الفصل السابع

سياسات تغيُّر المناخ

مقدمة

إن النهج الأكثر منطقية لمشكلة تغيُّر المناخ هو خفض انبعاثات غازات الدفيئة خفضًا كبيرًا. في اجتماع باريس للمناخ عام ٢٠١٥، اتفق قادة العالم على ضرورة الحفاظ على الزيادة في درجة الحرارة العالمية ما دون ٢ درجة مئوية، مع السعي إلى تحقيق الهدف المثالي، وهو ١,٥ درجة مئوية. على الرغم من هذا الاتفاق، استمرت انبعاثات الكربون العالمية في الارتفاع كل عام. وكان الاستثناء الوحيد هو عام ٢٠٢٠ عندما أدى الإغلاق العالمي على إثر جائحة كوفيد-١٩ إلى خفض الانبعاثات بنحو ٧٪. وكان لتوقف كل الرحلات الجوية وحركة السيارات حول العالم تأثيرٌ محدود في إجمالي التلوث بغازات الدفيئة. في الواقع، كانت انبعاثات الكربون العالمية في عام ٢٠٢٠ في ظل الجائحة مماثلة لتلك التي رُصدت في عام ٢٠٠٦. ويُعزى ذلك إلى محدودية التغيير في إنتاج الطاقة خلال الجائحة؛ لكن كانت هناك دعوات من قطاع الأعمال والمجتمع المدني حول العالم بأن يكون التعافي بعد الجائحة منخفض الكربون.

مفاوضات تغيُّر المناخ

تأسست اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام ١٩٩٢ بهدف التفاوض على اتفاقية عالمية تسعى إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة والحد من تأثير تغيُّر المناخ. دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ رسميًّا في ٢١ مارس ١٩٩٤. وفي مارس ٢٠١٤، أصبحت تضم ١٩٦ طرفًا. تتضمن الاتفاقية عددًا من المبادئ الراسخة من بينها الاتفاق بالإجماع بين كل الأطراف، وتفاوت المسئوليات. والسبب في ذلك المبدأ الأخير هو إقرار الاتفاقية بتفاوت انبعاثات غازات الدفيئة من دولة إلى أخرى، مما يستدعي تفاوت الجهود التي تبذلها للحد من انبعاثاتها (انظر شكل ٧-١). على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، ينبعث من كل شخص في المتوسط ١٠ أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من شخص في الهند. ولتمثيل هذا التفاوت في إطار رسمي خلال المفاوضات، جرى الإقرار بمجموعتين مختلفتين من الأطراف: دول المرفق الأول التي تشمل كل الدول المتقدمة؛ والدول غير المدرجة في المرفق الأول، وتشمل الدول الأقل نموًا والدول التي تشهد تطورًا سريعًا. وفيما بعد، قُسِّم المرفق الأول عندما جادلت بعض الدول بأن اقتصاداتها في مرحلة انتقالية. ونتيجة لذلك، وُضعت الدول الأغنى في فئة إضافية وهي المرفق الثاني. تُولي الاتفاقية اهتمامًا بمبدأ التقليص والتقارب: الفكرة هي أنه واجب على كل دولة التقليلُ من انبعاثاتها، وأن تجتمع على تحقيق صافي الانبعاثات الصفري. وقد انبثق هدف صافي الانبعاثات الصفري من التقرير البارز المنشور عام ٢٠١٨، والصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ حول ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار ١,٥ درجة مئوية، حيث أظهر بوضوح أنه من أجل تحقيق هدف ١,٥ درجة مئوية، يجب الوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام ٢٠٥٠ تقريبًا، ثم تحقيق قيم سالبة من الانبعاثات الكربونية خلال بقية القرن.

كيوتو ١٩٩٧

منذ تأسيس اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ كانت دول العالم «الأطراف» تجتمع سنويًّا في مؤتمر الأطراف لدفع المفاوضات قُدمًا. وبعد خمس سنوات فقط من إنشاء الاتفاقية خلال الدورة الثالثة لمؤتمر الأطراف في ١٣ ديسمبر ١٩٩٧، جرت صياغة أول اتفاقية دولية، وهي بروتوكول كيوتو. نص البروتوكول على المبادئ العامة لمعاهدةٍ عالمية تهدف إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة، ونصَّت بالأخص على أن تسعى كل الدول المتقدمة إلى خفض انبعاثاتها بحلول الفترة ٢٠٠٨–٢٠١٢ بنسبة ٥,٢٪ مقارنة بمستوياتها عام ١٩٩٠. جرى التصديق على بروتوكول كيوتو وتوقيعه في مدينة بون في ٢٣ يوليو ٢٠٠١؛ وبذلك أصبح معاهدةً قانونية. انسحبت الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس بوش، من مفاوضات المناخ في مارس ٢٠٠١، ومن ثَم لم توقع على بروتوكول كيوتو خلال اجتماع بون. فكان هذا الانسحاب ضربة قاسية للمعاهدة نظرًا لأن الولايات المتحدة تنتج نحو ربع نسبة تلوث ثاني أكسيد الكربون في العالم. علاوة على ذلك، خُفِّضت الأهداف التي حددها بروتوكول كيوتو خلال اجتماع بون لضمان انضمام اليابان وكندا وأستراليا. وأخيرًا، جعلت أستراليا بروتوكول كيوتو مُلزمًا قانونيًّا في ديسمبر ٢٠٠٧.

fig33
شكل ٧-١: انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل فرد وفقًا لكل دولة وتعدادها السكاني.

لم تضم المعاهدةُ دولًا نامية. وكان الهدف من ذلك تحقيق العدالة في توزيع المسئولية بناءً على الإرث التاريخي للانبعاثات التي تسببت بها الدول المتقدمة. وكان يُفترض حينها أن الدول النامية ستنضم إلى الاتفاقية التي ستُعقَد بعد عام ٢٠١٢. دخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في ١٦ فبراير ٢٠٠٥ بعد أن صادقت روسيا على المعاهدة، وبذلك استُوفي الشرط الذي يقضي بتوقيع ما لا يقل عن ٥٥ دولة تمثِّل أكثر من ٥٥٪ من الانبعاثات العالمية.

كوبنهاجن ٢٠٠٩

عُلِّقت آمال ضخمة على الدورة ١٥ لمؤتمر الأطراف (كوبنهاجن) المنعقد في ٢٠٠٩، على الرغم من أنها جاءت بعد عام من الأزمة المالية العالمية. وكان يُتوقع طرح التزامات جديدة قابلة للقياس لضمان الانتقال السلس من بروتوكول كيوتو إلى اتفاقية ما بعد عام ٢٠١٢. حينها نُصِّب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة. وكان الاتحاد الأوروبي قد أعدَّ خطةً غير مشروطة لتخفيض الانبعاثات بنسبة ٢٠٪ بحلول عام ٢٠٢٠ استنادًا إلى مستويات الانبعاث عام ١٩٩٠، إلى جانب تحديد هدف مشروط يرتفع إلى ٣٠٪ إذا تبنت الدول المتقدمة الأخرى أهدافًا ملزمة. وكان معظم الدول المتقدمة الأخرى لديها ما تقدمه. فالنرويج كانت على استعداد لتخفيض الانبعاثات بنسبة ٤٠٪، واليابان بنسبة ٢٥٪ استنادًا إلى الخط الأساسي للانبعاثات عام ١٩٩٠. حتى الولايات المتحدة الأمريكية عرضت تخفيضًا بنسبة ١٧٪ استنادًا إلى الخط الأساسي للانبعاثات عام ٢٠٠٥، وهو ما يعادل انخفاضًا نسبته ٤٪ مقارنة بمستويات الانبعاث عام ١٩٩٠. لكن مؤتمر كوبنهاجن شهد فشلًا ذريعًا. أولًا، كانت الحكومة الدنماركية قد أساءت تقدير أهمية المؤتمر واستضافته في مكان صغير للغاية. لذلك، في الأسبوع الثاني عندما وصل كل وزراء الدول رفيعي المستوى وفرق الدعم الخاصة بهم، لم يكن هناك مساحة كافية مما أدى إلى حرمان العديد من المنظمات غير الحكومية من دخول مفاوضات المؤتمر. ثانيًا، كان واضحًا أن المفاوضين كانوا غير مستعدين لوصول الوزراء؛ وعليه لم يتم التوصُّل لأي اتفاق. أدى ذلك إلى تسريب ما يُعرف باسم «النص الدنماركي» الذي يحمل عنوانًا فرعيًّا، وهو «اتفاقية كوبنهاجن» الذي تضمن إجراءات مقترحة للحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية إلى ٢ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. أثار ذلك جدلًا بين الدول المتقدمة والدول النامية حيث كان النص جديدًا تمامًا، وظهر فجأة في منتصف المؤتمر. فاتهمت الدولُ النامية الدولَ المتقدمة بالعمل خلف الأبواب المغلقة وإبرام اتفاقية تناسبها دون طلب موافقة الدول النامية. واستنكر رئيس مجموعة ٧٧، لومومبا ستانيسلاوس دي أبينج قائلًا: «إنه نص غير متوازن إلى حد كبير، ويهدف إلى الإفشال التام لمفاوضات دامت لعامين. إنه لم يعترف بمقترحات الدول النامية ولم يعكس صوتها.»

جاءت من الولايات المتحدة الضربة القاضية لإبرام اتفاقية بشأن أهدافٍ ملزمة. وصل باراك أوباما قبل يومين فقط من نهاية المؤتمر، وعقد اجتماعًا بين الولايات المتحدة والدول الأساسية (البرازيل، جنوب أفريقيا، الهند، والصين) مستبعدًا دول الأمم المتحدة الأخرى، ووضع ما يُعرف ﺑ «اتفاق كوبنهاجن». اعترف اتفاق كوبنهاجن بالأساس العلمي الذي يدعو إلى ضرورة إبقاء الارتفاع في درجات الحرارة دون درجتين مئويتين، لكنه لم يتضمن الأساس الزمني لتحقيق هذا الهدف، ولا الالتزامات اللازمة لخفض الانبعاثات التي تُعَد ضرورية لتحقيق هذا الهدف. أُهمِلت المقترحات السابقة التي كانت تهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى ١,٥ درجة مئوية، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة ٨٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠. وكان الاتفاق الذي جرى التوصل إليه غير ملزم، حيث أُمهلَت الدول حتى يناير ٢٠١٠ لتقديم أهدافها الطوعية. كما أُوضِح أن أي دولة وقَّعت على اتفاق كوبنهاجن تكون بذلك قد خرجت من بروتوكول كيوتو. ومن ثَم، تمكنت الولايات المتحدة من الابتعاد عن الأهداف الملزمة لبروتوكول كيوتو الذي كان من المفترض أن يسري تنفيذه حتى عام ٢٠١٢، وتبنت بدلًا من ذلك نهجًا ضعيفًا يعتمد على الالتزامات الطوعية. لخص الوفد البوليفي الطريقة التي جرى التوصل بها إلى اتفاق كوبنهاجن بأنها كانت «غير ديمقراطية، وغير شفافة، وغير مقبولة». كما كان الوضع القانوني لاتفاق كوبنهاجن غير واضح؛ إذ اكتفت الأطراف بأخذه بعين الاعتبار دون الموافقة عليه رسميًّا، في حين وافقت عليه ١٢٢ دولة، ثم ارتفع العدد لاحقًا إلى ١٣٩ دولة.

تلقَّت الثقة في مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ ضربة أخرى عندما كُشف في يناير ٢٠١٤ أن المفاوضين التابعين للحكومة الأمريكية كانوا قد حصلوا على معلومات أثناء المؤتمر من خلال التنصت على اجتماعات وفود أخرى مشاركة في المؤتمر. وأظهرت الوثائق التي سرَّبها إدوارد سنودن كيف كانت وكالة الأمن القومي الأمريكية تراقب الاتصالات بين الدول قبل المؤتمر وأثناءه. وكشفت الوثائق المسرَّبة أن وكالة الأمن القومي قدمت للمندوبين الأمريكيين تفاصيل مسبقة عن الخطة الدنماركية من أجل «إنقاذ» المحادثات في حال فشلها، وكذلك تفاصيل عن جهود الصين قبل المؤتمر لتنسيق موقفها مع موقف الهند.

باريس ٢٠١٥

إن فشل الدورة ١٥ من مؤتمر الأطراف في كوبنهاجن والالتزامات الطوعية التي نتجت عنه قد ألقى بظلاله فترةً طويلة على اجتماعات مؤتمر الأطراف اللاحقة، وازداد الوضع سوءًا بعد الخبر الذي سربته ويكيليكس بشأن تخفيض التمويل الأمريكي المقدم لبوليفيا والإكوادور بسبب معارضتهما لاتفاق كوبنهاجن. استغرقت المفاوضات أكثر من خمس سنوات حتى تتعافى من الفوضى التي أثارها باراك أوباما والمفاوضون الأمريكيون. في الدورة ١٦ من مؤتمر الأطراف المنعقد في كانكون والدورة ١٧ من المؤتمر نفسه في ديربان، أعيدت مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ ببطء إلى المسار الصحيح بهدف الوصول إلى أهداف ملزمة قانونيًّا. أُحرِز تقدمٌ كبير في المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، بما في ذلك حماية السكان المحليين، وهو ما سنناقشه لاحقًا في هذا الفصل. ومع ذلك، في الدورة ١٨ لمؤتمر الأطراف المنعقد في الدوحة في ديسمبر ٢٠١٢، جرى الاتفاق على فترة التزام ثانية تبدأ في ١ يناير ٢٠١٣، وكان من المقرَّر لها أن تستمر ٨ سنوات. وقد ضمن ذلك بقاء كل آليات كيوتو وقواعد المحاسبة دون المساس بهما خلال هذه الفترة، مع إمكان قيام الأطراف بمراجعة التزاماتهم بهدف زيادتها. وقد وضع كل هذا الأساس الضروري لاتفاقية مناخية عالمية مستقبلية تحققت في الدورة ٢١ من مؤتمر الأطراف في باريس عام ٢٠١٥ (انظر الشكل ٧-٢).
fig34
شكل ٧-٢: الاحترار العالمي المحتمل في المستقبل بناءً على انبعاثات الكربون المتفاوتة.
حققت مفاوضات المناخ في باريس عام ٢٠١٥ نجاحًا كبيرًا؛ والسبب الرئيسي في ذلك أن المضيفين الفرنسيين فهموا جيدًا لعبة التفاوض الدولية، واستخدموا كل الحيل الممكنة لدفع الدول إلى التعاون من أجل التوصل إلى اتفاق يوقع عليه الجميع. ينص الاتفاق على التزام الأطراف بالحفاظ على درجات الحرارة عند مستوًى «أقل كثيرًا من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وبَذْل الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة إلى ١,٥ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. كانت قمة باريس بمثابة لعبة بوكر جيوسياسية تحمل مجازفاتٍ كبيرة. والمفاجأة أن الدول الأقل نفوذًا كان أداؤها أفضل مما كان متوقعًا. خضعت محادثات المناخ إلى تحالفات دولية متغيِّرة تجاوزت الانقسامات التقليدية بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة. وفي صلب هذه التحالفات، كانت أولًا الدبلوماسية الأمريكية-الصينية حيث اتفقت الدولتان على الحد من الانبعاثات. ثانيًا، نجح تجمع دوليٌّ جديد يُعرف باسم منتدى قابلية التأثر بالمناخ في دفع هدف ١,٥ درجة مئوية إلى صدارة الأجندة السياسية إلى الحد الذي جعله يُذكر ضمن الأهداف الرئيسية للاتفاق. سمح الدعم السياسي من اتفاق باريس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ بكتابة التقرير التاريخي حول الاحترار العالمي بمقدار ١,٥ درجة مئوية، والذي نُشر في عام ٢٠١٨. وقد وثق هذا التقرير الزيادة الملحوظة في التأثيرات نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بين ١,٥ درجة مئوية و٢,٠ درجة مئوية. كما وثَّق التقرير كيفية تحقيق زيادة في درجة الحرارة بمقدار ١,٥ درجة مئوية؛ وهو ما يتطلب، كما ذُكِر سابقًا، الوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفري بحلول عام ٢٠٥٠، ثم تنقية الغلاف الجوي من الكربون لبقية القرن (انظر الشكل ٧-٣). كلما وصل العالم إلى مستوى الصافي الصفري بوتيرة أسرع، قلَّت الحاجة إلى استخراج الكربون من الغلاف الجوي خلال الفترة الممتدة بين عامَي ٢٠٥٠ و٢١٠٠. لم يكن اتفاق باريس سوى بداية لهذه العملية؛ إذ إنه حتى عند احتساب كل التعهدات الوطنية وافتراض تنفيذها بالكامل، سيظل العالم يواجه ارتفاعًا في درجات الحرارة بنحو ٣ درجات مئوية (انظر شكل ٧-٢).
fig35
شكل ٧-٣: عالمٌ ترتفع فيه درجات الحرارة بمقدار ١,٥ درجة مئوية.

في عام ٢٠١٧، تعرَّض اتفاق باريس لانتكاسة كبيرة. فقد أعلن الرئيس ترامب عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق حيث رأى أنه غير عادل ومنحاز لصالح الدول النامية. ووفقًا للمادة ٢٨ من اتفاق باريس، لا يمكن لأي دولة تقديم إشعار بالانسحاب من الاتفاق قبل مرور ٣ سنوات على تاريخ بدء سريانه في تلك الدولة. وبذلك، كان أقرب تاريخ ممكن لانسحاب الولايات المتحدة فعليًّا هو ٤ نوفمبر ٢٠٢٠، أي بعد يوم واحد من الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٢٠. وكان من بين أول الإجراءات التي اتخذها الرئيس المنتخب حديثًا — جو بايدن — هو إعادة انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس.

واجه الرئيس الجديد حينها تحدياتٍ إضافية؛ إذ إنه خلال السنوات الأربعة من رئاسة ترامب، ألغِي ما يقرب من ١٠٠ قانون ولائحة بيئية أو كانت في طريقها إلى الإلغاء. وشملت هذه التعديلات التراجع عن معايير كفاءة الوقود وانبعاثات المركبات التي وضعتها إدارة أوباما، والتخفيف من معايير انبعاثات الفحم لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، بالإضافة إلى إضعاف لوائح الإضاءة الفعالة، مما يعني أن المصابيح الكهربائية الأقل كفاءة لا تزال متاحة للبيع بعد عام ٢٠٢٠.

وافق الرئيس ترامب على خطَّي أنابيب نفط كانا موضع جدل («كيستون إكس إل» و«داكوتا أكسيس»)، وسمح بالتنقيب عن النفط في معظم المياه الأمريكية، كما فتح ملجأ الأحياء البرية الوطني في القطب الشمالي أمام عمليات الحفر والتنقيب، مما أدى إلى توسع هائل في استكشاف النفط والغاز. في عام ٢٠٢١، ألغى الرئيس بايدن كل هذه الأوامر التنفيذية، وأعاد انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس، واستثمر بكثافة في التكنولوجيا والبنية التحتية المنخفضة الكربون، كما تعهَّد بخفض انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة بنسبة ٥٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠، وتحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام ٢٠٥٠.

مؤتمرا جلاسكو ٢٠٢١، وشرم الشيخ ٢٠٢٢

في عام ٢٠٢١، استضافت المملكة المتحدة وإيطاليا مؤتمر الأطراف في دورته ٢٦ في مدينة جلاسكو بعد تأجيله عامًا بسبب جائحة كوفيد-١٩. كان هذا المؤتمر أول تقييم عالمي عقب اتفاق باريس، حيث قدمت الدول مساهماتها المحددة وطنيًّا أو تعهداتها بخفض انبعاثات غازات الدفيئة. تكشف المساهمات المقدمة أن أكثر من ٩٠٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي أصبح الآن خاضعًا لأهداف تحقيق صافي الانبعاثات الصفري. وفي حال تنفيذ كل هذه المساهمات الوطنية، فمن الممكن إبقاء الارتفاع في درجة الحرارة العالمية بين ٢,٤ درجة مئوية و٢,٧ درجة مئوية. ومع ذلك، لا يزال هذا بعيدًا كل البعد عن الهدف المحدد في اتفاق باريس، وهو ١,٥ درجة مئوية، والذي أُعيد التأكيد عليه في ميثاق جلاسكو للمناخ الذي وقَّعت عليه كل الدول البالغ عددها ١٩٧ دولة. لذلك، طُلب من الدول تقديم مساهمات محددة وطنيًّا جديدة وأكثر طموحًا لمؤتمر الأطراف في دورته ٢٧ في مصر عام ٢٠٢٢، مما كسر دورة السنوات الخمس لاتفاق باريس. ومع ذلك، لم يتحقق الهدف المنشود، وعليه أُطلِقت دعوة جديدة لعقد الدورة ٢٨ من مؤتمر الأطراف في الإمارات العربية المتحدة. دعا ميثاق جلاسكو للمناخ أيضًا إلى التخفيض التدريجي لاستخدام الفحم ورفع الدعم عن الوقود الأحفوري غير الفعال، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُذكر فيها الوقود الأحفوري في أي معاهدة مناخية دولية. كما نجح مؤتمر الأطراف في دورته ٢٦ في استكمال المادة ٦ التي تتضمن القواعد واللوائح المنظمة لمراقبة وتداول انبعاثات الكربون ومصارفها بين الدول والشركات الأخرى. في عام ٢٠٢٢، لم يُحرز تقدم كبير خلال الدورة ٢٧ من مؤتمر الأطراف في شرم الشيخ. وجرى التوصل إلى اتفاق لإنشاء صندوق «الخسائر والأضرار»، إلا أن مسألة مَن سيدفع ومَن يحق له المطالبة لا تزال بحاجة إلى اتفاق في الاجتماعات المستقبلية. أما الوعد الذي قُطِع عام ٢٠١٠ بتقديم ١٠٠ مليار دولار أمريكي سنويًّا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية لدعم عملية خفض الكربون بوتيرة سريعة، فلم يتحقق بعد.

هل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ بها خلل؟

لقد أُشير إلى عدة ثغرات في نهج اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ. وفيما يأتي أبرزها:

عدم تحقيق التقدم الكافي. تُعَد الثغرة الأولى في إجراءات الاتفاقية هي أنه بالرغم من مرور ٢٥ عامًا من المفاوضات، لم تُسفر الاتفاقية عن أي اتفاقٍ دائم. وكما سلف ذِكره، فإن اتفاق باريس الحالي، حتى في حال الوفاء بكل التعهدات، سيؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة الأرض لا يقل عن ٣ درجات مئوية (انظر الشكل ٧-٢) بالإضافة إلى التأثيرات المرتبطة بذلك والموضَّحة في الجدول ٥-١.
غياب آلية التنفيذ. إن المشكلة الأساسية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية هي غياب وسائل حقيقية للتنفيذ. وكانت هذه إحدى الحجج التي استخدمتها الولايات المتحدة عند اقتراح اتفاقية كوبنهاجن التي تنص على أنه حتى الأهداف الملزمة هي في الواقع طوعية، حيث تُقرر البلدان ما إذا كانت ستمتثل لها أم لا. ولهذا السبب، تُعَد السياسات والقوانين ضرورية على المستوى الإقليمي، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى الوطني، مثل قانون تغيُّر المناخ في المملكة المتحدة. فالسبيل الوحيد لتطبيق المعاهدات الدولية على أرض الواقع هو القوانين الإقليمية والوطنية. كما أن هذا النهج في الحوكمة المتعددة المستويات ضروري أيضًا لمنع التلاعب بأنظمة معينة.
الاستعمار الأخضر. أثار العديد من اختصاصي العلوم الاجتماعية والسياسية شكوكًا فلسفية وأخلاقية حول مفاوضات المناخ ككلٍّ. وكان مصدر القلق الرئيسي هو أن هذه المفاوضات تعكس طابعًا استعماريًّا، حيث يُنظر إلى البلدان الغنية المتقدمة على أنها تُملي على البلدان الأفقر كيف ومتى يجب أن تتطور. لسنوات عديدة، عارضت بلدان مثل الهند والصين الدعوات الرامية إلى خفض انبعاثاتها، متعللةً بأن ذلك سيضر بتطورها ومحاولاتها التخفيف من معدلات الفقر. فيما دعمت دولٌ أخرى بعض التدابير مثل آلية التنمية النظيفة التي تسمح للبلدان المتقدمة بدفع تكاليف تخفيض الانبعاثات في بلد نامٍ، وبذلك يحتسب ضمن هدفها الوطني لتخفيض الانبعاثات. كما أنها تقدم فائدة تنموية، حيث ستُحوَّل الأموال من البلدان الغنية إلى البلدان الأفقر. ولكن ٨٠٪ من اعتمادات المشروعات في إطار آلية التنمية النظيفة خُصصت إلى الصين والبرازيل والهند وكوريا، والبلدان النامية الأغنى؛ لذا لم تصل التمويلات إلى أفقر البلدان في العالم. كما اشترت المملكة المتحدة وهولندا ٦٠٪ من اعتمادات الكربون، مما أدى إلى حدوث اختلال في التوزيع المالي.
النهج القومي مقابل القطاعي. ثمة مشكلة أخرى في النهج الذي تتبعه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، حيث إنها متجذرة في مفهوم الدولة القومية وتشكل قضية رئيسية في عالم رأسمالي عالمي قائم على ما يُعتقَد أنه مبدأ التجارة الحرة. فعلى سبيل المثال، إذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال اتفاق باريس أن تخفض انبعاثات الكربون الناتجة عن الصناعات الثقيلة، فيمكنها فرض ضريبة كربون على إنتاج الفولاذ والخرسانة. ولكن إذا لم تُفرض قيود مماثلة في دول أخرى، فستصبح منتجاتها أرخص سعرًا، حتى عند احتساب تكلفة النقل بحرًا أو جوًّا أو برًّا إلى الولايات المتحدة، مما قد يؤدي في النهاية إلى زيادة إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. قد تقوِّض النظم الاقتصادية العالمية أي محاولات وطنية لاتخاذ التدابير الصحيحة وخفض انبعاثاتها. قد يكون النهج البديل حينها هو إبرام اتفاقيات عالمية على مستوى القطاعات. على سبيل المثال، يمكن التوصل إلى اتفاق عالمي يحدد كمية الكربون المسموح بانبعاثها لكل طن من الفولاذ أو الخرسانة المُنتجة. عندئذٍ، يمكن لكل الدول الاتفاق على شراء الفولاذ أو الخرسانة المنتجة وفقًا لهذا النهج المنخفض الانبعاثات، مما سيؤدي إلى إرساء نظام تجاري أكثر إنصافًا، حيث لا تتكبد الدول خسائر نتيجة إجراء تغييرات في صناعاتها لخفض انبعاثات غازات الدفيئة. تكمن المشكلة بالطبع في كيفية مراقبة مثل هذا النظام عبر العديد من القطاعات الصناعية المختلفة.

تداول الكربون

دافع العديد من السياسيين عن اعتماد خطط لتداول حقوق إطلاق الكربون سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي. ويُعَد نظام «تحديد سقف الانبعاثات وتداولها» من أكثر الأنظمة نجاحًا حيث يحدد السياسيون سقفًا للانبعاثات، وهو الحد الأقصى المسموح به من التلوث، ثم ينشأ نظام تداول يتيح للصناعات المختلفة تداول حقوق إطلاق الانبعاثات الكربونية. ومن المُسلَّم به أن الصناعات المختلفة قادرة على تقليل انبعاثاتها بمعدلات وتكاليف متفاوتة، لكن هذا النظام يسمح بالتوصُّل إلى النهج الأكثر فعالية من حيث التكلفة. وقد أثبت هذا النوع من الأنظمة نجاحه في الولايات المتحدة بالحد من تلوث الهواء عن طريق تداول حقوق إطلاق انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروز. فقد ألزم قانون الهواء النقي الأمريكي عام ١٩٩٠ شركات المرافق الكهربائية بخفض انبعاثاتها من هذه الملوثات بمقدار ٨,٥ ملايين طن مقارنة بمستويات عام ١٩٨٠. وأشارت التقديرات الأولية في عام ١٩٨٩ إلى أن تكلفة الامتثال لهذا القانون ستبلغ ٧,٤ مليارات دولار أمريكي، في حين أشار تقريرٌ صدر عام ١٩٩٨، مستندًا إلى بيانات الامتثال الفعلية، إلى أن التكلفة كانت أقل من مليار دولار أمريكي.

تغطي برامج وطنية أو إقليمية لتداول الكربون حاليًّا ما يزيد على ١٣٪ من انبعاثات الكربون العالمية. وتشمل هذه الأنظمة برامج في الولايات المتحدة وكندا والصين وكوريا الجنوبية واليابان والبرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا والاتحاد الأوروبي. يُعَد مخطط تداول حقوق إطلاق الانبعاثات التابع للاتحاد الأوروبي هو البرنامج الأكبر والأطول لتبادل حقوق إطلاق الكربون. فهو يغطي أكثر من ١١ ألف منشأة يصل صافي استهلاكها من الطاقة إلى٢٠ ميجا واط، ويشمل قطاعات توليد الكهرباء، إنتاج المعادن الحديدية، صناعة الأسمنت، مصافي تكرير البترول، صناعة اللُّب والورق، صناعة الزجاج. يشمل مخطط تداول حقوق إطلاق الانبعاثات ٣١ دولة من بينها ٢٨ دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى آيسلندا والنرويج وليختنشتاين. كما يشمل هذا المخطط نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي، و٤٠٪ من إجمالي انبعاثاته من غازات الدفيئة. وفقًا لنظام «تحديد سقف الانبعاثات وتداولها»، يُحدَّد سقف الانبعاثات بناءً على إجمالي غازات الدفيئة التي قد تطلقها المنشآت في كل دولة. تُطرَح «حصص الانبعاثات» بعد ذلك في مزاد أو تخصص لجهة أخرى دون مقابل، ويمكن بعد ذلك تداولها. يتعين على المنشآت مراقبة انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون والإبلاغ عنها، مما يضمن تقديم ما يكفي من حصص الانبعاثات إلى السلطات المختصة لتغطية انبعاثاتها. في حال تجاوز الانبعاثات الحد المسموح به وفقًا للحصة المخصصة، يجب على المنشأة شراء حصص إضافية من منشآت أخرى. وعلى العكس، إذا تمكنت المنشأة من خفض انبعاثاتها على نحوٍ فعَّال، يمكنها بيع الرصيد المتبقي من حصتها في إطلاق الانبعاثات. يسمح هذا النظام بالتوصُّل إلى أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة لخفض الانبعاثات دون تدخل كبير من الحكومة. نُظِّم مخطط تداول حقوق إطلاق الانبعاثات على أربع مراحل: ٢٠٠٥–٢٠٠٧، ٢٠٠٨–٢٠١٢، ٢٠١٣–٢٠٢٠، و٢٠٢١–٢٠٣٠. في كل مرحلة، انخفض العدد الإجمالي للأرصدة المتاحة، بينما ارتفع عدد القطاعات والصناعات المساهمة؛ وقد اعتُمد هذا النهج التدريجي لدفع الانبعاثات نحو الانخفاض بأسرع ما يمكن. في عام ٢٠٢٠، قُدِّر أن مخطط تداول حقوق إطلاق الانبعاثات التابع للاتحاد الأوروبي قد ساهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من مليار طن بين عامَي ٢٠٠٨ و٢٠١٦، أي ما يعادل ٣,٨٪ من إجمالي الانبعاثات على مستوى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، تعرض ذلك المخطط لانتقادات بسبب عدم دقة الحدود القصوى للانبعاثات، مما أدى إلى انخفاض كبير في سعر حصص الكربون. في المملكة المتحدة، كان إضافة «حد أدنى لسعر الكربون» أو الحد الأدنى لسعر الكربون الذي حددته الحكومة أمرًا ضروريًّا لإخراج الفحم من مزيج مصادر الطاقة.

مبادرة خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها

إن فكرة تطوير وسيلة لمكافحة إزالة الغابات في إطار مفاوضات تغيُّر المناخِ طُرحَت لأول مرة في الدورة ١١ من مؤتمر الأطراف عام ٢٠٠٥ في مونتريال، وأُطلِق عليها «مبادرة خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها». وجرى الاتفاق مبدئيًّا على برنامج الأمم المتحدة لخفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها في الدورة ١٣ من مؤتمر الأطراف عام ٢٠٠٧ في بالي. ثم أُدخلت تعديلات على البرنامج ليصبح «المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها»، حيث تشير كلمة «المعززة» إلى مجموعة من الضمانات لحماية السكان المحليين، بالإضافة إلى ضمانات لحماية النظام البيئي والتنوُّع الحيوي المحلي. يُنظر إلى مبادرة خفض الانبعاثات أو النسخة المعززة منها على أنها حل مربح للجميع، حيث يمكنه حماية الغابات والأنظمة البيئية، وتعزيز إعادة التشجير، وحماية سكان الغابات وتعويضهم عن فقدان مصادر دخلهم نتيجة استغلال أراضيهم التي خضعت للحراجة. وقبل انطلاق وتمويل أي مشروع ضمن المبادرة المعززة، يجب التثبت منه لضمان تحقيق نتائج مربحة لكل الأطراف.

في الدورة ١٩ من مؤتمر الأطراف المنعقد في عام ٢٠١٣، أخضِعت مبادرة خفض الانبعاثات إلى عملية تطوير أخرى، وجرى الاتفاق على «إطار وارسو للمبادرة المعززة لخفض الانبعاثات»، حيث تضمن كيفية المراقبة والقياس والإبلاغ والتحقق من التغيُّرات في الغابات والاعتمادات المرتبطة بها. وقد استُكملت باقي القرارات المعلَّقة بشأن المبادرة المعززة في الدورة ٢١ من مؤتمر الأطراف في باريس عام ٢٠١٥، بما في ذلك كيفية الإبلاغ عن تدابير الحماية باستخدام أساليب غير قائمة على السوق، وكيفية احتساب المزايا غير المرتبطة بالكربون. وهكذا، بحلول عام ٢٠١٥، اكتمل دليل قواعد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ الخاص بالمبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الأشجار وتدهورها. وقد شُجعت كل الدول على تنفيذ المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات ودعمها، حيث ورد ذلك في المادة ٥ من اتفاق باريس. وكان ذلك جزءًا من مادة أوسع نطاقًا تنص على ضرورة أن تتخذ كل الدول إجراءات لحماية وتعزيز مصارف ومخزونات غازات الدفيئة، مثل الغابات.

fig36
شكل ٧-٤: نِسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل دولة.
في عام ٢٠٠٩، أدى التعنت الأمريكي وتداعيات الأزمة المالية العالمية إلى فشل مفاوضات المناخ في كوبنهاجن في التوصل إلى أي اتفاق بعد بروتوكول كيوتو. واستغرقت إعادة المفاوضات المناخية إلى مسارها الصحيح ست سنوات بالتزامن مع نجاح مؤتمر الأطراف في الدورة ٢١ وتوقيع اتفاق باريس. في عام ٢٠٢٠، تأجل مؤتمر الأطراف في دورته ٢٦ في جلاسكو بسبب جائحة كوفيد-١٩، لكن على عكس الأزمة المالية العالمية، لم تؤدِّ الجائحة العالمية إلى عرقلة مفاوضات المناخ. بل على النقيض، ارتفعت أصواتٌ من شركات ومؤسسات وأفراد في كل أنحاء العالم تنادي بجعل العالم أفضل وأكثر صحة وأمانًا بعد الجائحة. جاء ذلك نتيجة إدراك العالم لإمكانية وجود علاقة مختلفة بين الحكومة والصناعة والمجتمع المدني حيث تُمنح الأولوية للصحة ورفاهية المواطنين على المكاسب الاقتصادية للدول أو لأقلية صغيرة من الأفراد. إن الحديث الجديد عن تحقيق صافي انبعاثات الكربون الصفري عالميًّا بحلول عام ٢٠٥٠ قوي للغاية؛ إذ إنه غيَّر مسار النقاش من مقدار ما يمكننا خفضه من الانبعاثات إلى الموعد الذي نتخلص فيه من انبعاثات الكربون تمامًا. فالتحدي كبير؛ لأن علينا في أقل من ٣٠ عامًا أن ننتقل من إطلاق أكثر من ٤٠ مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا إلى معدل صفري (انظر الشكل ٧-٤). لا يتردد اتفاق باريس في التأكيد على أنه إذا أردنا تحقيق استقرار في تغيُّر المناخ حتى عند مستوى درجتين مئويتين، فإننا نحتاج إلى تحول كامل في توليد الطاقة والصناعة والبنية التحتية وسلوكيات الأفراد حول العالم. إننا نحتاج في الواقع إلى استخدام كل الحلول المتاحة لمواجهة تغيُّر المناخ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥