المحاضرة الأولى

أيها السادة: في ضواحي سنتريس، حيث يحلو السمر، في ليالي القمر، وعلى شاطئ النيل هناك، حيث النجم والشجر، والماء والزهر في تلك البقعة المشتبهة الأزاهر، المشتبكة الجداول، حيث السواقي الشاديات، والطيور الصادحات، وتحت تلك الشجرة المعطَّفة الغصون، المهدَّلة الشعور، حيث أجلس في الضحى والظهيرة، مع الصحب والعشيرة، بجانب ذلك الطريق الجميل حيث تعدو السيارات الفاخرة، من القاهرة إلى الإسكندرية ومن الإسكندرية إلى القاهرة، وحيث يمشي فضلاء سنتريس في الأصائل والعشيات، جماعات جماعات، يتناشدون الأشعار، ويتناقلون الأخبار.

هناك حيث أستظرف الجلوس مع أولئك الأمجاد، شجعان البلاد، أولئك الذين لم تخالط نفوسهم أوضار الحضارة، ولا سموم المدنية، ولم تفارق طباعهم أخلاق البداوة، ولا رسوم العصبية، أولئك الذين أجلس إليهم فيعود إليَّ ضلالي القديم، وعدواني الموروث فأتمدَّح بأجدادي الشجعان، وآبائي الأبطال، وأذكر ما شنُّوا من الغارات، في العصور الخاليات.

هناك حيث أقضي شطرًا من الصيف، وجزءًا من الخريف، بين خطاب أكتبه، أو جواب أقرؤه، وحبيب أساهره، أو أنيس أسامره، وعهد أحنُّ إليه، أو عيش أبكي عليه.

لياليَ النيل واللذاتُ ذاهبةٌ
وجدي عليكن أشجاني فأضناني
لو يُرجع الدهرُ لي منكن واحدةً
في سنتريسَ ويُدني بعضَ خِلَّاني
إذن تبيَّن دهري كيف يرحمني
من ظلم همِّي ومن عدوان أحزاني١
هناك، هناك جلست في بعض الأصائل مع الصديق الحميم: الشيخ حسين الحكيم٢ يحدثني وأحدثه عن الشاعر الغَزِل: عمر بن أبي ربيعة المخزومي.

وكذلك يميل الشباب إلى شعر الشباب، كما يرغب الكهول في أدب الكهول، فإن للشبيبة شعرًا، وللكهولة شعرًا، ولأدب الصبا في استطرافه أشياع وأتباع، كما لحكمة الشيخوخة في رزانتها أنصار وأعوان.

فلما قضينا بعض مآرب الشباب، من الجري في ميدان الخيال الساحر، وشرحنا بعض أهوائنا وميولنا في شخص ابن أبي ربيعة، وكانت الشمس قد جنحت إلى الغروب، ونسمات الأصيل قد مالت إلى الهدوء، وبدت لنا سنتريس وكأنها بسمة في فم الكون يضمرها إذا جن الظلام، فما نتبين منها غير المصابيح الزاهرة، في المغاني الساهرة، والأندية السامرة، لم نجد بدًّا من العودة إليها ومساهرة السامرين فيها.

ولأمر ما أراد صديقي الشيخ حسين أن يذهب إلى منزله في شمال البلدة، وأردت العودة إلى منزلي في جنوبها الشرقيِّ، بيد أنَّا لم نكد نبتعد كثيرًا حتى سمعته يقول: إذا عدت غدًا فأحضر معك ديوان ابن أبي ربيعة، فقلت له مازحًا: ومن ابن أبي ربيعة؟ فأجاب مسرعًا: فتى قريش وشاعرها.

فأعجبت بجوابه، وسررت من بداهته، إذ علمت أن ابن أبي ربيعة مهما درسنا شعره، وحللنا شخصيته، فلن نجده إلا فتى قريش وشاعرها، وكذلك أريد أن أحدثكم عنه من هذه الناحية: فأشرح لكم فتوته وشعره، أو حبه ونسيبه.

•••

أيها السادة: إن الغرض من هذه المحاضرات إنما هو البحث العلمي قبل كل شيء، والوصول إلى الحقيقة من أي سبيل، وهنا ألفت نظركم إلى أن العلم لا يكون دائمًا جافًّا، بل قد يكون أحلى من المُنى، وأشهى من ثغور الحسان، فإنك إذا احتجت إلى شيءٍ من الزهادة في العيش، والرغبة عن الحياة؛ لتفهم الجزء الثالث من كتاب «الإحياء» للغزالي، وإلى قسط من الارتياب؛ لتفهم حديث الملحد تيموكليس مع الراهب بافنيس، للفيلسوف أناتول فرانس، فإنك أيضًا في حاجة إلى شيء من الخلاعة، ونصيب من المجون؛ لتفهم الشاعر الفتى عمر بن أبي ربيعة.

وكذلك أدعوكم إلى استقدام هواكم: قديمه وحديثه، واستنهاض صبابتكم: طريفها وتليدها، حتى تفهموا هذا الشاعر الغَزِل، وتدركوا غرض هذا الماجن الخليع.

ولن تكونوا إذا فعلتم ذلك إلا باحثين عن الحقيقة، سائرين إليها عن طريق العلم، فإن أنواع العلوم تتطلب ألوانًا من النفوس، بل الفن الواحد يتطلب أرواحًا مختلفة، لفهم أدواره المختلفة، فليس الذي يفهم نسيب الأمراء ويطرب له؛ لأنه يساكن من يهوى، ويختلف إلى من يحب، بقادر على أن يفهم نسيب المشرَّدين في الآفاق ممن أهدرت دماؤهم، وصودرت ميولهم. وليس الذي يعجب بقول كُثيِّر:

يكلفها الغيرانُ شتمي وما بها
هواني ولكن للمليك استذلَّتِ
هنيئًا مريئًا غير داء مخامرٍ
لعزة من أعراضنا ما استحلَّتِ
فلا يحسب الواشون أن صبابتي
بعزة كانت غمرةً فتجلَّتِ٣

بمستطيع أن يعجب بقول الآخر:

صفا وُدُّ ليلى ما صفا ثم لم نُطع
عدوًّا ولم نسمع به قِيل صاحب
فلما تولَّى ودُّ ليلى لجانبٍ
وقوم تولينا لقومٍ وجانب
وكلُّ خليل بعد ليلى يخافني
من الغدر أو يرضى بودٍّ مقارب

فإذا رأيتموني أكثر من الأمثلة، وأُعنى بإنشاد الشعر، فليس ذلك لإمتاع أفئدتكم، وإشباع أسماعكم فحسب؛ بل لأثبِّت في أذهانكم، وأمكِّن في قلوبكم صورة ذلك الشاعر الشابِّ، الذي قضت أيامه بأن لا تمتد إليه أيدي الرسامين والمصورين، فلم يبق لنا من معالم جماله، ومعاهد شبابه، إلا ما تركه في شعره، وخلَّاه في نسيبه، والشعر صورة الشعراء.

•••

وبعد فهل كان ابن أبي ربيعة محبًّا صادق الحب، متين الصبابة؟ أم كان فتًى مغرورًا بشبابه، مفتونًا بجماله، لا يأبه بالحب، ولا يخضع للغرام؟ وإذا لم يكن عاشقًا ولا محبًّا، فكيف أجاد النسيب، وأبدع في التشبيب؟ وما هي ميزة شعره، التي بذَّ بها إخوانه، وفاق بها أقرانه؟

فأمامنا إذن مسألتان: الأولى حقيقة حبه، والثانية حقيقة شعره، وسنوفي الكلامَ عن أولاهما في هذه المحاضرة، ونرجئ الكلام عن أخراهما إلى المحاضرتين القادمتين، إن شاء الله.

أما حبه: فأنا أتهمه فيه، وأنكره عليه، وذلك لأمور:
  • أولًا: لأنه حضريٌّ لا بدويٌّ، وقلَّما يصدق للحضريين حبٌّ أو تبقى لهم صبابة؛ إذ يرون من متممات الظَّرف، ومكمِّلات الأدب، أن يحيا الرجل بعين باكية، وقلب خفَّاق، فلا يزالون يتلمَّسون الهوى ويتحسَّسون الصبابة، حتى تتاح لهم أسبابها، وتساق إليهم همومها.
    وأنا الذي اجتلب المنيَّةَ طرْفُهُ
    فمن المطالبُ والقتيلُ القاتلُ؟!

    وإذا رهب البدويُّ الحبَّ، فقال: يتخوف عواقبه، ويتهيَّب جانبه:

    فيا رب خذ لي رحمةً من فؤادها
    وحُلْ بين عينيها وبين فؤادي

    رأيت الحضريَّ شَرِهًا طماعًا، يودُّ لو حشر الله إليه أهل الجمال أجمع فنال من الصبابة أقصاها، ومن المحبَّة أسماها، وينشد قول ابن الأحنف:

    إن الهوى لو كان يَنْـ
    ـفُذ فيه حكمي أو قضائي
    لطلبتهُ وجمعتهُ
    من كلِّ أرضٍ أو سماء
    فقسمتهُ بيني وبيـ
    ـن حبيب نفسي بالسواء
    فنعيش ما عشنا على
    محض المودَّة والصفاء
    حتى إذا متنا جميـ
    ـعًا والأمور إلى فناء
    مات الهوى من بعدنا
    أو عاش في أهل الوفاء

    كأنَّ حتمًا على البدويِّ أن يخلد إلى القناعة في كلِّ شيء، وعلى الحضريِّ أن يُعرف بالجشع في كلِّ شيء.

    ومن هنا تعرف كيف غلبت العفة على أولائك، وتطرق الفسق إلى هؤلاء، فإذا قلتَ للبدويِّ أنشدني شيئًا من الشعر، فقلَّما يروقه غيرُ جَحْدرٍ وقد زُجَّ في السجن:

    أليس الليل يجمع أمَّ عمرٍو
    وإيانا؟ فذاك لنا تدانِ
    نعم وأرى الهلال كما تراه
    ويعلوها النهار كما علاني

    وإذ استنشدت الحضريَّ شيئًا من مختاره في النسيب، فقلَّما يُنشدك غيرَ قول ابن الفارض:

    وإذا اكتفى غيري بطيف خياله
    فأنا الذي بوصاله لا أكتفي

    وذلك لما يختلف الفريقان في فهم معنى السعادة في الحب، فهي عند الأعراب لا تعدو مسامرة الأماني، ومسايرة الأحبة، وعند أهل الحضر: كل ما أمتع العين واﻟ … إلى غير ذلك مما يشتهون.

    وإذا كان المال — وهو من معبودات الحضريين — يطلب بعضه للادخار وبعضه للإنفاق، فإن الجمال عندهم كذلك — إلا من عَصَم الله — فهم يعجبون بالعيون الكحيلة، والشعور المرسلة؛ ليمتعوا عيونهم بالنظر إليها وأفئدتهم بالتفكير فيها، ثم لا تسأل بعد ذلك عن رأيهم في بقية المحاسن، فعهدي بهم يرجون الخدَّ للتقبيل، والريقَ للارتشاف، وهكذا حتى يصل بهم الطمع إلى ما ترغب النفس عن ذكره، والتأمل في جدواه.

    الحسن عند الحضريين أشبه شيء بجنة وردها جَنِيٌّ، وزهرها نديٌ، يدخلها الزائر فلا يعجب منها بزهرة ذات بهجة، أو وردة ذات نضرة، إلا دعته أخرى أنضر منها وأصبح.

    فإذا ذهب إليها يجتلي حسنَها، ويتأمل شكلها، لفتت نظره ثالثة ورابعة، حتى يتصفح الحديقة بأكملها، ويقتلها نظرًا وشمًّا، والمرء يكلف بالحسن، ويُغرم بالجمال.

    فإذا عاد إلى قلبه، ورجع إلى نفسه؛ ليعرف أيها أعلق بخاطره، وأملك لوجدانه، حسبها هذه بل تلك، ثم يختلط عليه الأمر، فلا يدري أيها أحق بالرعاية، وأولى بالاحتفاظ، فينصرف وقلبه مسرور من البستان في جملته، غير مغرم بزهرة معينة من زهوره الحسان.

    وكذلك يمشي الحضريُّ في متنزهات الحواضر، فيرى من شتى الألوان في الحسن، ومختلف الأشكال في الملاحة، ما يملأ عينه، ويبهر قلبه، ثم يأوي إلى بيته خليًّا من الهوى بريئًا من الصبابة، كأن لم يسمع وَسْواس الحُليِّ، ولم ير لألاء الجبين.

    وهب أن بين أولئك الفاتنات، من غلبت على قلبه، واستولت على لبه، أتراه يسلم في أيامه البواقي، من غادة أملح شكلًا، وأحلى دِلًّا، فتملك من بعدها قلبه، وتنفرد من دونها بهواه، وهو للحسن تَبوع؟

    ألا إن الحضريَّ في حبِّه كمدمن الخمر، يُصرع كلَّ يوم مرة، فينسى بكأسه الأخرى كأسه الأولى.

    والمرء ما دام ذا عين يقلِّبها
    في أعين الغيد موقوف على الخطر

    ولقد ذكروا أن كُثيِّرًا مشت أمامه امرأة ظريفة المِشية، فتبعتها عينه، فالتفتت إليه، فعرض عليها حبه، فقالت: كيف ذلك وقد ضاع شعرك في عزة؟ فقال: يا سيدتي! قد كان ذلك تصنعًا ورياء، ولئن أبحتني حبك، ومنحتني حسنك، لأُسيِّرنَّ في ذكرك الشعر، ولأضربن بحسنك الأمثال، فكشفت عن وجهها فإذا هي عزة، ثم قالت له: حسبك يا غادر! فبهت كثير وانصرف وهو خزيان نادم!

    وكذلك كان ابن أبي ربيعة، فما قَصَر نفسَه على امرأةٍ، ولا وقفَ حبَّه على فتاة، وإنما كان يتلمَّس الجَمالَ بين مناسك الحج، ويتلقَّط الحسن في مسارح الظباء، فيغشى الرياض الزاهرة، علَّه يظفر بزهرة لا كالزهور، ويقصد الأندية السامرة، عساه يسمع حديثًا عن بعض الآنسات الحور، بل ربما صدَّ عمَّن تجزيه بالحب حبًّا، ورام من تجزيه بالقرب الصدود.

    ولقد مرَّ به فَتيانِ وهو بالحِجْر يصلي، بعد أن صوَّح زهرُه، وتأوَّد غصنُه، وبعد أن سئم الغواية والفساد، وجنح إلى الهداية والرشاد، وبعد أن خلَّى الغرامَ جانبًا، وأقبل على نفسه يحاسبها، وعلى ربه يستغفره، فلم يكد يقضي صلاتَه حتى هُرع إليهما يتعرَّف خبرهما ويعرف أهلهما، فلما عرفهما وكانا أخوين، قال: يا ابْنَيْ أخي: لقد كنت موكلًا بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه. وليس بعجيب أيها السادة أن لا يصدق في حبه مَن يقول:

    سلامٌ عليها ما أحبت سلامنا
    فإن كرهته فالسلام على الأخرى
    ولا نريد بهذه الكلمة الغضَّ من عواطف الحضريين ولا الطعن في كرامتهم، فقد يكون من بينهم من هو أصدق حبًّا، وأنقى عرضًا، ولكنَّا نرى الشرَه في الحب، والطمع في الصبابة، من علائم التلون، ودلائل التقلب.٤
    ليس في القلب موضع لحبيبيـ
    ـن ولا أحدث الأمور اثنان
    فكما العقل واحدٌ ليس يدري
    خالقًا غير واحدٍ رحمن
    فكذا القلب واحدٌ ليس يهوى
    غير فرد مباعد أو مدان
    وكذا الدين واحدٌ مستقيمٌ
    وكفور من عنده دينان
    هو في شِرعة المودَّة ذو شِر
    كٍ بعيدٌ عن صحَّة الإيمان

    وكذلك كان الحضريُّون مكذَّبين في عشقهم، متهَمين في حبهم.

  • ثانيًا: كثر غروره بشبابه، وفتونه بجماله، وتحدثه بحبِّ النساء له، وإقبالهن عليه، وقلَّما يكون المعشوق عاشقًا، والمحبوب مُحِبًّا، وقد رأيت في شعره عزةَ المعشوق، لا ذِلةَ العاشق، وتيهَ المحبوب، لا خضوعَ المحب.

    فتارة يذكر أنه أمنية محبوبته، وأمل معشوقته، كقوله:

    ألمِم بزينب إنَّ الركب قد أَفِدا
    قلَّ الثواء لئن كان الرحيل غدا٥
    قد حلفت ليلة الصَّورين جاهدةً
    وما على المرء إلا الحلف مجتهدا٦
    لأختها ولأخرى من مناصفها:
    لقد وجدت به فوق الذي وجدا٧
    لو جُمِّع الناس ثم اختير صفوتهم
    شخصًا من الناس لم أعدل به أحدًا

    وقوله:

    وإنها حلفت بالله جاهدةً
    وما أهلَّ له الحجاج واعتمروا
    ما وافق النفس من شيء تُسرُّ به
    وأعجب العينَ إلا فوقه عُمَرُ

    وأخرى يتمدَّح بعتبها عليه، وتوددها إليه، كقوله:

    فما أنسَ من وُدٍّ تقادم عهدُهُ
    فلستُ بِنَاسٍ، ما هدت قدمي نعلي
    عشيةَ قالت والدموع بعينها:
    هنيئًا لقلب عنك لم يُسْله مُسل
    لقد كان في إقراضك الودَّ غيرَنا
    وفعلك ناهٍ لي لو انَّ معي عقلي
    فهذا الذي في غير ذنب علمته
    صنيعك بي حتى كأنك ذو ذَحل٨
    هل الصَّرم إلا مسلمي إن صرمتني
    إلى سقم ما عشت أو بالغٌ قتلي٩

    وحينًا يفخر بدموعها المرفضَّة لبعده، المنهلَّة لهجره، كقوله:

    تقول وعينها تذري دموعًا
    لها نسق على الخدين تجري
    ألستَ أقرَّ من يمشي لعيني
    وأنت الهم في الدنيا وذكري؟
    أمن سَخَط عليَّ صددت عني
    حملت جنازتي وشهدت قبري؟

    وآخر يصف نفسه بالجمال اليوسفي، فيقول:

    قلن: هذا الذي نلومك فيه
    لا تحجي من قولنا بفتيل
    فصليه فلن تُلامي عليه
    فهو أهل الصفاء والتنويل

    وإنه ليُغْرب أحيانًا في الصَّلَف، ويمعن في التيه؛ فيقول مثلًا:

    قالت على رِقْبةٍ يومًا لجارتها:
    ما تأمرين؟ فإن القلب قد تُبِلا١٠
    وهل ليَ اليوم من أختٍ مواسيةٍ
    منكنَّ أشكو إليها بعض ما عملا؟
    فراجعتها حَصَانٌ غيرُ فاحشةٍ
    برجع قول ولُبٍّ لم يكن خطِلا١١
    لا تذكري حبَّه حتى أراجعه
    إني سأكفيكِهِ إن لم أمت عَجلا
    فاقْنَيْ حياءك في سترٍ وفي كرمٍ
    فلستِ أوَّل أنثى عُلِّقت رجلا١٢
    صدَّت بعادًا وقالت للتي معها:
    بالله لوميه في بعض الذي فعلا
    وحدثيه بما حُدِّثت واستمعي
    ماذا يقول ولا تُعْيي به جَدَلا
    حتى يرى أن ما قال الوشاة له
    فينا لديه إلينا كله نقلا
    وعرِّفيه به كالهزل واحتفظي
    في غير معتبة أن تُغضبي الرجلا
    فإنَّ عهدي به والله يحفظه
    وإن أتى الذنب ممن يكره العذلا
    لو عندنا اغتيب أو نيلت نقيصته
    ما آب مغتابه من عندنا جَذِلا

    ويقول أيضًا في الحديث عن بعض الواجدات به:

    لقد حَلِيتْكَ العين أول نظرة
    وأُعطيتَ مني يابن عمِّ قبولا
    فأصبحت همًّا للفؤاد ومنية
    وظلًّا من النعمى عليَّ ظليلا

    فهذا كله دليل على أن ابن أبي ربيعة كان معشوقًا لا عاشقًا، ومطلوبًا لا طالبًا، وأن النساء كانت تقع عليه كما يقع النحل على الزَّهَر، والطير على الشجر.

  • ثالثًا: كثرت دعوى ابن أبي ربيعة توحيدَ حبه، وإفراد غرامه، فيقول في ليلى:
    لقد أرسلتْ في السر ليلى تلومني
    وتزعمني ذا مَلَّة طَرِفًا جَلْدًا١٣
    تقول: لقد أخلفتنا ما وعدتنا
    ووالله ما أخلفتها طائعًا وعدا
    فقلت مَرُوعًا للرسول الذي أتى:
    تُراه — لك الويلات — من أمرها جِدَّا
    إذا جئتها فاقرَ السلام وقل لها:
    ذَري الجورَ ليلى واسلكي منهجًا قصدا
    تَعُدِّين ذنبًا أنت ليلى جنيتِه
    عليَّ! ولا أُحصي ذنوبكمُ عدَّا
    أفي غيبتي عنكم ليالٍ مرضتُها
    تزيدينني ليلى على مرضي جَهْدا؟!
    فلا تحسبي أني تمكَّثت عنكمُ
    ونفسي ترى من مكثها عنكمُ بُدَّا
    ألا فاعلمي أني أشد صبابةً
    وأصدقُ عند البين من غيرنا عهدا
    غدًا يكثر الباكون منا ومنكمُ
    وتزداد داري من دياركمُ بُعدا
    فإن تصرميني لا أرى الدهرَ قُرَّةً
    لعيني ولا ألقى سرورًا ولا سعدًا
    فإن شئتِ حرَّمت النساء سواكمُ
    وإن شئتِ لم أطْعم نُقَاخًا ولا بَرْدا١٤

    ويقول في الرباب:

    أرسلت تعتب الرباب وقالت:
    قد أتانا ما قلت في الإنشاد
    قلت: لا تغضبي فداؤك نفسي
    ثم أهلي وطارفي وتلادي
    إن تعودي تكن تهامة داري
    وبنجدٍ إذا حللت معادي
    أنت أهوى إليَّ من سائر النا
    سِ ذريني من كثرة التعداد

    ويقول في عبدة:

    أعبْدةُ ما ينسى مودتَكِ القلبُ
    ولا هو يُسليه رخاءٌ ولا كَربُ
    ولا قول واش كاشحٍ ذي عداوةٍ
    ولا بُعد دار إن نأيتِ ولا قربُ
    وما ذاك من نُعمى لديك أصابها
    ولكن حبًّا ما يُقاربهُ حبُّ
    فإن تقبلي يا عبد توبة تائب
    يتب ثم لا يوجد له أبدًا ذنب
    أَذِلُّ لكم يا عبدُ فيما هويتمُ
    وإني إذا ما رامني غيرُكم صَعبُ
    وأعذل نفسي في الهوى فتعقَّني
    ويأصِرني قلب بكم كَلِفٌّ صبُّ
    وفي الصبر عمَّن لا يواتيك راحة
    ولكنَّه لا صبر عندي ولا لبُّ
    وعبدة بيضاء المحاجر طَفلةٌ
    منعَّمةٌ تُصبي الحليم ولا تصبو
    ولستُ بناسٍ يوم قالت لأربعٍ
    نواعم غُرٍّ كلهن لها تِرْبُ:
    ألا ليت شعري فيم كان صدودهُ
    أَعُلِّقَ أخرى أم عليَّ به عتب؟
    ويقول في زينب:١٥
    أُحدِّث نفسي والأحاديث جمَّةٌ
    وأكبر همِّي والأحاديث زينب
    إذا طلعت شمس النهار ذكرتها
    وأُحْدِث ذكراها إذا الشمس تغرب

    ويقول في أسماء:

    لم يُحببِ القلبُ شيئًا مثل حبكم
    ولم تر العين شيئًا بعدكم حَسَنا
    ما إن نبالي إذا ما الله قرَّبكم
    من كان شطَّ من الأحباب أو قطنا١٦
    فإن نأيتم أصاب القلبَ نأيُكم
    وإن دنت داركم كنتم لنا سكنا
    إن تبخلي لا يُسلِّي القلبَ بخلُكم
    وإن تجودي فقد عنَّيتِني زمنا

    ويقول في هند:

    ولقد قلت إذ تطاول هجري:
    ربِّ لا صبر لي على هجر هندِ
    ربِّ قد شفَّني وأوهن عظمي
    وبراني وزادني فوق جَهْدي
    ليس حبِّي لها ببدعة أمر
    قد أحبَّ الرجال قبلي وبعدي
    جعل الله من أُحبُّ سواكم
    من جميع الأنام نفسَك يفدي

    ويقول في النوار:

    لا أبالي، إذا النوى قرَّبتكم
    فدنوتم، من حَلَّ أو من سارا
    والليالي إذا نأيتِ طوالٌ
    وأراها إذا دنوتِ قصارا

    ويقول في عمرة:

    إحدى بني أود كلفت بها
    حملت بلا ترةٍ لنا وتْرا
    والله ما أحببت حبَّكُم
    لا ثيِّبًا خُلقت ولا بِكرا

    وأظهر من كل ما تقدم قوله في عثمة:

    ما خنت عهدَك يا عثيم ولا هفا
    قلبي إلى وصلٍ لغيرك فاعلمي
    ولا يمكن أيها السادة أن تكون كل هذه الدعاوى صحيحة، فإن كَذَب بعضها كان دليلًا على كذب البواقي، فهو إذن محتالٌ ماهر يُقسِم لكل غانية يمينًا، والغواني سريعة التصديق.١٧
  • رابعًا: قد جاء في شعره ما يدل على أن النساء عرفن فيه التلوُّن، وعهدن منه التقلب، فمن ذلك قوله:
    عجبًا ما عجبتُ مما لو أبصر
    ت خليلي ما دونه لعجبتا
    لمقال الصفيِّ: فيم التجنِّي
    ولما قد جفوتني وهجرتا؟
    في بكاءٍ، فقلت: ما الذي أبـ
    ـكاك؟ قالت فتاتها: ما فعلتا
    ولوت رأسها ضِرارًا وقالت
    إذ رأتني: اخترت ذلك أنتا
    حين آثرت بالمودَّة غيري
    وتناسيت وصلنا وملِلْتا
    قلت لي قول مازح تستبيني
    بلسان مصدَّق إذ حلفتا
    عاشري فاخبُري فمن شؤم جَدِّي
    وشقائي عُوشِرْتَ ثم خُبِرتا
    فوجدناك إذ خَبرنا ملولًا
    طَرِفًا لم تكن كما كنت قلتا
    وتجلَّدت لي لتصرم حبلى
    بعدما كنت رثَّهُ قد وصلتا
    فاذكر العهد بالمحصَّب والود
    الذي كان بيننا ثم خُنتا١٨
    ولعمري ما ذا بأول ما عا
    هدتني يابن عمِّ ثم غدرتا
    فحرامٌ عليَّ أن لا تنال الد
    هرَ مني غير الذي كنت نِلتا١٩
    قلت: مهلًا عفوًا جميلًا، فقالت:
    لا وعيشي ولو رأيتك مِتا

    ويقول في الحديث عن بعض معشوقاته:

    قالت وقد جَدَّ رحيل بها
    والعين إن تطرف بها تسجم:
    إن ينسنا الموت ويؤذن لنا
    نَلقَك إن عمرت بالموسم
    إنك والله لذو مَلَّةٍ
    يصرفك الأدنى عن الأقدم

    ويقول أيضًا في الحديث عن بعضهن:

    قالت لآنسة رداح عندها
    كالرئم في عقد الكثيب الأيهم:
    هذا الذي منح الحسان فؤاده
    وشركنَه في مخِّه والأعظم
    علمي به واللهُ يغفر ذنبه
    فيما بدا لي ذو هوى متقسم
    طَرِف ينازعه إلى الأدنى الهوى
    ويبت خلة ذي الوصال الأقدم

    وقد كثر شعره في هذا المعنى، حتى لقد يذكر شتمهن له، وعتبهن عليه، كقوله:

    وقالت: حلت عن عهدي وودي
    جديد ما حييت لكم يسير
    وطاوعت الوشاة وزرت من لم
    يزرك وقد تبين لي الختور
    ولم ترع الوداد كما رعينا
    وبانت منك لي عمدًا أمورُ
    ولم تَجزِ القروض ولم تُثبها
    وأنت لكل صالحةٍ كفورُ

    وقد أقر نفسُه بالتلوُّن، وصرَّح بالتقلُّب، في قوله:

    لعمري لقد كان الفؤاد مسلمًا
    صحيحًا فأمسى لا يُطيق لها هجرا
    فجازى ودودًا كان قبلك في الهوى
    دءولًا فقد أورثته السُّقم والضُّرا
    أفي الحق أَن حُكِّمتمُ فحكمتمُ
    صوابًا فما أخطأتم الظلم والكفرا

    وأين هذا أيها السادة من قول مضرس بن قرط المزني:

    ولو تعلمين العلم أيقنتِ أنني
    وربِّ الهدايا المشعَرات صدوقُ
    أذود سَوَامَ الطرف عنك ومالهُ
    إلى أحدٍ إلا عليكِ طريق
    فإِن كنت لمَّا تَخبُريني فاسألي
    وبعض الرجال للرجال رَمُوقُ
    سَلي هل قلاني من خليل صحبتهُ
    وهل ذم رحلي في الرحال رفيق؟
    وهل يَجْتوي القوم الكرام صحابتي
    إذا اغبرَّ مَخْشِيُّ الفِجاج عميق

فيا ليت شعري — وقد بينت لكم كذبه في الحب — ما هي الميزة التي سما بها شعره، وسار بها ذكره؟ وما هو السر في أَنْ سَحَر شعره النساء، وآمن به الشعراء؟

هوامش

(١) هذه الأبيات من قصيدة للمؤلف.
(٢) ولد الشيخ حسين الحكيم في سنتريس ثم سكن القاهرة، والتحق بمدسة عثمان باشا ماهر فمدرسة القضاء الشرعي، ثم نال منها شهادة العالمية، وعين مدرسًا للغة العربية بمدارس الجمعية الخيرية الإسلامية، فقضى سنة في المدرسة الواصفية ببورسعيد، وبضعة أشهر في مدرسة دسوق الثانوية، ثم قضى نحبه هناك يوم الجمعة ٩ ربيع الأول سنة ١٣٣٧ / ١٣ ديسمبر سنة ١٩١٨، ثم نقل إلى القاهرة مساء السبت فدفن بها مساء الأحد.
وكان — رحمه الله — آية الآيات في حسن الخلق، وصباحة الوجه، وحلاوة الحديث، وأصالة الرأي، وكان لا يعدله عندي غير شقيقي سيد مبارك الذي فقدته معه في أسبوع واحد، وكان موتهما معًا بالحُمَّى الإسبانية لا ردَّ الله لها غربة ولا قدَّر لها رجعة، وكان أخي سيد من أقوى الفتيان بأسًا، وأمضاهم عزيمة ولو عاش لضربت بشجاعته الأمثال.
(٣) هذه الأبيات من تائية كُثيِّر، وهي غرة من غرر الشعر العربي يجدها القارئ كاملة في كتاب «مدامع العشاق».
(٤) يرى الأستاذ الدكتور أحمد ضيف أن العلم والفلسفة قد يهذِّبان النفس، ويلطفان الطبع، فلا تكون الحضارة من أسباب الفسق، ولا موجبات الفجور، ثم لا يكون البدويُّ أصدقَ من الحضريِّ في الحب، ولا أثبت منه في الغرام.
وهي فكرة جميلة غير أنها لا تنطبق على ابن أبي ربيعة وأمثاله من الحضريين، فإن كثيرًا منهم يشاركون الفلاسفة في سَعة العلم، وبعد النظر، ثم لا يرون رأيهم في التقشف والزهد، وإليهما يرجع الفضل في كبح الهوى وزجر النفس.
على أن المذاهب الفلسفية لا تدعو كلها إلى الطهر، ولا ترغِّب في العفاف، ولا ينتفع المرء بأحسنها أثرًا ما لم يصر من أربابها، والداعين إليها، في سرِّه وجهره، وشبابه ومشيبته، وإلا فلماذا تجمع الحواضر بين العلم والفساد؟
(٥) أَفِد الركب: أسرع.
(٦) الصوران: مثنى الصور، وهو: موضع بالبقيع.
(٧) المناصف: الخدم، جمع منصف ومنصفة، وهي هنا: الوصائف اللائي يقمن بخدمة الحسان.
(٨) الذحل: الثأر، أو هو العداوة والحقد.
(٩) ولقد ذكروا أن كُثيِّرًا عاب ابنَ أبي ربيعة في قوله:
قالت لترب لها تحدثها:
لَنُفسدَنَّ الطوافَ في عُمَرِ
قومي تصدِّي له ليبصرنا
ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها: قد غمزته فأبى
ثم اسْبَطَرَّتْ تسعى على أثري
وقال له: إنما تنسب بنفسك، ولو أنك وصفت بهذا الشعر هرَّة أهلك، لكنت قبَّحت وقلت الهجر، إنما توصف الحرة بالحياء والإباء، والبخل والامتناع، كما قال هذا — وأشار إلى الأحوص:
أدور ولولا أن أرى أمَّ جعفر
بأبياتكم ما درت حيث أدور
وما كنت زوَّارًا ولكن ذا الهوى
إذا لم يُزر لا بد أن سيزور
لقد منعت معروفَها أمُّ جعفر
وإني إلى معروفها لفقير
وقد لاحظ عليه ذلك ابن أبي عتيق أيضًا في قوله:
بينما يَنْعَتْنَنِي أَبْصَرْنَني
دون قيد الميل يعدو بي الأغر
قالت الكبرى: أما تعرفنه؟
قالت الوسطى: بلى هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتُها
قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟
وعندي أن هذا خطأ من كُثَيِّر وضلال من ابن أبي عتيق، وليس لابن أبي ربيعة في صباحته أن يتبع رأي كُثيِّر في دمامته، فإن لجمال الشاعر أثرًا في نسيبه ونصيبًا من تشبيبه، وقد أوضحت ذلك في المحاضرة الثالثة، فانظره هناك.
(١٠) تبل القلب: أسقمه الحب.
(١١) الحصان والحاصن: المرأة العفيفة، ونساء حواصن.
(١٢) اقْنَي حياءك: الْزَميه.
(١٣) الطَرِف: هو المتقلب الذي لا يثبت على امرأة ولا صاحب.
(١٤) النقاخ على وزن غراب: الماء العذب.
(١٥) هي زينب بنت موسى الجمحية، وكان سبب تشبيبه بها أن ابن أبي عتيق ذكرها عنده يومًا فأطراها، ووصف من عقلها وأدبها وجمالها ما شغل قلب عمر، وأماله إليها فقال فيها الشعر وشبَّب بها، فلما بلغ ذلك ابن أبي عتيق لامه وسخط عليه، وقال له: أتقول الشعر في ابنة عمي؟ فقال ابن أبي ربيعة وقد عطف عليه المساءة:
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي
إن بي يا عتيق ما قد كفاني
لا تلمني وأنت زينتها لي
أنت مثل الشيطان للإنسان
لو بعينيك يا عتيق نظرنا
ليلة السفح قرَّتِ العينان
وقد زعم في هذه القصيدة أنه نسي من أجلها النساء؛ إذ يقول:
لم تدع للنساء عندي نصيبًا
غير ما قلت مازحًا بلساني
وقلى قلبي النساء سواها
بعدما كان مغرمًا بالغواني
(١٦) شط: بعد. قطن: قام.
(١٧) قد وافقنا على هذا الرأي كثير من شيوخ الأدب، وأساتذة البيان، وفي مقدمتهم: الأستاذ الشيخ مصطفى القاياتي والأستاذ الدكتور أحمد ضيف، وخالفنا في ذلك الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار؛ فهو يرى أن تعدُّدَ المعشوقات لا يدلُّ على الكذب في الحب، فقد يخلص المحب في يومه إلى إحدى الغانيات، ثم يصفي غيرَها الودَّ في الغد، ولا يكون كاذبًا في حبه الأول، ولا متَّهمًا في ودِّه الثاني، بل قد يَفنى في حبه لبعض الغواني، ثم ينصرف عنها ثم يعود إليها، كما قيل:
هجرتك حتى قيل: لا يعرف الهوى
وزرتك حتى قيل: ليس له صبر
ولكن ألا يرى فضيلة الأستاذ الشيخ النجار أن هذا من ابن أبي ربيعة وأمثاله تقلُّب في الحب، وتلوُّن في الودِّ، وإنه إن لم يكن كلَّ الكذب فهو بعض الكذب؟ أيعد وفيًّا مَن قلبُه كلَّ يوم في حب جديد؟ أوَيحسب صادقًا من لم يكن ذا وفاء؟ إن هذا لبعيد!
هذا، وقد عرض أستاذنا الدكتور طه حسين لحب ابن أبي ربيعة في كتابه «حديث الأربعاء» ج٢ ص١٤٣، فذكر أنه لم يكن يحب بعقله ولا بقلبه وإنما كان يحب بحسِّه، وبحسِّه ليس غير، ثم قرر أنه لم يكن يتصور المرأة إلا على أنها مكمِّلة للرجل لا تستطيع أن تعيش بدونه، وأنه لم يكن يقصر هذه الصلة الجنسية على معناها الماديِّ وحدَه، وإنما كان يريدها واسعة متناولة جميع أطراف الحياة.
(١٨) المحصب: موضع رمي الجمار بِمِنًى.
(١٩) الظاهر أن «لا» زائدة في قوله: فحرام على أن لا تنال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤