الفصل الرابع

نمذجة المناخ المستقبلي

تُسيِّر كل المجتمعات البشرية حياتها بناءً على معرفتها بأحوال الطقس في المستقبل. على سبيل المثال، يعرف المزارعون في الهند موعد هطول الأمطار الموسمية في العام المقبل، ومن ثَم يعرفون متى ينبغي لهم زراعة محاصيلهم. ويعرف المزارعون في إندونيسيا أن هناك موسمين للأمطار كل عام، وبذلك سيتسنَّى لهم الحصول على حصادَين في العام المقبل. هذا يعتمد على معرفتهم السابقة بأحوال الطقس، حيث كانت الأمطار الموسمية تهطل دائمًا في الوقت نفسه تقريبًا كل عام حسب ما علَق في أذهانهم. لكن الحاجة إلى التنبؤ بالطقس أعمق من ذلك؛ إذ يؤثر في كل جوانب حياتنا. صُمِّم ما لدينا من منازل وطرق وسكك حديدية ومطارات ومكاتب وسيارات وقطارات وما إلى ذلك لتتناسب مع طبيعة المناخ المحلي. على سبيل المثال، تُجهَّز كل المنازل في إنجلترا بنظام تدفئة مركزي، إذ تكون درجة الحرارة في الخارج عادةً أدنى من ٢٠ درجة مئوية؛ غير أنها لا تحتوي على أجهزة تكييف الهواء، إذ من النادر أن تتجاوز درجة الحرارة ٢٦ درجة مئوية؛ بينما العكس صحيح في أستراليا، حيث تُجهَّز معظم المنازل بأجهزة تكييف الهواء، ونادرًا ما تُجهَّز بنظام تدفئة مركزي. بات التنبؤ بالمناخ المستقبلي أمرًا ضروريًّا الآن؛ إذ لم نعد قادرين على الاعتماد على سجلات الطقس السابقة لتخبرنا بما يحمله المستقبل. ونحتاج أيضًا إلى فهم عواقب أفعالنا. فعلى سبيل المثال، إذا أبقينا على المعدل الحالي لانبعاثات غازات الدفيئة، فإلى أي مدًى سيحدث تغيُّر مناخي؟ ومن ثَم، علينا تطوير طرق جديدة لفهم السيناريوهات المستقبلية المحتملة. ولذلك عمدنا إلى نمذجة المستقبل (انظر شكل ٤-١).
fig16
شكل ٤-١: البنية العامة لنموذج تغيُّر المناخ.

النماذج

تتدرج نماذج المناخ في تعقيدها بدءًا من النماذج الصندوقية البسيطة نسبيًّا إلى النماذج المناخية العالمية الثلاثية الأبعاد الشديدة التعقيد. لكل نموذج منها دورٌ في دراسة وتعزيز فهمنا لنظام المناخ العالمي. تُستخدم النماذج المناخية العالمية الثلاثية الأبعاد المعقدة في التنبؤ بمناخ العالم المستقبلي. تعتمد هذه النماذج المناخية الشاملة على قوانين فيزيائية تمثلها معادلات رياضية، ويُستخدم في حلها شبكة ثلاثية الأبعاد تغطي الكرة الأرضية. وللحصول على المحاكاة الأقرب إلى الواقع، يجب تمثيل كل المكونات الرئيسية لنظام المناخ في نماذج فرعية من بينها الغلاف الجوي، والمحيطات، وسطح الأرض (التضاريس)، والغلاف الجليدي، والغلاف الحيوي، بالإضافة إلى العمليات التي تحدث داخلها وبينها.

على مدار الأربعين عامًا الماضية، شهدت نماذج المناخ تقدمًا هائلًا. ويُعزى ذلك التقدم إلى زيادة معرفتنا بنظام المناخ، وكذلك بسبب النمو المتسارع في قوة نظم الحواسيب. فقد شهدت الدقة المكانية تطورًا هائلًا منذ أول تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ عام ١٩٩٠ وصولًا إلى تقريرها الأخير الصادر عام ٢٠٢١. ويتميز الجيل الحالي من النماذج المناخية العالمية الثلاثية الأبعاد الشديدة التعقيد بوجود طبقات متعددة في الغلاف الجوي واليابسة والمحيطات، وأن بمقدوره تحقيق دقة مكانية تصل إلى أكثر من نقطة واحدة لكل ٣٠ كيلومترًا × ٣٠ كيلومترًا. أثناء تشغيل النموذج، عادةً ما تُحَل المعادلات لكل «نصف ساعة» من الواقع الفعلي المحاكي. إن العديد من العمليات الفيزيائية مثل كيمياء الغلاف الجوي، وتكوُّن السحب، وإنتاج الهباء الجوي وحركته (الجسيمات العالقة في الهواء)، وتأثير الحمل الحراري في المحيطات، تحدث على نطاقات أصغر بكثير مما يمكن أن تستوعبه النماذج المناخية الرئيسية. ولذلك، تُجمَّع تأثيرات هذه العمليات الصغيرة معًا فيما يُعرف ﺑ «التمثيل بالمعامِلات». يجرى التحقق من صحة كل هذه التمثيلات باستخدام نموذج منفصل يعرف ﺑ «نماذج العمليات الصغيرة»، وذلك لضمان دقة تمثيل تأثيرات هذه العمليات الصغيرة عند دمجها في النماذج الأكبر.

إن المجهول الأكبر في هذه النماذج ليس في الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء، إنما في تقدير انبعاثات غازات الدفيئة العالمية في المستقبل على مدى اﻟ ٨٠ عامًا القادمة. وتعتمد هذه التقديرات على العديد من المتغيرات بدءًا من الاقتصاد العالمي وصولًا إلى نمط الحياة الشخصية. ومن ثَم، يجري تشغيل نماذج فردية عدة مرات مع سيناريوهات انبعاثات مختلفة للوصول إلى مجموعة من التغيُّرات التي قد تحدث في المستقبل. في الواقع، جمع تقرير التقييم الأخير (السادس) الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ نتائجَ العديد من التجارب المستمَدَّة مما يزيد على ١٠٠ نموذج مناخي مميز طوَّرها ٤٩ مجموعة نمذجة دولية، كل تلك النماذج هي جزء من المشروعات الأخيرة للمقارنة بين النماذج المزدوجة. وبطبيعة الحال، مع استمرار زيادة قدرة المعالجة الحاسوبية، سيستمر تحسين تمثيل الأنظمة المناخية المقترنة وتوسيع النطاق الجغرافي لهذه النماذج.

دورة الكربون

إن دورة الكربون هي صميم النماذج المناخية نظرًا لأهميتها في تقدير مصير انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية، وكذلك غاز الميثان. وتُعَد دورة الكربون معقدة حيث تضم مصادر ومصارف لغاز ثاني أكسيد الكربون. تمتص دورة الكربون الطبيعية الحالية نصف انبعاثات الكربون، ولا ينتهي المطاف بهذه الانبعاثات في الغلاف الجوي، إنما في المحيطات والغلاف الحيوي الأرضي. يعرض الشكل ٤-٢ خزانات الكربون بالجيجا طن (جيجا طن أو مليار طن) والتدفقات الكربونية (ما يدخل ويخرج من الكربون بالجيجا طن في العام). تُظهِر هذه الأرقام التوضيحية التغييرات التي حدثت منذ الثورة الصناعية. كما تتزايد الأدلة على تفاوت التدفقات من عام لآخر.

هذا لأن النظام الكربوني، على عكس الصورة الثابتة التي تُظهرها أشكال مثل الشكل الآتي، نظامٌ ديناميكي ومرتبط بالنظام المناخي على نطاقات زمنية موسمية وسنوية وعقدية. وقد أصبح واضحًا أن سطح المحيط والغلاف الحيوي الأرضي يمتص كلٌّ منهما نحو ٢٥٪ من انبعاثات الكربون التي ننتجها سنويًّا. ومع استمرار ارتفاع حرارة المحيطات، تقل قدرتها على احتواء ثاني أكسيد الكربون المذاب، مما يعني انخفاض قدرتها على امتصاص الكربون. وبينما نواصل عمليات إزالة الغابات وتغيير استغلال الأراضي على نحوٍ جذري، تتضاءل قدرة الغلاف الحيوي للأرض على امتصاص الكربون.

fig17
شكل ٤-٢: دورة الكربون، بالجيجا طن.
fig18
شكل ٤-٣: القسر الإشعاعي بين عامَي ١٧٥٠ و٢٠١٨.

تأثيرات الاحترار والتبريد

إن النظام المناخي للأرض معقد؛ إذ إنه يتأثر بظاهرة التبريد، إلى جانب تأثره بالاحترار الناتج عن غازات الدفيئة (انظر الشكل ٤-٣). وتشمل هذه التأثيرات كمية الهباء الجوي في الهواء (الذي ينتج كثيرٌ منه من التلوث البشري، مثل انبعاثات الكبريت من محطات الطاقة)، التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا في نسبة الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض. وللهباء الجوي تأثير كبير في درجات الحرارة المحلية والإقليمية. تُظهر عمليات المحاكاة الحاسوبية لتغيُّر المناخ أن المناطق الصناعية على كوكب الأرض لم تشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة بالقدر المتوقع من ارتفاع غازات الدفيئة وحدها. وقد تأكدت هذه الظاهرة المعروفة باسم «الإعتام العالمي»، أو على نحوٍ أدق «الإعتام الإقليمي»، من خلال قياسات حقيقية لدرجات الحرارة والهباء الجوي. يُعَد بخار الماء من غازات الدفيئة، ولكن في الوقت نفسه، تعكس الأسطح البيضاء العليا للسحب الإشعاع الشمسي إلى الفضاء. يُطلق على مستوى انعكاسية السطح اسم «البياض». تمتلك السحب والجليد مستوًى عاليًا من الانعكاسية، مما يعني أنها تعكس كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي بعيدًا عن سطح الأرض. كما أن زيادة الهباء الجوي في الغلاف الجوي تؤدي إلى زيادة نسبة الغطاء السحابي، حيث توفر هذه الجسيمات نقاطًا يتكثف حولها بخار الماء. لذا أصبح أحد التحديات الرئيسية التي تواجه علماء المناخ التنبؤ بما سيحدث لكمية السحب وأنواعها، وقدرتها على التسبب في الاحترار أو التبريد.

نماذج الانبعاثات في المستقبل

كما أسلفنا، فإن إحدى المشكلات الرئيسية التي تعترض محاولة التنبؤ بالمناخ المستقبلي هي توقُّع كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي ستُنتَج في المستقبل. ستتأثر تلك الكمية بعدة عوامل، من بينها النمو السكاني والنمو الاقتصادي والتنمية واستخدام الوقود الأحفوري ومعدل التحوُّل إلى الطاقة البديلة ومعدل إزالة الغابات وفعالية الاتفاقيات الدولية لخفض الانبعاثات. ومن بين كل الأنظمة التي نحاول نمذجتها لمحاكاة المستقبل، يظل النظام البشري هو الأكثر تعقيدًا وصعوبةً في التنبؤ به على الإطلاق. إذا كنت تريد أن تفهم إشكالية التنبؤ بما سيحدث خلال اﻟ ٨٠ عامًا القادمة، فتخيَّلْ نفسك في عام ١٩٢٠، وتخيل ما كنت ستتوقع أن يكون عليه العالم في القرن الحادي والعشرين. في بداية القرن العشرين، كانت الإمبراطورية البريطانية القوة العالمية المسيطرة بفضل الثورة الصناعية واستخدام الفحم. هل كنت ستتوقع التحول إلى اقتصادٍ عالمي يعتمد على النفط بعد الحرب العالمية الثانية؟ أو الانتشار الهائل لاستخدام السيارات؟ أو توفر السفر الجوي بوجه عام؟ حتى قبل ٣٠ عامًا فقط، كان من الصعب التنبؤ بوجود شركات طيران اقتصادية تتيح رحلاتٍ جوية بتكلفة منخفضة عبر أوروبا والولايات المتحدة وآسيا.

استخدم أول تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ افتراضاتٍ مبسَّطة للغاية حول انبعاثات غازات الدفيئة على مدار اﻟ ١٠٠ عام القادمة. بدءًا من عام ٢٠٠٠ فصاعدًا، استخدمَت النماذجُ المناخية سيناريوهاتٍ أكثر تفصيلًا سُجِّلت في تقرير خاص بالهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ (التقرير الخاص عن سيناريوهات الانبعاثات الصادر عام ٢٠٠٠). وفي عام ٢٠١٣، استخدم تقريرُ التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ مسارات تركيز تمثيلية أكثر تطورًا حيث راعت مدخلات متغيِّرة أوسع نطاقًا مستمَدَّة من النماذج الاجتماعية الاقتصادية، من بينها السكان واستغلال الأراضي وكثافة الطاقة واستهلاك الطاقة والتنمية المتفاوتة بين المناطق. تحددت مسارات التركيز التمثيلية بناءً على القسر الإشعاعي النهائي الذي سيتحقق بحلول عام ٢١٠٠، وتتراوح هذه السيناريوهات بين ٢,٦ و٨,٥ واط لكل متر مربع. يُعرف القسر الإشعاعي على أنه الفرق بين ضوء الشمس (الطاقة المشعة) الذي تستقبله الأرض والطاقة التي تبثُّها الأرض مرة أخرى إلى الفضاء، ويقاس هذا الفرق بوحدات واط لكل متر مربع من سطح الأرض. في تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ لعام ٢٠٢١، أضيف المسار التمثيلي للتركيز ١,٩ ليعكس تطلعات اتفاق باريس ٢٠١٥ للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ١,٥ درجة مئوية فقط فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

يستخدم كذلك تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ مسارات اجتماعية اقتصادية مشتركة طُوِّرت لتغطية مجموعة واسعة من السيناريوهات المستقبلية المحتملة. تمثِّل هذه المسارات مجموعة من خمسة سيناريوهات وقوًى دافعة قد تشكل الاقتصاد العالمي وانبعاثاته في المستقبل (انظر شكل ٤-٤). حدد هذه المساراتِ كيوان رياحي وزملاؤه، عام ٢٠١٧، في ورقة بحثية نُشرت في مجلة التغيُّر البيئي العالمي كما هو موضح أدناه.
fig19
شكل ٤-٤: سيناريوهات انبعاث الكربون المستقبلية.
المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك ١: انتهاج المسار الأخضر
تحديات منخفضة للتخفيف من الانبعاثات والتكيُّف مع آثارها: في هذا السيناريو، يتحول العالم بخطًى تدريجية لكن ثابتة نحو مسار أكثر استدامة، مع تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومراعية للبيئة. فتتحسن إدارة الموارد العالمية المشتركة ببطء، وتسرِّع الاستثمارات في التعليم والصحة من الانتقال الديموجرافي الذي يؤدي إلى تقليل عدد السكان، ويتحول التركيز من النمو الاقتصادي إلى تركيز أوسع على رفاهة الإنسان. وسيتراجع غياب المساواة بين الدول وداخلها بفضل الالتزام المتزايد بتحقيق أهداف التنمية. كما سيتجه الاستهلاك نحو تقليل الاعتماد على المواد وتعزيز كفاءة المتاح منها، بالإضافة إلى تقليل استهلاك الموارد والطاقة.
المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك ٢: منتصف الطريق
تحديات متوسطة للتخفيف من الانبعاثات والتكيف معها: في هذا السيناريو، يتبع العالم مسارًا لا تشهد فيه الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية تحولات ملحوظة عن الأنماط التاريخية. وتسير التنمية وزيادة الدخل على نحوٍ غير متساوٍ، حيث تحقِّق بعض الدول تقدمًا نسبيًّا، بينما تفشل دول أخرى في الوفاء بالتوقعات. وستعمل المؤسسات العالمية والوطنية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لكن بوتيرة بطيئة. تشهد الأنظمة البيئية تدهورًا رغم وجود بعض التحسينات، ويحدث انخفاض عام في كثافة استخدام الموارد والطاقة. ويصبح النمو السكاني العالمي متوسطًا ويستقر في النصف الثاني من القرن. يستمر عدم تكافؤ الدخول أو لا يشهد سوى تحسن بطيء، وتظل التحديات أمام تقليل قابلية التأثر بالتغيُّرات الاجتماعية والبيئية قائمة.
المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك ٣: التنافس الإقليمي، طريق وعر
تحديات كبيرة للتخفيف من الانبعاثات والتكيف معها: في هذا السيناريو، يشهد العالم صحوةً قومية واهتمامًا بالتنافسية والأمن، وكذلك نزاعات إقليمية تدفع الدول إلى التركيز المتزايد على القضايا المحلية أو الإقليمية على أفضل تقدير. تتغيَّر السياسات بمرور الوقت لتصبح أكثر تركيزًا على قضايا الأمن الوطني والإقليمي. وتركز الدول على تحقيق أهداف متعلقة بالطاقة والأمن الغذائي داخل مناطقها على حساب التنمية الشاملة. يفترض هذا السيناريو أيضًا انخفاض الاستثمارات في التعليم والتطوير التكنولوجي. أما التنمية الاقتصادية فستمضي بوتيرة بطيئة، وسيعتمد الاستهلاك اعتمادًا كثيفًا على الموارد، وسيستمر غياب المساواة أو سيتفاقم مع مرور الوقت. سيشهد النمو السكاني انخفاضًا في الدول الصناعية وارتفاعًا في الدول النامية. ويؤدي تراجع الأولوية الدولية لمعالجة القضايا البيئية إلى تدهور بيئي شديد في بعض المناطق.
المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك ٤: غياب المساواة – طريق منقسم
تحديات منخفضة للتخفيف من الانبعاثات، ولكن تحديات عالية للتكيف مع آثارها: في هذا السيناريو، يؤدي الاستثمار غير المتكافئ في رأس المال البشري، إلى جانب تزايد الفجوات في الفرص الاقتصادية والقوة السياسية، إلى زيادة عدم المساواة والتقسيمات الطبقية سواء بين الدول أو داخلها. ومع مرور الوقت، تتسع الهوة بين مجتمع متصل عالميًّا يساهم في القطاعات المعتمدة على المعرفة ورأس المال في الاقتصاد العالمي، ومجموعة المجتمعات المنفصلة ذات الدخل المنخفض والمستوى التعليمي المتدني التي تعمل في اقتصاد يعتمد على العمالة الكثيفة والتكنولوجيا المنخفضة. يتفكك التماسك الاجتماعي، ويزداد شيوع النزاعات والاضطرابات. في المقابل، تصبح التنمية محورًا أساسيًّا في الاقتصاد عالي التكنولوجيا. ويعمد قطاع الطاقة المرتبط عالميًّا بتنويع مصادره، حيث تشمل الاستثمارات كلًّا من الوقود العالي الكربون مثل الفحم والنفط غير التقليدي، وكذلك مصادر الطاقة المنخفضة الكربون. وتركز السياسات البيئية على القضايا المحلية في المناطق المتوسطة والمرتفعة الدخل.
المسار الاقتصادي الاجتماعي المشترك ٥: التنمية المدفوعة بالوقود الأحفوري – نهج الطريق السريع
تحديات كبيرة لتخفيف الانبعاثات، لكن تحديات منخفضة للتكيف مع آثارها: في هذا السيناريو، يضع العالم مزيدًا من الثقة في الأسواق التنافسية والابتكارات والمجتمعات التشاركية لتحقيق التقدم التكنولوجي السريع وتطوير رأس المال البشري باعتباره مسارًا نحو التنمية المستدامة. كما يزداد اندماج الأسواق العالمية. وتتركز استثمارات قوية في الصحة والتعليم والمؤسسات لتعزيز رأس المال البشري والاجتماعي. وفي الوقت نفسه، يرتبط الدفع نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية باستغلال موارد الوقود الأحفوري الوفيرة واعتماد أنماط حياة تعتمد اعتمادًا مكثفًا على الموارد والطاقة في جميع أنحاء العالم. كل هذه العوامل تؤدي إلى تحقيق نمو سريع في الاقتصاد العالمي، بينما يصل تعداد السكان العالمي إلى ذروته وينخفض في القرن الحادي والعشرين. تدار المشكلات البيئية المحلية مثل تلوث الهواء إدارة ناجحة. ويدعم هذا السيناريو الإيمان بقدرة البشر على إدارة النظم الاجتماعية والبيئية بفاعلية، بما في ذلك استخدام الهندسة الجيولوجية إذا لزم الأمر.
هذه سيناريوهات توضح المسارات المختلفة التي قد يسلكها مجتمعنا في المستقبل. يظهر سيناريو المسارين الأول والثاني نظرةً متفائلة بشأن التطور البشري حيث يفسح كلاهما مجالًا لتحقيق «استثمارات ضخمة في التعليم والصحة، ونمو اقتصادي سريع، وإنشاء مؤسسات فعَّالة». الفرق هو أن سيناريو المسار الخامس يعتمد اعتمادًا مكثفًا على الطاقة المشتقة من الوقود الأحفوري، في حين أن سيناريو المسار الأول يطرح افتراضًا بالتحول إلى الطاقة المتجددة. لكن سيناريو المسارين الثالث والرابع يعكس نظرة متشائمة بشأن المستقبل، أما سيناريو المسار الثاني فهو سيناريو وسطي حسبما ذكر. إن السيناريوهات المستخدمة في تقرير التقييم السادس هي مزيج من سيناريوهات المسارات الاقتصادية الاجتماعية المشتركة ومسارات التركيز التمثيلية، مما يقدم بذلك سيناريو ونتيجة واضحَين. يُعزى ذلك إلى أن سيناريوهات المسارات الاقتصادية الاجتماعية المشتركة لا تشمل أي تدابير لتخفيف الانبعاثات؛ لذا يمكن للاقتصاد العالمي العالي الانبعاثات أن يتبع مسارًا ذا تركيز منخفض من خلال اعتماد عدد كبير من تدابير التخفيف. إذا بحثنا في كل المسارات الاقتصادية الاجتماعية المشتركة ومسارات التركيز التمثيلية، فسنجد أن بعضها غير مرجح بدرجة كبيرة، في حين أن البعض الآخر يكاد يكون مستحيلًا، مثل المسار المشترك الخامس ومسار التركيز ١,٩. يركز تقرير التقييم السادس على خمسة سيناريوهات رئيسية هي: المسار المشترك الأول مع مسار التركيز ١,٩، والمسار المشترك الأول مع مسار التركيز ٢,٦، والمسار المشترك الثاني مع مسار التركيز ٤,٥، والمسار المشترك الثالث مع مسار التركيز ٧,٠، والمسار المشترك الخامس مع مسار التركيز ٨,٥ (انظر الجدول ٤-١).
جدول ٤-١: تعريف مسار التركيز التمثيلي.
مسار التركيز التمثيلي الوصف
مسار التركيز التمثيلي ٨,٥ مسار يزداد فيه القسر الإشعاعي ليؤدي إلى تركيز ٨,٥ واط لكل متر مربع (تقريبًا ١٠٠٠ جزء من المليون من ثاني أكسيد الكربون بين عامَي ٢٠٨١ و٢١٠٠)
مسار التركيز التمثيلي ٧ مسار يستقر فيه القسر الإشعاعي عند ٧ واط لكل متر مربع (تقريبًا ٨٠٠ جزء من المليون من ثاني أكسيد الكربون بين ٢٠٨١ و٢١٠٠)
مسار التركيز ٤,٥ مسار يستقر فيه القسر الإشعاعي عند ٤,٥ واط لكل متر مربع (تقريبًا ٦٠٠ جزء من المليون من ثاني أكسيد الكربون بين ٢٠٨١ و٢١٠٠)
مسار التركيز التمثيلي ٢,٦ (يُعرف أيضًا بمعدلات الارتفاع والانخفاض لمسار التركيز ٢,٦) مسار يبلغ فيه القسر الإشعاعي ذروته عند تقريبًا ٣ واط لكل متر مربع (يصل إلى ذروته عند تقريبًا ٤٩٠ جزءًا في المليون من ثاني أكسيد الكربون، ثم ينخفض إلى تقريبًا ٤٥٠ جزءًا في المليون من ثاني أكسيد الكربون بين عامَي ٢٠٨١ و٢١٠٠؛ مما يؤدي إلى تركيز ٢,٦ واط لكل متر مربع بحلول عام ٢١٠٠)
مسار التركيز التمثيلي ١,٩ (يُطلق عليه أيضًا سيناريو التركيز ١,٥ درجة مئوية) مسار يصل فيه القسر الإشعاعي إلى ذروته عند تقريبًا ١,٩ واط لكل متر مربع (تقريبًا ٤٠٠ جزء من المليون بين عامَي ٢٠٨١ و٢١٠٠؛ تستلزم كل المسارات الاجتماعية الاقتصادية المشتركة انبعاثات عالمية سلبية لتحقيق هذا المسار)

عدم اليقين في النماذج

fig20
شكل ٤-٥: توقعات النماذج المناخية مقارنة بالبيانات المناخية الفعلية (٢٠٠٠-٢٠٢٠).
في تقرير التقييم السادس الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، استُخدمت سيناريوهات الانبعاثات الماضية والمستقبلية في نحو ١٠٠ نموذج مستقل ومميز للدوران العام. يتميز كل نموذج منها بتصميم مستقل ومعاملات مميزة لتمثيل العمليات الرئيسية. تُعتبر استقلالية كل نموذج أمرًا بالغ الأهمية، حيث تستمد الثقة في النتائج من تشغيل النماذج عدة مرات، والحصول منها على توقعات متشابهة للمناخ في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الاختلافات بين النماذج في فهم حدود ومزايا كلٍّ منها على حِدَة. داخل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ ولاعتبارات سياسية، يُفترض أن كل النماذج ومخرجاتها تتمتع بالمستوى نفسه من الصلاحية. هذا على الرغم من أن بعض النماذج معروف بأنها تعطي نتائج أفضل من غيرها عند اختبارها ومقارنتها بالواقع الذي قدمته السجلات التاريخية وسجلات المناخ القديم. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أننا نفهم عدم اليقين داخل نموذج واحد، لا يوجد حاليًّا أي أساس نظري حقيقي لقياس عدم اليقين في العديد من النماذج. تجمع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ كل النماذج المستخدمة في كل مرة تشغيل، ثم تعرض المتوسط الحسابي وعدم اليقين بين النماذج. ويتضح بهذه الطريقة أن هناك اختلافات في مخرجات النماذج، لكنها، بوجه عام، تتفق وتعرض تصورات مستقبلية مختلفة تمامًا بناءً على السيناريو الذي نتبعه. تُعَد مستويات عدم اليقين في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ لعام ٢٠٢١ أعلى قليلًا من تلك التي أشارت إليها تقارير سابقة. ويُعزى ذلك إلى فهمنا الأعمق للعمليات المناخية وقدرتنا على قياس مدى عدم اليقين في معرفتنا. لذلك، على الرغم من زيادة ثقتنا في النماذج المناخية، اتسع أيضًا نطاق النتائج المحتملة لأي تأثير محدد لغازات الدفيئة. تُعَد إحدى الطرق لاختبار النماذج وقياس عدم اليقين فيها هي مقارنة توقعاتها مع النتائج الفعلية في العالم الحقيقي. نُفِّذ مشروع المقارنة بين النماذج المزدوجة قبل إصدار تقرير التقييم الثالث الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ عام ٢٠٠١، ويمكننا استخدام تنبؤات تلك النماذج لمقارنتها مع البيانات الفعلية التي تمثِّل اﻟ ٢٠ عامًا التالية. كما يتضح من الشكل ٤-٥، فإن الاحترار العالمي الذي توقعته النماذج المناخية السابقة كان دقيقًا للغاية، وقد مر الآن أكثر من ٢٠ عامًا لتحسين النماذج وزيادة العدد الذي نستخدمه في تنبؤاتنا.

درجات الحرارة العالمية والهطول والجليد البحري ومستوى سطح البحر

أجري تشغيل ما بين ١٠ و٣٦ نموذجًا مناخيًّا لكلٍّ من مسارات التركيز التمثيلية والمسارات الاجتماعية الاقتصادية المشتركة الخمسة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ الصادر عام ٢٠٢١، وذلك لإصدار سيناريوهات عن التغييرات التي قد تحدث بحلول عام ٢١٠٠ في درجات الحرارة العالمية وهطول الأمطار والجليد البحري وارتفاع مستوى البحر. تشير هذه النماذج المناخية إلى أنه بناءً على انبعاثات غازات الدفيئة لدينا، قد يرتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بين ١,٣ درجة مئوية و٥,٥ درجات مئوية بين عامَي ٢٠٨١ و٢١٠٠ مقارنة بما قبل الثورة الصناعية (١٨٥٠-١٩٠٠): انظر جدول ٤-٢. في كل السيناريوهات باستثناء المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك الأول مع مسار التركيز ١,٩، سترتفع درجات الحرارة العالمية إلى أكثر من ١,٥ درجة مئوية بين عامَي ٢٠٢١ و٢٠٤١، حيث تكون أفضل التقديرات في عام ٢٠٣٠. كما تُظهر النماذج أن ارتفاع درجة الحرارة سيكون موزعًا على نحوٍ غير متساوٍ، حيث ستشهد اليابسة أعلى ارتفاعات في درجات الحرارة.
جدول ٤-٢: توقعات درجات الحرارة والهطول ومستوى سطح البحر.
المسارات الاجتماعية الاقتصادية المشتركة تغيُّرات درجات الحرارة بين عامَي ٢٠٨١–٢١٠٠ بالنسبة إلى ما قبل الثورة الصناعية (درجة مئوية) ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي بين ٢٠٨١–٢١٠٠ مقارنة بالفترة ١٩٩٠–٢٠١٤ (متر) ارتفاع الهطول العالمي بين عامَي ٢٠٨١–٢١٠٠ مقارنة بالفترة ١٩٩٠–٢٠١٤(٪)
المسار المشترك ٥ مسار التركيز ٨,٥ ٤,٧ (٣,٤-٥,٥) ٠,٧٣ (٠,٥٠-١,٠٧) ٨,٢٪ (٢,٥-١٣,٨٪)
المسار المشترك ٣ مسار التركيز ٧ ٣,٩ (٢,٨-٤,٦) ٠,٦٥ (٠,٤١-١,٠٠) ٥,٥٪ (٠,٥-١٠,٤٪)
المسار المشترك ٢ مسار التركيز ٤,٥ ٢,٩ (٢,١-٣,٣) ٠,٥٥ (٠,٢٨-٠,٨٩) ٤,٧٪ (١,٧-٦,٤٪)
المسار المشترك ١ مسار التركيز ٢,٦ ١,٩ (١,٤-٢,٢) ٠,٤١ (٠,٢٩-٠,٧١) ٣,٢٪ (٠,٧-٥,٦٪)
المسار المشترك ١ مسار التركيز ١,٩ ١,٥ (١,١-١,٧) لم يستكمل بعد ٢.٧٪ (٠,٦-٤,٨٪)
fig21
شكل ٤-٦: درجات الحرارة العالمية، والجليد البحري في القطب الشمالي، ومستوى سطح البحر في القرن الحادي والعشرين.
يعتمد ازدياد مستوى سطح البحر في المستقبل على المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك الذي نتبعه حيث قد يتراوح بين ٠,٣٢ متر و٠,٨٢ متر خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن (انظر جدول ٤-٢ وشكل ٤-٦). ومع أخذ ارتفاع فِعلي قدرُه ٢٠سم بعين الاعتبار، فإن إجمالي الارتفاع يتراوح بين ٠,٥٢ متر و١,٠٢ متر. وعند النظر إلى مستوى سطح البحر المتوقع عام ٢١٠٠، تظهر النماذج زيادةً في متوسط مستوى سطح البحر العالمي يتراوح بين ٢٧سم و٩٨سم. وهذا مشابه للتوقعات التي وردت في تقرير الهيئة الحكومية الدولية لتغيُّر المناخ لعام ٢٠٠٧ لكنه أكثر تطرفًا، حيث أشار التقرير إلى ارتفاع في مستوى سطح البحر بمعدل يتراوح بين ٢٨سم و٧٩سم بحلول عام ٢١٠٠.
من المرجَّح للغاية أن يرتفع كلٌّ من متوسط الهطول على اليابسة والمحيطات في كل سيناريوهات المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة الخمسة (انظر جدول ٤-٢). وسيرتفع متوسط الهطول السنوي العالمي على اليابسة بحلول الفترة ٢٠٨١–٢١٠٠ مقارنة بالفترة ١٩٩٥–٢٠١٤ بنسبة ٢,٧٪ (ضمن نطاق ٠,٦٪–٤,٨٪) في سيناريو الانبعاثات المنخفضة للمسار المشترك ١–١,٩؛ وبنسبة ٨,٢٪ (ضمن نطاق ٢,٥٪–١٣,٨٪) في سيناريو الانبعاثات العالية للمسار المشترك ٥–٨,٥. وبناءً على كل السيناريوهات، فمن المتوقع أن يزداد متوسط الهطول على اليابسة بنحو ١–٣٪ لكل درجة مئوية واحدة من الاحترار العالمي.

في أسوأ ثلاثة سيناريوهات ضمن المسارات الاجتماعية الاقتصادية المشتركة (المسار المشترك ٢–٤,٥، المسار المشترك ٣–٧,٠، المسار المشترك ٥–٨,٥) سيصبح المحيط المتجمد الشمالي فعليًّا خاليًا من الجليد (تقل مساحة الغطاء الجليدي عن مليون كيلومتر مربع) في شهر سبتمبر (الشهر الذي يبلغ فيه الجليد الحد الأدنى) بحلول الفترة ٢٠٨١–٢١٠٠.

ماذا يدَّعي منكرو تغيُّر المناخ؟

إن إحدى أفضل الطرق لتلخيص المشكلات المتصورة عن نمذجة تغيُّر المناخ هي مراجعة ما يقوله منكرو تغيُّر المناخ.

تُقدم النماذج المختلفة نتائج مختلفة، فكيف يمكننا الوثوق بأيٍّ منها؟ هذا رد شائع من العديد من الأشخاص غير الملمِّين بالنمذجة؛ إذ إن ثمة شعورًا بأن العلم يجب أن يكون قادرًا بطريقةٍ ما على التنبؤ بمستقبل دقيق تمامًا. ومع ذلك، لا نقدِّم توقعات بمثل هذه الدقة في أي مجال آخر من مجالات الحياة. على سبيل المثال، لن يمكنك أن تتوقع توقعًا مثاليًّا أي حصان سيفوز في السباق أو أي فريق سينتصر في مباراة كرة القدم. والحقيقة هي أن النماذج المناخية جميعها غير دقيقة تمامًا؛ لأنها تقدم مجموعة من السيناريوهات المحتملة في المستقبل. لكن يعزز رؤيتَنا المستقبلية استخدامُ أكثر من نموذج واحد؛ لأن كل نموذج طوَّرته مجموعات مختلفة من العلماء حول العالم مستندين على افتراضات مختلفة، وأجهزة كمبيوتر متنوعة، ولغات برمجة متباينة؛ ومن ثَم فإن كل نموذج يقدم تنبؤات مستقبلية مستقلة. ما يمنح العلماء الثقة في نتائج النماذج هو اتفاقها جميعًا على الاتجاه نفسه في توقعات درجة الحرارة العالمية ومستوى سطح البحر خلال اﻟ ٨٠ عامًا القادمة. ومن أهم نقاط القوة في تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ لعام ٢٠٢١ أنها استخدمت ما يزيد على ١٠٠ نموذج متميز أنتجته ٤٩ مجموعة نمذجة مختلفة حول العالم، مقارنة بعدد ٤٠ نموذجًا في عام ٢٠١٣، و٢٣ نموذجًا في عام ٢٠٠٧، و٧ نماذج فقط في عام ٢٠٠١.
النماذج المناخية شديدة الحساسية للتغيُّرات في ثاني أكسيد الكربون. لغضِّ الطرف عن أهمية تغيُّر المناخ، يرى العديد من منكريه أن النماذج شديدة الحساسية للتغيُّرات في غازات الدفيئة. وهذه حجة نمطية تدَّعي أن «الأمر ليس سيئًا كما تعتقد». إن مزية وجود العديد من النماذج المناخية هي أن العلماء يمكنهم أيضًا إعطاء تقدير لمدى ثقتهم في نتائج النماذج والتحقق من مدى حساسيتها عند مقارنتها بعضها ببعض وبالبيانات الواقعية. من الاختبارات الرئيسية لنماذج المناخ اختبار حساسية توازن المناخ حيث يتنبأ النموذج بمقدار التغيُّر في درجة الحرارة العالمية في حال مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. جاءت هذه النتائج متسقة للغاية على مدى اﻟ ٥٠ عامًا الماضية (الشكل ٤-٧)، ويشير تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ لعام ٢٠٢١ إلى أن نطاق النماذج الأكثر حداثة يتراوح بين ٢,٥٠ درجة مئوية و٥,٤٣ درجة مئوية (أي بمتوسط ٣,٧٤ درجة مئوية)، وهو ما يتفق مع قياسات أخرى.
fig22
شكل ٤-٧: حساسية توازن المناخ.
تخفق النماذج المناخية في إعادة تمثيل المتغيرات الطبيعية. يجادل العديد من منكري تغيُّر المناخ بأن اتجاه الاحترار الحالي ناتج عن متغيرات طبيعية. لكن العلماء يدرجون في كل النماذج المناخية المتغيرات الطبيعية كافة، بما في ذلك تلك التي تساهم في تبريد المناخ. وعند دمج كل معارفنا العلمية المتعلقة بالعوامل الطبيعية (مثل الإشعاع الشمسي، والبراكين، والهباء الجوي، والأوزون) والعوامل البشرية (مثل غازات الدفيئة وتغيُّر استغلال الأراضي) التي تؤثر في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها، يتضح أن ١٠٠٪ من الاحترار المرصود خلال السنوات اﻟ ١٥٠ الماضية يُعزى إلى النشاط البشري.
للسحب تأثيرٌ تفاعلي في المناخ العالمي يُسهم في التخفيف من الآثار المترتبة على تغيُّر المناخ. كما كانت الحال منذ أول تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ عام ١٩٩٠، فإن أحد جوانب عدم اليقين في النماذج المناخية هو دور السحب وتفاعلها مع الإشعاع. بمقدور السحب أن تمتص الإشعاع وتعكسه، مما يؤدي إلى تبريد سطح الأرض، وكذلك يمكنها أن تمتص الإشعاع الطويل الموجة وتبثه، مما يؤدي إلى احترار سطح الأرض. يعتمد التفاعل المتبادل بين هذه التأثيرات على عدة عوامل: ارتفاع السحب، سُمكها، وخصائصها الإشعاعية. تعتمد الخصائص الإشعاعية وتكوين السحب وتطورها على توزيع بخار الماء في الغلاف الجوي، وكذلك قطرات الماء، وجسيمات الثلج، والهباء الجوي، وسُمك السحب. كما أن الأساس الفيزيائي لكيفية تمثيل السحب بيانيًّا أو بالمُعامِلات في النماذج المناخية قد شهد تحسنًا كبيرًا من خلال دمج تمثيلات الخصائص الميكروفيزيائية للسحب في معادلات ميزانية ماء السحب. يوضح الشكل ٤-٣ أنه حتى في حال تطبيق أقصى قيمة للتبريد الناتج عن السحب، فإن عوامل الاحترار الناتجة عن غازات الدفيئة لا تزال أكبر بثلاثة أضعاف.
لا بد أن السبب وراء تغيُّر المناخ هو الأشعة الكونية المجرية. الأشعة الكونية المجرية هي إشعاع عالي الطاقة ينشأ خارج نظامنا الشمسي وقد يأتي حتى من مجرات بعيدة. قد أُشير إلى أنها تساعد هذه الأشعة في تشكيل السحب أو «تكوينها». ومن ثَم، فإن انخفاض الأشعة الكونية المجرية التي تصل إلى الأرض يعني انخفاض عدد السحب، وكذلك انعكاس كمية أقل من أشعة الشمس إلى الفضاء مما يؤدي إلى احترار الأرض.

لكن تبرز مشكلتان مع هذا الطرح. أولًا، تُظهر الأدلة العلمية أن الأشعة الكونية ليست فعَّالة بدرجة كبيرة في تكوين السحب. ثانيًا، على مدار اﻟ ٥٠ عامًا الماضية، زاد معدل تدفق الأشعة الكونية حيث سجلت مستويات قياسية في السنوات الأخيرة. لو كانت هذه الفكرة صحيحة، لساهمت الأشعة الكونية في تبريد الأرض، وهو ما لم يحدث.

fig23
شكل ٤-٨: درجات حرارة سطح الأرض (١٩٥٠–٢٣٠٠).
تتعلق نمذجة تغيُّر المناخ المستقبلي بفهم العمليات الفيزيائية الأساسية لنظام المناخ. أُصدِرت خمسة سيناريوهات جديدة للانبعاثات أُدرجت في تقرير العلوم الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ عام ٢٠٢١، حيث استُخدمت مجموعة واسعة من المدخلات المتعلقة بنماذج المسارات الاقتصادية الاجتماعية، بما في ذلك السكان، استغلال الأراضي، كثافة الطاقة، استخدام الطاقة، والتنمية الإقليمية المتفاوتة. طُوِّر أحد هذه المسارات (المسار الاقتصادي الاجتماعي المشترك الأول −١,٩) لإحاطة صانعي السياسات علمًا بكيفية تحقيق الهدف المنشود المتمثل في حصر الاحترار عند ١,٥ درجة مئوية فقط، وفقًا لِما حدَّده مؤتمر باريس ٢٠١٥ لتغيُّر المناخ. واستُخدم ما يزيد على ١٠٠ نموذج مناخي في تطوير سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، وبذلك تقدم أدلة لها ثِقل كبير. باستخدام المسارات الأساسية الواقعية الثلاثة لانبعاثات الكربون على مدار اﻟ ٨٠ عامًا القادمة، تشير النماذج المناخية إلى احتمالية ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بمقدار يتراوح بين ٢,١ درجة مئوية و٥,٥ درجة مئوية بحلول عام ٢١٠٠. ومع ذلك، لا بد أن نتذكر أن التغيُّر في درجات الحرارة لن يتغيَّر بمجرد حلول عام ٢١٠٠. يوضح الشكل ٤-٨ كيف يمكن أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع إلى مستويات تتجاوز تلك التي سُجلت في هذا القرن اعتمادًا على مسار الانبعاث المختار. وباستخدام المسارات الرئيسية الثلاثة الواقعية لانبعاثات الكربون، تتوقع النماذج أيضًا زيادة في متوسط مستوى سطح البحر العالمي تتراوح بين ٠,٥٠ متر و١,٣ متر بحلول عام ٢١٠٠ مقارنةً بما قبل الثورة الصناعية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥