الفصل الثالث

أدلة تغيُّر المناخ

ليس العِلم نظامًا عقائديًّا. إنما هو منهج عقلاني منطقي يتطور بناءً على ملاحظات تفصيلية، وتجارب لاختبار الأفكار والنظريات باستمرار، وإخضاعها للاختبار مرة أخرى. كما أنه أساس مجتمعنا العالمي. لذا، لا يمكنك أن تنتقي وتختار من الأدلة العلمية ما تريد أن تؤمن به وما تريد أن تنكره. على سبيل المثال، ليس بمقدورك أن تقرر أنك تؤمن بالمضادات الحيوية (لأنها قد تنقذ حياتك) أو بأن الأنابيب المعدنية الثقيلة المزودة بجناحين يمكنها التحليق (لأننا نريد السفر في عطلة)، وفي الوقت نفسه تنكر أن التدخين يسبب السرطان، أو أن فيروس نقص المناعة البشرية يسبب الإيدز، أو أن غازات الدفيئة تسبِّب تغيُّر المناخ. في هذا الفصل، أقدِّم الأدلة العلمية التي تُثبت أن تغيُّر المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية قد بدأ بالفعل.

وزن الأدلة

إذا كنا قد قررنا أن نفهم تغيُّر المناخ، فلا بد أن نفهم آلية تطبيق العلوم. يحث مبدأ «وزن الأدلة» على الحاجة المستمرة لجمع بيانات جديدة وإجراء تجارب جديدة لاختبار أفكارنا ونظرياتنا المتعلقة بالمناخ. خلال الأربعين عامًا الماضية، لا بد أن نظرية تغيُّر المناخ كانت من بين أكثر الأفكار التي اختُبرت من كل جوانبها في مجال العلوم. هناك ست قنوات رئيسية من الأدلة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار:

  • (١)

    تتبَّعنا الارتفاع في غازات الدفيئة في الغلاف الجوي وفهمنا دورها في التغيُّرات المناخية السابقة.

  • (٢)
    استنتجنا من القياسات المخبرية وقياسات الغلاف الجوي أن غازات الدفيئة تمتص الحرارة بالفعل عندما تكون موجودة في الغلاف الجوي. يلخص الجدول ٣-١ أحدث ما توصلنا إليه من فهم لغازات الدفيئة الأساسية.
  • (٣)

    رصدنا تغييرات ملحوظة في درجات حرارة الأرض وارتفاعًا في مستوى سطح البحر على مدار القرن الماضي.

  • (٤)
    حللنا التأثيرات الناجمة عن التغير الطبيعي في المناخ، من بين ذلك البقع الشمسية والثورات البركانية، ورغم أنها أساسية لفهم نمط التغيُّرات في درجات الحرارة على مدار اﻟ ١٥٠ سنة الأخيرة، لا يمكنها تفسير الاتجاه الاحتراري (الشكل ١-٥).
  • (٥)

    رصدنا تغيُّرات مؤثرة في النظام المناخي للأرض، من بينها ذوبان الصفائح الجليدية في جرينلاند والقطب الجنوبي الغربي؛ وتراجع جليد البحر القطبي الشمالي؛ وتراجع الأنهار الجليدية الجبلية في كل القارات؛ وتقلُّص التربة الصقيعيَّة وزيادة عمق طبقتها النشطة (الطبقة العلوية من التربة الصقيعيَّة التي تذوب كل صيف).

  • (٦)

    نحن نتابع باستمرارٍ الطقس العالمي وقد شاهدنا تحولات كبيرة في عدد الأحداث المناخية القصوى ودرجة شدتها: وقد ثبتَ أن تغيُّر المناخ أصبح عاملًا مساهمًا مهمًّا في العديد من هذه الأحداث الجوية القاسية.

سوف نعرض في هذا الفصل الأدلة المتعلقة بالتغيُّرات في درجة الحرارة العالمية، وهطول الأمطار، ومستوى سطح البحر، والظواهر الجوية المتطرفة.

درجة الحرارة

يمكن تقدير درجات الحرارة بالاستعانة بعدَّة مصادر سواء كانت تعتمد على مقياس الحرارة المباشر أو مؤشرات بديلة. وتُعَد المؤشرات البديلة هي المتغيِّرات التي تقاس في حال عدم توفر القياسات المباشرة أو عدم إمكان الحصول عليها. على سبيل المثال، تُعَد قياسات الأقمار الصناعية للأشعة تحت الحمراء (الحرارة) من أمثلة المؤشرات البديلة التي يمكن استخدامها لتقدير درجات حرارة سطح الأرض.

جدول ٣-١: غازات الدفيئة الرئيسة وقدرتها النسبية على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي.
غازات الدفيئة الصيغة الكيميائية العمر الافتراضي (بالسنوات) مستويات ما قبل الصناعة مستويات عام ٢٠١٨ المصدر البشري احتمالية الاحترار العالمي (مقارنة بتركيز ثاني أكسيد الكربون)
٢٠ سنة ١٠٠ سنة
ثاني أكسيد الكربون CO2 ٢٧٨ جزءًا من المليون ٤٠٧ أجزاء من المليون (زيادة < ٤٥٪) احتراق الوقود الأحفوري، تغييرات استغلال الأراضي، إنتاج الأسمنت ١ ١
الميثان CH4 ١٢,٤ ٧٠٠ جزء من المليار ١٨٥٩ جزء من المليار (زيادة ٢٥٠٪) الوقود الأحفوري، حقول الأرز، مقالب النفايات، الماشية ٩٦ ٣٢
أكسيد النيتروز N2O ١٢١ ٢٧٥ جزءًا من المليار ٣٣١ جزءًا من المليار (زيادة < ٢٠٪) عمليات صناعة الأسمدة، احتراق الوقود الأحفوري ٢٦٤ ٢٦٥
مركب الكلوروفلوروكربون-١٢ CCl2F2 ١٠٠ غير موجود بصورة طبيعية ٥٠٨ أجزاء من التريليون المبردات السائلة، الفوم ١٠٨٠٠ ١٠٢٠٠
مركب الهيدروكلوروفلوروكربون-٢٢ CHClF2 ١١,٩ غير موجود بصورة طبيعية ٢٤٤ جزءًا من التريليون المبردات السائلة ٥٢٨٠ ١٧٦٠
بيرفلورو ميثان CF4 ٥٠٠٠٠ ٠* ٧٩ جزءًا من التريليون إنتاج الألومنيوم ٤٨٨٠ ٦٦٣٠
سداسي فلوريد الكبريت SF6 ٣٢٠٠ ٠* ٩,٥٩ أجزاء من التريليون سائل عزل كهربائي ١٧٥٠٠ ٢٣٥٠٠
الكميات الضئيلة موجودة بصورة طبيعية.

سُجِّلت قياسات درجة حرارة الهواء باستخدام أجهزة قياس الحرارة المباشرة في عدة مواقع في أمريكا الشمالية وأوروبا منذ عام ١٧٦٠. ومع ذلك، لم يشهد عدد مواقع الرصد تزايدًا بما يكفي لتوفير تغطية جغرافية عالمية تتيح حساب متوسط درجة الحرارة الأرض عالميًّا إلا بحلول منتصف القرن التاسع عشر. إذ بدأت السفن تسجل قياسات درجات حرارة سطح البحر ودرجات حرارة الهواء البحري بانتظام منذ منتصف القرن التاسع عشر، لكن التغطية في نصف الكرة الجنوبي لا تزال ضعيفة للغاية حتى يومنا هذا. تتطلب كل هذه المجموعات من البيانات عدة تصحيحات لمراعاة الظروف المتغيِّرة وتقنيات القياس. بالنسبة إلى بيانات الأرض، على سبيل المثال، تُعايَن كل محطة للتأكد من عدم تغيُّر الظروف مع مرور الوقت نتيجة تغييرات في موقع القياس أو الأدوات المستخدمة أو أماكن حِفظ الأدوات أو حتى طرق حساب المعدلات الشهرية. يجب كذلك مراعاة توسُّع المدن حول بعض مواقع القياس؛ وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية. أقرَّ التقرير العلمي الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ بأن تأثير الجزر الحرارية الحضرية حقيقية واقعة، وفي حال عدم تصحيح البيانات لأخذه في الحسبان، سيظل تأثيره هامشيًّا في تجميع درجة الحرارة العالمية (أقل من ٠,٠٠٦ مئوية).

بالنسبة إلى درجة حرارة سطح البحر ومتوسط درجة حرارة الهواء، يجب تطبيق عدد من التصحيحات. أولًا، حتى عام ١٩٤١، أُجري معظم قياسات درجة حرارة سطح البحر في مياه البحر التي تُرفع على سطح السفينة في دلو. منذ عام ١٩٤١، أُجري معظم القياسات عند مداخل المياه الخاصة بمحركات السفن. ثانيًا، بين عامَي ١٨٥٦ و١٩١٠، حدث تحوُّل من الدلاء الخشبية إلى الدلاء القماشية، مما يُغير من مستوى التبريد الناتج عن التبخر الذي يحدث أثناء رفع المياه على سطح السفينة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت تلك الفترة تحولًا تدريجيًّا من استخدام السفن الشراعية إلى السفن البخارية، مما أدى إلى تغييرات في ارتفاع أسطح السفن وسرعتها، وكلاهما يمكن أن يؤثر على عملية التبريد التبخيري للدلاء المستخدمة في القياس. أما التصحيح الرئيسي الآخر الذي يجب إجراؤه فهو التوزيع العالمي لمحطات الأرصاد الجوية على مر الزمن، والذي شهد تباينات كبيرة منذ عام ١٨٧٠.

عكف على جمع قياسات درجات الحرارة العالمية عددٌ من الجهات حول العالم من بينها مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، ووكالة الأرصاد الجوية اليابانية (انظر الشكل ٢-٢). عام ٢٠١٢، قام البروفيسور ريتشارد مولر — وهو فيزيائي عُرف سابقًا بتشكيكه في تغيُّر المناخ — بالتعاون مع فريقه في جامعة بيركلي بجمع قياسات درجات الحرارة العالمية خلال اﻟ ٢٥٠ عامًا الماضية. ونظرًا لأن فريقه لم يراعِ كل التصحيحات اللازمة، جاءت تقديراتهم لظاهرة الاحترار العالمي أعلى من تلك التي قدمتها المجموعات الأخرى. ومن ثَم أُجريت مراجعة لهذه التقديرات، وعليها أعلن مولر صراحةً أنه غيَّر رأيه مؤكدًا أن تغيُّر المناخ واقع حقيقي يحدث، وأن المتسبب في حدوثه هو النشاط البشري.
من خلال إجراء كل التصحيحات الضرورية، أصبح ممكنًا إنشاء سجل متسلسل لدرجات حرارة سطح الأرض يغطي الفترة بين عام ١٨٨٠ و٢٠٢٠، حيث يظهر ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة يتراوح بين ١,٠ و١,٣ درجة مئوية، مع أخذ أن ١,١ هو الارتفاع الأكثر احتمالًا خلال هذه الفترة (الشكل ٢-٢) في الاعتبار. تدعم تلك الملاحظاتِ البياناتُ التي جُمعَت على مدار ٦٠ عامًا بواسطة بالونات الطقس والأقمار الصناعية. فعلى سبيل المثال، يوجد أكثر من ٨٠٠ محطة رصد جوي تطلِق لمرَّتين يوميًّا مسبار الرياح الراداري (إحدى أدوات الرصد الجوي)، أو بالوناتٍ لقياس درجة الحرارة والرطوبة النسبية والضغط الجوي عبر الغلاف الجوي حتى ارتفاع يصل إلى نحو ٢٠ كيلومترًا حيث تنفجر عند ذلك الارتفاع. تُظهر لنا سجلات درجات الحرارة أيضًا احترار اليابسة بوتيرة أسرع من المحيطات. فمنذ عام ١٨٥٠، ارتفعت درجة حرارة اليابسة بمقدار ١,٤٤ درجة مئوية، بينما ارتفعت حرارة المحيطات بمقدار ٠,٨٩ درجة مئوية (انظر الشكل ٣-١).
fig9
شكل ٣-١: درجات حرارة اليابسة والمحيطات منذ عام ١٨٥٠.
fig10
شكل ٣-٢: إعادة تمثيل درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي خلال اﻟ ٢٠٠٠ سنة الأخيرة.
أعيد كذلك تمثيل درجات الحرارة العالمية لفتراتٍ زمنية تعود إلى ما قبل استخدام الأدوات أو أجهزة قياس الحرارة. ولتقدير درجات الحرارة المحلية، استخدمت مؤشرات مناخية قديمة مثل سُمك حلقات الأشجار والبنية النظائرية للعينات اللُّبِّيَّة الجليدية أو الرواسب الكهفية. ويُظهر الجمع بين القياسات الآلية لمتوسط درجات الحرارة العالمية وقياسات درجات الحرارة المناخية القديمة التي غطت فترة زمنية أطول، ارتفاعًا حادًّا في القياسات الأخيرة، وهو تمثيل للاحترار العالمي أشير إليه باسم «عصا الهوكي». وفي دراسة نشرتها مجلة «نيتشر» عام ٢٠١٩، بقيادة رافائيل نويكوم في مركز أوشجر لأبحاث تغيُّر المناخ (جامعة برن، سويسرا)، استخدم الباحثون أكثر من ٧٠٠ قياس مناخي قديم، وأوضحوا أنه خلال الألفَي عام الماضية كانت المرة الوحيدة التي شهد فيها العالم بأسره تغيرًا للمناخ في الوقت نفسه وفي الاتجاه نفسه هي فترة ١٥٠ سنة الأخيرة، إذ شهد ما يزيد على ٩٨٪ من سطح الكوكب ارتفاعًا في درجات الحرارة (انظر الشكل ٣-٢).

الهطول

هناك مجموعتان رئيسيتان من البيانات العالمية الخاصة بالهطول: «هولم» وشبكة المناخ العالمية التاريخية. على عكس بيانات درجات الحرارة، فإن بيانات هطول الأمطار والثلوج، مع الأسف، ليست موثقة بدقة ولم تُسجَّل على مدار فترات زمنية طويلة. ومن المعلوم أيضًا أن الهطول فوق اليابسة يميل إلى أن يُقدَّر بأقل من الواقع بنسبة تصل إلى ١٠-١٥٪ بسبب تأثير تدفق الهواء حول أطباق التجميع. ومن دون تصحيح هذا التأثير، ربما يُلاحَظ أن هناك اتجاهًا زائفًا نحو زيادة الهطول على المستوى العالمي. رغم هذه المشكلات، يبدو أن هناك زيادة ملحوظة في معدلات الهطول خلال اﻟ ٢٥ سنة الماضية (انظر الشكل ٣-٣)، خاصةً في دوائر العرض الوسطى لنصف الكرة الشمالي. وتدعم هذه الملاحظةَ أدلةٌ تشير إلى أن المحتوى المائي في الغلاف الجوي قد ازداد فوق اليابسة والمحيطات منذ ثمانينيات القرن العشرين، وكذلك ازداد في الجزء العلوي من طبقة التروبوسفير. ويتماشى هذا مع بخار الماء الإضافي الذي يستطيع الغلافُ الجوي الأكثر دفئًا استيعابه.
fig11
شكل ٣-٣: التغيُّرات في مستويات الهطول عالميًّا (١٩٠٠–٢٠١٨)

تتوفر أدلة على أن الهطول يشهد زيادة عالمية، لكن تزداد هذه الأدلة قوةً عند النظر في كل منطقة على نحوٍ مستقل. يشير أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ إلى وجود زيادة ملحوظة في الهطول في المناطق الشرقية من أمريكا الشمالية والجنوبية، وأوروبا الشمالية، وشمال ووسط آسيا. كما يبدو أن موسمية الهطول متغيِّرة، على سبيل المثال في المناطق الواقعة على دوائر عرض عالية بنصف الكرة الشمالي، حيث تزداد الأمطار في الشتاء وتنخفض في الصيف. كما رُصِدت اتجاهات الجفاف على المدى الطويل في منطقة الساحل، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وجنوب أفريقيا، وبعض مناطق جنوب آسيا. كما رُصد أيضًا زيادة كمية الأمطار التي تتساقط أثناء فترات الأمطار الغزيرة أو القصوى.

مستوى سطح البحر النسبي العالمي

fig12
شكل ٣-٤: مؤشرات تغيُّر المناخ.
جمعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ أيضًا كل البيانات الحالية بشأن مستويات سطح البحر العالمية. فأظهرت البيانات أنه بين عامَي ١٩٠١ و٢٠١٨، ارتفع مستوى سطح البحر عالميًّا بأكثر من ٢٤ سم (انظر الشكل ٣-٤). ومع ذلك يُعَد قياس التغيُّر في مستوى سطح البحر معقدًا، حيث تُستمد التغيُّرات النسبية في مستوى البحر من مجموعتين مختلفتين تمامًا من البيانات، وهما مقياس المد والجزر والأقمار الصناعية. في النظام التقليدي لمقياس المد والجزر، يُقاس مستوى سطح البحر بالنسبة إلى نقطة مرجعية ثابتة على اليابسة. تكمن المشكلة الرئيسية في أن سطح الأرض أكثر ديناميكية مما يتصور البعض، حيث يشهد الكثير من الحركات العمودية مما يؤدي إلى دمج هذه الحركات في القياسات. قد تحدث الحركات العمودية للأرض نتيجة الانضغاط الجيولوجي الطبيعي لرواسب الدلتا، أو سحب المياه الجوفية من المستودعات الجوفية الساحلية، أو الارتفاع الناتج عن تصادم الصفائح التكتونية (وأشد مظاهره هو تكوُّن الجبال كما في جبال الهيمالايا)، أو استمرار الارتداد التدريجي للأرض بعد انتهاء الفترة الجليدية، وما يرافقه من تعويض جيولوجي في مناطق أخرى مرتبط بانتهاء العصر الجليدي الأخير. يحدث الارتداد نتيجة الإزالة السريعة للوزن عند ذوبان الصفائح الجليدية الضخمة، مما يسمح للأرض التي تعرضت لضغط الوزن بالارتفاع تدريجيًّا حتى تعود إلى وضعها الأصلي. ومثال لذلك هو اسكتلندا التي ترتفع بمعدل ثلاثة مليمترات سنويًّا، بينما لا تزال إنجلترا تهبط بمعدل مليمترين سنويًّا رغم ذوبان الصفيحة الجليدية في اسكتلندا منذ ١٠ آلاف سنة. في المقابل، تكمن مشكلة بيانات الأقمار الصناعية في قِصَر الفترة الزمنية التي تغطيها. فقد كان أفضل ما توصلت إليه بيانات الأقمار الصناعية تلك التي صدرت في يناير ١٩٩٣، حيث أظهرت ارتفاعًا في مستوى سطح البحر يزيد على ٣٥ مليمترًا لكل عقد. وهذا يعني أن بيانات الأقمار الصناعية يجب دمجها مع بيانات مقاييس المد والجزر لدراسة الاتجاهات الطويلة الأجل.
خلاصة القول أنه بين عامَي ١٩٠١ و٢٠١٨، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر عالميًّا بمعدل نحو ٢ملم سنويًّا، مع رصد أسرع ارتفاع في مستوى سطح البحر بين عامَي ٢٠٠٨ و٢٠١٨ بمعدل ٤,٢ مليمترات سنويًّا. ويرجع ارتفاع مستوى سطح البحر خلال اﻟ ٣٠ عامًا الماضية إلى العوامل الآتية: ٣٩٪ من التمدد الحراري للمحيطات؛ ٩٪ من الصفيحة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية؛ ١٢٪ تقريبًا من الصفيحة الجليدية في جرينلاند؛ ٢٧٪ من الأنهار الجليدية وغيرها من الأغطية الجليدية؛ و١٣٪ تقريبًا نتيجة انخفاض إجمالي المخزون المائي في اليابسة (انظر شكل ٣-٥). ساهمت الصفائح الجليدية في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية في الارتفاع الأخير لمستوى سطح البحر، ويبدو أن تأثير تلك المساهمة في تسارُع مستمر. كما تشير التقديرات الحالية إلى أن جرينلاند تفقد أكثر من ٢٣٠ جيجا طن من الجليد سنويًّا، وهو ما يمثِّل زيادةً قَدرُها سبعة أضعاف منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين. في الوقت نفسه، تفقد القارة القطبية الجنوبية نحو ١٥٠ جيجا طن من الجليد سنويًّا، وهو ما يمثِّل زيادةً قَدرُها خمسة أضعاف منذ أوائل التسعينيات، وتأتي معظم هذه الخسائر من شمال شبه الجزيرة القطبية الجنوبية وقطاع بحر أموندسن في غرب القارة.
fig13
شكل ٣-٥: ذوبان الصفائح الجليدية في المنطقة القطبية الجنوبية وجرينلاند.

أدلة أخرى على الاحترار العالمي

تُستخلص الأدلة الأخرى على تغيُّر المناخ من دوائر العرض العالية ومن مراقبة الظواهر الجوية المتطرفة. فقد تراجع متوسط الامتداد السنوي للجليد البحري في القطب الشمالي بين عامَي ١٩٧٩ و٢٠١٨ بمعدل يتراوح إجمالًا بين ٣,٥٪ و٤,١٪ لكل عقد، مما يعني خسارةً تتراوح بين ٠,٤٥ و٠,٥١ مليون كيلومتر مربع لكل عقد. أما الحد الأدنى للجليد البحري في فصل الصيف فقد شهد انخفاضًا أكبر بمعدل ١٢,٨٪ لكل عقد، أي ما يعادل خسارةً قَدرُها مليون كيلومتر مربع لكل عقد. وفي المقابل، شهد متوسط الامتداد السنوي للجليد البحري في القطب الجنوبي بين عامَي ١٩٧٩ و٢٠١٨ تقلبات ملحوظة بين ارتفاع وانخفاض في القياسات دون أن يظهر اتجاه واضح عند مراجعة البيانات المستمَدَّة من عمليات الرصد المستمرة عبر الأقمار الصناعية لهذه الفترة.

هناك أيضًا أدلة مستمَدَّة من مناطق التربة الصقيعية. توجد التربة الصقيعية في المناطق الواقعة على دوائر عرض عالية أو على ارتفاعٍ عالٍ حيث يكون المناخ قارص البرودة إلى درجة أن الأرض تصبح متجمدة حتى عمق كبير. وخلال أشهر الصيف، تصبح الطبقة العلوية من التربة بنحو نصف متر دافئة بما يكفي لتذوب؛ ولذا يُطلق عليها «الطبقة النشطة». على مدار الخمسين عامًا الماضية، ارتفعت درجة الحرارة في ألاسكا بمقدار ثلاث درجات مئوية، بينما ارتفعت بمقدار درجتين مئويتين في التربة الصقيعية بشمال أوروبا وروسيا؛ وهذا دليل على امتداد الطبقة النشطة من التربة الصقيعية إلى عمقٍ أكبر. منذ عام ١٩٠٠، انخفض الحد الأقصى من المساحة التي تغطيها التربة الصقيعية الموسمية في نصف الكرة الشمالي بنسبة ٧٪، مع تراجع أكبر في فصل الربيع يصل إلى ١٥٪. هذا التغيُّر المتزايد والسريع في الغلاف المتجمد سيؤدي إلى زيادة المخاطر الطبيعية التي تهدد السكان والبنى وروابط الاتصال. وقد شاهدنا تلك المخاطر بالفعل متمثلةً في أضرار لحقت بالأبنية والطرق وخطوط الأنابيب، مثل خطوط النفط في ألاسكا. إلى جانب ذلك، هناك أدلة على تراجع معظم الأنهار الجليدية التي لا تُعَد جزءًا من الصفائح الجليدية، إن لم تكن جميعها. كما انخفض بدرجة كبيرةٍ إجمالي كميات الثلوج المتساقطة، وغطاء الثلوج والجليد السنوي خاصةً في نصف الكرة الشمالي (انظر الشكل ٣-٤). بين عام ١٩٢٢ و٢٠١٨، فُقِد في كل عقدٍ أكثر من ٠,٢٧ مليون كيلومتر مربع من الثلوج والغطاء الجليدي. في المنطقة القطبية الشمالية، تراجعت مدة تغطية الجليد بمعدل يتراوح بين ٣ و٥ أيام كل عقد، مع حدوث تراجع أكبر في منطقة القطب الشمالي الأوراسي (بمقدار ١٢,٦ يومًا تقريبًا) ومنطقة القطب الشمالي في أمريكا الشمالية (بمقدار ٦,٢ أيام).

هناك أيضًا أدلة على أن فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي يبدأ الآن في وقتٍ أبكر من ذي قبل. تُظهر قياسات الغطاء الجليدي، التي جُمعت منذ عام ١٦٩٣، لنهر تورنيو في فنلندا أن ذوبان النهر المتجمد في فصل الربيع يحدث الآن في وقت أبكر بشهر عن ذي قبل. في كيوتو باليابان، تظهر زهور الكرز الشهيرة الآن قبل ٢١ يومًا من موعدها قبل ١٠٠ عام. وفي فرنسا، أصبح حصاد العنب في مدينة بوون يبدأ الآن قبل ١٠ أيام مما كان عليه قبل ١٠٠ عام. أما في بريطانيا، من بين العديد من المؤشرات على قدوم الربيع في وقت أبكر، ثمة دليل على تعشيش الطيور الآن قبل أكثر من ١٢ يومًا مما كان عليه الحال قبل ٤٥ عامًا. كما أن أنواع الحشرات، بما في ذلك النحل والنمل الأبيض، التي تحتاج إلى الطقس الدافئ للبقاء على قيد الحياة، باتت تتحرك نحو الشمال، وقد وصل بعضها إلى إنجلترا بعد عبورها القنال الإنجليزي من فرنسا. في غضون ذلك، في الولايات المتحدة، بدأت الأنواع النشطة في أوائل الربيع، مثل الليلك وزهرة العسل، في بسط أوراقها قبل ثلاثة أسابيع مما كانت عليه قبل ٤٠ عامًا.

الظروف الجوية المتطرفة

يشير التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ أنه من شبه المؤكد أن تغيُّر المناخ الناجم عن أنشطة بشرية قد تسبَّب في زيادة تكرار موجات الحر وشدتها، وكذلك انخفاض موجات البرد الشديدة في أغلب القارات. فقد زاد تكرار موجات الحر وشدتها في أوروبا، وآسيا، وأمريكا، وأستراليا. كما شهد العقد الماضي أرقامًا قياسية في موجات الحر التي ضربت أستراليا وكندا وتشيلي والصين والهند واليابان والشرق الأوسط وباكستان والولايات المتحدة.

يُعَد تغيُّر المناخ أيضًا السبب الرئيسي وراء شدة الهطول الغزير الذي رُصد في مناطق قارية ونتج عنه غالبًا حدوث فيضانات. وقد سُجلت أرقامٌ قياسية للفيضانات الجارفة خلال العقد الماضي في البرازيل وبريطانيا وكندا وتشيلي والصين وشرق أفريقيا وأوروبا والهند وإندونيسيا واليابان وكوريا والشرق الأوسط ونيجيريا وباكستان وجنوب أفريقيا وتايلاند والولايات المتحدة وفيتنام.

كان لتغيُّر المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية أيضًا دور في تشكيل التوزيع العالمي للأعاصير الاستوائية وشدتها. ففي عام ٢٠٢٠، أجرى جيمس بي كوسين من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي دراسةً بالتعاون مع زملائه، حيث أظهرت زيادةً نسبتها ١٥٪ في وقوع أكثر الأعاصير المدمرة حول العالم على مدار اﻟ ٤٠ عامًا الماضية. وكانت الزيادة الأكثر وضوحًا هي ٤٩٪ لكل عقد في الأعاصير الكبرى التي ضربت المحيط الأطلسي الشمالي، وزيادة ١٨٪ لكل عقد في الأعاصير الكبرى التي ضربت جنوب المحيط الهندي. بإيجاز، زاد عدد الأعاصير الاستوائية التي نشأت في شمال المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ وجنوب المحيط الهندي، كما زادت التباينات من عام إلى آخر. على سبيل المثال، في عام ٢٠١٩، ضربت المحيطَ الهندي أربعةُ أعاصير هائلة، حيث كان اثنان منها في جنوب المحيط الهندي غير مسبوقَين. اتَّسم موسم الأعاصير في جنوب غرب المحيط الهندي في العامين ٢٠١٨-٢٠١٩ بأنه الموسم الأكثر خسارة مالية ونشاطًا منذ بدء التسجيلات الموثوقة التي بدأت عام ١٩٦٧. وفي عام ٢٠٢٠، تَشكَّل الإعصار الفائق القوة «أمفان» في شمال المحيط الهندي وضرب ولاية غرب البنغال، مما أثَّر على قرابة ٤٠ مليون نسمة، وتسبَّب في أضرار تجاوزت ١٣ مليار دولار أمريكي.

والسبب وراء تأكُّد العلماء أن العديد من هذه الظواهر الجوية المتطرفة ازدادت سوءًا بسبب تغيُّر المناخ هو مجالٌ جديد يُعرف بعلم الإسناد. فالتقدم في قوة معالجة الكمبيوتر وتحسين طرق نمذجة العوامل المؤثرة في الطقس يسمح للعلماء بإجراء محاكاة للظواهر الجوية في منطقة ما، سواء كانت تحت تأثير غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية أو من دونها. هذا من شأنه أن يتيح لنا تحديد مدى مساهمة تغيُّر المناخ في حدوث ظواهر مناخية متطرفة بعينها؛ وفي حال مساهمته، يمكننا تحديد ما إذا كان قد زاد من شدة الظاهرة أو تكرارها أو كلا الأمرين. خضع أكثر من ١١٣ ظاهرة جوية متطرفة وقعت بين عامَي ٢٠١٥ و٢٠٢٠ لدراسة باستخدام علم الإسناد: وُجد أن ٧٠٪ من هذه الظواهر شهدت زيادة في تكرار حدوثها أو في شدتها بسبب تغيُّر المناخ؛ بينما شهد ٢٦٪ منها انخفاضًا في تكرار حدوثها بسبب تغيُّر المناخ؛ بينما لم يُظهر ٤٪ منها أي تأثر بتغيُّر المناخ.

ماذا يدَّعي منكرو تغيُّر المناخ؟

إن إحدى أفضل الطرق لتلخيص الأدلة على تغيُّر المناخ هي مراجعة ما يدعيه منكرو تغيُّر المناخ على أحدث ما توصلت إليه العلوم الحديثة.

تشير بيانات العينات اللُّبِّيَّة الجليدية إلى أن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يستجيب لدرجة الحرارة العالمية، ومن ثَم لا يمكن أن يكون سببًا في تغيُّر درجة الحرارة العالمية. في نهاية العصر الجليدي الأخير، ارتفعت درجة حرارة الأرض. وتوصلنا من العينات اللُّبِّيَّة الجليدية في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية أن درجة حرارة نصفَي الكرة الشمالي والجنوبي قد ارتفعت في أوقات مختلفة وبمعدلات مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، ثمة ظواهر مناخية على نطاق زمني يمتد لآلاف السنين، حيث انفصلت كميات هائلة من الجليد عن الصفيحة الجليدية الذائبة في أمريكا الشمالية، مما أدى إلى إغراق شمال المحيط الأطلسي بالمياه العذبة، وتغيير دوران المحيطات، وتبريد نصف الكرة الشمالي.
من بين هذه الظواهر ظاهرة هاينريش ١ التي حدثت منذ ١٥ ألف سنة، والظاهرة الأخرى هي فترة درياس الأصغر التي شهدها كوكب الأرض منذ نحو ١٢ ألف سنة. بسبب ظاهرة تُعرف باسم «أرجوحة المناخ القطبي» عندما يشهد نصف الكرة الشمالي انخفاضًا في درجات الحرارة، تنتقل الحرارة جنوبًا عبر التيارات المحيطية، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في نصف الكرة الجنوبي. لذلك، عند مقارنة سجل درجات الحرارة المستخرجة من العينات اللُّبِّيَّة الجليدية مع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي التي أعيد تمثيلها، نلاحظ وجود فترات تبدو فيها العلاقة بينهما متبادلة. وحتى نتعمق في فهم العلاقة بين درجات الحرارة العالمية وثاني أكسيد الكربون، قام البروفسور جيرمي شاكن من جامعة هارفارد بالتعاون مع زملائه بإنشاء سجل مرجعي مجمَّع لكل سجلات درجات الحرارة خلال نهاية العصر الجليدي الأخير (انظر شكل ٣-٦). وكشف هذا السجل أن التغيُّر في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يسبق ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مما يعزز ثقتنا في مساهمته في احترار الأرض مع انتهاء العصر الجليدي الأخير.
fig14
شكل ٣-٦: التغيُّرات في درجات الحرارة العالمية وغاز ثاني أكسيد الكربون على مدار اﻟ ٢٠ ألف سنة الأخيرة.
غاز ثاني أكسيد الكربون لا يمثِّل إلا جزءًا صغيرًا من الغلاف الجوي، وبذلك ليس متوقعًا أن يتسبَّب في ارتفاع كبير بدرجات الحرارة. هذه ليست إلا محاولة لطرح حجة بديهية مبسَّطة، لكنها خاطئة تمامًا. أولًا، أجرى العلماء تجارب متكررة في المختبر، وسجلوا قياسات في الغلاف الجوي حيث أثبتت مرارًا وتكرارًا تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون. ثانيًا، ردًّا على الحجة «البديهية» التي تزعم بأن كميات ضئيلة من أي مادة لا تسبب أي تأثير يُذكر، فإن ٠,١ جرام من السيانيد كافٍ لقتل شخص بالغ، وهو ما يمثِّل نحو ٠,٠٠٠١٪ من وزن الإنسان. في المقابل، يشكل غاز ثاني أكسيد الكربون حاليًّا ٠,٠٤٪ من الغلاف الجوي، إلا أنه يُعَد مكونًا قويًّا من غازات الدفيئة. وفي الوقت نفسه يظل النيتروجين الذي يشكل ٧٨٪ من الغلاف الجوي غازًا خاملًا للغاية.
أُجريت تصحيحات أو تعديلات على كل مجموعات البيانات لتعكس الاحترار العالمي. بالنسبة إلى من لا يشاركون بانتظام في مجال البحث العلمي، تبدو مسألة تعديل البيانات هي المشكلة الكبرى في الجدال القائم حول حدوث تغيُّر المناخ. وكما أُشير أعلاه، فإن كل مجموعات البيانات المناخية التي تغطي آخر ١٥٠ عامًا تحتاج إلى بعض التعديلات. ومع ذلك، فإن هذا الإجراء جزء من عملية البحث العلمي. على سبيل المثال، في عام ٢٠١٢، نشر مولر ومجموعته البحثية في جامعة بيركلي سجلاتٍ مجمَّعةً لدرجات الحرارة العالمية، حيث أظهرت ارتفاعًا بمقدار ١,٥ درجة مئوية على مدار اﻟ ٢٥٠ عامًا الماضية. كان هذا الرقم أعلى بكثير من التقديرات الأخرى؛ إذ لم تعدِّل مجموعة بيركلي كل السجلات المناخية. يشهد العلم تطورًا تدريجيًّا حيث يكتسب فهمًا أعمق ورؤًى أكثر دقة عن مجموعات البيانات التي يستخدمها.

هذا التشكيك المستمر في كل البيانات وتفسيراتها هو جوهر العلم: فكل تصحيح أو تعديل جديد هو ثمرة فهم أعمق للبيانات ولنظام المناخ، ومن ثَم فإن كل دراسة جديدة تعزز ثقتنا في النتائج. ولهذا السبب أشار تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ إلى «أهمية الأدلة»، حيث تزداد ثقتنا في العلم عندما نحصل على نتائج متشابهة من مصادر مختلفة تمامًا.

ترجع التغيُّرات في درجات الحرارة العالمية إلى التغيُّرات التي تحدث في نشاط الشمس. يتفق كلٌّ من منكري تغيُّر المناخ وعلماء المناخ على أن البقع الشمسية والنشاط البركاني يؤثران في المناخ ودرجات الحرارة العالمية. لكن الخلاف بين الفريقين يكمن في أن المنكرين يُصرون على أن تلك التغيُّرات الطبيعية هي العامل الرئيسي المتحكم في المناخ. هناك أدلة تشير إلى أن دورة الشمس التي تستمر ١١ عامًا، ويتفاوت أثناءها إنتاج الطاقة الشمسية بنحو ٠,١٪، يمكن أن تؤثر في تركيزات الأوزون ودرجات الحرارة والرياح في طبقة الستراتوسفير. ولكن تأثير هذه التغيُّرات ضئيل جدًّا في درجات الحرارة سطح الأرض. يُظهر الشكل ٣-٧ أنه منذ عام ١٨٨٠، ازداد الإشعاع الشمسي تدريجيًّا حتى وصل إلى ذروته في عام ١٩٥٥ تقريبًا، ومنذ ذلك الحين هو آخذ في الانخفاض. لذا، على مدار الخمسين عامًا الماضية، حينما ارتفعت درجات الحرارة العالمية ارتفاعًا كبيرًا، شهدنا في الواقع انخفاضًا في إنتاج الطاقة الشمسية.
fig15
شكل ٣-٧: البقع الشمسية ودرجات الحرارة العالمية.

على مدار اﻟ ١٥٠ عامًا الماضية، أمكن تسجيل تغيُّرات كبيرة في المناخ، وهي تغيُّرات مختلفة اختلافًا ملحوظًا عن تلك التي حدثت على الأقل خلال اﻟ ٢٠٠٠ عام الماضية. تشمل هذه التغيُّرات ارتفاعًا في متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار ١,١ درجة مئوية؛ وارتفاع مستوى سطح البحر بأكثر من ٢٤سم؛ وتغيُّرات كبيرة في مواسم الهطول وشدتها؛ وتغيُّر أنماط الطقس؛ وتسارُع ذوبان الصفائح الجليدية في جرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية؛ وتراجعًا ملحوظًا في الجليد البحري بالقطب الشمالي، وتقريبًا في كل الأنهار الجليدية القارية. ووفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة، فإنه بين عامَي ١٨٨٠ و٢٠٢٠، سُجلت السنوات العشر الأكثر دفئًا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، حيث كانت سنة ٢٠٢٠ هي السنة الأكثر دفئًا بالتساوي مع سنة ٢٠١٦، تليها سنوات ٢٠١٩، ٢٠١٥، ٢٠١٧، ٢٠١٨، ٢٠١٤، ٢٠١٠، ٢٠١٣، و٢٠٠٥. أفاد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ الصادر عام ٢٠٢١ إلى أن الأدلة على تغيُّر المناخ واضحة وبيِّنة، وتزداد الثقة في أن هذا الاحترار ناتج عن انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبب فيها النشاط البشري. ويدعم هذا التقرير ستة أدلة رئيسية: (١) أُجريَ قياس لارتفاع غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وأظهرت البنية النظائرية لهذه الغازات أن الجزء الأكبر من الكربون الإضافي ينتج عن حرق الوقود الأحفوري؛ (٢) تُظهر القياسات المختبرية والغلاف الجوي أن هذه الغازات تمتص الحرارة؛ (٣) لوحظت تغيُّرات كبيرة في درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستوى سطح البحر على مدار القرن الماضي؛ (٤) لوحظت تغييرات كبيرة أخرى في الغلاف الجليدي والمحيطات واليابسة والغلاف الجوي، بما في ذلك تراجع الصفائح الجليدية والجليد البحري والأنهار الجليدية، بالإضافة إلى الظواهر الجوية المتطرفة، وتُعزى هذه التغيرات مباشرةً إلى تأثير تغيُّر المناخ؛ (٥) هناك أدلة واضحة على أن العمليات الطبيعية، مثل البقع الشمسية والثوران البركاني، لا يمكنها تفسير الاتجاه نحو الاحترار الذي حدث على مدار اﻟ ١٠٠ عام الماضية؛ (٦) أصبح لدينا الآن فهمٌ أعمق للتغيُّرات المناخية الطويلة الأمد التي شهدها الماضي والدور الحاسم لغازات الدفيئة في تنظيم مناخ كوكبنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥