مقتل الطفلة سمر عماد الدين١

حول مقتل الطفلة «سمر عماد الدين».

طفلة عمرها ثلاثة عشر عامًا، ضربها أبوها وأمها حتى الموت لرفضها ارتداء الزي الشرعي.

كنت أتوقع أن تقوم الدنيا لهذه الجريمة البشعة، لا تقل بشاعةً عن محاولة قتل المفكرين أو الأدباء مثل «نجيب محفوظ»، أو تكفير الباحثين والعلماء مثل «نصر حامد أبو زيد».

كنت أتوقع أن يندد أصحاب وصاحبات الأقلام بهذا الحادث المؤلم الذي لا يقل إيلامًا عن الحوادث السابقة، أن يهبَّ الجميع من مؤسسات حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة والهيئات المدافعة عن الحرية أو الديمقراطية أو حتى مبدأ الحياة أو عدم الضرب أو عدم الموت!

لا شك أننا جميعًا مشاركون في قتل الطفلة سمر عماد الدين علي يوسف بشكل أو بآخر. هؤلاء الذين صمتوا وتجاهلوا الجريمة، أو هؤلاء الذين غازلوا التيارات المتاجرة بالزي الشرعي أو الدين الإسلامي في حلبة السياسة.

لماذا لم ترتفع الأصوات ضد هذه الجريمة كما ارتفعت ضد غيرها من الجرائم؟ لأن «سمر» طفلة بلا حولٍ ولا قوة، ليس لها حزب سياسي يدافع عنها، ولا تنتمي إلى هيئة أدبية أو علمية أو قوة اجتماعية لها صوت مسموع في البلد!

هل المسألة إذن هي «القدرة» وليس الحق؟ إن مأساة الطفلة «سمر» يجب ألا تمر في صمت. لا بد أن نتوقف عندها لنفكر ماذا نفعل لنحمي هؤلاء الأطفال من بطش الكبار داخل البيت والأسرة وليس فقط من الخارج. على الهيئات الاجتماعية والسياسية أن تبدأ في عمل البرامج وإعادة صياغة المفاهيم الخاصة بتربية الأطفال البنات والبنين وقوانين الأسرة. إن اللذين قتلا الطفلة «سمر» هما أبوها وأمها، وهما متعلمان مهندسان، هذا يدل على أن التعليم الجامعي في بلادنا لا يكفي لتخريج آباء وأمهات يفهمون معنى الأبوة الصحيحة أو الأمومة الصحيحة أو التربية الصحيحة، التي تقوم على الجدل والنقاش وليس الطاعة العمياء، والتي تقوم على الإقناع بالمنطق والعقل وليس بالحبس والضرب والقتل.

أي بشاعة وأي جريمة؟! نحن في حاجة إلى جهود مكثفة لتعليم الآباء والأمهات ما هي أسس التربية الصحيحة. لكن هذه الأسس تحتاج إلى مناخ من الحرية والديمقراطية في جميع مؤسسات المجتمع.

لقد انتهى الزمن الذي كنا ننظر فيه إلى الأطفال كأنما هم بلا عقل وبلا منطق، كأنما هم حيوانات أليفة مدللة بلهاء أو عجماء تساق بالعصا. أثبتت الدراسات الطبية والنفسية الحديثة أن الطفل (منذ السابعة من العمر) يمتلك من القدرات العقلية والنفسية ما يجعله كامل الأهلية والمسئولية.

ابتداءً من السابعة من العمر إذا تربى الطفل أو الطفلة في جوٍّ من الحرية والمسئولية أصبح رجلًا بالغًا أو امرأةً بالغةً تدرك معنى الحرية وعلاقتها بالمسئولية.

إن النهوض بالأطفال هو الأساس الأول للنهوض بالمجتمع، لكن النهوض بالأطفال لا يعني مجرد توفير الخبز لهم أو مقاومة «الجوع» أو الفقر؛ ذلك أن الفقر الفكري عند الأطفال يقود إلى الفقر الفكري عند الكبار. كذلك فإن غياب الحرية والديمقراطية داخل البيوت يقود إلى غيابهما داخل البرلمان.

إن الأطفال في بلادنا هم الأغلبية الساحقة، ومع ذلك فهم بلا قوة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية. وكم من المؤتمرات التي عُقدت تحت اسم النهوض بالطفولة دون أن يحضرها الأطفال أو ممثلون عن الأطفال. وكم من دورات عن ثقافة الطفل لا نسمع فيها إلا صوت الكبار.

لقد آن الأوان لأن يصبح للأطفال صوت مسموع، أن نستمع إليهم، نعرف مشاكلهم من أفواههم هم وليس أفواه الآباء أو الأمهات أو المدرسين أو المدرسات. لماذا لا يكون للأطفال ممثلون في الجمعيات والهيئات الاجتماعية، بل والأحزاب السياسية؟! أليس الطفل إنسانًا؟! أم أن الإنسان هو فقط الرجل البالغ القادر على دخول الصراع الحزبي والانتخابات؟!

١  العربي، ١٧  يوليو  ١٩٩٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤