تمهيد الطبعة الرابعة

يمثِّل تغيُّر المناخ أحد التحديات الأربعة الرئيسية التي تحدِّد ملامح القرن الحادي والعشرين، إلى جانب التدهور البيئي، وغياب المساواة، وانعدام الأمن على مستوى العالم. سيستمر تغيُّر المناخ في رفع درجة حرارة الأرض وزيادة مستوى سطح البحر عالميًّا. كما سيزيد من تواتر الظواهر الجوية المتطرفة مثل الجفاف وموجات الحر والفيضانات والعواصف، وهو ما من شأنه أن يهدِّد صحة مليارات الأشخاص ومصادر رزقهم. وستعتمد حدَّة التأثيرات الناجمة عن تغيُّر المناخ على ما نتخذه الآن من إجراءات للحد من انبعاثات غازات الدفيئة.

fig1
شكل ١: تسطيح المنحنى: مقارنة بين جائحة كوفيد-١٩ وتغيُّر المناخ.
على مدار العقود الثلاثة الماضية، تضاعفت كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة نتيجة الأنشطة البشرية. ويمثِّل هذا إخفاقًا جماعيًّا لزعماء العالم في التركيز على الأزمة المناخية. وصحيحٌ أن عامَي ٢٠٢٠ و٢٠٢١ كانا تحت هيمنة جائحة كوفيد-١٩، لكن المشهد الجيوسياسي المتعلق بتغيُّر المناخ شهد تحولات جذرية (انظر شكل ١). وفي يونيو ٢٠١٩، أجرى البرلمان البريطاني تعديلًا على قانون تغيُّر المناخ لعام ٢٠٠٨، مُلزِمًا الحكومة بخفض انبعاثات المملكة المتحدة من غازات الدفيئة إلى مستوى الصفر بحلول عام ٢٠٥٠. وفي عام ٢٠٢١، أعلنت المملكة المتحدة عن هدف مرحلي يتمثَّل في خفض انبعاثات الكربون بنسبة ٧٨٪ بحلول عام ٢٠٣٠. كما أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيخفِّض انبعاثاته من غازات الدفيئة بنسبة لا تقل عن ٥٥٪ عن المستويات التي بلغها عام ١٩٩٠ وذلك بحلول عام ٢٠٣٠، بدلًا من نسبة ٤٠٪ المتفق عليها قبل ست سنوات. وهذه خطوة كبيرة نحو تعهُّد الاتحاد الأوروبي العام بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام ٢٠٥٠. وفي سبتمبر ٢٠٢٠، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، عبر الفيديو خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن الصين تهدف إلى بلوغ ذروة الانبعاثات قبل عام ٢٠٣٠، يليها هدف طويل الأمد يتمثَّل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام ٢٠٦٠. وتُعَد الصين أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم؛ إذ تمثِّل نحو ٢٨٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية، ولم تكن قد التزمت في السابق بأي هدف طويل الأجل لخفض الانبعاثات.

في عام ٢٠٢١، شاركت الولايات المتحدة — ثاني أكبر مصدر للانبعاثات عالميًّا إذ تمثِّل انبعاثاتها نحو ١٥٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية — في المفاوضات المتعلقة بالمناخ من جديد. وكان الرئيس ترامب في عام ٢٠٢٠ قد أخرج الولايات المتحدة من اتفاق باريس لعام ٢٠١٥. إلا أن الرئيس بايدن أعاد الولايات المتحدة إلى الاتفاق، وأصبح مدافعًا قويًّا عن العمل الدولي الجماعي لمواجهة تغيُّر المناخ. في عام ٢٠٢١، أعلنت الولايات المتحدة عن هدفٍ يتمثَّل في خفض انبعاثات الكربون بنسبة ٥٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠، وتعهدت بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري من الكربون بحلول عام ٢٠٥٠. كما أعاد الرئيس بايدن العمل باللوائح البيئية التي كان قد ألغاها الرئيس ترامب، ووضع سياسات رئيسية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وزاد بشدة من التمويل الفيدرالي للطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر في الولايات المتحدة. للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، هناك آمال معلقة في أن تتمكن دول العالم من خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى حد كبير، والبدء في رحلة نحو عالم أنظف، وأكثر خضرة وأمانًا وصحة واستدامة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥