حدائق وفيقة

لوفيقة
في ظلام العالم السفليِّ حقلُ،
فيه مما يزرع الموتى حديقةْ.
يلتقي في جوها صبح وليلُ،
وخيال وحقيقةْ.
تنعس الأنهار فيها وهي تجري،
مثقلات بالظلال،
كسلال من ثمار كدوال،
سُرِّحت دون حبال.
كل نهر
شرفة خضراء في دنيا سحيقةْ،
ووفيقةْ
تتمطى في سرير من شعاع القمر،
زنبقي أخضر.
في شحوب دامع فيه ابتسامْ،
مثل أفق من ضياء وظلامْ،
وخيال وحقيقةْ.
أي عطر من عطور الثلج وانِ،
صعَّدته الشفتان،
بين أفياء الحديقة.
يا وفيقةْ؟
والحمامُ الأسودُ،
يا له شلال نور منطفي!
يا له نهر ثمار مثلها لم يقطف!
يا له نافورة من قبر تموز المدمى تصعدُ!
والأزاهير الطوال، الشاحبات، الناعسةْ
في فتور عصرت أفريقيا فيه شذاها
ونداها.
تعزف الناياتِ في أظلالها السكرى عذارى لا نراها.
روَّحت عنها غصون هامسةْ،
ووفيقةْ
لم تزل تثقل جيكور رؤاها.
آه لو روى نخيلات الحديقةْ
من بويب كركرات! لو سقاها
منه ماء المد في صبح الخريف!
لم تزل ترقب بابًا عند أطراف الحديقة،
ترهف السمع إلى كل حفيف.
ويحها … ترجو ولا ترجو وتبكيها مناها:
لو أتاها …
لو أطال المكث في دنياه عامًا بعد عامِ،
دون أن يهبط في سلم ثلج وظلامِ.
ووفيقةْ
تبعث الأشذاء في أعماقها ذكرى طويلةْ،
لعشيش بين أوراق الخميلةْ،
فيه من بيضاته الزرق اتقاد أخضرُ.
(أي أمواج من الذكرى رفيقةْ.)
كلما رفَّ جناحٌ أسمر
فوقها، والتم صدر لامعاتٌ فيه ريشاتٌ جميلةْ،
أشعل الجوَّ الخريفيَّ الحنانُ،
واستعاد الضمَّة الأولى وحواءَ الزمانُ.
تسأل الأمواتَ من جيكور عن أخبارها،
عن رُباها الربد، عن أنهارها.
آه، والموتى صموت كالظلامِ،
أعرضوا عنها ومروا في سلامِ.
وهي كالبرعم تلتف على أسرارها.
والحديقةْ
سقسق الليلُ عليها في اكتئابِ،
مثلَ نافورة عطرٍ وشرابِ.
وخيال وحقيقة
بين نهديكِ ارتعاش يا وفيقةْ.
فيه بَرْدُ الموت باكِ.
واشرأبت شفتاكِ.
تهمسان العطر في ليل الحديقةْ.
١٢ / ٨ / ١٩٦١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤