الفصل الثاني

الصلات الأدبية بين الأمتين

تجاورُ الفرس والعرب وتخالطهم، وما وقع بينهم من أحداث المودة أو العداوة وغِيَر الحرب والسلم، وتردد القوافل التجارية، بين جزيرة العرب وإيران، واستعانة الفرس برؤساء العرب، والتجاء هؤلاء الرؤساء إلى الفرس فيما يحزبهم من الخطوب — كل هذا، لا ريب، يصل لغتي الأمتين، ويقرب بين آدابهما، وعندنا أثارة من هذه الصلات في العصر الساساني ولا سيما أواخره، وإذا قسمنا العصر البعيد الذي لم يسجل التاريخ أخباره، بالعصر القريب من الإسلام ظننا أن الصلات بين الأمتين في الأمور الاجتماعية والأدبية أقدم عهدًا مما عرفنا.

ومن القصص الأدبية التي أثرها الرواة قصة بهرام جوربن يزدجرد الأثيم فقد بعث بهِ أبوه إلى الحيرة لينشأ بها — كما تقدم — فتعلم هناك لغة العرب وشعرهم، ويقول شمس الدين الرازي في كتابه «المعجم في معايير أشعار العجم»إن بهرام جور أول من نظم الشعر بالفارسية وأنهُ أخذ الشعر من العرب في الحيرة، وأن علماء الفرس استهجنوا منه قرضه الشعر فهووه عنه، وهي قصة معروفة في الكتب العربية والفارسية بل روى بعض المؤلفين لبهرام شعرًا فارسيًّا وعربيًّا، والقصة إن لم تصح في صورتها لا تخلُ من دلالة على صلة أدبية قديمة.

وعندنا مثل آخر أقرب عهدًا وأدخل في التاريخ، نجده في أخبار عدي بن زيد العبادي وأسرته. فأبوه تعلم الفارسية وتولى البريد لكسرى برويز، وعدي كان من أكتب الناس بالعربية والفارسية وكتب في ديوان كسرى وخلفه في عمله ابنه زيد.

وجاء في شعر عدي كما جاءَ في شعر الأعشى ألفاظ فارسية وتسربت إلى العربية كلمات فارسية كما دخل في الفارسية كلمات عديدة كانت مقدمة للكلمات الكثيرة التي دخلت اللغة الفارسية في العصور الإسلامية، وقد عرف العرب من أخبار الفرس وقصص أبطالهم كقصة رستم واسفنديار وهي من أروع قصص الأدب الفارسي.

ففي سيرة ابن هشام أن النضر بن الحارث كان يجلس لأهل مكة فيقول: يحدثكم محمد بأخبار عاد وثمود وأنا أحسن حديثًا منهُ، هلموا أحدثكم بأخبار رستم واسفنديار والأكاسرة. وفي بعض الروايات أن النضر اشترى كتب الأعاجم فكان يحدث منها. ويقول بعض المفسرين: نزلت في شأن النضر هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

وكذلك كان دين الفرس معروفًا عند العرب، وفي كثرة ذكر القرآن المجوس دليل على هذا.

وكان المجوس في البحرين ويقال إنهُ كان في بني تميم من يعبد النار وأن لقيط بن زرارة سمى ابنته دختتوش وهو اسم فارسي كاسم (قابوس) الذي سمي به بعض المناذرة وأحسبهُ معرب (كاءوس).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤