطرد حزقيال فيقول: «وفوق المقبب الذي على رءوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق، وعلى شبه العرش شبه منظر إنسان عليه من فوق، ورأيت مثل منظر النحاس اللامع (لون الكهرمان).»

ويرتبط اللون الأخضر الزمردي بالمسيح. ووفقًا للقديس يوحنا اللاهوتي: «وكان الجالس في المنظر شبه عرش من حجر اليشب والعقيق، وكان يوجد قوس قزح حول العرش يشبه الزمرد.» واللون الأزرق بين المسيحيين يرتبط غالبًا بمريم العذراء.

وما زالت رمزية الألوان في كلٍّ من اليهودية والمسيحية حاضرة في طقوس هاتين الديانتين. ومع تغير الملابس المختلفة الألوان من فصل لآخر قد تبهج الألوان العين، لكنها تخبرنا عن الاحتفالات والآلام التي كانت ذات معانٍ مهمة قبل أن تكون جميلة.

(٥) الكواكب والنجوم

كان القدماء يهتمون اهتمامًا مثيرًا بالكون والشمس والنجوم والكواكب؛ لأنهم رأوا أنها هي المنظمة لكل أمور الحياة. ومعظم الأبنية الأثرية المتبقية من القرون الماضية تتكون من معابد وأضرحة، وليست منازل. وكان لزامًا أن تكون الآثار المهمة أنيقة ومخصصة للقوى الإلهية، وليس للإنسان العادي. ومن الاكتشافات المميزة حقًّا تلك العلاقة الوثيقة والصوفية بين الألوان والعمارة. في الغالب، كانت المباني المصرية ذات أرضيات خضراء مثل المروج المحيطة بالنيل، وأسقف زرقاء مثل السماء.

دعوني أُشِرْ إلى مثالين رائعين على الرمزية اللونية في المعابد القديمة. منذ سنوات، أثناء رحلة استكشافية مشتركة ما بين المتحف البريطاني ومتحف بنسلفانيا، اكتشف الدكتور تشارلز ليونارد وولي «الزقورة» القديمة؛ جبل الرب، في منطقة أور الواقعة بين بغداد والخليج العربي، التي تعد واحدة من أقدم المباني في العالم. تلك الزقورة التي تعود إلى عام ٢٣٠٠ قبل الميلاد، كان يعتقد أنها المنزل الأصلي للنبي إبراهيم، والذي شُيِّد قبل الطوفان. بلغ طول البرج ٢٠٠ قدم، وبلغ عرضه ١٥٠ قدمًا، وكان ارتفاعه في الأصل حوالي ٧٠ قدمًا. لقد كانت كتلة صلبة عملاقة من الحجر مكونة من أربع طبقات. ووجد وولي غيابًا للخطوط المستقيمة. كانت المستويات الأفقية ناتئة للخارج، والمستويات الرأسية محدبة نسبيًّا، وهي سمة كان يُعتقد قديمًا أنها ذات أصل إغريقي، وهي واضحة إلى حد كبير في مبنى البارثينون. كان لون الطبقة السفلى من البرج هو الأسود، وكانت الطبقة العليا حمراء اللون، وكان الضريح مغطًّى ببلاط مصقول أزرق اللون، وكان السقف مغطًّى بمعدن مطليٍّ بالذهب. وكتب وولي فقال: «كان لهذه الألوان أهمية صوفية، وكانت تمثل أقسام الكون المختلفة، والعالم السفلي المظلم، والأرض الصالحة للسكن، والسموات والشمس.»

ثم اكتُشف المزيد من «الزقورات» المهيبة؛ ففي القرن الخامس قبل الميلاد، كتب المؤرخ هيرودوت عن مدينة إكباتانا فقال: «بنى الميديون المدينة التي يطلق عليها الآن إكباتانا، وجدران تلك المدينة هائلة الحجم والقوة، وترتفع في دوائر بعضها داخل بعض. ويتمثل تصميم البناء في أن كل جدار لا بد أن يعلو على الجدار السابق له من خلال شرفات الحصن. وطبيعة الأرض المتمثلة في تلٍّ غير منحدر تفضل هذه الطريقة المستخدمة في البناء إلى حدٍّ ما، لكن تلك الطريقة متأثرة في الأساس بالناحية الفنية. عدد هذه الدوائر سبع، ويقف القصر الملكي والخزائن داخل الدائرة الأخيرة. ومحيط الجدار الخارجي يساوي تقريبًا محيط الجدار الخارجي لمدينة أثينا. في هذا الجدار الأخير، تكون شرفات الحصن بيضاء، وتكون سوداء في الجدار التالي، وقرمزية في الثالث، وزرقاء في الرابع، وبرتقالية في الخامس، وكلها ملونة بالطلاء. أما الجداران الأخيران ففيهما الشرفات مغطاة باللونين الفضي والذهبي على الترتيب. كل هذه التحصينات أمر الملك ديوكس بتشييدها من أجل نفسه ومن أجل قصره.»

ووفقًا لكل المؤشرات، فإن هيرودوت كان يشير إلى معبد نبوخذ نصَّر العملاق، الموجود في مدينة بورسيبا؛ المعروفة حاليًّا بمدينة بيرس نمرود. وقد اكتُشفت أحجار ذلك المعبد في الأيام المعاصرة، ووُجد أنها تحمل طابع الملك البابلي، الذي يبدو أنه أعاد بناء المعبد في القرن السابع قبل الميلاد. كانت قاعدة المبنى تبلغ ٢٧٢ قدمًا مربعًا، وترتفع لسبعة مدرجات كلٌّ منها يبعد عن نقطة مركزية. كتب جيمس فيرجسون عن هذا المعبد يقول: «هذا المعبد، كما عرفنا من فك رموز الشفرات المكتوبة على الأسطوانات الموجودة عند زواياه، كان إهداءً إلى الكواكب السبعة أو الأجرام السماوية السبعة، ووجدنا وفقًا لذلك أن المعبد مزين بالألوان الخاصة بتلك الكواكب، فكان المدرج السفلي الذي كثرت فيه الزينة بالقطع الخشبية أسود اللون مثل لون زحل، والمدرج التالي برتقالي اللون مثل لون المشتري، والثالث لونه أحمر رمزًا للمريخ، والرابع أصفر؛ لأنه يخص الشمس، والخامس والسادس أخضر وأزرق على الترتيب؛ لأنهما مُخصَّصان للزهرة وعطارد، وكان العلوي أبيض — على الأرجح — لأنه اللون الذي يخص القمر الذي كان مكانه في النظام الفلكي الكلداني في الأعلى.»

إن استخدام الألوان على هذا النحو هو بالطبع بعيد عن روح ومقصد اختيار الألوان المستخدمة في المباني في الوقت المعاصر. وأعتقد أنه من المهم تذكُّر أن الإنسان القديم كان صوفيًّا قبل أن يكون فنانًا. وتوجد أدلة واضحة على أنه لم يعبِّر إلا قليلًا عن مشاعره الخاصة، لكنه بدلًا من ذلك نفذ التعليمات المعقدة التي أقرَّها الآخرون. كان أبو الهول وجهه أحمر اللون، وكان ملوَّنًا أيضًا على هذا النحو زقورات آسيا الصغرى، وكافة أعمال العمارة والمنحوتات القديمة الإغريقية، وأهرامات ومعابد حضارة الإنكا ومايا والتولتك، وأضرحة المكسيك وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.

(٦) الثقافة

يمكن أن تستمر قصة التاريخ القديم للألوان إلى ما لا نهاية، ويمكن للقارئ المهتم بمعرفة ذلك التاريخ أن يستعين بكتاب آخر من مؤلفاتي. وختامًا لهذا الفصل، إليكم ملاحظات متنوعة عن الألوان والثقافة التي تستمر في سرد الدور الرمزي والعملي للألوان في حياة الإنسان في الماضي (ستجدون المزيد من المراجعات التاريخية في مقدمات الفصول القادمة).

قد يتذكر المرء بعض الإشارات المتعلقة بالألوان من قبيل العصر الذهبي، الأرجواني الإمبراطوري، عقد الموف (الخبازي). في الصين، كان اللون الملكي لأسرة سونج الحاكمة (٩٦٠–١١٢٧ ميلاديًّا) هو اللون البني، وكان اللون الملكي لأسرة مينج (١٣٦٨–١٦٤٤) هو اللون الأخضر، واللون الملكي لأسرة تشينج (١٦٤٤–١٩١١) هو الأصفر. وفي روما، كان الإمبراطور يرتدي الأرجواني تجسيدًا لكوكب المشتري، وكان هذا اللون خاصًّا بالإمبراطور على نحو حصري.

وفي الهند، كان يوجد في الأصل أربع طبقات هي: البراهمة، والكشاتريون، والفايشاش، والشودر. وكما تقول القصة، فقد كان الجنس البشري مكوَّنًا من أربعة أعراق: من فم الخالق جاء البراهمة، ومن ذراعيه جاء الكشاتريون، ومن فخذيه جاء الفايشاش، ومن قدميه جاء الشودر. كانت هذه هي «الفارنات» الأربعة، و«فارنا» كلمة سنسكريتية تعني «لونًا».

كان البراهمة بيض البشرة، وكان من المفترض أن يَدْرُسوا، ويعلِّموا، ويقدِّموا القرابين لأنفسهم، ويكونوا كهنة لغيرهم. كانوا يعطون العطايا ويتسلمونها، وكانوا مميزين ومن طبقة مقدسة، وكان الكشاتريون حمر البشرة، وكان من المفترض أن يَدْرُسوا لا أن يُعَلِّموا، وأن يقدموا قرابين بأنفسهم، لكن لم يكن مسموحًا لهم بالعمل ككهنة. كان من المفترض أن يقدِّموا العطايا لا أن يأخذوها. كانوا يمثلون طبقة الجند، وحكموا وخاضوا الحروب. وكان الفايشاش صفر البشرة، وكانوا يمثلون طبقة التجار. كان مسموحًا لهم بالدراسة وتقديم القرابين بأنفسهم، وتقديم العطايا، وزراعة الحقول، وتربية الماشية، والتجارة، وإقراض المال بفائدة، وكان الشودر سود البشرة، وكانوا ينتمون لطبقة الخدم، ويكسبون قوتهم من خلال العمل لدى الآخرين، وكان من الممكن أن يمارسوا بعض الفنون المفيدة، لكن لم يكن مسموحًا لهم دراسة نصوص الفيدا المقدسة.

كانت الألوان مخصصة للكواكب ولعلامات دائرة البروج، وما زال المنجمون المعاصرون يخصصونها للكواكب أيضًا (تذكر وصف هيرودوت لمدينة إكباتانا المقتبس في السابق).

كانت لمختلف أشكال التراث ألوان خاصة لشعارات النبالة والأعلام والشعارات الرمزية، ودلالة رمزية لهذه الألوان استمرت حتى يومنا المعاصر، مثل تلك الموجودة في الملابس الدينية وفي الأوشحة الممثلة للمواد التي يتعلمها الطلاب في كبرى الكليات على النحو التالي: القرمزي للدين، الأزرق للفلسفة، الأبيض للفنون والآداب، الأخضر للطب، الأرجواني للحقوق، الأصفر الذهبي للعلوم، البرتقالي للهندسة، والوردي للموسيقى.

وتوجد لدى القبائل البدائية حتى يومنا الحاضر طقوس خاصة بالألوان متعلقة بالميلاد والموت، وختان الصبية، وبلوغ الفتيات، وحماية قَتَلة الأسود وقَتَلة البَشر. وفي تلك الطقوس يلون أفراد القبيلة أجسامهم بالأصباغ، ويرتدون التمائم، ويعرضون الألوان السحرية في ملابسهم الشعائرية. لقد كانت الغرابة تكتنف ألوان القدماء، وكذلك الجمال، وإن جاء مصادفةً.

وفيما يلي بعض الإشارات المثيرة المتعلقة بالأهمية الأسطورية والرمزية للألوان في حياة البشر على مر العصور. لقد كان اللون يستحوذ على حياة الإنسان البدائي والقديم من الميلاد إلى الممات؛ فمن وشاح التعميد الأرجواني الذي يرتديه الكاهن المسيحي في أوروبا، إلى الصبي الهندي الأحمر الذي كانوا يلطخون وجهه بالطين الأبيض عند ختانه، لطالما كان اللون في كل البقاع وفي كل الأمم واحدًا من أولى وسائل التبرُّك لدى الإنسان، وآخر وسيلة تبرُّك مقدسة تغطي جسده؛ فقد كانوا عندما يصل الصغير إلى مرحلة الطفولة يحمونه بالطلاسم، ويخلصون منزله من الشرور من خلال سحر الألوان، وتقريبًا كان كل ما هو متعلق بالحضارة والثقافة مرتبطًا بألوان الطيف.

لقد كانت الحياة عزيزة، والدم مأساويًّا، والموت مروعًا، وكان الإنسان في صراع لا ينتهي مع قُوى الطبيعة، وإرادة الآلهة، ولعنة الشياطين. كان الإنسان يولد من جسد امرأة، وعندما يموت يتعفَّن جسده ويتحول للون الأسود. كان يختَّن، وكان منظر دم البلوغ يخيفه. كان يعزل ابنته، وكان واجبًا تغطيتها باللون الأحمر، أو دفنها في التراب، أو حبسها في أحد الأكواخ، وكان لزامًا أن تأتي ووجهها مخضب بالأحمر والأبيض؛ كي لا تلد وحوشًا بعد زواجها. كان لزامًا أن تتزوج، وكان لا بد أن تكون مراسم الزواج الأكثر بهجة بين الطقوس. ويجب أن تعج مراسم الزواج بالألوان، وكان لزامًا حماية العروسين بقوة سحر الألوان طوال حياتهم الزوجية.

وبين اليهود القدماء، كانت طقوس الزواج تتم تحت التاليت؛ وهو وشاح حريري ذهبي اللون مدعوم بأربعة حبال، وكانت العروس تسير حول ذلك الوشاح سبع مرات تخليدًا لذكرى حصار أريحا. وفي الهند، كانوا يستخدمون الخضاب الأحمر، وحتى الدم أيضًا، وكانت العروس الهندوسية قبل ستة أيام من زفافها ترتدي ملابس صفراء قديمة رثَّة لإبعاد الأرواح الشريرة، وكانت ملابس طقوس الزفاف صفراء، وكذلك كانت ملابس الكاهن أيضًا، وكانت الزوجة بمجرد أن تتزوج ترتدي ملابس صفراء عند عودة زوجها من رحلة طويلة.

وفي الصين، كانت العروس ترتدي رداءً أحمر مطرزًا بالتنانين، وكانت تُحمَل على كرسي زفاف أحمر مزين بمصابيح منقوش عليها اسم عائلة العريس باللون الأحمر، وكانت تَحمل مظلةً حمراء. كانوا يفرقعون من أجلها مفرقعات حمراء، وخلال مراسم الزفاف كان العروسان يشربان نخبًا من خمر وعسل من قدحين مربوطين معًا بشريط أحمر.

وفي اليابان، كان يقال إن ابنة الرجل الذي أطعم ألف حصان أبيض في منزله ستتزوج أميرًا. وفي الهند الشرقية الهولندية، كانوا ينثرون الأرز الأحمر أو الأصفر على العريس لمنع روحه من الطيران. وكان الأحمر لون جرعة الحب السحرية، وكانوا يقولون لو أن اسمَيْ فتًى وفتاة كُتبا على ورقة بيضاء بدم دجاجة؛ فإن هذه الفتاة ستصبح مفتونةً بالفتى عندما تُلمس بهذه الورقة.

وكان الأحمر والأصفر لوني الزواج في مصر والشرق وروسيا وجزر البلقان، وما زالا كذلك. وفي البلدان الغربية، كان الأزرق هو لون العبادة. وفي إحدى القصائد الإنجليزية القديمة، المعروفة للجميع، تُنصح العروس بارتداء ما يلي:

شيء قديم، وشيء جديد.

شيء مستعار، وشيء أزرق.

وإذا كانت مراسم الزواج مبهجة، فقد كانت طقوس الموت ثقيلة الوطأة، ومعقدة، ومهيبة. لقد واجه الإنسان أكبر الألغاز على الإطلاق، ودخل إلى عوالم لم يرجع منها أحد مطلقًا. وعلى الرغم من أن الحياة الفانية الخالية من الخطايا قد تضمن خلاص الإنسان، فحتى الإنسان المخطئ قد لا يموت للأبد. ورغم ذلك، سواء كان الميت صالحًا أم شريرًا، فلا بد أن يدفن. ويجب أن تعد أسرته جسده وتجهز المقبرة بالتجهيزات الضرورية لرحلته إلى عالم الخالدين.

وفي البلاد البربرية، كانت خرافة غدر الشياطين تحكم السكان الأصليين، فعندما كان يقتل أحد أفراد شعب ناندي الذين يسكنون شرق أفريقيا فردًا من قبيلة أخرى، فإنه كان يدهن جانبًا من جسده ورمحه وسيفه باللون الأحمر، والجانب الآخر باللون الأبيض. وكان يعتقد أن هذا يحميه من شبح الضحية. وفي فيجي، كان الشخص الذي ضرب رجلًا آخر بهراوة فأرداه قتيلًا يلطخه زعيم القبيلة باللون الأحمر من شعر رأسه لأخمص قدميه. وفي جنوب أفريقيا، كان قاتل الأُسود يدهن جسمه باللون الأبيض، ويجلس في عزلة لأربعة أيام، ثم يعود إلى قريته ولحمه مغطًّى باللون الأحمر.

أما اللون الأسود، فهو اللون العالمي للحداد بين كل الشعوب الغربية تقريبًا؛ لأنه يشبه مظهر الموت تمامًا. وبعض القبائل البدائية يصبغون أسنانهم باللون الأسود بعد وفاة أحد أقاربهم. وفي إنجلترا، كانت ملابس الأرامل بيضاء مغطاة بالأسود. وكان الخدم أثناء الحداد على سادتهم يرتدون ملابس سوداء لا يخالطها أي لون آخر، حتى في الأزرار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤