نبوءة ورؤيا

(تنبأ عراف هندي بأن الحياة على الأرض ستنتهي يوم ٢ شباط سنة ١٩٦٢.)

نبوءتُك المريرةُ عذَّبتني، مزقت روحي؛
نبوءتك الرهيبةُ، أيها العراف تبكيني؛
رأيتَ مسالك الأفلاك تهرع بالملايينِ.
قرأتَ خواطرَ الريحِ
ووسوسة الظلام كأن حقلًا بات ينتحب:
«ستنطفئ الحياة»، ورحتَ ترسم موعدَ القدرِ.
إذا حدجتنيَ الشهُبُ
هتفتُ بها: «غدًا سنموت. فانهمري على البَشَرِ:
لأهونُ أن أموت لديك وحدي دون حشرجةٍ ولا أنَّةْ
من القدر المروع يجرف الأحياء بالآلافْ.»
ولكني أصيخ إلى النهار فأسمع العراف
يهدِّد: «سوف يهلك من عليها، سوف تلتهبُ.»
وتسرب في دمي جنه.
وحين رقدتُ أمسِ رأيتُ في ظلَموتِ أحلامي.
رؤى تتلاحق الأنفاس منها ثم تنقطع.
أفقتُ وما تزال تضيء في خَلَدي وتندلع.
كما يتفجَّر البركان في ظلمات ليل دون أنسام،
بلا قمر وإن يك في المحاق أكاد أقتلع.
أكاد أمزق الدم في عروقي بارتعادة روحي الحيرى …
أكاد أعانق القبرا.
أرى أفقًا وليلًا يطبقان عليَّ من شُرفةْ.
ولي ولزوجتي، في الصمت، عند حدودها وقفةْ.
نحدِّق في السماء ونمنع الطفلين من نظر
إلى ما في دجاها الراعب المأخوذ من سقر،
تطفَّأت الكواكب وهي تسقط فيه كالشرر
تطفَّأ تحت ذيل الريح وهي تسُفُّه سفا،
كأنَّ عصًا تسوق مواكب الأفلاك في صحراء من ظُلَمِ،
ويلهث تحتنا الآجر، يزحف تحتنا زحفا …
تضعضع فهو يُمسِك نفسه ويئن من ألمِ،
ليهوي حين يغفل، حين يعجز ثم ينهارُ:
دجًى نُثرت بها نارُ.
بني إليك صدري، فيه فادفن وجهك الطفلا.
بنيَّ صهٍ أقص عليكَ … أية قصة عندي؟
تفجرت الفقاعة وانتهى أبد إلى حد:
علامَ أتيتَ للدنيا؟
ليدركَ عمرُك الليلا؟
لتحيا أربع السنوات، ثم لتبصر الساعة
تقوم ولست تدرك ما تراه؟ تريد أن تحيا
وتجهل أن موتك فيه بعثك، أن للدنيا
نهاية سلمٍ يفضي إلى أبدٍ من الملكوت.
قلبُك؟ آه … من راعه؟
بكاؤك وارتعابك فيهما لله إحراج.
وباسمهما أسائله الحساب: أتصرع الأطفال
لتشهد لوعة الآباء؟ تسعد قلبك الآمال
تخيب!
يكاد يهوي من صراخي عنده التاجُ،
ويُهدم عَرْشُهُ ويخر، تُطفأ حوله الآباد والآزال.
ويقطر لابن آدم قلبه ألمًا وينفطر.
بغداد، ٢٦ / ١١ / ١٩٦١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤