الفصل الثاني

(ينكشِف السِّتار عن هيئة حديقة، وقصر، وأنوار، وناعورة.)

الجزء الأول

(علي – أنس الجليس)
علي :
للوَردِ عندي محِلُّ
لأنه لا يُمَل
كلُّ الرَّياحينِ جُند
وهو الأميرُ الأجَلُّ
أنس الجليس :
كتبَ الوردُ إلينا
في قراطيسِ الخُدُود
يا بني الإنسِ صِلُوني
قد دَنا وقتُ الوُرودِ
علي : انظُري، يا أنس، هذا البُستان، وهذه الزهورَ المختلفةَ الألوانِ، وهذه المَصابِيح، وهذا الصرحَ المَليح، وهذه المياهَ الهاطلةَ الجاريةَ، وهذه الناعورةَ الشادية الباكية، بدموعٍ كدُموع مهجورٍ، وفِراق حبيبٍ مسحُور.
أنس الجليس : نعم، يا سيدي هذا البُستان، كأنَّه روضة من الجِنان، ولكن دخلناه في هذا الظَّلام، ولم نرَ فيه صاحبًا ولا خدَّامًا، ونخشَى إذا حضَر صاحبه الآن، أن يؤنِّبَنا على الدُّخول بغيرِ استِئذان.
علي : مهما كانَت أخلاقُ صاحبِه رديَّة، فلا أظُن يعامُلنا بغير الإنسانيَّة؛ خصوصًا إذا علم أنَّنا غُرباء، وكان دخولُنا إلى بُستانِه الْتِجَاء، مِن وثبة أسَد، أو غائلٍ ذي رصَد. وحيث قد لاعنا الجُوع، وأنحَلَنا طلبُ الهُجوع، فنَصطاد شيئًا من سمَك هذا النَّهر، نوالي بأكله جزيلَ الحَمدِ والشكر، للعَليم العلام، وبعدها ننَام. خُذي أنت هذه السِّنَّارة واصطادي من هذه العبارة، وأنا أصِيد في هذا المَكان، والرزق على الواحِد المنَّان. ها قد صادَتِ السنارة!
أنس الجليس : وأنا يا ذا النَّضارة، قد صادَت السِّنارَة.
علي : انظُري سمكَتي.
أنس الجليس : هذه يا مولايَ أكبَر.
علي : ما هذا الحظُّ الأوفر؟! اجلسي هجَم الصَّيد.
أنس الجليس : أمرك يا ذا الأَيْد، هذه سمكة ثانيَة.
علي : وأنا سمكتي وافيَة. سبحانَ مسهِّلِ الأرزاق! ارجعي يا ذات الإِشراق. والميَسِّر الحنَّان.
أنس الجليس : سمعًا أيها المُصان، وهذه سمكةٌ ثالثة.
علي : سلمتِ أيَّتها الضابثَة، وأنا قد استكمَلْتُ الثَّلاثة.
أنس الجليس : هذه أعظم إغاثَة، من الكَريم الخلاق، العظيم الرزَّاق. يكفينا، سيِّدي، هذا القَدر.
علي : نعم يا شقيقةَ البَدر، هذا القدْر يكفِي، وللسَّغَب ينفِي، وحيثُ قد حصَل الزَّاد، فاضطجِعي يا أنسُ للرُّقاد، وبعد ذهابِ الوسَن، وحصول راحَة البدَن، نشوي ونأكُل، وبالسُّرور نرفُل، ونحمَد المنعِم، الرزَّاق المطعِم (ينامان).

الجزء الثاني

(علي – أنس الجليس – الشيخ إبراهيم)
الشيخ إبراهيم :
جاءَ الربيعُ وأزهار الرُّبا نفَحَت
والوقتُ قد طابَ والأطيارُ قد صدَحَت
والسُّحبُ قد خزقت أثوابَها طربًا
على الرَّوَابي وأرواحُ الصَّبا فرِحَت
والوَرد قامَ على عَرشٍ له بهِجٍ
وفوقَه ألسُن النُّعمان قد فصحَت
والطيرُ قد غرَّدَت فوق الأَراك وقَد
حَلا النَّسيمُ على الأَغصان فاصطَلحَت
وهذا هو الأَوان، الذي يُشرِّف فيه الخليفةُ هذا البُستان، فيغمُرني بمزيدِ الإحسان، ويُنعِش مني الجَنان. من هذان النائِمان؟
لم يَخلُق الرحمنُ أحسنَ منظرًا
من عاشقَينِ على فراشٍ واحدٍ
متعانقَين عليهما حُللُ الرِّضا
متوسِّدَينِ بمعصَمٍ وبِساعِدِ
من يا تُرى هذا الغلامُ الأغَر، وهذه الغادَةُ الفائقةُ الشمسَ والقمَر؟ هل هُما غريبانِ أتيَا في هذا الظَّلام، وما اهتديَا لدارِ السَّلام، فدخَلا هذا البُستان، وناما فيه إلى الآن؟ فيلزمُ أن أنبِّه هذا الغلامَ، وأميطَ عن أمرِه وأمر غادتِه اللِّثَام، فإن كانا عاشقَينِ أرفُق بهما، وإن كانا غريبَين أحسِنُ إليها.
قُم أيها النَّائم، انتبه يا ابنَ الأكارِم، اصحَ أيها الأكَمل.
علي : سبحانَ من لا يغفَل! من أنت يا ذا الوَقَار؟
الشيخ إبراهيم : لا تجزَعْ يا ابنَ الأخيار، أنا صاحِبُ البُستان.
علي : سلِمتَ أيها المُصان. انهضِي يا أنس الجليس، انتبهي يا ذات الجَمال النَّفيس، اجلسِي يا ريحانةَ الفُؤاد.
أنس الجليس : سبحان من تنزَّه عن الرُّقاد! من هذا الرجُل يا صاحبَ الشَّان؟
علي : هذا، يا أنس، ربُّ البُستان، لا تؤاخذْنا يا حَسَن الأَمْن، على دُخولنا بغير إِذْن؛ لأننا غرباءُ الدَّار، وكان وصولُنا في الاعتِكار، وحيث أنارَ ابنُ ذكاء، فنشكُر فضلك يا ذا الرُّواء، ونسِير بسلامٍ إلى دارِ السَّلام.
الشيخ إبراهيم : هذا يكونُ، يا ذا الرَّونَق، بعدما أستطلِع طَلعكُم المُغلَق، وأعلَم المَنبتةَ بغَير خلب، وإلى أينَ الوجهة والطَّلب؟
علي : أنا يا مولاي منبِتي البصرة، وهذه المذرية ببدر النُّصرة، هي قَينتي ويَنبُوع نَشوتي. وقد لفظَتْنا الدجلة ليلًا أيُّها الواقِي، فاستَولى الفُتورُ على الأعضاء والسِّنَة على المآقي، فأحَلَّنا القدَرُ بستانَك النَّضير، فنودِّعُك الآن ونستأذِنُك في المَسير.
الشيخ إبراهيم : علِمت المنبتة، وما علِمتُ الوِجهة.
علي : الوِجهةُ بغداد للفُكاهَة والنُّزهة، وبعدما نستوفِي في مدِّ المؤجَّل وجزرِه، نرجِع يا سيدي بالسَّلامة إلى البَصرَة.
الشيخ إبراهيم : وما اسمكَ يا فائقَ العَين؟
علي : اسمي عليُّ نور الدين، واسم قَينَتِي أنس الجليس.
الشيخ إبراهيم : هذا أنفَسُ كلِّ نَفيس، لكلِّ منهما من اسمِه نَصيب، مع جمالٍ يفتِنُ لبَّ الأَديب.
علي : حيثُ قد خبَرت الجليَّ والمُبهَم، وغمَرْتَنا بنَيلِك أيُّها الأكرَم، فنودِّعُك يا سيِّدي الآن، ونذهَب إلى دار السلام بأمَان.
الشيخ إبراهيم : سر يا بنيَّ ما لدَيك، فالذَّهابُ الآن بعيدٌ عليك، وقد استَهواني بيانُ لَهجتِك، إلى مسامرتِك ومساجَلتِك، فأرجُوك، يا ذا الاحتِشَام، أن تضيفني بعض أيام، وبعد انقضاء الضِّيافة، ألتزم خدمتَك يا ذا اللَّطافة، إلى أن تَستقصِي بغداد، وتبلُغَ من سياحَتك المُراد، وبعدها إذا أزمعْتَ الشُّخوصَ إلى البَصرة، أودِّعك وفي القَلب ألف حُرقةٍ وحَسرة، قائلًا: «إنا لله، الذي لا يدومُ سِواه.»
علي : أنت يا سيِّدي كُفءٌ لكلِّ نَزيل، وقد أوليتَنا بجميلٍ جَزيل، فيَكفِينا الآن المبيتُ والمعرِفة، وسنزُورك يا كاملَ كلِّ صِفة.
الشيخ إبراهيم : أما قلتُ لكَ: سر ما لديك؟!
علي : نحنُ لا نرغَب التَّثقيلَ عليك.
الشيخ إبراهيم : كلا أيها النبيل! وُجودكما ما فيه تَثقيل، وهو عندي بُرهة عِيد، ونزهَة فؤادِي وحظِّي السَّعيد.
أهلًا عليَّ القَطرِ عطريَّ الشَّذا
ومن الذي سلبَ النُّهى واستَحوَذا
فارقَى لهذا القَصر واغنَمْ فُرصَة
مع غادةٍ تَسبي ولا تَخشَى الأذى
وأنا على ذا البابِ أحرُس سيِّدي
وإذا دعاني الشَّوقُ أفعلُ هكذا
أنس الجليس : يظهَر عليه أنه صاحبُ دُعَابة.
الشيخ إبراهيم : كيف لا، وأنا رَبُّ الصَّبابة، والطُّرَف والخَلاعة، والظَّرف والرِّواية؟! وأحفظُ عجائبَ الأَخبار، وغرائبَ الأثمار، وأَحاسِنَ الأوزان ومحاسِن الألحان، ولي بمعظمِ الفُنونِ إلمام، بل أنا المُقتدَى بها والإِمام.
علي : عنوانُك أيها الكامل، يبرهِن أنَّك عاقِل، والفضائلُ تُحفَظ منك، ولا يُتحفَّظُ في حالة عنك، وحيثُ قد راقنا فهمُك، فأرجُوك أن تُعلِمنا: ما اسمك؟
الشيخ إبراهيم : أنا الشيخُ إبراهيم صاحبُ الفرائد والتَّنظيم، فارْقَيا لهذا القَصر، وسأُريكُما تُحَف الدَّهر. يلزم أن أُحضِر أربابَ الألحان، وأصنَع من المأكُول ألوان، وأقدِّم لهما كلَّ المرغُوب، من أنواع المَشمُوم والمشرُوب (يذهب).

الجزء الثالث

(علي نور الدين – أنس الجليس)
علي : قد كُفينا — يا أنس — شرَّ ابنِ سُليمان، وأوصلَنا اللهُ إلى دار السَّلام بأمَان.
أنس الجليس : إي، وأبيكَ يا قرَّة العينِ، سنشكر مكارمَه بلا مَين؛ ولكن يجبُ أن نختلسَ بُرهة الإقامَة؛ كي لا يحصُلَ له منا سَآمة.
علي : صدقتِ، ولا نضيفه إلا ثلاثةَ أيام، فشرُّ الأضيافِ من سَام.

الجزء الرابع

(علي نور الدين – أنس الجليس – الشيخ إبراهيم – مطربون)
الشيخ إبراهيم : ها، قد جِئتُكم بأربابِ الألحَان.
مطربون (لحن) :
غنِّي لي نوَى وصَبا
بمُعرَب الألحان
إنَّ في النَّوى وصَبا
لصَاحِب الأشجَان
كم ترَى حَماما
قد شدا هُياما
يَشتكِي غَراما
مالَ ذو الهَوى والصَّبا
إلى غُصونِ البَان
هيَّجَتْ جَوَاه صَبا
مرَّت على نعمَان
يا أخِي النَّدَامى
اسقِني المُدَاما
ثم قُل إِلامَا
فاتِني حوَى شَنَبا
في ثَغرِه المُرجَاني
نحوه السوى قرَّبا
وعنه قد أقْصَاني
إن أراد كلاما
زادَني كِلاما
تُورِث السَّقاما
مُهجَتي كوَى وسَبا
لقَلبِي الولهانِ
ليتَه ارعوَى ونبَا
عَن قولِ مَن يَلحَاني
لحظةً إذا ما
فوَّق السِّهَاما
يقتُل الأَناما
كلَّما هوَى طرِبا
وارتاحَ كالنَّشْوان
خلت باللوى قضبا
تهتز كالمرجان
ينثَني قَواما
مالَ واستَقَاما
يُخجِل الثُّماما
خدُّه روَى عجَبا
عن روضِ وردٍ قانِي
صدغُه الْتَوَى وأبَى
أنَّي أكونُ الجَاني
يا شذَا الخُزامى
بلِّغِ السَّلاما
ثم قل إلامَا
سُقْ إلى طوَى نُجُبا
يا سائقَ الأَظعَان
كم شجٍ طوَى كُثُبا
شوقًا إلى الأوطَان
علَّ مُستَهاما
في الغرام هَاما
يبلغُ المَراما

الجزء الخامس

(الحاضرون – هارون الرشيد – جعفر – حجاب)
مطربون (لحن) :
دام مولانا المليكُ الأفضلُ
بالعُلا والإِفتِخار
رأيُه السَّامي سَديدٌ كامِل
بالوفَا والإقْتِدار
بحره جُودٌ مديدٌ للوَرى
جُوده أحيَا الفُؤاد
بيِّنٌ بَينَ الورَى، عالي الذُّرى
فضلُه عَم العِباد
الخليفة : يا شيخُ إبراهيم.
الشيخ إبراهيم : لبَّيك أيها الفَخيم.
الخليفة : من عندكَ في القَصر؟
الشيخ إبراهيم : الصدق — يا جليلَ القَدر — أسلَمُ ملجا وللمَرء منجَى. الذي عندي، يا أميرَ المؤمنين، بعضُ أصحاب التَّلاحين، أحضرتُهم لضيفٍ جاءني من البصرة، ومعه قَينة تفوقُ الشَّمس والزَّهرة.
الخليفة : عليَّ بالضيفِ والقَينة.
الشيخ إبراهيم : أمرك، يا صاحبَ الفِطنة (يذهب).

الجزء السادس

(الحاضرون، ما عدا الشيخ إبراهيم)
الخليفة :
عليكَ بالصِّدق ولو أَنَّه
أحرقكَ الصدقُ بنارِ الوعيد
وابغِ رضَا الله فأغبَى الورَى
من أسخَطَ المولى وأرضَى العَبيد
صِدقُ إبراهيمُ — يا جعفر — يعصِمه أبدًا من الخَطَر، وقد جرَّبْته مِرار، فوجَدته غير مهذار. لا يستعمِل الزَّخرفَة، ولا عنده سَفسَفة؛ ولهذا لا أظُن ختله، وأرغَب قوله وفعلَه.
جعفر : دامَ أميرُ المؤمنين، وقطبُ عترة الأَطهَرين! الناسُ على دين ملوكهم، وسالكون طرائقَ سلوكِهم؛ فإذا صلَحت أخلاقُ الملوك العليَّة، تَنصَلِح بالضَّرورة سائرُ الرَّعية، طائعةً كانت أم كارِهة، وتمرَح في الصَّلاح فارِهة، لا سيَّما أتباعُ الخليفَة، المُتنصبون لخِدمتِه الشَّريفة؛ فإنهم يقتبسُون من خلاله السَّنية، وتنطَبِع في قلوبِهم أنوارُ جلالِه الإرشاديَّة، ويظهَرون بأكمَل صِفَة، منزَّهُون عن الختَل والزَّخرَفة. ومن هذا الشيخُ إبراهيم، قد سلَك السبيلَ المستقيم، وتنزَّهَ بالصِّدق عن المَين والملق، فلا عدِمناكَ، يا ذا الإيناسِ، ودرَّةَ عقد بني العبَّاس.

الجزء السابع

(الحاضرون – علي نور الدين – أنس الجليس – الشيخ إبراهيم)
علي :
لخليفةِ المختارِ أرفَع شَكوَتي
ليقُدَّ أغلالي ويُطفئَ غُلَّتي
فالظُّلم قضَّ دعائمي وأهاضَها
عَمْدًا وأوغَل في استِلاب ذَخِيرتي
فاستأصَل العدوانُ سَيبِيَ بعدما
أحجَمتُ أجمح من حُلول مَنيَّتي
وأتيتُ بابكَ صارِخًا متعلِّقًا
بعُرى الخلافةِ كي أفوزَ بنُصرتي
فادرَأ خُطوبي إنني بكَ لائذٌ
واجلُو بنُورِ العَدل غَيهبَ ظُلمتي
الخليفة : من ظلمكَ يا غُلام؟
علي : ظلمَني يا ذا الإكرام، نائبُك حاكمُ البَصرة، وكبَّدني ألفَ حَسرة.
الخليفة : ولمَ ظلمك ابنُ سليمان؟
علي : أعرِضُ — يا حاسمَ البَغي والعُدوان — أنه أمرَ والدي عبدَك الفضلَ ابنَ خاقان، أن يَشتري له قينةً ذات معارفَ وألحان، فذهَب واشترَى له قينةً غرَّاء، تدع لُبَّ من رآها هَبَاء؛ فلما رأيتُ يا مولاي القينة، أحببتُ أن تكونَ لي قَرينة، فسَألتُ أبي أن يهبَني إيَّاها، ويشترِي للأمير قينةً سِواها، فأجابَ والدي سُؤالي، لكوني وحيدَه وعليه غَالي. وبعدما ملكتُها أيُّها الأفخر، قد بلَغ ابنَ سليمان الخبَرُ، فغضِب على والدِي وعليَّ، وسوَّل له ابن ساوي جعبةَ الغيِّ، أن يقتُلَنا جميعًا أيها المِفضَال، ويَسبيَ عيالَنا والأَطفال، ويحرِق دارَنا العامِرة، وما حوَتْه من النِّعم الفاخِرة. ومذ فَقِهْنا ما نوَى نزَح والدي فانزوَى، وأنا أخذْتُ قينتي والتزَمْت الفِرار، وما نَدرِي بعد فرارِنا ما صَار.
سُلِبنا العزَّ يا ذا المَكرُمات
وقد فتَكَتْ بنا أَيدي العِداة
فمُزِّقْنا وقد صَبَّت علينا
صروفُ الدهر كأسَ النَّائِبات
ولم يفتِكْ بنا غيرُ ابنِ ساوي
قرينُ المُوبقاتِ اللاثِبات
بأمرِ محمَّد ابن الزَّينِ ظلمًا
علينا بكَت عُيون النَّائِحات
أيا ابنَ المهدي غَوثًا وانتصارًا
فقد جُرِّعنا كاسَاتِ الشَّتاتِ
أيَظلِمُنا الزَّمانُ وأنتَ فيه
وجدك في العُلا والصَّالحات
الخليفة : أأنتَ ابنُ الفضل؟
علي : نعم يا معدِن العَدل، واسمي — يا أميرَ المؤمنين — عبدُك علي نور الدين، وهذه يا مولاي هي القَينة التي نائبُك ابن سليمان، قد نكَّبَنا من أجلِها يا سامي الشَّان.
أنس الجليس :
سِرنا لبابِك يا ابنَ مهدِي النَّاس
وخلاصةَ الخُلفا من العبَّاس
لُذْنا بذلٍّ والزمانُ أبو البَلا
أفنَى القلوبَ بفاتكٍ جِرفاس
كي نُكفى عُدوانَ البُغاة وظلمَهم
ونقالُ مما جلَّ عن مِقياس
دهمَتْنا غائلةُ النوائبِ بَغتةً
بسِهام أرزاءٍ تدُكُّ روَاسي
مَن مَوئلي إلَّاك منجًى ومُنقِذ
من وصمةِ المتحرِّد الخنَّاس؟
ارحَم أغِثْ أنجِدْ فقد أذكَت بنا
أيدي النَّوائب جمرةَ المِقباس
الخليفة :
أيكُون عَدلي يجري بالقِسطَاس
وأنا لأَمراض البريَّة آسِي
ويقال: ارحَم أو أغِث مِن ظالمٍ
لا عاشَ إن أغضيتُ عنكُما راسِي
ابقَ، يا عليُّ، ضَيفًا عند الشيخ إبراهيم، وسنُعطيكَ كتابًا لابن سُليمان اللَّئيم. ونأمرُه أن يرجِع أباك لرُتبته، ويعوِّض عليه دارَه وجميع نِعمته. ونعاملُه بعدَها بما يستحِق، إذا كانت شَكواك صدق.
علي : ما تكلمتُ — وحياتك — بغيرِ الصِّدق، وليسَ بموجبٍ أن أنصِبَ له حبالَة الملق، وإذا استطلعتَ من بعضِ أعيان البصرة، تؤكِّد ما لاعَنا من لوعَةٍ وحَسرة، وما حاقَ بنا من الخُسران، من جَور محمد بن سليمان.
الخليفة : سنَستطلِعُ يا ابن الفضل، ونميِّزُ الصدقَ من الخَتل … خذْهُما يا إبراهيمُ الآن، ويهوِّنُها العظيمُ المنان (يذهبون).

الجزء الثامن

(الخليفة – جعفر – حجاب)
الخليفة : أيُمتطَى يا جعفر غاربُ ظلم، أو يُراش أحدٌ من الرَّعية بسَهم. وقد جعلناك لسانَ الدَّولة، ولقمانَ الحِكمة، وقسطاسَ الأعمال، والرئيسَ على العمَّال، ويتجرأ ابن سليمان، على مثل هذا العُدوان؟!
جعفر : أنا — يا مولاي الأريب — لا أستوجِب مَلامًا ولا تأنِيب؛ لأني أفقَه يا ذا الرِّفعة والرُّواء، ما يجِبُ على أُمناء الملوك والخلفاءِ، من الصِّدق والصِّيانة، والنُّصح والأمانة، والسياسة واللسَن، والإدراك الحسَن، وأن يكونَ المؤتَمن أمينًا، وفي كل حال ثابتًا مَتينًا، صدوق النطق، دائرًا مع الحَق، يقظانَ مُراقب، في الخواتيم والعواقب، مقيمًا كل واحد في مقام لا يتعداه، ومنصب معلوم لا يتخطاه؛ حتى تستقيم بذلك أحوال المملكة، وتُصان من الوُقوع في مَهاوِي التَّهلُكة، ويطمئن خاطِر مخدومِه، ويركن إليه في منطوقِ فِعله ومفهومه. ومنذ جعلتَني، يا مولاي، لسان الدولة العباسيَّة، ما فُهت ضدَّها بكلية ولا جزئية، ولا سَمعنا ما يوجِب السُّؤال، والشاهد ذو الجَلال، ومحمد بن سليمان، ما سمِعنا عنه سُوءًا قبل الآن، وشكوَى عليِّ نور الدين، خبرٌ يحتمِلُ الشكَّ واليقين، وبأمرِك سنعطي له كِتاب، ونأمرُه بسُرعة الإياب، ونتبعه سرًّا على الأثَر، وستنجَلي لنا صحةُ الخبر. وبعدها، يا ملجأ الورى، الأمرُ إليك فيما ترَى.
الخليفة : قد أزعجَني — يا جعفر بن سليمان — بما فعَله مع الفَضل من العُدوان؛ فمُرْه بلسان العُنف والغضب، أن يردَّ ما هاضَ وما استَلَب، ويُعيد الفضلَ مبجَّل، ويحضُر إلينا بالعجَل، ومعه ابنُ ساوي، ذو الزَّيغ والمسَاوي.
جعفر : أمرك يا ذا الجَلال، ومعدِنَ الجود والأفضال، وستَغشَاه ندامةُ الفرزدق، إذا كان ظلمُه محقَّق.
الخليفة : وندامةُ عامرِ بن الحارث، حين جَلا الصبحُ ليلة الكارِث. فبدار أيها الوَزير، واكتبْ لهذا الخَتير — كما أمرتُ — كتاب، كصَواعق العَذاب.
جعفر : أمرك أيها الأجَل، وسأكتب إليه بالعجَل.
الجميع (لحن) :
يا هُمامًا سادَ فينا وملَك
ملِك أنتَ مُهابٌ أم ملَك
فازَ من بين الورَى من أمَّلَك
والهَنا بعد العَنا قدَّمَ لَك
فد عفَا المولى فأحيَا العِباد
بحياةٍ وسَلام
ورضِي عنَّا حنانًا وجَاد
عند ما سَاد الأنام
وبه نِلنا المُنى والمراد
وصفَا منا الخِتام
فهو الأكرَم
لما أنعَم
طابَ المَغنم
والمَرام
تم الفصل الثاني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤